in

دخلك بتعرف شبكة الأسلاك غير المرئية تقريباً التي تحيط بكل مدينة كبرى في العالم؟

إرّوف

يجهل أمرَها الكثيرون، إنها خيوط تشبه أسلاك الصنّارة، وهي شبه شفافة ودقيقة تحيط بمئات المدن حول العالم. يتم تثبيتها وتعليقها عاليا بعيدا عن رؤوس السكان وأسطح المنازل، على عواميد الإنارة مثلاً، وبالكاد يمكن رؤية أو مشاهدة هذه الأسلاك كما أنها لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على حياة الملايين الذين يعيشون في هذه المدن التي توجد بها.

وبالنسبة لليهود الملتزمين، فإن هذه الخيوط والأسلاك التي تمتد لعشرات الكيلومترات تمثل حدوداً دينية مهمة جداً، التي تخول المخلصين للدين اليهودي من التمسك بإيمانهم ودينهم.

تمثل هذه الأسلاك والخيوط حدود نطاق ديني شعائري مغلق يطلق عليه اسم الـ(إرّوف)، وهو مصطلح عبري يعني ”المزج“ أو ”الدمج“ وهو عبارة عن اختصار لـEruv Hazerot التي تعني ”مزج النطاقات والملكيات“، وفي هذه الحالة الملكيات والنطاقات الخاصة لمجموعة من السكنات والملكيات اليهودية.

يصبح بإمكان اليهود المتدينين الموجودين داخل هذا ”النطاق“ القيام ببعض الأمور التي لا يمكنهم القيام بها خارج المنزل خلال يوم السبت اليهودي، وتكون هذه الأمور عادة عادية جداً، مثل حمل مفاتيح المنزل، أو حمل الأقمشة، والأدوية، أو دفع عربات الرضّع، غير أنها تعتبر واجبات أساسية لسيرورة الحياة اليومية.

إن اتباع قوانين وقواعد يوم السبت عند اليهود لا يتداخل فقط مع الحياة اليومية، بل إنه يمنع اليهود من أداء واجباتهم الدينية كذلك، مثلما هو الحال عليه بالنسبة للعائلات التي بها أفراد أطفال صغار، حيث يُحرّم على اليهود حمل حتى أبنائهم خارج المنزل في هذا اليوم، كما يحرم عليهم دفع أية عربات، بما في ذلك تلك التي تستخدم لنقل الأطفال، أو ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يسعهم التنقل بدون كرسي مدولب، حيث بدون هذه الحدود –الـ(إرّوف)– يجدون أنفهسم حبيسي المنازل، فلا يمكنهم حتى الذهاب إلى الكنيس —المعبد اليهودي—.

جزء من (إرّوف) يمتد عبر جزيرة (مانهاتن) في نيويورك.
جزء من (إرّوف) يمتد عبر جزيرة (مانهاتن) في نيويورك. صورة: Helayne Seidman/NY Post

لذا يلجأ اليهود إلى تعليق أسلاك حول أحيائهم السكنية من أجل خلق فضاء مغلق، وذلك لأنه وفقاً للقوانين اليهودية، فإن الفضاء المغلق يمكن اعتباره نطاقاً خصوصياً. ضمن هذا النطاق الخصوصي، يصبح بإمكان اليهود الملتزمين حمل بعض الأغراض أو دفع العربات أو الكراسي المدولبة، أو القيام بكل ما لا يسمح لهم يوم السبت القيام به خارج المنازل، وذلك تماماً مثلما لو كانوا في منازلهم.

في الأزمنة القديمة، كانت الـ(إرّوف) تتمثل في الساحات والباحات المغلقة التي تتضمن بداخلها بضعة منازل يهودية والتي يكون من ضمنها أيضاً كنيسٌ. أحيانا يتم اعتبار بعض الحدود المحسوسة مثل الأسوار، وأسيجة الشجيرات، والطرقات حدوداً تغلق منطقة من أرض ما. في السابق كانت هناك الكثير من المجتمعات –وأحيانا مدن كاملة– محاطة بأسوار مغلقة، مما يمكن اليهود الملتزمين القاطنين داخل أسوارها من أداء واجبات يوم السبت خاصتهم، وذلك بما أنهم لم يغادروا أبدا ذلك ”النطاق الخصوصي“.

خريطة لمناطق توزع الـ(إرّوف) حول (بروكلين) في مدينة نيويورك
خريطة لمناطق توزع الـ(إرّوف) حول (بروكلين) في مدينة نيويورك

بينما راحت المجتمعات تزداد نمواً، أصبح من المستحيل احتوائها جميعاً بين أسوار مدينة ما، لذا بدأ اليهود ينصبون الأعمدة من أجل تعليق الأسلاك بينها حتى يغلقون منطقة ما، ذلك أنه بالنسبة لهم، فإن خيطا ما أو سلكاً هو بمثابة حائط أو سور، فيدفعنا هذا للتساؤل أنّى لسلك شبه شفاف أن يكون بمثابة سور؟

حسنا، يكون السور سوراً حتى وإن كانت به عدة بوابات وممرات تخلق مساحات مفتوحة كبيرة، لذا بإمكان اعتبار عمودين يحملان خيطاً بينهما معبراً أو بوابة في ”السور“، ومنه يتحول هذا السور الافتراضي كله إلى عبارة عن سلسلة من المعابر والبوابات.

إن الـ(إرّوف) في كل مكان، من مدينة (ميلبورن) إلى (مانهاتن)، ومن (تورنتو) إلى تل أبيب. يتم تفقدها بصورة منتظمة من أجل السهر على سلامتها. تملك المنظمات التي تؤدي مهام التفقد هذه أو تجري بعض التصليحات سواء خطوط هاتف أو مواقع حيث بإمكان أيٍ كان الاتصال بها وتفقد ما إن كان الـ(إرّوف) في محيط نطاقه الخصوصي سليماً أم لا. يتحمل غالبا الكنيس الموجود في المنطقة تكاليف صيانة الـ(إرّوف) والتكفل به، وفي مدن كبيرة بحجم مدينة نيويورك مثلاً، قد يكلف الأمر مبالغ معتبرة.

خريطة لـ(إرّوف) في (مانهاتن) في نيويورك.
خريطة لـ(إرّوف) في (مانهاتن) في نيويورك.

أحاطت الكثير من أشكال الجدل بتعليق أسلاك الـ(إرّوف) هذه واعتبارها حدودا محسوسة في يوم السبت اليهودي، حيث يتعين في الزمن الحاضر على المجتمعات اليهودية أن تطلب الإذن والترخيص من البلديات أو المجالس المحلية قبل وضع شبكة الـ(إرّوف) خاصتها. أحياناً تقابل هذه الطلبات بالرفض.

وحتى ضمن مجتمع محافظ من اليهود، هناك بعض الأصوات التي تقر بسخافة هذه الأسلاك، كما أنه يوجد هناك من يعتبرها ثغرات ابتدعها الأحبار من أجل التحايل على ما حُرّم عليهم في يوم السبت، مشككين في شرعية هذه الحدود الشكلية.

خريطة (إرّوف) في أمستردام.
خريطة (إرّوف) في أمستردام.
قسم من (إرّوف) مانهاتن في نيويورك.
قسم من (إرّوف) مانهاتن في نيويورك. صورة: Helayne Seidman/NY Post
سلك (إرّوف) في شارع (فونتورا) في مدينة (لوس أنجلوس).
سلك (إرّوف) في شارع (فونتورا) في مدينة (لوس أنجلوس). صورة: waltarrrrr/Flickr
سلك لـ(إرّوف) المجتمع اليهودي في (لوس أنجلوس) الذي يمر عبر عمود.
سلك لـ(إرّوف) المجتمع اليهودي في (لوس أنجلوس) الذي يمر عبر عمود. صورة: waltarrrrr/Flickr
سلك (إرّوف) مرئي مع خلفية السماء الزرقاء في ساحة (لينكون) في مدينة نيويورك.
سلك (إرّوف) مرئي مع خلفية السماء الزرقاء في ساحة (لينكون) في مدينة نيويورك. صورة: Billie Grace Ward/Flickr
رجل يوصل سلكاً بعمود إنارة حتى ينشئ (إرّوف) في (مالدن) بـ(ماساتشوستس).
رجل يوصل سلكاً بعمود إنارة حتى ينشئ (إرّوف) في (مالدن) بـ(ماساتشوستس). صورة: Wendy Maeda/Globe Staff
سلك (إرّوف) بلاستيكي يمر عبر أحد أحياء (مالدن) السكنية في (ماساتشوستس).
سلك (إرّوف) بلاستيكي يمر عبر أحد أحياء (مالدن) السكنية في (ماساتشوستس). صورة: Wendy Maeda/Globe Staff
سلك (إرّوف) في مدينة نيويورك.
سلك (إرّوف) في مدينة نيويورك. صورة: cuboctahedron/Flickr

مقالات إعلانية