in

دخلك بتعرف الزلزال الذي ضرب سوريا في سنة 1202

عندما نسمع كلمة ”زلزال“ غالباً ما يذهب بنا التفكير إلى اليابان أو إندونيسيا أو غرب أميركا، ولكن بعد قراءة المقال التالي ستفكر مجدداً في المرة التالية.

«صدع البحر الميت»

في البداية إليكم هذا الشرح المختصر والمبسط لآلية حدوث الزلازل، هناك أسباب عديدة للزلازل منها الطبيعي ومنها الناجم عن النشاط البشري، ولكن الزلازل المدمرة التي تكون شدتها أكبر من 6 درجات على مقياس رختر هي غالباً ما تكون ناجمة عن مصادر تكتونية.

كما نعلم؛ فإن القشرة الأرضية مكونة من صفائح قارية منفصلة تتحرك باتجاهات مستقلة عن بعضها، فتتلاقى أحياناً وتتباعد في أحيان أخرى، هذه الحركة البطيئة للصفائح تحدث تراكماً هائلاً للطاقة عند مناطق اتصالها ببعضها والتي تسمى «الصدوع»، تتحرر هذه الطاقة حين تزيد عن قدرة الصخور عن تحملها فيحدث تمزق للصخور على طول الصدع، ويترافق ذلك باهتزاز أرضي أو ما نسميه بالزلزال، اليابان على سبيل المثال، تقع على صدع قاري بين الصفيحة الأوروآسيوية وصفيحة المحيط الهادئ، وهو صدع نشط زلزالياً، ما يعني أن اليابان معرضة للزلازل العنيفة وفي أوقات متقاربة، ولكن ماذا عنا نحن في المنطقة العربية؟

للأسف فإن المنطقة العربية غير محظوظة في كثير من الأشياء، ومن بينها «صدع البحر الميت» Dead Sea Fault، الذي يفصل بين الصفيحة العربية والصفيحة الأفريقية، ممتداً من خليج العقبة جنوباً صعوداً إلى أنطاكيا في تركيا شمالاً مروراً بالأردن وفلسطين ولبنان وسوريا، ويتشعب إلى عدة صدوع فرعية، كصدع سرغايا ومصياف واليمونة وسهل الغاب.

«صدع البحر الميت»
«صدع البحر الميت»

السؤال الذي قد يراودك الآن: ما مدى خطورة هذا الصدع وهل من الممكن أن تحدث بسببه زلازل بشدة تلك التي تحدث في اليابان؟

في الحقيقة هذا يعتمد على عدد من العوامل كطول الصدع ومقدار الطاقة المتحررة منه، مع الزمن ونشاطه الزلزالي التاريخي، وهذه الأخيرة لا تبشر بخير، إليكم أحد الزلازل المدمرة الذي حدث في تاريخ هذا الصدع:

زلزال سوريا عام 1202 ميلادي:

حدث هذا الزلزال كما ذكرنا سابقاً على صدع البحر الميت وهو لم يكن زلزالاً منفرداً، بل تشير المصادر التاريخية إلى أن ما حدث كان عبارة عن سلسلة من الهزات الأرضية المتتالية بين عامي 1201 و1202، لا يمكن أن نجزم إن كانت هذه الأحداث الزلزالية مستقلة أم أنها كانت هزات ارتدادية ناتجة عن زلزال رئيسي، ولكن يشير أحد المصادر إلى أن هذه السلسة مكونة من زلزالين رئيسيين حدثا في منطقتين مختلفتين على طول الصدع، الأول في فجر يوم 6 يونيو عام 1201 بقدر الموجة السطحي حجمه 7.5، والثاني في يوم 20 مايو عام 1202 بقدر الموجة السطحي حجمه 6.8.

تم الاستدلال على هذا الزلزال في زمننا المعاصر من خلال دراسة الرسوبيات في صدع اليمّونة الذي يشكل الحد الشرقي لسهل البقاع، حيث وجد الباحثون أدلة على وجود حركة على طول الصدع يرجع تاريخها إلى فترة حدوث الزلزال، كما توجد أدلة أخرى على قوة الزلزال التدميرية كتصدع جدران حصن جسر بنات يعقوب، وحدوث انزياح في القنوات المائية التاريخية في وادي بيت صيدا.

هذا الزلزال كان عنيفاً لدرجة أن الناس شعروا به من صقلية غرباً إلى شمال إيران شرقاً، ومن القسطنطينية في الشمال إلى أسوان في الجنوب.

وكانت المناطق المتأثرة بالزلزال على الترتيب التالي بحسب شدة التدمير: لبنان، وشمال فلسطين، وغرب سوريا، والقدس، والأردن، وجنوب تركيا. حتى أن آثاره التدميرية وصلت إلى أرمينيا وشرقي الأناضول شمالاً، وإلى العراق وإيران شرقاً، ومصر جنوباً.

أكبر الأضرار المسجلة كانت في مناطق: جبل لبنان، وصور، وعكا، وبعلبك، وبيت جن، والسميرة، ونابلس، وبانياس، ودمشق، وحوران، وطرابلس، وحماة.

تذكر المراجع العربية أن عدد الضحايا بلغ 1٫100٫000 حالة وفاة، لكن هذا الرقم يشمل جميع الوفيات في السنة المرافقة للزلزال، بما في ذلك الوفيات الناجمة عن المجاعة والأوبئة المرتبطة بفيضان النيل في تلك السنة، وهو رقم مبالغ فيه بالنسبة لزلزال بهذه الشدّة، كما تم إجراء تقدير أكثر واقعية عبر تحليل السجلات المعاصرة وصل إلى أن ضحايا الزلزال بلغ حوالي 30٫000 ضحية، وهذا رقم منطقي باعتبار أن الزلزال قد حدث في وقت الفجر بينما كان الناس نياماً ولم يقدروا على الشعور بالهزات السابقة له.

ولكن هذا ليس الزلزال الوحيد الذي حدث في المنطقة، فقد حدثت العديد من الحوادث الزلزالية المدمرة فيها عبر التاريخ المسجل، والتي قد يكون أعنفها زلزال حلب عام 1138 الذي يصنف من بين أعنف الزلازل في التاريخ بقدر زلزالي يعادل 8.5، وكان آخر زلزال مدمر على هذا الصدع في عام 1872.

كما أن محطات الرصد الزلزالي التابعة لهيئة الطاقة الذرية السورية تسجل على الدوام هزات أرضية غير محسوسة بشدات ضعيفة أقل من 4 درجات قليل، منها ما يزيد عن ذلك فيشعر به بعض الناس في حالات خاصة، ما يعني أن صدع البحر الميت هو صدع نشط، وأن تكرار حدوث الزلازل المدمرة في المنطقة هو احتمال قائم، ومع غياب أنظمة العزل الزلزالي في المباني أو اتخاذ الاحتياطات الإنشائية لمقاومة الزلازل فقد تكون هناك كارثة بانتظارنا.

مقالات إعلانية