in

اكتشاف جزيء في الدم يجذب الكائنات المفترسة إليه، ويجعل البشر ينفرون منه

مجموعة من الذئاب الرمادية

توجد رائحة كيميائية في الدم المسفوك تعجز عن مقاومتها الأنواع المفترسة من الحيوانات، التي تتوق للقتل، إلا أنها تحفز رد فعل مغاير تماما لدى الحيوانات التي تجد نفسها في معظم الأحيان طريدة أو فريسة.

وجد الباحثون بأن الـE2D، وهو مركب جزيئي في دم الحيوانات، فعال وله نفس تأثير الدم الحقيقي فيما يخص جذب الذئاب والنمور والكلاب المتوحشة، إلا أنه يحفز رد فعل نقيض لدى الأنواع ”الطريدة“، التي قد تربطه لاشعوريا بالخطر والموت، وليس بـ”الغذاء“.

بينما تطلق مختلف الروائح عددا من الإشارات الكيميائية بالنسبة لمختلف الأنواع، فإن الباحثين وجدوا بأن الـE2D يتميز ويتفرد وحده بأن يحفز استجابات سلوكية مميزة عند حيوانات مختلفة.

يقول مختص علم النفس (أرتين أرشاميان) في جامعة (رادبود) في هولندا: ”إن هذه الاكتشافات فريدة من نوعها، ذلك أنها الاستعراض والدليل الأول على أن مركبا كيميائيا واحدا من شأنه أن يحدث كلا من ردتي الفعل الثنائيتين المتناقضتين سواء بتحفيز الاقتراب، أو النفور لدى الكائنات المفترسة وفرائسها“، ويضيف: ”وبشكل أخص، ومما يثير الاهتمام أكثر، هو أنه الإشارة الكيميائية الوحيدة التي تؤثر في كل من الكائنات البشرية وغير البشرية معا“.

ماهو هذا المركب وماهو تأثيره؟

يتشكل الـE2D والمعروف كذلك بـtrans-4,5-Epoxy-(E)-2-decenal، عندما تتهدم الدهون في الدم من جراء التعرض للهواء، فبدون جراح مفتوحة لا وجود أبدا لمركب الـE2D.

تم اكتشاف هذا الجزيء أول مرة من طرف باحثين في سنة 2014، الذين عزلوه من دم يعود إلى خنزير ثم اختبروا جاذبيته الشمية على ثلاثة أنواع من الكلاب البرية وبعض النمور السيبيرية.

باختصار، بدا أن تلك المفترسات وكأنها لم تكتف من العينات الخشبية التي تم طلاؤها بالـE2D ورائحته، حيث أنها ظلت تشتم، وتلعق، وتعض وتخدش بمخالبها نفس العينات، كما لاحظ طاقم الفريق نفس السلوكات عند نفس الحيوانات عندما تعلق الأمر بدم حقيقي، والذي استعمل في نفس التجربة.

في هذه الدراسة الحديثة، أراد الفريق معرفة التأثير الفعلي للـE2D على الكائننات الأقل تعطشا للدماء.

يقول الباحث البيولوجي (يوهان لوندستروم) في معهد (كارولينسكا) في السويد لوكالة الأنباء الفرنسية AFP: ”لقد افترضنا بأن الأنواع ”الطريدة“ قد تتطور وتصبح لها تحت الضغط التطوري نوع من الحساسية تجاه مركب الـE2D“، ويضيف: ”قد يكون هذا التطور وهذه الحساسية من أجل مساعدة هذه الطرائد على تجنب منطقة، يكون قد حصل فيها أو يحصل حمام دم“.

وهذا هو ما أشارت إليه النتائج في تلك الأبحاث تماما، ففي دراسات حديثة، وجد الباحثون أن الـE2D كان يجذب الذئاب وكذا الحشرات التي تمتص الدماء، إلا أن هؤلاء الباحثين عندما عرّضوا الفئران لهذه المادة، فإن هذه الحيوانات الصغيرة اتخذت سلوكا مغايرا وحاولت تجنب المركب الكيميائي على قدر المستطاع، تماما مثلما تفعل مع الدم الحقيقي.

لدى البشر، وجدت تجربة تم إجراؤها على أربعين متطوعا بأن هؤلاء كانوا ينحنون بشكل خفيف نحو الخلف عند تعريضهم للـE2D، وهي حركة تراجع يترجمها الباحثون على أنها علامة نفور من الرائحة، كما أن الأمر لم يستغرق الرائحة كثيرا حتى تطلق رد فعل سلبي.

يقول أحد أفراد فريق البحث وهو خبير علم الحيوانات (ماتياس لاسكا) في جامعة (لينكوبينغ) في السويد: ”لدى البشر القابلية على تقفي ورصد عنصر الـE2D وذلك على تركيز قد يكون أقل من جزء في التريليون“، ويضيف: ”وهذا أمر جديد وغير شائع تماما، فبالنسبة لمعظم الروائح التي تم اختبارها لدى الإنسان فإن عتبة الرصد والتقفي كانت في مدى أجزاء في المليون، وأجزاء في المليار“.

بالطبع، فإن واحدا من أكبر الاختلافات بين البشر والأجناس الطريدة والفرائس مثل الفئران، هو أننا نحن ”البشر“ خطيرون جدا هذه الأيام، فنصطاد ونقتل تقريبا كل شيء يتحرك سوانا.

لكن الأمر لم يكن كذلك في معظم الأوقات، فإن استجابتنا ورصدنا لهذه الرائحة بالذات التي كان ينقلها الهواء والرياح في الماضي البعيد، والتي كان عنصر الـE2D يشير فيها إلى احتمال الخطر والتهديد، فإن الأمر كان يعني أنه قد ينتهي بنا المطاف على لائحة الطعام إن لم نقم بإخلاء المنطقة في أسرع وقت ممكن.

يشرح (لوندستروم) هذا الأمر في تصريح صحفي له: ”تتناسب نتائج أبحاثنا الأخيرة هذه والبيانات الأحفورية التطورية التي تظهر بأن أقربائنا الأولين كانوا من آكلي الحشرات ذوي الأجسام صغيرة الحجم“، ويضيف: ”لا يوجد هناك شك في أن البشر هم كائنات مفترسة انتهازية، لكننا قد نكون تطورنا من كائنات كانت فرائسا في الماضي، حيث أن بعضا من جوانب هذه المميزات مازال قائما إلى يومنا هذا“.

تم نشر نتائج واكتشافات هذه الدراسة في مجلة (التقارير العلمية) Scientific Reports.

مقالات إعلانية