in

لماذا وضع الثوار الليبيون جثة معمر القذافي داخل غرفة تبريد لعدة أيام

بعد أن أحكم الثوار الليبيون سيطرتهم على معظم البلاد، متفوقين على جيش القذافي ومرتزقته، حاصروه في نهاية المطاف ثم قبضوا عليه عندما وجدوه مختبئًا، فعاملوه معاملة قاسية قبل أن يقتلوه أخيراً مهللين بإنجازهم هذا.

بعد ذلك، نقل الثوار جثة القذافي إلى مركز للتسوق في مدينة مصراتة في 21 أكتوبر سنة 2011، وهناك تم حفظها داخل ثلاجة كبيرة في جناح بيع الخضر والفواكه داخل المركز.

ورد في تقرير وكالة Associated Press في تغطية الحدث ما يلي: ”كانت الجثة، التي كانت عارية الصدر ولم تكن ترتدي سوى بنطالا لونه بيج، ملقية على فراش مخضب بالدماء على أرضية غرفة تبريد فارغة، حيث كانت المطاعم والمتاجر داخل المركز تحتفظ بالمواد القابلة للتلف“، وأضافت: ”خارج مركز التسوق ذلك، اجتمع مئات المواطنين المدنيين من مصراتة وراحوا يتهافتون لإلقاء نظرة على الجثة، مهللين ’الله أكبر‘ و’نريد رؤية الكلب‘“.

تجمع الثوار الليبيون خارج أنابيب خرسانية كبيرة حيث تم القبض على الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي في مدينة سرت الليبية الساحلية في 20 أكتوبر 2011. صورة: Philippe Desmazes/AFP/Getty Images
تجمع الثوار الليبيون خارج أنابيب خرسانية كبيرة حيث تم القبض على الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي في مدينة سرت الليبية الساحلية في 20 أكتوبر 2011. صورة: Philippe Desmazes/AFP/Getty Images

سرعان ما انتشرت أنباء أسر القذافي وقتله مثل النار في الهشيم مباشرة بعد الحادثة، كما كان هناك شهود عيان قاموا حتى بتصوير القذافي وهو يتعرض لطلق ناري في القلب والصدر، بالإضافة إلى العديد من الفيديوهات التي يظهر فيها حياً وهو يتعرض للضرب على يد آسريه.

قالت الحكومة الانتقالية الليبية آنذاك أن دفن القذافي المخلوع سيكون في غضون مدة 24 ساعة بعد موته، وأنه سيحظى بدفن لائق وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية. غير أن عملية الدفن تأجلت بسبب مكتب حقوق الإنسان لدى هيئة الأمم المتحدة، الذي فتح تحقيقا حول حادثة مقتله التي حامت حولها الكثير من الشكوك.

لم يتم دفن القذافي في الوقت المحدد، فبعد أن قضت جثته 5 أيام تعرض على الناس بطريقة بشعة، قرر قادة ليبيا الجدد آنذاك نقله إلى مثواه الأخير، واضعين حدا لأسبوع كامل من الاضطراب وعدم اليقين الذي أحاط بموضوع مآل جثة الديكتاتور المخلوع، ومغلقين بذلك أيضاً باب حقبة وعصر كامل من الظلم والتعسف والجبروت. قال نائب رئيس مجلس الحكومة الانتقالية الليبية: ”لقد منحناه عملية دفن بكامل الشعائر الإسلامية مثلما قد ندفن به أي مسلم آخر“، واستطرد بالقول: ”لقد كان ذلك أكثر مما كان هو ليمنحنا إياه، لكننا منحناه نهاية مشرفة“.

لاجئون ليبيون في تونس يحتفلون بعد سماعهم أنباء عن مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي في سرت خارج سفارتهم في تونس في 20 أكتوبر 2011. صورة: Zohra Bensemra/Reuters
لاجئون ليبيون في تونس يحتفلون بعد سماعهم أنباء عن مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي في سرت خارج سفارتهم في تونس في 20 أكتوبر 2011. صورة: Zohra Bensemra/Reuters

تم تحضير عملية دفن القذافي إلى جانب جثمانين آخرين: نجله المعتصم وقائد أركان جيشه السابق أبو بكر يونس، الذي تم أسره إلى جانب القذافي أثناء سقوط سرت.

قبل حلول منتصف الليل من يوم الإثنين 24 أكتوبر 2011، تم اصطحاب ثلاثة من رجال الدين الذين سجنوا من طرف الثوار بسبب دعمهم المستمر للقذافي، إلى جانب ثلاثة من أفراد عائلاتهم من زنزاناتهم في مصراتة إلى أحد المباني خارج المدينة. أُمر الرجال الثلاثة بغسل الجثث الثلاثة الآنف ذكرها، حيث سمح لأبناء الجنرال يونس وهما عصمان ويونس بغسل جثمان والدهما، بينما أمر حفيد شقيقة القذافي بغسل جثمان هذا الأخير، وكان هؤلاء أفراد عائلات القتلى الوحيدين الذين سمح لهم بالاقتراب من الجثث.

رفض مسؤولون ليبيون عدة طلبات متكررة من عشيرة القذافي في سرت من أجل تسليم جثمانه لهم، كما رفضوا طلبات زوجته صفية وابنته عائشة بذلك.

إلى جانب الرجال الثلاثة، كان ثلاثة من المشايخ ورجال الدين الذين استخدمهم نظام القذافي لإحكام قبضته على السلطة لمدة 42 سنة كاملة، ومن بينهم كان الشيخ خالد طنطوش.

كان الزمن الذي قضته الجثة فوق الأرض قد فعل فيها فعلته بدون شك، حيث قال الشيخ طنطوش أن تحضير جثمان القذافي للدفن لم يكن تجربة مستساغة. لمعظم الأيام القليلة السابقة للدفن، ظلت الجثث الثلاثة معروضة على الناس في مدينة مصراتة.

أثار عرض الجثث الثلاثة في المدينة الآنفة الكثير من الضجة وحالة من عدم الرضا بين الكثيرين، غير أن المسؤولين الليبيين دافعوا عن عملية التنكيل بالجثث وعرضها على الناس وكأنها جوائز على أنها أمر ضروري، كانت دولتهم وشعبهم المتضرر في حاجة له لشفاء غليلهم، ولأن يشهدوا بأمهات أعينهم بأن محنة السنوات 42 قد انتهت أخيراً.

لافتة ممزقة لمعمر القذافي معلقة من مبنى خلال معركة في وسط مدينة سرت في 12 أكتوبر 2011، قبل ثمانية أيام من وفاته. صورة: Majid Saeedi/Getty Images
لافتة ممزقة لمعمر القذافي معلقة من مبنى خلال معركة في وسط مدينة سرت في 12 أكتوبر 2011، قبل ثمانية أيام من وفاته. صورة: Majid Saeedi/Getty Images

أما طنطوش فقد قال في هذا الشأن: ”لم أشعر بشيء وأنا أغسل جثته [عن القذافي يتحدث]“، وأضاف: ”لقد كنت أؤدي واجبي كشخص مسلم. لقد كان إنسانا وكان يجب أن يدفن بطريقة لائقة“.

ظلت صور جثة القذافي تنشر على الجرائد ووسائل الإعلام الليبية وكذا شاشات التلفاز لعدة أيام، كما كتبت على جدران شوارع طرابس عدة كتابات تشيد بأسره وقتله، منها ما كتب: ”الدكتاتور القذافي يرسل برسالة للشعب الليبي من الجحيم قائلا فيها أنا باقٍ هنا“.

انتشرت كذلك الكثير من الصور والفيديوهات على الإنترنت التي تظهر القذافي وهو يتعرض للضرب والتعذيب، كما ظهر عدة من آسريه وهم يولجون قضيبا حديديا في دبره، وهي الصور والفيديوهات التي تم التقاطها بواسطة كاميرات هواتف نقالة، والتي تضمنت كذلك الكثير من التكبير والتهليل وإطلاق العيارات النارية في السماء.

هذا وقد تم دفن الثلاثة في قبور غير معلمة وفي أماكن مجهولة في الصحراء، حتى لا يتم استخراج جثثهم من طرف حاقدين والعبث بها.

مقالات إعلانية