in

دخلك بتعرف رواية ”الساعة الخامسة والعشرون“؟

الساعة الخامسة والعشرون

بالرغم من فظاعة أحداث الحرب العالمية الثانية، بقيَ الجانب الإنساني منها بالنسبة إلينا محط غموض كبير، فقد إستطاعت الدول المتصارعة في هذه الحرب تجاوزها تماماً، فلم يكتفوا بطوي صفحتها فحسب، بل قاموا بنزعها تماماً من كتب التّاريخ.

فلم يصلنا سوى أعداد للقتلى والجرحى والمفقودين، وحادثة إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما ونغازاكي، إضافةً إلى محارق اليهود والتي ما تزال محط جدال كبير.

وهنا تأتي رواية ”السّاعة الخامسة والعشرون“ للكاتب الروماني قسطنطين جورجيو الذي ولد في 15 أيلول عام 1916، ودرس الفلسفة واللاهوت في جامعتي بوخارست وهيدلبرج.

الساعة الخامسة والعشرون

وقد كان لهذين المجالين الأثر الكبير في هذه الرواية، كما أن عدداً من أحداث الرواية قد حدثت فعلاً مع الكاتب وزوجته، مما جعل الكاتب يذكر وقائعا أشبه ما تكون بكوابيس متلاحقة ولكن بصدق مصحوب بسلاسة الكلمات.

إضافةً إلى تطرق الكاتب الملفت إلى وضع الإنسان الغربي في هذه المرحلة، وتأثره بالآلة بدلاً من تأثيره بها، فقد أصبح قريباً من طبيعتها مشابهاً لها، مبتعداً عن طبيعته البشرية، فقد أصبح قريباً إلى متوحش لكن مع روح الحداثة والتطور والأرقام، بحيث جعل من العلم مطيةً لتبرير هذه الوحشية.

تبدأ أحداث هذه الرواية مع أيوهان موريتز والذي أستقر وتزوج من عشيقته بعد تعرضه لصعوبات وملاحقات من والدها وذلك بمساعدة كل من الكاهن ألكسندرو كوروغا وولده الكاتب تريان.

ولكن نتيجة لتقرير مقصود من رئيس الدرك، يتم سوقه إلى معسكرات عمل اليهود، علماً بأنه ليس يهودياً. وهنا تبدأ رحلة المعاناة الإنسانية بصورها واضحةً، سواءً من ناحية الحاجيات الفسيولوجية للإنسان كالطعام والجنس والتوازن، وحاجات الأمان والسّلامة الجسدية وصولاً للحاجات المعنوية.

بعدها يقوم أيوهان بالهرب مع مجموعة من رفاقه اليهود إلى هنغاريا، وهناك يتخلى عنه رفاقه، لتعيده الظروف إلى معسكرات العمل الهنغارية وبعدها إلى معسكرات العمل الألمانية ومن ثم معسكرات الحلفاء.

وهنا تتجلى عبقرية الكاتب، فهذه الرواية ليست متحيزة لأي طرف من أطراف الحرب العالمية، فالجميع بشكل أو بآخر كان مذنباً، سواءً أكان النازيون أو البلشفيون، وحتى الحلفاء رواد الحرية أنفسهم.

حيث يظهر هذا الأمر بوضوح مع البطل الثاني للرواية تريان كورغا وزوجته نورا اليهودية، فعلى الرغم من قطعهم مئات الكيلومترات إبان الهزيمة الألمانية، وبالرغم من أنهما من أنصار قضية الحلفاء، إلا أن جواز سفرهما الروماني، وبأعتبار رومانيا دولة معادية، جعلهم عرضةً للسجن في معسكرات الحلفاء، حتى انتهى الأمر بتريان إلى الإكتئاب فالإنتحار.

لقد أراد الكاتب من هذه الرواية لفت النظر إلى أن الانتصار العسكري لا يعني بالضرورة انتصار القيم والأخلاق والمبادئ، ويوضح ذلك من خلال الحوار الذي جرى بين المحقق والقس كورغا والد تريان والذي كان مسجونا هو الآخر مع ابنه في معسكرات الحلفاء، عندما يسأله الأول:

”هل سررت إذن لإن الحلفاء ربحوا الحرب؟“ فيجيب الكاهن:

”ليس سروراً زائداً، إن أي نصر يحصل عليه بواسطة السّلاح لا يمكن أن يدخل السرور إلى نفسي.“

إن رواية ”السّاعة الخامسة والعشرون“ هي تجلي واضح للصراع بين الإنسانية والبربرية، إضافةً إلى الصراع بين المادة والبشرية.
هي رواية يجب أن تقرأ، لما تحمل من قيم ومبادئ يفتقر إليها الإنسان الحديث والذي أراد من نفسه حراً متمدناً، فتحول إلى عبد لمفاهيم وماديات جعلت منه كائناً متوحشاً.

مقالات إعلانية