in

دخلك بتعرف (جون واين غايسي): المهرج القاتل الحقيقي

(جون واين غايسي)
الصورة على اليمين: وجه (جون واين غايسي) مأخوذة من ملف سجلّه الإجرامي، والصورة على اليسار: زي المهرج الذي كان يرتديه (غايسي) متقمصاً شخصية (المهرج بوجو).

قتل (جون واين غايسي) المعروف بـ(المهرج بوجو) 33 شخصاً، يذكره التاريخ كأكثر القتلة المتسلسلين إثارة للرعب في أميركا.

في صباح يوم الثاني من شهر كانون الأول عام 1972، استيقظ الشاب المراهق (تيموثي مككوي) Timothy McCoy باكراً ليُعدّ وجبة الإفطار للشخص الذي استضافه في بيته أثناء رحلته إلى (ميشغن) ليلاً وهو (جون واين غايسي)، تعبيراً عن امتنانه لكرم الاستضافة التي حظي بها عنده، على كل حال أعدّ (تيموثي) البيض ولحم الخنزير ووضعه على الطاولة وصعد للأعلى ليوقظ (غايسي)، ولكنه لم ينتبه لكونه مازال يحمل السكين الذي قطّع به اللحم، الأمر الذي سيحصل لاحقاً سيغير حياة (غايسي) للأبد.

لم يدرك (غايسي) بأن (تيموثي) لم يكن ينوي إيذاءه، مما دفعه للانقضاض عليه بمجرد أن رأى سكيناً في يده دفاعاً عن نفسه، طاعناً إياه عدة طعنات أدت إلى مقتله، بعدها قام بدفن جثته في القبو أسفل منزله في (شيكاغو)، وغطى القبر بالإسمنت مُخفياً أي أثر لوجوده.

ستَنضمُّ لجثة (تيموثي مككوي) 28 جثة أخرى في السنوات الست التالية، كلهم ضحايا نزعة (غايسي) الإجرامية وميله لقتل المراهقين دون غيرهم.

أولئك الذين عرفوا (غايسي) لم يكونوا ليتوقعوا كونه قاتلاً محترفاً، كل من سبق وأن قابله وصفه بالشخص اللطيف حسن الأخلاق والمحبوب، أمضى هذا الشخص أغلب عمره يعمل في خدمة الزبائن، وأدار ثلاث وكالات KFC تعود ملكيتها لوالد زوجته، ليبدأ بعدها عمله في شؤون البناء.

يذكره زبائنه إنساناً لطيفاً وكريماً ويحب مساعدة الناس، حيث كان يوظف المراهقين المحتاجين للمال الذين يعيشون في نفس منطقته، والذين ساهموا في رفع قيمته التجارية في السوق بفضل نشاطهم الدؤوب، حتى أنه كان يملأ وقت فراغه بالذهاب إلى حفلات أعياد ميلاد الأولاد متنكراً بزي المهرج المضحك.

على كل حال، سوف تعلم السلطات في النهاية بأنه كان يخفي شيئاً من الخلل النفسي والعقلي والغريزة الدموية في داخله كل هذه الفترة.. سوف تعلم بأنه كان يخفي عكس ما أظهره للناس.

بعض ضحايا (جون واين غايسي).
بعض ضحايا (جون واين غايسي) – صورة: Bettman/Getty Images

كان والد (غايسي) شخصاً سيئاً، كان يعنّفه بشكل شديد ويوبخه بقسوة ويجلده بالحزام، وبمجرد أن سنحت له فرصة الهرب استغلها وانتقل للعيش في (لاس فيغاس) طامعاً بالراحة النفسية التي كان يأمل أن يجدها بعيداً عن والده العنيف، ولكن الآثار النفسية التي نتجت عن هذه المعاملة كانت قد تفشت في دماغه لدرجة جعلت منه قاتلاً متسلسلاً محترفاً.

كان يعمل كمساعد لحانوتي في (فيغاس) -الحانوتي هو الشخص الذي يجهّز الموتى للدفن- وكان ينام على سرير متنقل في غرفة تقع خلف غرفة الدفن التي تحوي نعوشاً متعددة، وفي إحدى الليالي كان يراقب الحانوتي وهو يقوم بتجهيز وغسل الجثث، وقام بالزحف نحو إحدى التوابيت ليلقي بنفسه فوق جثة شاب مراهق، ليبدأ بمعانقتها وتحسسها ومداعبتها.

صدمته فعتله هذه بشكل كبير، لذلك قرر أن يبتعد عن هذه المهنة ويذهب لمنزله ليلتحق بكلية إدارة الأعمال، لم يخبر (غايسي) أي أحد بما جرى في تلك الليلة التي أمضاها مع الجثة في غرفة الموتى.

بعد تخرّجه من كلية إدارة أعمال (نورثويسترن)، التقى (غايسي) بـ(مارلين ميرز) التي كان يعمل معها سابقاً في شركة محلية معنية بتصنيع الأحذية، بعد تسعة أشهر تزوج (غايسي) و(مارلين) واستلم إدارة وكالات KFC التي يمتلكها والد (مارلين).

أنجب الزوجان طفلين وكانت حياتهما تبدو جميلة ومثاليةً لا تشوبها شائبة، ولكن خلف كل تلك المثالية والرضا، كان الوحش المستتر في أعماق (غايسي) لا يزال يتحرك مضطرباً متخبطاً يحاول الخروج والسيطرة على حياته بالكامل، وفعلاً هذا ما حصل حيث انضم لمجموعة من الرجال المنخرطين في نشاطات تبادل الزوجات والدعارة وتصوير الأفلام الإباحية والمخدرات.

حتى أنه افتتح لنفسه ملهىً في قبو منزله سمح فيه لموظفيه بشرب الكحول ولعب البلياردو، وانحصر تركيز (غايسي) على الشباب المراهقين دون الفتيات في هذا الملهى على الرغم من كون موظفيه من كلا الجنسين.

ستكون هذه بداية النهاية لـ(غايسي):

في عام 1968، أُدين (غايسي) بتهمة الاعتداء الجنسي على عدد من الأولاد الصغار، الذين ادّعوا أنه قام بجرهم إلى منزله تحت ادعاءات كاذبة واعتدى عليهم هناك، اعترف (غايسي) بذنبه في قضية اغتصاب وحيدة وأنكر بقية التهم الموجّهة إليه، حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، ووصلته أوراق طلب الطلاق من زوجته التي لن يراها بعد هذه الحادثة أبداً.

بعض ضحايا (جون واين غايسي).
المزيد من ضحايا (جون واين غايسي) – صورة: Bettman/Getty Images

مُنح (غايسي) بعد 18 شهراً من صدور حكمه إطلاق سراح مشروط لكونه سجيناً مثالياً، فخلال فترة احتجازه القصيرة تمكن من تأمين زيادة مالية لعمال ساحة السجن، وعمل على تحسين الظروف المعيشية للسجناء، وأشرف على إنشاء ملعب غولف مُصغّر في ساحة ترفيه السجن.

أُفرج عنه بسبب سلوكياته تلك لمدة 12 شهراً وفُرضت عليه الإقامة في منزل والدته في (شيكاغو) حيث انتقل إلى هناك ولكن تحت المراقبة والاختبار، ففي حال قيامه بأي عمل مسيء للمجتمع سيُعاد للسجن على الفور، وافق هو طبعاً على هذا الإفراج المشروط وقال بأنه سوف يُعيد تأسيس نفسه ولن يعود للسجن أبداً.

وفي فترة إفراجه المشروطة انخرط في مجتمع منطقة (نوروود بار) Norwood Park، وهناك التقى بزوجته الثانية (كارول هوف) Carol Hoff، كان هذا المكان هو الذي ستُرتكب فيه كل تلك الجرائم الشنيعة، وهو المكان الذي سيكسب فيه (غايسي) لقبه الشهير ”بوغو المهرج“.

في فترة مكوثه في السجن أصبح (غايسي)؛ ما يمكننا وصفة بشبه فنان، حيث كان يرسم صورة المهرج (بوغو) بشكل متكرر، وبعد انضمامه لنادي مهرّجي (جولي)، النادي الذي بإمكانه أن يؤدي عروضاً تهريجيه تحت ظله، تعلّم (غايسي) وضع مساحيق التبرّج ليأخذ وجهه شكل المهرج المضحك، وحول نفسه لتلك الصور التي كان يرسمها وهو في زنزانته.

أدى (غايسي) العديد من العروض في الحفلات المحلية، وفي فعاليات الحزب الديمقراطي أيضاً، وفي الفعاليات الخيرية، وحتى في مستشفيات الأطفال، حتى أن سكان (نوروود) يذكرون أنه كان يتردد على باره المفضل (بار الحظ الجيد) Good Luck Lounge متنكراً بزي المهرج (بوغو).

على كل حال، قاد حب (غايسي) لارتداء ملابس المهرجين وماضيه المفعم بولعه بالشباب المراهقين زوجته للتساؤل عن ميول زوجها الجنسية، هنا لم يستطع (غايسي) إلا أن يعترف لها بكونه ثنائي الجنس Bisexual، مما دفعها لطلب الطلاق منه، حيث تركته وحيداً في المنزل الذي كانا يعيشان فيه.

على الرغم من إنكارها في البداية لمعرفة ما كان يفعله زوجها، اعترفت للسلطات في نهاية المطاف بأنها كانت تلمح زوجها في بعض الأيام يستدرج بعض المراهقين لمرآب المنزل.

بعد الطلاق، انطلق (غايسي) لإشباع غريزته الدموية، حيث قتل ما يقارب 30 شاباً، كان بعضهم مراهقين مجهولي الهوية، فاستدرجهم من خارج البلدة، وكان بعضهم مراهقين محليين يعملون عنده، كما كان قد شارك بنفسه في عمليات البحث عن الأولاد المفقودين، وكان يقوم بزيارة عائلات الضحايا ليخفف عنهم وطأة شعورهم بالحزن، وتم اعتباره عضواً فعالاً ومفيداً للمجتمع ولم يتم إرجاعه للسجن.

تم اعتقاله بعد أن تم الإبلاغ عن مراهق مفقود يبلغ من العمر 15 عاماً شوهد متوجها لمنزل (غايسي) طالباً أن يؤمن له عملاً عنده ولم يُرى بعدها، حققت الشرطة في هذا الأمر وبحثت في منزله حيث وجدت خاتماً يدل على انتماء الطالب لصف من صفوف إحدى مدارس المنطقة وبعض ثياب المراهقين، وبعد قيامهم بالبحث والتمحيص والتحقيق المكثف تمكن رجال الشرطة من إيجاد 29 جثةً كان (غايسي) قد أخفاها في قبو منزله.

انتشال جثة من منزل (جون واين غايسي)، وبعد التحقيقات تم إيجاد 29 جثةً أخرى.
انتشال جثة من منزل (جون واين غايسي)، وبعد التحقيقات تم إيجاد 29 جثةً أخرى – صورة: Bettman/Getty Images

في عام 1977، اعتُقل (جون واين غايسي)، وبعد ثلاث سنوات حاول أن يتنصل من تهم القتل باستخدام حجة الجنون، وحاول إقناع القضاة بكونه مجنوناً ليحصل على حكم إفراج، لم تقتنع هيئة المحلفين بطلبه، وحكم عليه بالإعدام، واختفى ذلك الوجه الودود الذي كان يختبئ خلفه هذا الوحش طوال كل تلك الفترة.

سيمضي (غايسي) 14 عاماً في السجن منتظراً تطبيق حكم إعدامه، وفعلاً أمضاها وفي الليلة التي سبقت حكم إعدامه طلب أن يعود إلى جذوره ومسقط رأسه ليطلب وجبة دجاج KFC ليتناولها كوجبته الأخيرة، وأفادت التقارير بأن كلماته الأخيرة كانت: ”قبّلوا مؤخرتي“.

على الرغم من مضي فترة طويلة على وفاته، فإن إرثه لا يزال ظاهراً إلى اليوم، تم التعرف على معظم الضحايا الذين تم انتشالهم من قبو منزله وأُعيدت جثامينهم إلى أهاليهم ليُقام لهم مراسم تأبين لائقة، ومع ذلك وبعد مرور 23 عاماً على وفاته لا تزال السلطات تحاول أن تتعرف على هوية الجثث الأخرى، ففي تموز المنصرم تم التعرف على هوية إحدى الجثث المجهولة، على الرغم من أن عائلتها قد توفيت كلها.

إلى الآن لم يتم التعرف على هوية 6 جثث من الجثث التي كانت تقبع في قبو منزل هذا ”المهرّج“ القاتل.

مقالات إعلانية