in

دخلك بتعرف الأصول التاريخية للتفجيرات الانتحارية

أعلنت مجموعة يسارية ماركسية في عام 2013 مسؤوليتها عن تفجير السفارة الأمريكية في العاصمة التركية أنقرة، الأمر الذي ترك الأمريكيين والأتراك على حدٍّ سواء في حيرة من أمرهم، وهذه الحيرة لم تنبع من عدم معرفتنا بمُمارسات حزب التحرر الشعبي الثوري، بل أنها قد جاءت بسبب اعتيادنا على النظر إلى التفجيرات الإنتحارية على أنّها جزء من الإرهاب الإسلامي، أمّا رؤيتها تُطبّق من قبل جماعات أخرى يتحدى واحدة من أكبر الأفكار النمطية في عصرنا الحالي.

إن هذا الربط المُتسرّع بين التفجيرات الإنتحارية والإرهاب الإسلامي ليس صحيحاً في حقيقة الأمر، فصحيحٌ أن التفجيرات الإنتحارية أصبحت شائعة اليوم في الصراعات الدائرة في العالم الإسلامي، لكن لو أخذنا بعين الإعتبار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على سبيل المثال، لوجدنا أن هذه التكتيكات ظهرت ابتداءً من عام 1993 وليس قبل ذلك، كما أنّهُ من الصعب الإشارة إلى المنشأ التاريخي التفجيرات الإنتحارية بدقّة، خاصةً مع عدم امتلاكنا لأيّ تعريف واضح لماهيّة الأسلحة والنوايا التي تؤهل نشاطاً مُسلّحاً ما للحصول على لقب تفجير إنتحاري.

نحنُ نعلم أنّه لا يُمكننا هنا احتساب المُهاجمين الإنتحاريين القُدماء من أمثال جنود طائفة الزيلوت اليهودية التي دعت إلى الثورة المُسلّحة لتحرير اليهود نهائياً من الحكم الروماني في القرن الأول، أو طائفة الحشاشين التي انتشرت في بلاد فارس في القرن العاشر والتي قامت باغتيالات واسعة ضد العديد من الشخصيات المهمة آنذاك، أو الحملات الصليبية التي قام بها أوروبيون بهدف السيطرة على الأراضي المقدّسة كبيت المقدس.

صحيحٌ أن كلّ هؤلاء ذهبوا إلى المعارك متعمّدين قتل أنفسهم إمّا للهرب من الإعدام أو التعذيب، أو على الأقل شاركوا في المعارك وهم على دراية كاملة باحتمال موتهم الكبير، لكن لم تقم أيّ من المجموعات السالفة الذكر بتحويل جنودها إلى أسلحة لا يُمكن استخدامها إلا مُقابل خسارة أرواح حامليها، فيُمكن القول أن الهجمات يُمكن اعتبارها تفجيرات إنتحارية فقط بحال وجود مُتفجّرات ناسفة، لأن هذا فقط ما يسمح للجنود المُهاجمين أن يتحولوا إلى الأسلحة ذاتها.

ومع ذلك يؤمن البعض أنه حتى يستحق الانتحاري هذا اللقب يجب أن يكون مدفوعاً بأيديولوجية راسخة في نفسه وأن يكون عازماً على خلق الذعر والهلع، لكن هذا قد يكون أقرب لتعريف الإرهاب بشكل عام أكثر منهُ تعريفاً للتفجيرات الإنتحارية، أمّا لو عرّفنا المُصطلح ببساطة على أنّه شخص يعمل كأداة توجيه لمُتفجّرات صغيرة وينوي الموت أثناء العملية، فعندها يُمكن القول أن هذه المُمارسات تعود جذورها إلى أواخر القرن الثامن عشر في أوروبا، أو على الأقل إلى الحرب العالمية الثانية.

سفينة حربية خلال الحرب العالمية الثانية
سفينة حربية خلال الحرب العالمية الثانية

المُرشّح الأوّل ليكون أصل كل التفجيرات الإنتحارية قد يكون الفوضوي Anarchist البولندي الذي اغتال القيصر الروسي (ألكسندر الثاني) بشكلٍ علني عام 1881، فلمّا فشل المُقاتل بالاقتراب من القيصر بشكل كافٍ بحيث يستخدم أسلحة قصيرة المدى أو حتى بعيدة المدى قادرة على قتله، قرر على ما يبدو أن يجعل من نفسه كبش الفداء الذي سيحمل قنبلة صغيرة لإتمام مهمّته والتي حقّقت نتائجها المرجوّة بالفعل، لكن طالما أنّنا غير قادرين على التأكد تماماً من أنه كان ينوي الموت حقّاً أثناء قيامه بالعملية، فلا يُمكننا نسب أصل هذه المُمارسات إليه بشكلٍ كامل.

قد يتقبل المُعترضون على اعتبار هذا المُرشّح أول من استحق لقب الإنتحاري ترشيح الطيارين اليابانيين الذين قاموا بهجمات انتحارية ضد سفن الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية أو ما يُعرف بالكاميكازي، حيث استخدم هؤلاء الجنود طائراتهم كمُتفجرات يصدمون بها سفن الحلفاء عمداً بهدف تفجيرها، وكما نعلم فإن هؤلاء الجنود قد أرادوا الموت خلال القيام بالعملية، ممّا يؤهّلهم حتماً للقب الإنتحاريين، كما أصبحت كلمة كاميكازي تدلّ على كل العمليات التي يُضحي فيها مُنفذها بنفسه بشكل طوعي من أجل تحقيقها.

الكاميكازي
الكاميكازي اليابانيين الذين قاموا بهجمات انتحارية ضد سفن الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية – صورة: Alinari Archive/Getty Images

لم يستغرق الأمر أكثر من قرن أو نصف قرن حتى تصل هذه التكتيكات إلى الشرق الأوسط –بغض النظر عن منشأ التفجيرات الإنتحارية– ففي عام 1981 قام أحد أفراد مجموعة شيعية عراقية تعرف باسم حزب الدعوة الإسلامية بقيادة سيارة مُحمّلة بالمُتفجرات صوب السفارة العراقية في العاصمة اللبنانية بيروت كرد فعل على التدابير القاسية المُتّخذة من قبل العراقيين السنّة تجاه أبناء طائفته هناك.

أمّا شخصيات مثل أُسامة بن لادن فلم تبدأ باستخدام التفجيرات الإنتحارية إلا في منتصف وآواخر ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بهدف لفت الأنظار، مما يجعل هذه الممارسات استراتيجية أكثر من كونها تكتيكات حربية.

ورغم كل هذا فإنّ المسلمين لم يكونوا المتصدّرين بالتفجيرات الإنتحارية بل أنّ هذا اللقب المريب يذهب إلى جماعة تعرف باسم ”نمور التاميل“، وهي حركة سريلانكية انفصالية تقاتل ضد الحكومة السريلانكية بهدف الحصول على الاستقلال الذاتي، ورغم أن غالبية أفراد الحركة هندوس، إلّا أن مُمارساتهم لم تكن مدفوعة بأغراض دينية، حيث أنّ الطابع العلماني كان غالباً على المنظمة، وقد تصدّرت هذه الحركة آنذاك بأعداد التفجيرات الإنتحارية حتى بداية الألفية الجديدة.

لقد ألّف المختصّون صفحات كثيرة محاولين فهم لماذا أصبحنا نُفكّر بالتفجيرات الإنتحارية على أنّها مُمارسات إسلامية قطعاً، لكن بدلاً من أن نُفصّل تلك المُحاولات هُنا، نقول أنّهُ في المرة القادمة التي نسمع فيها نبأ تفجير إنتحاري في الأخبار، فقد يكون من المفيد لنا أن نتذكر التاريخ الطويل والحافل لهذه المُمارسات، بدلاً من أن نقع في حيرةٍ من أمرنا عندما نعرف الفاعل.

مقالات إعلانية