in

دخلك بتعرف كيف أجبر البشر هذه النبتة على التطور

في المناطق التي يقطف فيها البشر هذه النبتة بشكل مكثف، تغير لونها ليندمج مع محطيها الصخري.

طورت نبتة مطلوبة للغاية للاستخدام في الطب الصيني التقليدي نظام تمويه لجعل العثور عليها من طرف البشر أمرا صعبا للغاية، وهو ما ورد في تقرير لـ(جوناثان لامبرت) من مجلة «أخبار العلوم».

تنمو هذه النبتة، التي تنتمي لفصيلة البوقيات والتي تعرف باسم Fritillaria Delavayi، في منحدرات الألبيّ في جبال (هينغدوان) الصينية، وعلى مر أزيد من 2000 سنة، ظل الناس يستخدمون رؤوسها المجففة لعلاج أمراض القلب والرئتين.

تاريخيا، لم يكن العثور على هذه النبتة صعبًا، حيث تتميز بلونها الأخضر البراق في وسط بحر من الحصى الرمادية، غير أن الطلب المرتفع على هذه النبتة جعل منها نادرة أكثر وغالية الثمن أكثر.

يبلغ سعر كيلوغرام واحد من مسحوق هذه النبتة اليوم 480 دولارًا، ويتطلب إنتاج هذا الكيلوغرام حصاد أكثر من 3500 نبتة من هذه النباتات التي لا تبدأ الإزهار إلا في موسمها الخامس.

تماما مثل جميع الحيوانات التي طورت التمويه والاندماج مع المحيط كنوع من الحماية لتفادي وتجنب الكائنات المفترسة، أرغم سلوك القطف الجائر من طرف البشر هذه النباتات على تحويل لونها من أخضر براق إلى رمادي وبني ليتماشى مع الحصى والصخور التي تنمو بينها.

اكتشف باحثون في دراسة جديدة نشروا حيثياتها في مجلة «علم الأحياء» أن هذا التغير البارز في لون نبتة Fritillaria Delavayi يكون واضحًا ومنتشرًا أكثر في المناطق التي يكون قطفها فيها مكثفًا أكثر.

وقال (يانغ نيو)، عالم نباتات في معهد (كونمينغ) لعلوم النباتات وأحد المشاركين في هذه الدراسة في تصريح له: ”تماما مثل النباتات المتخفية الأخرى التي درسناها، اعتقدنا أن تطور خاصية التمويه لدى نبتة Fritillaria Delavayi هذه كان بسبب سلوكات الحيوانات العاشبة، غير أننا لم نعثر على هذه الحيوانات“، واستطرد بالقول شارحًا: ”ثم أدركنا أن السبب وراء هذا السلوك قد يكون البشر“.

اللون النموذجي السابق لنبتة Fritillaria Delavayi. صورة: Yang Niu
اللون النموذجي السابق لنبتة Fritillaria Delavayi. صورة: Yang Niu

من أجل هذه الدراسة، استخدم الباحثون وسيلة تعرف باسم ”المطياف“ Spectrometer من أجل قياس درجة مطابقة لون النبتة لمحيطها، كما استخدموا أيضًا سجلات محفوظة في سبعة مواقع مختلفة ورد فيها الوزن السنوي لرأس هذه النبتة مع مرور الزمن، بالتحديد من سنة 2014 إلى سنة 2019.

سمحت هذه البيانات للعلماء بتقييم وتقدير وتيرة قطف نبتة Fritillaria Delavayi من طرف البشر في كل منطقة مختلفة.

عندما قارن فريق الباحثين المواقع التي كان فيها القطف مكثفا للغاية مع النباتات ذات خاصية التمويه الأكثر فعالية، اكتشفوا أن المناطق التي كانت فيها هذه النباتات تُقطف بشكل أكبر هي المناطق التي تطورت فيها أكثر لتصبح متخفية ومندمجة مع محيطها حتى يصعب على البشر العثور عليها وقطفها.

هل يمكنك رؤية النتبة في الصورة؟ صورة: Yang Niu

يقول (مارتين ستيفنز)، عالم بيئة في جامعة (إكسيتر) وأحد الباحثين المشاركين في هذه الدراسة في تصريح له: ”من المذهل رؤية أن البشر قد يكون لهم هذا التأثير المباشر والدراماتيكي على تطور ألوان الكائنات الحية البرية، ليس فقط على مستوى بقائها، بل على مستوى التطور نفسه“، وأضاف: ”يبدو أن الكثير من النباتات تلجأ للتمويه للتخفي والاختباء من الحيوانات العاشبة التي قد تتناولها، غير أن نبتة Fritillaria Delavayi هنا تلجأ للتمويه من أجل التخفي عن أنظار البشر الذين ظلوا يقطفونها. من المحتمل أن يكون البشر قد حفزوا نباتات أخرى على تطوير استراتيجيات دفاعية، وما يثير الدهشة هو أن البحث الذي أجري في هذا الصدد كان قليلا جدا“.

أجرى كذلك الباحثون تجربة مبنية على الحواسيب طلبوا فيها من المشاركين محاولة تحديد نبتة Fritillaria Delavayi في مجموعة من الصور. ومما لا يثير الدهشة، وجد المشاركون صعوبة أكبر في العثور على النبتة التي كان لونها مطابقًا تقريبًا للون محيطها، مما يوحي بأن التخفي والتمويه كان بالفعل طريقة فعالة للتملص من البشر.

يقول (جوليان رونولت)، وهو عالم أحياء تطورية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، والذي لم يكن له دور في هذه الدراسة: ”إن هذه خطوة تقدمية جميلة نحو استظهار أن البشر قد يكونون السبب وراء هذا التطور السريع لدى هذه الأنواع“.

مقالات إعلانية