in

دخلك بتعرف متلازمة باريس: المرض النفسي الذي تسببه مدينة باريس لزوارها

متلازمة باريس

قد تكون مدينة الأنوار مخيبة للآمال للحد الذي يدفع البعض للجنون.

غالباً، عندما يزور السياح فرنسا يتوجهون نحو العاصمة الفرنسية (باريس) بعدما شاهدوا صورها لآلاف المرات في الأفلام الهوليودية، واللوحات الانطباعية، والإعلانات التي تحتوي نساء يرتدين ملابس أنيقة ويقدن الدراجات.

تكون الصدمة عندما ينزل السياح من الطائرة متوقعين أن يروا المثقفين الأنيقين مثل (سارتر)، وملابس من (شانيل)، وسجائر فاخرة، لينصدموا بالكتابات على الجدران، وسائق تاكسي فظ، وأطفال مشردين. بالنسبة للبعض هذا الاختلاف قد يكون صادما ويسبب لهم ما يعرف بـ”متلازمة باريس“.

لم يتم تسجيل بلاغ عن هذه الظاهرة إلا في العاصمة الفرنسية، وغالباً ما تظهر لدى السياح اليابانيين.

تظهر المتلازمة على شكل كآبة، وأحيانا قليلة دوخة وتعرق وزيادة معدل ضربات القلب، والذهان، والهلوسة، وتبدد الشخصية وأوهام عن الاضطهاد. إنها مثال حي على الصدمة الثقافية.

هذا بالتأكيد مثير للاهتمام، ولكن هل هناك أية حقيقة وراء ذلك؟

برج ايفل ليلا
قد تكون باريس مخيبة للآمال للحد الذي يدفع البعض للجنون. – صورة: zilverbat./Flickr

تصدرت متلازمة باريس سابقا العديد من العناوين الرئيسية وكانت أحد مواضيع الدراسة في مجلة الطب النفسي الفرنسية (نيرفور) في عام 2004 تحت إشراف البروفيسور (هيرواكي أوتا)، وهو طبيب نفسي ياباني يعمل في فرنسا، وبين عامي 1988 و2004، كشفت الدراسة أن ”63 مريضًا يابانيا تم نقلهم إلى المستشفى، ولا يزالون في حالة صعبة بسبب هذه المتلازمة.“

وذهب الباحثون إلى تقرير العوامل التي يعتقدون أنها وراء هذا السيناريو غير الاعتيادي، وببساطة، من المرجح أن الإرهاق من الرحلات الطويلة، والإفراط في العمل على تفاصيل الرحلة قد يسبب الإجهاد للزائرين، يمكن أن تكون البيئة الجديدة وغير المعروفة أيضا بمثابة إجهاد، وكما ذكر سابقاً، فإنه من الممكن ربط الحالة مع خيبة الأمل ومشاعر عدم الرضا الناتجة.

يمكن أن تبدو باريس في يوم ممطر مختلفة كثيرا عما عرض في فيلم (أميلي)، وليست مليئة بالغناء والموسيقى، إضافة إلى ذلك، فإن حاجز اللغة والاختلاف الثقافي يمكن أن يجعل الزوار يشعرون بعزلة وحيرة.

قال الدكتور (نيكولاس جيرارد)؛ عالم النفس في جامعة (إسكس) في المملكة المتحدة، الذي أجرى بحوثا عديدة حول الصدمة الثقافية بين الطلاب الذين يدرسون خارج بلادهم: ”…وفيما يتعلق بمتلازمة باريس، من الواضح أن بعض الناس الذين سافروا لمسافات طويلة قد لا يتعاملون بشكل جيد مع السفر نفسه، والتغيير في البيئة الثقافية والاجتماعية والمادية“، وقال أيضاً: ”ليس من المستحيل أن تكون هذه الظاهرة بداية لاضطراب عقلي كامن لم يكشف عنه سابقا.“

غير أنه شدد على: ”إن هناك فارقا هاما، إننى متشكك فى أن السفر سيسبب أي اضطراب عقلي، ولكني أعتقد أن السفر قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لهؤلاء الأفراد القلائل الذين عانوا من متلازمة باريس.“

فلماذا حصلت باريس على هذه السمعة السيئة بالتحديد؟ ربما يرجع ذلك إلى أن العاصمة الفرنسية غالبا ما تظهر على أنها رمز للرومانسية ومركز ذهبي للثقافة الأوروبية، أو ربما لأن المدينة تملك طابع المدينة الغربية النموذجية: ”سريعة، وباردة، ورمادية، وغير شخصية، ومستقلة، وجاذبة للسياح“، ولذلك فإن الصدامات والتوقعات الثقافية تتزايد بشكل خاص في باريس.

ميترو باريس
انتظار الميترو في باريس – صورة: Magdalena Roeseler/Flickr

بالنسبة لهؤلاء السياح اليابانيين فإن باريس ذات أهمية، ربما لأن اليابان وفرنسا بلدان مختلفان كثيرا ثقافياً، إضافة إلى ذلك هناك الكثير من الأدلة على أن التكيف في الخارج يصبح أصعب عندما تطول المسافة الثقافية بين البلدين.

ومن المؤكد أن الصراع الثقافي يمكن أن يكون قاسيا بشكل خاص على السياح اليابانيين في باريس، ولكن العدد المنخفض نسبيا من حالات متلازمة باريس قد أكد مجددا أن هذا ليس اضطرابا عقليا يصيب بشكل عشوائي السياح من المكتئبين، فباريس ببساطة تحمل بعض الضغوطات لأولئك المعرضين لمشاكل الصحة العقلية.

على الرغم من الأخبار الشائعة، يبدو أن السياح اليابانيين لا يعانون من مشاكل صحية نفسية أكثر بكثير من باقي الجنسيات الأخرى التي يسافر أصحابها إلى الجانب الآخر من العالم، ومع ذلك، فإن الإحصائيات الرسمية حول هذه المسألة قليلة ومتفرقة.

على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن دائرة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة تنفق الملايين كل عام على الزوار الأجانب الذين يعانون من انهيارات عصبية خلال عطلهم، وقد وثقت دراسة (هيرواكي أوتا) أن 63 شخصا فقط سجلوا على أنهم يعانون من هذه الأعراض غير الواضحة خلال الـ16 عاما الماضية، كما كان العديد منهم يعانون من صراعات نفسية سابقة، وبالنظر إلى 600 ألف سائح ياباني يزورون باريس كل عام، فإن الأرقام ليست كبيرة على الإطلاق.

هناك أيضا عنصر التحيز التأكيدي وراء هذه الظاهرة، وخصوصا عندما تنقل وسائل الإعلام ذلك، وهذا هو التحيز المعرفي حيث نميل إلى تفسير -أو تجاهل- المعلومات بطريقة تؤكد المعتقدات الموجودة لدينا.

بالطبع، من المهم أن تتذكر أن السفر ليس سيئا بالنسبة لك -بل العكس تماما- وبصرف النظر عن الذعر من جوازات السفر المفقودة، والخيارات السيئة للفنادق، والخطط التي يمكن أن لا تسري كما كان مخططا لها، فإن السفر لديه القدرة على توسيع العقل وتغيير الطريقة التي تفهم بها العالم، كما قال (مارك تواين): ”السفر مهلك للمتعصب الأعمى وضيق الأفق، وكثير من شعبنا في حاجة ماسة إليه؛ لا يمكن الحصول على آراء واسعة، وصحية، وجيدة من مكان واحد على الأرض.“

مقالات إعلانية