in

دخلك بتعرف قصة العائلة التي عاشت 42 سنة كاملة في معزل عن العالم الخارجي

آل ليكوف

في سنة 1979، صادفت مجموعة من العلماء السوفييت الذين كانوا في خرجة علمية لدراسة البراري السيبيرية عائلة تتكون من 6 أفراد بدا وكأنهم تاهوا في الغابة. اكتشف الباحثون لاحقًا بأن هذه العائلة الروسية ظلت تعيش بمعزل عن العالم الخارجي والحضارة لمدة 42 سنة كاملة، كما لم يكونوا حتى على علم باندلاع الحرب العالمية الثانية، تابع معنا القراءة لتتعرف على قصة هذا العائلة الغريبة:

في سنة 1979، هبطت طائرة مروحية روسية بفريق من علماء الجيولوجيا في منطقة صغيرة جرداء بالقرب من سلسلة من الجبال. كانت هذه النقطة التي هبطوا فيها بعيدة عن أقرب تجمع سكاني بحوالي 300 كلم، وهناك اكتشفوا وجود عائلة (ليكوف) التي كانت تعيش في التايغا السيبيرية القاسية بدون أي احتكاك مع البشر الآخرين لمدة 42 سنة كاملة.

آل ليكوف على اليمين.
آل ليكوف على اليمين.

تشتهر التايغا السيبيرية بخطورتها الشديدة، حيث تمتد غاباتها على مئات الأميال من أشجار الصنوبر وأشجار، كما تشتهر بصيفها القصير ومناخها البارد للغاية والجاف والقاسي، ناهيك عن الذئاب الجائعة والدببة التي تنتشر فيها بكثرة.

تجعل هذه الظروف من التايغا السيبيرية تقريبا مكانًا مستحيلٌ على الإنسان تحمل العيش فيه، لذا عندما شهدت الطائرة المروحية الروسية في سنة 1979 منشأة بشرية في وسط التايغا، أصباهم الذهول.

كان طيار الطائرة المروحية يبحث عن منطقة لينزل فيها فريق خبراء الجيولوجيا، وفي هذه اللحظة بالذات شاهد منطقة جرداء وسط الأشجار. كانت في الأرضية خنادق صغيرة لا يمكن صنعها إلا على يد الإنسان.

لم يكن الطيار على علم بالأمر آنذاك، لكنه كان على وشك أول شخص يكتشف وجود عائلة (ليكوف).

قصدت هذه العائلة البراري السيبيرية القاسية في سنة 1936 وبقيت هناك بعيدا عن الحضارة لمدة 42 سنة كاملة.

ينتمي آل (ليكوف) لما يعرف باسم ”المؤمنون القدماء“، وفي سنة 1936، تعرضت ديانتهم للاضطهاد على يد البلاشفة، وعندما أطلقت دورية شيوعية النار على شقيق (كارب ليكوف) وأردته قتيلًا، قرر الهروب إلى الغابة مع زوجته وطفليه، وهناك عثر هناك على منطقة معزولة على ارتفاع 6000 قدم في الجبال، وجعل منها بيتًا لهم.

كوخ آل (ليكوف) في التايغا السيبيرية.
كوخ آل (ليكوف) في التايغا السيبيرية. صورة: Smithsonian

كان آل (ليكوف) من ”المؤمنين القدماء“، مما يعني أنهم كانوا ينتمون لمذهب روسي أرثوذكسي أصولي. كانت هذه الديانة بالتحديد هدفًا لمطاردات واضطهاد الحكومة تقريبًا منذ زمن بطرس الكبير في القرن الثامن عشر. عقب الثورة الروسية في سنة 1917 عندما تسلم البلشفيون مقاليد السلطة، وجد المؤمنون القدماء أنفسهم في خطر مرة أخرى، كما جعل رعب ستالين في ثلاثينيات القرن الماضي الوضع أسوأ من خلال جعله عدة ديانات خارجة عن القانون، فر الكثير من السيبيريين من البلاد لتجنب الاضطهاد الديني.

في أحد الأيام عندما كان (كارب ليكوف) الشاب يعمل في أحد الحقول، شاهد مجموعة مسلحة تنتمي للحزب الشيوعي وهي تطلق النار على شقيقه وترديه قتيلًا. جعله هذا المشهد يقرر اصطحاب عائلته بعيدًا إلى بر الأمان، لذا في أحد أيام سنة 1936، فرّ (كارب) من بيته مع زوجته (أكولينا) وطفلتيه (سافين) و(ناتاليا).

كانت (سافين) تبلغ من العمر تسعة سنوات آنذاك بينما كانت (ناتاليا) تبلغ من العمر سنتان. لم يكن للعائلة أي مكان تقصده، لذا قرر (كارب) التوغل عميقا داخل الغابة المتجمدة من أجل الإبقاء على عائلته في مأمن من بطش الاضطهاد.

استمرت العائلة في التوغل عميقا داخل الغابة على مر السنوات. في نهاية المطاف استقروا على منطقة معزولة على بين الجبال وجعلوا منها منزلا لهم، وهناك قاموا بتشييد كوخ على ارتفاع 1800 متر.

في سنة 1940، أنجب (كارب) و(أكولينا) ولدهما (ديميتري)، وبعد سنتان أنجبا ابنتهما الصغرى (آغافيا). بقيت العائلة ماكثة في هذه الغابة المعزولة بدون الاحتكاك بأي إنسان آخر على مدى 42 سنة كاملة.

عزلت عائلة (ليكوف) نفسها عن العالم الخارجي تمامًا منذ سنة 1936، وتعين على أفرادها البقاء والعيش على ما عثروا عليه من طعام في الغابة. في إحدى المرات خلال شتاء قاسٍ، اضطروا لتناول أحذيتهم الجلدية من شدة الجوع، وعندما عثر عليهم فريق الباحثين وعرض عليهم مساعدتهم للخروج من الغابة رفضوا ذلك رفضًا قاطعًا.

آل (ليكوف).
آل (ليكوف). صورة: Igor Nazarov/ Siberiantimes

قرر فريق علماء الجيولوجيا بعد سماعهم ملاحظات الطيار التحقيق في الأمر، فجلبوا معهم بعض الهدايا من أجل منحها لأي شخص يُحتمل أن يلتقوا به في هذه المنطقة النائية، وبينما وصلوا إلى المنطقة المنشودة لاحظوا وجود بعض الآثار التي تدل على نشاطات بشرية في المنطقة، على شاكلة ممر صغير به آثار أقدام بالقرب من جدول الماء. في النهاية وصلوا إلى كوخ آل (ليكوف).

لدى رؤيتهم الغرباء وهم يقتربون من منزله، تقرب منهم رجل مسنّ بعد أن خرج من الكوخ، كان حافي القدمين وكان يرتدي ثيابًا مصنوعة من الأكياس. في البادئ لم يرد على تحياتهم لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يدعوهم للدخول إلى كوخه.

يتذكر علماء الجيولوجيا أن الكوخ كان يتكون من غرفة واحدة مضاءة بنافذة واحدة صغيرة، وانتشرت عيدان الخشب المحروق في أرضيته المتسخة. لدى رؤيتهما الضيوف وهم يدخلون، شعرت (آغافيا) وشقيقتها الكبرى (ناتاليا) بالخوف الشديد.

ببطء، تمكن الجيولوجيون من فهم قصة بقاء آل (ليكوف) في براري سيبيريا القاسية، أخبرهم (كارب) أنه في سنة 1936 عندما قرروا الهروب، جلبوا معهم بعض الأدوات الضرورية على شاكلة الأدوات المطبخية والثياب، وقال أنه بمرور السنوات أصبحت تلك الثياب بالية وتمزقت، وأصبحت الأدوات غير صالحة للاستعمال.

كانت حمية العائلة الغذائية تتكون من البطاطا الممزوجة بالسلت وبذور الحشيش، غير أنه عندما حلّ شتاء قاسٍ جدا في سنة 1961، ضربت موجة صقيع المنطقة وقضت على نباتاتهم التي كانوا يزرعونها في حديقتهم الصغيرة. في ذلك الشتاء القاسي اضطرت العائلة لتناول أحذيتها الجلدية من شدة الجوع، وفي ذلك الشتاء القاسي توفيت (أكولينا) زوجة (كارب) بسبب المجاعة.

في البادئ، لم يقبل آل (ليكوف) أي هدايا من فريق علماء الجيولوجيا عدا الملح، ثم تدريجيًا قبلوا بعض الأغراض الأخرى على شاكلة السكاكين، والأدوات المطبخية، والحبوب. غير أنهم رفضوا رفضًا قاطعًا مساعدتهم على الخروج من الغابة عودة إلى العالم المتحضر.

للأسف، في سنة 1981 وبعد وقت قصير من زيارة علماء الجيولوجيا لآل (ليكوف)، توفي ثلاثة من أبنائهم. يُعتقد أن وفاتهم كانت نتيجة احتكاكهم بالأمراض الحديثة التي جلبها الغرباء معهم والتي لم يكن لأجسامهم مناعة ضدها، بينما مازالت أصغر بنات آل (ليكوف) وهي (أغافيا) على قيد الحياة وهي الآن تعيش في نفس المكان الذي ظلت عائلتها تعيش فيه، وهي الآن في السبعينيات من عمرها.

صورة (آغافيا ليكوف).
صورة (آغافيا ليكوف)، آخر فرد حي من عائلة (ليكوف). صورة: Katexic Clippings via Flickr

بعد سنوات قليلة من اكتشاف عائلة (ليكوف) من طرف الباحثين الجيولوجيين، فقد ثلاثة من أبنائها أرواحهم. عانت كل من (سافين) و(ناتاليا) من فشل على مستوى الكلى، بينما أصيب الولد (ديميتري) بالتهاب رئوي قضى على حياته.

عندما اكتشف الجيولوجيون أن صحة (ديميتري) كانت سيئة، عرضوا نقله بواسطة الطائرة المروحية للمستشفى حيث سيتلقى العلاج المناسب، غير أنه رفض ذلك وقال: ”هذا ليس مسموحًا لنا. يعيش الإنسان العمر الذي يمنحه الله إياه“.

يُعتقد أن اكتشاف آل (ليكوف) من طرف الباحثين الجيولوجيين واحتكاكهم مع غرباء من العالم الحديث وضعهم تحت رحمة الأمراض والأوبئة الحديثة التي لم تكن أجسامهم مهيئة لمحاربتها.

طلب فريق الباحثين من (كارب) و(آغافيا) مغادرة الغابات ولم الشمل مع أقاربهما في روسيا، غير أنهما أصرا على البقاء في منزلهما وعالمهما الصغير.

لفظ (كارب) أنفاسه الأخيرة في السادس عشر من فبراير سنة 1988.

مازالت (آغافيا) التي هي في السبعينيات من عمرها الآن تعيش في كوخ عائلتها وسط الغابة إلى يومنا هذا حتى بعد وفاة جميع أفرادها.

لم تخرج من الغابة إلا ستة مرات خلال سنوات عمرها السبعين، وكانت أول مرة تغادرها في الثمانينيات الماضية عندما منحتها الحكومة السوفييتية رحلة مدفوعة الأجر عبر دول الاتحاد لمدة شهر من الزمن. شاهدت خلال هذه الرحلة لأول مرة في حياتها الطائرات، والأحصنة، والسيارات، والمال.

بعد ذلك، غادرت الغابة من أجل الحصول على الرعاية الصحية والالتقاء بأتباع مذهب ”المؤمنين القدماء“، كما قضت بعض الوقت مع أقربائها.

في سنة 2014، كتبت رسالة تم نشرها على الإنترنت تطلب فيها مساعدة الناس لها ذلك أن صحتها صارت متدنية للغاية، فراح متبرعون يزورونها في كوخها بصفة دورية لمساعدتها على الأعمال المنزلية.

في شهر يناير من سنة 2016، تم نقلها بالطائرة إلى المستشفى بسبب ألم كانت تشكوه في ركبتها، ثم أعيدت إلى البراري بمجرد شفائها.

مقالات إعلانية