عمر غياض
هل فكرت يومًا في مدى تعقيد هاتفك الذكي؟ لنفكر قليلًا في إحدى مهام الهاتف الذكي، التقاط ومعالجة الصور. أصبح التقاط الصور الرقمية على أجهزتنا النقالة أمرًا عاديًا نكاد لا نفكر في مدى تعقيده.
لكن تخيَل معي لو وجدت يومًا آلة زمن، وعدت بها إلى بغداد في القرن العاشر، إحدى أكثر عواصم العالم انفتاحًا أنذاك، ومعك هاتف ذكي.
تتعرف على أحد الرجال هناك، يندهش من منظرك ولباسك المستقبلي. فتحاول أن تشرح له أنك من المستقبل، لا يفهم لهجتك البيروتية الحديثة في البداية، فتتكلم معه بالفصحى وتعيد الشرح، يظن أنه ربما أصابك شيء من الجنون، لكنه لا يأبه كثيراً ويفضل مساعدتك على أي حال لأنه بغدادي طيب، فيأخذك إلى بيته ويعطيك بعضاً من لباسه وعمامة زرقاء وثوب بني لتندمج في المجتمع العباسي البغدادي.
بعد أن يعطيك بعض الطعام لتأكل، تقرر أن تريه جهازك النقال الذكي، تلتقط له صورة وتريه إياها. يقفز من هول الصدمة، يصرخ: هذا أنا! يرى نفسه على جهازك الذكي، تمر دقائق ثم يطلب أن ينظر من جديد، صورته ما تزال هناك، كأنها مرآة توقف عندها الزمن، ثم تريه الفيديوهات فينصدم أكثر.
ما هذا؟
لا تدري أين تبدأ وكيف تشرح.
يقرر أن يخبر أحد أصدقائه من طلبة العلم، فتريه وينصدم هو الآخر، فيقرر جمع الناس في المسجد بعد صلاة المغرب ليريهم جهازك المدهش.
تنتهي الصلاة ويدعوك طالب العلم للأمام لتريهم ما بحوزتك، فيتجمعون حولك ويندهشون هم أيضاً من هول ما رأوا.
وإذ فجأة يصيح إمام المسجد: ”ساحر، مشوعذ، أمسكوا به!“ فيمسك بك البعض ويصادرون جهازك ويسرعون بك إلى القاضي ليحكم في أمر مشعوذ.
القاضي رجل دمشقي حكيم لكنه بالطبع لا يعلم شيئًا عن الكهرباء ولا عن الإلكترونيات.
ينظر إلى جهازك ويطلب منك أن تريه ما عرضت على الناس، فتريه فينصدم هو الآخر، يكاد يقتنع أنه سحر ويقترب من الحكم عليك بالقتل. لكنك تدافع عن نفسك وتنفي أنه سحر، وتشرح له أنه علم، ولحسن حظك أن القاضي عادل فيعطيك فرصة بأن تشرح له كيفية عمل هذا العلم.
كيف ستشرح له طريقة عمل الهاتف الذكي من الصفر؟
تذكر أن حياتك تعتمد على الشرح..
الدفاع..
سأخبر القاضي أني عدت من المستقبل، وأعطيه بعض الأدلة التاريخية على ذلك من دون أن أخبره أن الخلافة العباسية ستنهار وأن المغول قادمون ليحرقوا بغداد ويوقعوا فيها مذبحة كبيرة لأنه على الأرجح أن هذا سيورطني أكثر.
يا حضرة القاضي، لقد جئت من المستقبل بمشيئة الله، من على بعد ألف سنة من اليوم. لقد تقدمنا كثيرًا في العلم. اكتشفنا الكهرباء. على الأرجح أنك رأيت الكهرباء من قبل يا حضرة القاضي في البرق.
لقد تعلمنا أن الاحتكاك بين الغيوم يولد ما يسمى بالشحنة الكهربائية الزائدة فتقوم الغيوم بتفريغ تلك الشحنة على شكل كهرباء تضرب الأرض. ومع مرور السنين تعلمنا أن البرق هو كهرباء. الكهرباء يمكن تسييرها كالماء، والتحكم بها. قمنا بتسييرها بأسلاك، السلك هو كل شيء ناقل للكهرباء. الحديد ينقل الكهرباء. ثم طورنا الترانزيستور، الترانزستور يحتفظ بالحالة الكهربائية.
