in

من أساطير وقصص بداية الخلق وصولا لنظريات الإنفجار العظيم والتطور

قصص وأساطير الخلق

بين سبعة أيام وبلايين السنين، تختلف أساطير التكوين من شمال الأرض إلى جنوبها، لتمزج تفاحة آدم مع تراب غايا، الأرض الأم، التي تمزق التحامها عن عذوبة مياه أبسو أثناء ذرف دموع آمين رع، عبر رمح إزاناغي وإزانامي، لنصل إلى حاضر العلم من عظمة الانفجار ونظرية التطور. لا يجمعها سوياً سوى مخطوطة استهلال واحدة؛ في البدء كان…

في البداية:

تخبرنا جميع المجتمعات، ومن ضمنهم مجتمعنا، العديد من القصص حول بداية العالم، التي تختلف كثيراً في مجرياتها وتفاصيلها، إلّا أنها ورغم الاختلاف، تميل لاحتواء إطار مشترك واحد يجمعها سوياً.

تبدأ العديد من الروايات بالأرض، أو باستردادها من المياه. حيث تقول بعضها أن الآلهة والناس والحيوانات قد انبثقت من الأرض (بالطريقة التي تنبثق عبرها النباتات حتى الآن). وفي روايات أخرى، بدأت عملية التكوين حين قام مخلوق ما، كالسرطان أو السلحفاة، بالإبحار في محيط بدائي ليحضر قطعة صغيرة من الأرض، ومن تلك القطعة تم تكوين الكون.

تعتبر أساطير كهذه شائعة بين الهنود الحمر وشعوب أستراليا البدائية (التي تؤمن بوجود فترة سبقت التكوين، وتدعى تلك الفترة بزمن الحلم).

البيض والفراغ:

تبدأ العديد من الأساطير، من ضمنها واحدة تطورت في الصين، بانقسام بيضة كونية إلى نصفين. حيث يُتبع الانقسام في النسخة الصينية بنمو كائن عملاق، ساهمت أطرافه تباعاً في تكوين العالم المرئي.

قصة خلق البيض والفراغ
البيض والفراغ، لوحة لـDain Q Gore

كما تؤمن بعض الروايات الجرمانية (أو الإسكندنافية) بوجود كائن عملاق منقطع الأوصال كان له تأثير في تشكيل الكون، حيث تبدأ النسخة الجرمانية بفراغ سحري، والذي يعتبر واحد من أبرز سمات روايات التكوين.

أمّا اليهود، فيتخيلون اللحظة الأولى كأنها فراغ باطل، أي كأنّما الخالق قد غطّى الوعي. وفي الرواية اليونانية، تبدأ القصة بفوضى عارمة تمثّل الفراغ. كما تؤمن الأساطير المصرية وشعوب ما بين الرافدين أن الصورة الأولى للحياة تتمثل بمحيط غير محدود.

الاضطراب الإلهي:

في أساطير المجتمعات الناتجة عن القبائل التي اتحدت مكوّنة حضارة واحدة، والتي تؤمن كل واحدة منها بإله خاص بها، حدثت الكثير من الصدامات الدرامية المتكررة بين الآلهة المتصارعة، أحياناً ما تكون صراعات جنسية، و غالباً ما تكون قاتلة ووحشية، وذلك قبل ظهور البشر في تلك القصص. الأمر الذي يعتبر حقيقة في روايات الأساطير المصرية وحضارات ما بين الرافدين، ولا سيما الأساطير الإغريقية.

كما تحتوي الأساطير اليابانية عدداً من الروايات المعقّدة حول العلاقات البدائية بين الآلهة، بينما بالكاد تذكر وصول البشر. أمّا في الروايات المتعددة لشعوب الهند، فهنالك العديد من أساطير الخلق القابلة للتواجد. إلّا أن فكرةً مختلفةً تماماً تظهر في روايات اليهود القدامى، حيث وضحوا بطريقة موجزة ومباشرة، أن الله هو من قام بتكوين كل شيء.

الأساطير المصرية

توجد العديد من قصص الخلق والتكوين في التاريخ المصري التي تتعلق بالآلهة المتنافسة فيما بينها. وأكثر تلك القصص شيوعاً تبدأ بإله المحيط البدائي المدعو ”نون“، ومنه انبثق ”آمين“ بطريقة رائعة. حيث اتّخذ آمين ”رع“ اسماً له، ويعتبر نتاج الاندماج بين إلهين متنافسين. قام أولاً ببناء هضبة ليتمكن من الوقوف عليها، حيث كان كائناً بلا جنس محدد وكان يمتلك العين التي ترى كل شيء.

ونتيجة لعملية الاستنماء؛ (كما ورد في نصوص المعابد)، أنتج ”رع“ ابنه المقدس ”شو“؛ إله الرياح، ثم استفرغ ابنته المقدسة ”تفنوت“؛ إلهة الرطوبة. تم تكليفهما بمهمة إحداث النظام في خضم الفوضى. حيث أنتجا أولاً ”جيب“؛ الأرض و”نوت“؛ السماء، الذين كانا ملتصقين أولاً، إلّا أن جيب رفعت نوت فوقها بعد حين.

أساطير الخلق المصرية
أساطير الخلق المصرية

بعد أن تنظّم تكوين العالم مبدئياً، ضاع شو وتيفنوت ولدا رع في الظلام، مما دفعه لإرسال عينه البصيرة للبحث عنهما، وحين عاد كل منهما بفضل عين رع، ذرف رع دموع الفرح التي صعقت الأرض فأعطت الجنس البشري، بشكل مناسب بما فيه الكفاية، حيث أدّى سلوك البشر بعد مدة قصيرة إلى إقتناعه بالانسحاب من العلاقات الجنسية البشرية. فتقاعد في الجنة، حيثما ساد العالم بكونه إله الشمس. ومع استمرار سرد قصص الخلق تعتبر هذه القصة أبسطها. حيث تتطور أساطير الميثولوجيا المصرية إلى قصص تحمل تعقيدات أكبر بكثير.

أساطير حضارات ما بين النهرين:

بقيت الروايات محفوظة على لوح طيني، وقد عُثر عليها في مكتبة آشور بني بعل، متمثلة في ملحمة ”إنوما إيليش“؛ التي سميت تيمناً بكلمتيها الأوليتين، وتعني ”عندما في الأعالي“.

تبدأ القصة بكائنين هائجين من الماء، أحدهما ذكر ويدعى أبسو (الماء العذب)، والأخرى أنثى تدعى تيامات (الماء المالح). ومن خلال اتحادهما أنتجوا مجموعة من الأبناء الآلهة من ضمنهم إنكي ”إيا“. لكن ضجيج هؤلاء الأطفال منع تيامات وأبسو من النوم، مما دفع أبسو للتخطيط لقتلهم جميعاً، إلّا أن إنكي سبق أباه وقام بقتله، الأمر الذي دفع تيامات للانتقام فقامت بخلق العديد من الوحوش الشريرة لمساعدتها في قتل أولادها.

نتيجة لخوف أولادها، قام إنكي بمساعدة الإلهة دامكينا بخلق مردوخ؛ غله عظيم بأربعة عيون وآذان للدفاع عنهم. فاتّحد أحفاد تيامات ضدها، مختارين مردوخ إله بابل لقيادتهم. حيث تسلّحوا ببركان، وركبوا عاصفة تقودها أربعة جياد نارية لمواجهة ربّة المياه المالحة.

وحين وقعت المعركة بين مردوخ والخالقة تيامات بصحبة كينغو، شريكها في الشر، نجح مردوخ في قتل كليهما عبر توجيه سهم قاتل إلى قلب تيامات، ثم صدع جثتيهما الوحشيتين إلى نصفين. حيث خلق الجنة من نصف جثة تيامات الأول، ومن نصفها الآخر خلق الأرض. كما شيّد في الجنة داراً مخصصاً لزملائه من الآلهة، إلى حين أدرك أنهم سيحتاجون عدداً من الخدم فقام باستخدام دم كينغو الشرير لخلق الإنسان الأول. وتلى ذلك بضعة مهمّات أخرى، كخلق الأنهار، النباتات والحيوانات.

أساطير الفرس – إيران

تقول الأساطير الفارسية أن العالم قد تم تكوينه على يد الإله ”أهورا مازدا“. حيث استمر ألهورز؛ الجبل العظيم، بالنمو لمدة 800 سنة حتى لامس السماء، وفي نقطة ملامستهما، أمطرت السماء مشكلة بحر ووروكاشا، ونهرين ضخمين آخرين. وهناك عاش الثور الأبيض، الحيوان الأول، على ضفاف نهر فيه-رود. لكن القوة الشريرة أنغرا ماينيو قامت بقتله، ونقلت بذوره إلى القمر حيث تم إنتاج العديد من الحيوانات والنباتات عبر هذه البذور.

وفي الضفة المقابلة للنهر عاش غايومارد، الإنسان الأول، وكان يلمع مضيئاً مثل الشمس، لكن أنغرا ماينيو قامت بقتله على حد سواء، فقامت الشمس بتصفية بذوره لمدة أربعين سنة، ثم ما لبثت هذه البذور أن أعطت عشبة الراوند، التي نمت لتعطي ماشيا وماشياناغ، أولى الآلهة الخالدة.

وبدلاً من أن تقوم القوة الشريرة أنغرا ماينيو؛ التي سبق وأن قتلت أول إنسان وأول حيوان، بقتل الخالدين، لجأت هذه المرة إلى الخداع عبر إقناعهما بعبادتها، وبعد 50 سنة، أنجبا أول توأمين وقاما بأكلهما تضحية للشمس، ثم عادا لإنجاب توأمين آخرين بعد مدة طويلة، ومن هذين التوأمين خُلق النسل البشري، لاسيما الفارسي على وجه التحديد.

أساطير الهند والهندوسية

تتراوح أساطير التكوين والخلق الهندية تماشياً مع التعقيدات الهندوسية، بين المواضيع الشائعة مثل قصص العمالقة ذوي الأطراف المنفصلة أو البيض السحري، وصولاً إلى العديد من الاختلاطات والشكوك الأرق تعبيراً حينما يتعلق الأمر بإمكانية معرفة أمور مثل تلك.

في قصة أولى، قامت الآلهة آنذاك بالتضحية بـ”بوروشا“؛ الإنسان الأولي، في سبيل عملية الخلق، حيث خُلقت السماء من رأسه والأرض من قدميه والشمس من عينه والقمر من عقله، إضافةً إلى الطوائف الهندوسية الأربعة التي انحدرت من جسده. أمّا الحيوانات والنباتات فوُجِدت من الدهون التي سالت منه تقطيراً أثناء التضحية.

وفي قصة خلق هندية أخرى تلت الأولى بعد وقت طويل، تضمنت الإله براهما، الذي خاض عملية طويلة بدءاً من لا شيء، حيث قام أولاً بخلق المياه، وحده كما يُعتقد، وأودع فيها بذوره، التي ما لبثت أن نمت متحولة إلى بيضة ذهبية، وُلِد هو نفسه في داخلها. بعد سنة، قام وحده أيضاً بشطر البيضة إلى نصفين حيث أضحى النصفان فيما بعد، بالطريقة المرئية، الجنة والأرض.

لكنّ الفلسفة الهندية تقدّم ردّاً أقل حرفية على هذه الألغاز الأبدية حيث تتأمل إحدى ترانيم ريغ فيدا — أولى نصوص فيداس المكوّنة من ١٠٢٨ ترنيمة تم تأليفها في الألفية الثانية قبل الميلاد في السنسكريتية — في مختلف القوى الكونية التي ربما صممت العالم، حيث تختتم بمقطع من إحدى أكثر الأمور الشكوكية المعقّدة، بادئة بقول ”لكن، في نهاية الأمر، من ذا الذي يعلم، ومن ذا الذي بإمكانه أن يقول، من أين أتى العالم، وكيف حدث الخلق والتكوين.“

قصة الكتاب المقدس والأديان السماوية

في إحدى قصص الخلق الأكثر تناقضاً مع كافة الروايات الأخرى، تملك النسخة اليهودية بساطةً وثقةً مستمدتين من صرامة فكرة التوحيد، حيث يُفتتح العهد القديم بعبارة ثقة كبيرة ”في البداية، خلق الله الجنة والأرض.“

قصة الكتاب المقدس والأديان السماوية
قصة الكتاب المقدس والأديان السماوية

يُعتقد أن سفر التكوين، الذي يصف حدوث عملية الخلق والتكوين، هو نتاج عمل الكهنة في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث قدّموا فيه إيحاء النظر حولهم لرؤية ما احتاج الله لخلقه ثم وضعوا بناءً على ذلك برنامج الخالق، وبما أن يوم السبت مقدّس بالنسبة لليهود و مكرّس كيوم للراحة، تطلب ذلك منهم إتمام المهمة بشكل يتناسب مع العمل لمدة ستة أيام فقط، حيث يعتبر البرنامج الناتج عملياً بشكل بارز، منذ البدء حينما كان كل شيء فارغ، باطل وظلامي وفائض بالماء في الوقت ذاته.

اليوم الأول، فصْل النور عن الظلام، النهار عن الليل. اليوم الثاني، صنْع الفراغ بين المياه المطوّقة عبر زيادة ارتفاع قبة السماء. اليوم الثالث، تقسيم المواد تحت تلك القبة بين أرض وبحر. اليوم الرابع، إعادة الانتباه إلى قبة الجنة عبر خلق الشمس والقمر والنجوم. اليوم الخامس، محين وقت وجود الكائنات في الماء والجو، متمثلاً بخلق الأسماك والطيور. اليوم السادس، على الأرض أيضاً أن تصبح مأهولة بالسكان، وهنا يتم خلق الحيوانات البرية من مختلف الأنواع، إضافة إلى الإنسان المخلوق على صورة الله للإشراف على كافة المخلوقات. وهنا تنتهي المهمّة، حيث يستريح الله في اليوم السابع، مقدّساً إياه.

لكن هذه الرواية تحوي عيباً واحداً، ألا وهو أن عالم الله يبدو مثالياً، لذا فعليه أن يكون كذلك بالفعل. ونحن نعلم تمام المعرفة أنه ليس مثالياً، فهنالك الأمراض، الذنوب، العنف، العار الجنسي، وحتى الموت. كيف لهذا أن يحدث؟

تؤمّن الرواية اليهودية جواباً مباشراً في الجزء الثاني من سفر التكوين. فكلّ شيء هو بالفعل كامل في جنة عدن، وكان ليبقى كذلك لو أن حواء لم تغوِ آدم للأكل من ثمار الشجرة التي حرّم الله عليهم لمسها، حيث تجلب تلك الثمرة وعياً بكل من الخير والشر، مما يؤدي إلى حدوث العار الجنسي كونهما عاريين، فبعد هذا الفعل المليء بعدم الطاعة تم نقل آدم وحواء إلى العالم الحقيقي الدنيوي، وما يحدث هناك هو خطؤهما، وليس خطأ الله!

أساطير الصين

على الرغم من وجود العديد من قصص الخلق والتكوين التي تتطور في الصين، تبقى أبرزها هي قصة ”بان كو“ الذي فقس من بيضة كونية، حيث كوّنت نصف القشرة الممركزة فوقه ما يعرف بالسماء، بينما كوّن النصف في أسفله الأرض.

يستمر بالنمو طولاً يومياً لمدة ١٨ ألف سنة، دافعاً إياهما تدريجياً بعيداً عن بعضهما، حتى يصلا إلى مكانيهما المحددين. وبعد كل الجهود التي بذلها، انكسر بان كو إلى عدة قطع. حيث تحولت أطرافه إلى جبال، دماؤه إلى أنهار، نفَسه إلى رياح، وصوته إلى رعد. كما كوّنت عيناه الشمس والقمر، إضافة إلى طفيليات جسمه التي تعتبر الجنس البشري.

أساطير اليونان

الآلهة اليونانية القديمة

وصف الإغريق ارتباطات غامضة بين كمّ الآلهة المتنوعة الضخم أثناء حركتهم التدريجية، كمجموعة من القبائل الهندية-الأوروبية، داخل منطقة اليونان الحديثة، حيث كان الناتج تعقيدات هائلة في الروايات التي تفسّر كيف بدأ كل شي بآلهة تتدافع للحصول على دور. يظهر زيوس، حاكم السماء، في نهاية الأمر كزعيم الآلهة. ويُعتقد بأنه الإله الأصلي الذي أحضره الإغريق معهم إلى اليونان الحديثة، لكن رواية بداية الكون اليونانية الأولى كُتبت على يد هيسيود، الشاعر الإغريقي، حوالي ٨٠٠ قبل الميلاد، وفيها يظهر مشهد حلول زيوس متأخراً.

تبدأ القصة ككثير من قريناتها، من خطيئة الفراغ، الفوضى، حيث تظهر غايا، الأرض، وتلد ابناً يدعى أورانوس، وهو السماء. وهنا ينوجد العالم، في كل من الأرض والفردوس، ويزود كل من غايا وأورانوس العالم بالسكان، وهم أبناؤهما. أولاً تنتج غايا الجبابرة، وهم على هيئة الأبطال من كلا الجنسين. لكنّ نتاجها فيما بعد يعد غير مرضٍ، حيث تقوم بتكوين سيكلوبس أو القبرصيين؛ كائنات بعين واحدة في منتصف جباهها، تبعها عدد من الوحوش غير المخطئة والتي تمتلك غزارة من الرؤوس والأيادي. الأمر الذي أفزع أورانوس، فقام بنفيها جميعاً إلى أعماق الأرض مما أهان غريزة غايا الأمومية، حيث أقنعت كرونوس؛ أصغر الجبابرة، بمهاجمة والده، فقام كرونوس بمفاجأة والده أورانوس أثناء نومه وقام بقطع أعضائه التناسلية عبر منجل ورماها في البحار. ثم حرر كرونوس إخوته وأخواته من زنزانتهم، وهم بدورهم أصبحوا سكان العالم.

لكن بما أن صفة عدم القدرة على الاستمرار في التناسل هي ما تميز ذكور تلك الجماعة، قام كرنوس، الذي لديه ستة أولاد، من أخته ريا، بأكل كل واحد من أبنائه فور ولادتهم، ومرة أخرى تتدخل الغريزة الأمومية، حيث قامت ريا بلف حجرة بقطعة من القمط وذلك لحماية أصغر أولادها وهو زيوس. فقام كرونوس بابتلاع تلك الحجرة بدلاً من ابنه، في حين أرسلت ريا طفلها ليتبناه والدا الرعاية.

وحين كبر زيوس، انتصر على أبيه وهزم كل الجبابرة في معركة كبيرة، ثم استقر في جبل أوليمبوس ليترأس عالماً ما لبث أن حقق فيه هدوءاً نسبياً. أثناء ذلك، وصل البشر إلى الأرض تدريجياً، ومن غير المعروف كيف. لكنّهم انوجدوا هناك بالفعل، لأن بروميثوس؛ الجبّار المتحرر فكرياً، قام بتهريب هدية ثمينة لهم، وهي النار.

وعلى الرغم من ذلك، لا يُعتبر هؤلاء البشريون السلف المباشر لكثير من اليونانيين، وهنالك الكثير من الروايات حول كيفية نشأة النسل الحالي من البشر، إحداها أن استياء زيوس من بروميثوس دفعه لإرسال فيضان لإغراق الجنس البشري لكن اثنين من البشريين استطاعا الهروب عبر سفينة ”ما يُعرف بفلك سفينة نوح“. وحين همد الفيضان، أخبرت نبوءة ديلفي الحورية هذين البشريين أن يلقوا وراءهما عظام سلفهم الأول، لأن هذا السلف بتفسيرهم هو غايا، الأرض. حيث قاموا برمي الحجارة على أكتافهما، ومن كل حجرة خُلق كائن بشري.

أساطير اليابان

إن أساطير التكوين اليابانية لا تقود حقاً إلى الإنسان الأول بقدر ما تقود إلى الإمبراطور الأول، الأمر الذي لا يُعتبر مفاجئاً كون الأساطير قد تم جمعها وكتابتها أوائل القرن الثامن الميلادي بأمر من العائلة الإمبراطورية، التي كانت تتوق لبرهان صلة مباشرة لها مع الآلهة، حيث أوضحت أن الآلهة امتلكت وجوداً طويلاً ومعقداً قبل وصول الإمبراطور.

تبدأ القصة بكتلة غير متبلورة وهي تعوم تشبه انزلاق المواد من البيض، إلّا أن تحركها أقرب للسمكة الهلامية. ومن تلك الكتلة، تظهر مادة شبيهة للقصب، وبدورها تنتج ثمانية أجيال من الإخوة والأخوات الآلهة، يقوم الزوج الثامن من الآلهة وهو إزاناغي (الرجل الداعي)، وإزانامي (الأنثى الداعية)، أثناء وقوفهما على جسر الفردوس العائم بالانحناء لتهييج مياه البحر عبر رمح، حيث يبدأ السائل بالتخثر ليكوّن البر ويلي ذلك نزول الإلهين إليه لبناء الركيزة الأساسية. وراء ذلك يأتيان سوياً بمرور مبهج للبراءة الإلهية، ليحاولا تكوين المزيد من الجزر والآلهة فكانت أولى تكويناتهما هي عبارة عن صدع (طفل لا يستطيع الوقوف في سن الثالثة؛ إيحاءً لجزيرة مكوّنة من الزبد)، وهذا يأتي نتيجة لتكلم المرأة أولاً في لقائهما الجنسي الأول. ومع إنشاء الشكليات الأساسية، قاما بتكوين العديد من الآلهة من ضمنهم الجزر الثمانية اليابانية، حيث تكاثر الآلهة (ليصبحوا ٨ مليون نسمة)، ليخوضوا العديد من المغامرات الدراماتيكية، مكونين الأساليب الأساسية للحياة كالنهار والليل، الصيف والشتاء.

وبعد حين، أرسلت إلهة الشمس حفيدها، نينيغي، ليحكم الأرض الوسطى لسهول القصب، وهي اليابان. وهناك منح نينيغي ثلاثة كنوز كرمز لسلطته؛ قلادة من الذهب (رمزاً للخير)، مرآة (رمزاً للطهارة)، وسيف (رمزاً للشجاعة)، ويعد ابن حفيده، جيمو-تينو، مذكوراً في أساطير اليابان على أنه الإمبراطور الأول، ولا تزال كلّ من القلادة والمرآة والسيف رموزاً للإمبراطورية اليابانية محفوظة داخل مزار شينتو المقدّس.

الأساطير الاسكندنافية (الجرمانية)

تعد القصة الأساسية للتكوين في الحضارات الاسكندنافية مشتركة بين الشعوب التي تكوّن الجزء المميز من الأسرة الهندية-الأوروبية، أي القبائل الجرمانية، التي انتقلت تدريجياً إلى الجنوب عبر أوروبا عن طريق جزر البلطيق. أين تم في اسكندنافيا تخزين الأساطير الجرمانية وحفظها في قصص آلهة الاسكندناف.

في البدء يكون العدم، ثم تدريجياً يمتلئ هذا الفراغ بالماء الذي يتجمد قبل أن يذوب جزئياً، ومن قطرات الماء الذائب يظهر كائن عملاق على هيئة البشر، يدعى يمير، حيث يتكوّن من إبطه امرأة ورجل عملاقين مثله، لكنّ بإمكانهما إنتاج الآخرين عبر وسائل أكثر تقليدية. حيث أنتجا بوري، والد لثلاثة أطفال هم أودين وفيلي وفي، إلّا أنه وفي تلك الأثناء، تقوم بقرة بلعق الجليد الذائب فتتحول إلى كائن عملاق آخر جعله الإله أودين (وطان) أدنى منزلة من الآخرين، ثم قام أودين وإخوته بقتل العجوز يمير، ومن لحمه خلقوا الأرض، من جمجته الجنة، من دمه البحر، من عظامه الجبال ومن شعره الأشجار.

كما بنى أودين مكاناً لنفسه ولزملائه من الآلهة ليسكنوا فيه متصلاً بالأرض عبر جسر من قوس القزح، إضافة إلى قيامه بترتيب ديدان جثة يمير؛ الذي اتخذ هيئة الإنسان الواهن كقزم، ليحافظ على ما هو جسده الآن، تحت سطح الأرض. أمّا على الأرض، قام أودين وزملاؤه بنفخ الحياة في جذعي شجرتين محولين إياهما إلى آسك وإمبلا؛ أول رجل وامرأة بشريين.

وإلى جانب الأساطير التي اختلفت في سردها لطريقة تكوين هذا العالم يبقى للعلم رأيه في تفسير هذا اللغز الكبير لانطلاقة الحياة، وتعد أبرز هذه النظريات، نظرية الانفجار العظيم، تباعاً مع تطور الأرض بموادها وكائناتها، حتى وصولنا إلى مرحلة قراءة هذا المقال كوننا بشر بعقول متطورة تمكننا من فعل الكثير.

نظرية الانفجار العظيم The Big Bang theory ونظرية التطور The Theory of Evolution

تعد إحدى النظريات الأكثر تقبلاً في العالم حول أصل العالم وكيفية تطور الكون، حيث توضّح النظرية أن الكون كان نقطة شديدة الحرارة والكثافة وذلك قبل حوالي ١٣.٧ بليون سنة. فكيف تحوّل الكون من كونه ضئيلاً جداً (بضعة ميليمترات) إلى حالته الحالية؟ بالتأكيد تطلب الأمر أكثر من سبعة أيام لتكونه.

على عكس الشائع، لم يكن الانفجار العظيم في الحقيقة انفجاراً في الفضاء كما يشير الاسم، بل كان ظهور الفضاء في كل مكان من الكون، كما أشار العلماء. وحين كان الكون ضئيلا جداً، خضع لتضخم كبير شبيه بالانفجار النمائي، خلال هذا الانفجار التمددي المعروف بالتضخم، توسع الكون أضعافاً مضاعفة تعادل ٩٠ مرة من حجمه الأصلي. وتلا ذلك التضخم استمراراً في نمو الكون بمعدل أبطأ.

ومع توسع الفضاء، انخفضت حرارة الكون وبدأ تشكل المادّة حيث تم تشكل عناصر كيميائية خفيفة في الدقائق الثلاثة الأولى التي تلت تكوّن الكون. أدّى انخفاض الحرارة، إلى اصطدام البروتونات والنيوترونات مكوّنة الديوتريوم، وهو أحد نظائر الهيدروجين، الذي أدّى اتحاده بكميات كبيرة إلى تكوين الهيليوم.

ولمدة ٣٨٠٠٠٠ سنة بعد الانفجار العظيم، منعت شدة الحرارة، الناتجة عن تشكّل الكون، الضوء من السطوع. فاصطدمت الذرات معاً بطاقة كافية لتنفصل إلى بلاسما مكثّفة ومبهمة من البروتونات والنيوترونات والالكترونات التي نثرت الضوء بشكل يشبه الضباب، ثم بردت المادة بشكل كافٍ لاتحاد الالكترونات مع النوى لتشكيل الذرات المحايدة، وتعرف هذه الحالة بطور ”إعادة التركيب“، حيث يعد امتصاص الالكترونات الحرة هو السبب وراء شفافية الكون. وتلت تلك المرحلة فترة من الكمون قبل تشكل النجوم والأشكال الأخرى البرّاقة.

وبعد حوالي ٤٠٠ مليون سنة من الانفجار العظيم، بدأ الكون في تخطي مرحلة كمونه، الأمر الذي يعرف في تطور الكون بعصر إعادة التأين. وتم الاعتقاد أن هذا الطور الديناميكي قد استمر لأكثر من نصف بليون سنة، إلّا أن العلماء يعتقدون حديثاً أن الأمر حصل بسرعة أكبر مما تم اعتقاده سابقاً. وأثناء ذلك، تقلّصت كتل من الغاز بشكل كافٍ لتكوين أولى النجوم والكواكب، ثم تباعدت الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة عبر هذه الأحداث الطاقاتية لتدمر معظم غاز الهيدروجين المحايد المحيط بها. حيث أدت عملية إعادة التأين؛ إضافة إلى إجلاء ضباب غاز الهيدروجين، إلى جعل الكون شفافاً بالنسبة للأشعة فوق البنفسجية، لأول مرة في تاريخه.

ويقدر العلماء أن نظامنا الشمسي تم تكوينه بعد أكثر من ٩ بليون سنة من حدوث الانفجار العظيم، مما يجعل عمره حوالي ٤،٦ بليون سنة. وبناءً على التقديرات الحالية، تعتبر الشمس واحدة من أكثر من ١٠٠ بليون نجمة في درب التبانة وحدها. كما تعتبر الشمس إضافة إلى باقي نظامنا الشمسي مكونة من سحابة غاز وغبار ضخمة، تُعرف باسم السديم الشمسي. وإضافة إلى النجوم التي تكونت إثر التضخم، كانت إحدى الكواكب المتكونة في المجرة هي كوكبنا الحالي، وهو الأرض.

خلال ملايين السنين التي تلت تكونها، طوّرت الأرض محيطاتها السائلة، مشكلة القارات الصخرية والبرية، إضافة إلى الغلاف الجوي البدائي المفتقر للأوكسجين. نتيجة لهذه الظروف الحاصلة، تم ظهور أول حياة على الأرض، وغالباً تكوّنت في المحيطات. حيث كانت أولى حيوات الأرض عبارة عن كائنات بسيطة وحيدة الخلية ذات حمض نووي قابل لإعادة الإنتاج.

قبل حوالي ٣،٥ بليون سنة، تكونت البكتيريا الزرقاء البسيطة وهي خالية من النوى، وقامت بإنتاج الأوكسجين عبر عملية التركيب الضوئي، محولة الغلاف الجوي الخالي من الأوكسجين إلى غلاف مطوّر يدعم نشوء حيوات أكثر تعقيداً، منها الكائنات التي تمتلك خلايا ذات نوى، أضحت وفي نهاية المطاف، قادرة على التكاثر الجنسي كطريقة للإنتاج.

وخلال الفترة الزمنية التالية لتطور الحياة على الأرض، كانت أولى الحيوانات المعقدة المتكوّنة هي أسلاف شبيهة للديدان، حيث انتهت العصور الجليدية الطويلة بآخر طور لها قبل حوالي ٣٦٥ مليون سنة. فأدّت الفترة الدافئة اللاحقة إلى توفر شروط فُضلى في البحر قادت إلى طور الانفجار الكمبري الذي حدث قبل ٥٤٠ مليون سنة. مما أدّى إلى تكون جميع المجموعات الحديثة من الحيوانات، منها الكائنات الحلقية (الديدان) وقناديل البحر وشقائق النعمان والاسفنجيات والكائنات ذوات القوائم الفرعية والطحالب والرخويات ومنها الحلزون، والمفصليات كالعناكب والحشرات والسلطعون، وصولاً إلى الحبليات التي تعتبر سلفنا المشترك. واستمر التطور حتى وصول البرمائيات والديناصورات وأولى أنواع الثدييات.

وخلال هذه الفترة أيضاً، وصلت أولى النباتات الأرضية إلى القارات، وتباعدت إفريقيا عن أمريكا الشمالية مشكلة المحيط الأطلسي. حيث امتلأت الأرض بجماعات كبيرة من الحيوانات التي نعهدها اليوم.

أمّا الفترة الثالثة، فتبدأ حين اصطدم جسم فضائي ضخم بالأرض — ترك أثره حالياً في شاطىء يوكاتان في المكسيك — مما أدى إلى ظهور موجات عالية جداً في المناطق الشاطئية محدثة فيضانات في غالبية المساحات البرية على الأرض.

اصطدام جسم فضائي ضخم بالأرض قبل ٦٥ مليون سنة
اصطدام جسم فضائي ضخم بالأرض قبل ٦٥ مليون سنة

تلا ذلك إعادة دخول العديد من الأحجار النارية التي رفعت درجة حرارة الأرض لتصبح قريبة من الاحتراق. لكن الكميات الكبيرة من جسيمات الغبار الناتج قامت بمحاوطة الأرض مسببة انخفاض درجة الحرارة التي أدت إلى ذبول معظم النباتات على الأرض، الأمر الذي سبب موت العديد من الحيوانات جوعاً. فأصبحت٩٠٪‏ من إجمالي الفصائل على الأرض معرضة للإنقراض، وحوالي ثلثي الفصائل التي انقرضت بالفعل لم يعرف أثراً لها، من ضمنها الديناصورات.

إلّا أن هذا الأمر ساعد على إيجاد فرص لظهور عدد من الثدييات والطيور والعديد من الحيوانات الأخرى على الأرض، وأمّن الظروف المناسبة لسرعة الانتشار في سبيل تشكيل كائنات مطوّرة عن الأصلية. حيث ظهرت تصنيفات الثديات، متضمنة الجرابيات كالكنغر والحشرات كالخلد والذبابة وأرنبيات الشكل وآكلات اللحوم كالكلاب والقطط والدببة، وظهرت القوارض كالفئران والجرذان والخفافيش والثديات البحرية كالحيتان والدلافين ومزدوجات الأصابع كالزرافات والغزلان والمواشي ومفردات الأصابع كالأحصنة وعديمي الأسنان كحيوان المدرع والوبريات. إضافة إلى ظهور السلف الأساسي للإنسان، كالقرد، في تلك الفترة وذلك خلال حوالي عشرات ملايين السنين التي تلتها.

التطور

كيف تطور سلفنا القرد ليصل إلى هيئة الإنسان؟ توثق السجلات أن القرد قد تطور أولاً ليصل إلى هئية كائن شبيه بالإنسان ذو قدمين، حيث حدث ذلك في القارة الإفريقية خلال فترة التقلبات المناخية وطور البرودة والجفاف. وقبل حوالي ٥ مليون سنة، كانت أسلاف الكائنات تمشي على الأرض بشكل قائم، لكنها كانت ماتزال تمتلك أدمغة صغيرة شبيهة للقردة.

ثم ظهر فرعا تصنيف أسلاف الإنسان، قبل حوالي مليوني سنة؛ التصنيف الأول هو أسترالوبيثيكوس؛ الإنسان القرد، لذوات الأدمغة الصغيرة، والأسنان القوية الكبرى (تحتم عليها الانقراض)، والثانية لذوات الأدمغة الكبرى التي طوّرت فك أصغر، وهي ما يعرف الآن بالإنسان الحالي.

وفي نهاية الأمر، تبقى الأساطير التي تراها غريبة بالنسبة لك، إيماناً حقيقياً بالنسبة لمن يؤمنون بها. الأمر الذي ينطبق على معتقداتك بالطريقة ذاتها. فليس العيب أن يكون أصل الإنسان بيضة سحرية، نبتة مقدسة، آدم وحواء، أو سلف من القردة، طالما أن حاضره إنسانية تليق بتطور الأساطير والعلوم على حد سواء.

مقالات إعلانية