in

كيف للتنوع والإختلاف أن يزيد من ذكائنا؟

صورة: Mostafa Heravi
صورة: Mostafa Heravi

ماذا لو توقفنا عن الخوف من الآخر ومحاولة زرع الشك في نفس كل من لا يماثلنا فكرياً؟ فهذا من طائفة أخرى والأخر ينتمي لحزب سياسي مغاير، وهذا ملحد، وهذا شيوعي، وهذا مثلي، وذاك أسود، وهذا قروي… تسميات وأحكام مسبقة لا تنتهي.

في أكوان موازية، قد يبدو تقبل الأخر باختلافه دون أي تحفظ أمرا جليا، لكن هذه ليست حقيقة ما نعيشه في حياتنا اليومية في ظل ما يحكم العالم من أديان وأنظمة سياسية وعادات متوارثة، فأن تكون على سجيتك وتعيش بسلام أمر مستحيل تقريبا.

لا يكف العالم عن مهاجمة كل شخص يمثل اختلافًا، ففي كل مكان ستجد من يخرج عن الصف ويحيد عن القطيع، سواء أكان تلميذًا يجلس بعيداً عن الآخرين أو موظفًا وجد نفسه لا يتكيَّف مع البقية، أم فردًا من عائلة متجانسة ومتشابهة ومتقاربة لدرجة مخيفة.

أحياناً تنتابنا حالات من الرعب، كأنها نوبات تدفع بنا إلى زوايا نائية في مجتمعنا الذي لا يقبل الاختلاف بأي شكل من أشكاله، على الرغم من كونه من أكثر الأمور صحية، فكونك مختلفا عنهم يجعل منك مصدر خطر في نظرهم.

يسعى معظم الناس لوضع حاجز سميك بينهم وبين ذلك المختلف عنهم، ليتحوَّل الاختلاف الفكري إلى عنف فكري، ويتحتم هنا على كل شخص طبيعي أن ينطوي على ذاته وأفكاره، ثم يتمُّ توجيه لائحة مطالب للشخص المختلف أولها أن يسكت بأمر من الوالدين، ثم المعلم، ثم المجتمع، ثم الرئيس في العمل. فيتحول من شخص يشع طاقة وحيوية وتأملات – قد لا يجد لها جواباً، لكنها ترضي غريزة الباحث عن الحقيقة في داخله – إلى شخص خامل يعيش في عالمه الخاص، وسجينَ مجتمعه العنيف، يسعى لإكمال يومه دون أي صدام مع أحد.

يتجسد العنف الفكري في مجتمعاتنا من أعلى الهرم إلى أسفله، من الرؤساء إلى رواد الأعمال والموظفين والعمال، ويتجلى في التجاهل وعدم الإحترام، وعدم تقدير اختلافات الآخرين، وقد برز هذا العنف الفكري من الحروب السياسية الدينية ووصل إلى حد التهجم على مواقع التواصل الاجتماعي، فتجد الكثيرين يخوضون في نقاشات عقيمة لا تثري للود قضية ولا تخدم أيا من أطرافها، فينتهي بهم الأمر بالتجرد بكل ما يمت للحضارة من سلوك، متلفظين بأقبح الألفاظ النابية وناعتين بعضهم بأقبح الصفات.

ما دون العنف، والمذهبية، والعرقية، والطبقية، واختلاف الأحزاب السياسية، والتوجهات، هناك العديد من الفوائد للاختلاف، إن فهمت حقيقته و أعطي قدره من الإنصاف: فماذا لو فكرنا به كعنصر للابتكار؟

عنصر للإبتكار!؟

لا يهم ماذا سنبتكر، المهم أن كل شخص سيقوم بطرح فكرته الخاصة وبصيغته الخاصة وبتصوره الخاص، دون أن يتعرض لأحكام مسبقة وتهجم غير مبررين سوى كون أفكاره مختلفة، ويحضى بدل ذلك باهتمام منصف ونقد بناء، فلا نستطيع الحكم على فكرة بدون طرح كافة الآراء لتطوريها وتحسينها، لنقدم عملا كاملا ومتكاملا، وهذا ما نراه في مختلف الشركات الرائدة في مجالاتها من الأعمال في مختلف أنحاء العالم.

فمهندس أوروبي، ومهندس أسيوي، يعملان في شركة ”غوغل“ سيقدم كل منهما وجهات نظر مختلفة عن نفس الفكرة، والأهم من هذا كله هو العمل كفريق لتطويرها، والوصول بها إلى الكمال.

كما أن مجموعة متنوعة وغير متجانسة من الأشخاص قد تبدو فاشلة للوهلة الأولى، لكننا وإن أمعنا النظر، سنلمح في التعقيد بساطة لا متناهية.

وبحسب تجربة أجريت من طرف شبكة ”طومسون رويترز“ للعلوم، قام فيها الأستاذ ريتشارد فريمان – أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، ومدير مشروع القوى العاملة في العلوم والهندسة في الإدارة الوطنية للأبحاث الاقتصادية – بفحص الهوية العرقية لمؤلفي مليون ونصف مليون ورقة علمية تمَّ نشرها ما بين عامي 1985 و2008. فكانت النتيجة أنَّ الأبحاث التي قامت بها مجموعات متنوعة عرقياً لاقت نجاحاً أكبر وتمَّ الاقتباس عنها والاستفادة منها بشكل أكبر من تلك التي قامت بها مجموعات متجانسة من عرق واحد أو أشخاص بأفكار متشابهة، وساهم التنوع الجغرافي والفكري في تنوع مادة الأبحاث وشمولية مواضيعها أكثر من تلك التي تمَّ إجراؤها في منطقة واحدة.

في تجربة مماثلة، قام أنتوني لينسينج أنتونيو، وهو أستاذ في كلية ستانفورد للتعليم، بالتعاون مع خمسة أساتذة آخرين من جامعة كاليفورنيا ومؤسسات علمية أخرى على اختبار تأثير الاختلاف العرقي على اختلاف الآراء في نقاشات مجموعات صغيرة، بمشاركة 350 طالب من ثلاث جامعات. تناولت النقاشات قضية عمالة الأطفال وتنفيذ حكم الإعدام، وشجع الباحثون على التنوع و الاختلاف في الآراء دون خوف.

فكانت النتيجة أنه عندما قام فرد أسود البشرة بطرح تصوره وأفكاره عن القضية لمجموعة من الأشخاص البيض، قوبلت هذه الأفكار بالترحيب من طرف أفراد المجموعة الذين قاموا بتمحيصها ثم قبولها في النهاية حرصا منهم على توسيع أفاقهم الفكرية، وهي محاولة خلاقة للبحث عن حلول وبدائل مبتكرة. في حين أنه حين قام شخص أبيض بطرح نفس الفكرة على نفس المجموعة ووجهت بالرفض والاعتراض، ويعزى ذلك كوننا نميل كثيرا للتقليل من شأن من هم مثلنا.

وعليه فالاختلاف جوهر التطور والتقدم والرقي، ففي كل مرة تجد نفسك أمام أفكار قد تبدو غريبة عليك، حاول أن لا تخشى الاختلاف وتقوم بدل ذلك بتقبله، فلا يوجد أضعف من شخص يخشى الأفكار.

مقالات إعلانية