in

خمس (5) من أغبى محاولات اغتيال الزعيم الكوبي الراحل (فيدال كاسترو)، خططت لها الولايات المتحدة الأمريكية

فيدال كاشترو جالس على مكتبه يضحك

مثل الموت الهادئ للزعيم الكوبي (فيدال كاسترو) مناسبة مثالية للكثير من رؤساء الدول والسياسيين النافذين حول العالم لتقديم تعازيهم لأسرة الرئيس السابق وشعبه ويدلوا بكلمات محترمة مخلّدة لذكراه في التاريخ، وكانت الكثير من هذه الشخصيات السياسية البارزة والنافذة على غرار (فلاديمير بوتين) و(ميخائيل غورباتشوف) من روسيا و(تيريزا ماي) و(جيريمي كوربين) من بريطانيا، و(جاستين ترودو) من كندا، و(باراك أوباما) و(هيلاري كلينتون) من الولايات المتحدة جميعا قد أطلقوا على الرئيس الكوبي الراحل لقب ”الرجل المهم“، و”الشخصية البارزة“، و”بطل العدالة الاجتماعية“ مثلما سماه (جيريمي كوربين).

غير أنه مثل عادته، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا (دونالد ترمب) صادمة تماما مثلما قد يتوقعه الجميع منه، فلم يتوان عن الإشارة لـ(كاسترو) بلقب ”الديكتاتور القاسي الذي قمع شعبه لقرابة الستة عقود“، وأن ”إرث (فيدال كاسترو) الذي تركه وراءه لا يقتصر سوى على فرق الإعدام، واللصوصية، والمعاناة الرهيبة، والفقر، وحرمان الناس من أدنى أساسيات حقوق الإنسان“.

مهما كان ما تظنه عزيزي القارئ حول مقاربات (دونالد ترمب) الدبلوماسية، فإن نظرته هذه تجاه (فيدال كاسترو) لم تكن غريبة ولا بعيدة عن نظرة من سبقوه في حكم أمريكا، حيث كانت الحكومات الأمريكية المتعاقبة لمدة العقود الستة التي حكم فيها كوبا ترى فيه مشكلة كبيرة، وشوكة في حلقها، وبسبب ذلك عاش (كاسترو) معظم حياته مستهدَفا، على أعقابه قتلة مؤجورون لم يتوانوا عن محاولة تصفيته لمدة 58 عاما عاشها معاديا لـ11 رئيسا أمريكيا متتاليا.

وفقا لأحد الأفلام الوثائقية من إعداد القناة الرابعة البريطانية، خططت الحكومة الأمريكية على الأقل لقرابة 638 محاولة اغتيال ضد الرئيس الكوبي الأسبق، لكن الكثير من هذه المحاولات لم يتجسد على أرض الواقع، ولم يتعدى مجرد كونه مخططا لا أكثر، كما أنها جميعها لم تنجح في تحقيق الهدف المرجو منها بدون شك، وخير دليل على ذلك الموت الهادئ الذي حظي به (كاسترو).

فشلت بعض هذه المخططات بسبب سوء الحظ، أو سوء التخطيط، وبعضها كان فشله راجعا لأسباب مجهولة أو تغيرات مفاجئة في الأحداث، وبعضها الآخر لم يكن فاشلا إلا لكونه غبيا ببساطة.

في مقالنا هذا على موقع ”دخلك بتعرف“ قائمة بستة محاولات اغتيال أقل ما يقال عنها أنها ”غبية“ استهدفت بها حكومة الولايات المتحدة (فيدال كاسترو):

1. الاستعانة بمنظمات المافيا في (لاس فيغاس):

(سالفاتوري جيانكانا)، و(جوني روزيلي)، و(سانتو ترافيكانتي)
(سالفاتوري جيانكانا)، و(جوني روزيلي)، و(سانتو ترافيكانتي)

لم تكن الدماء التي أسالتها ثورة (فيدال كاسترو) سنة 1959 قد جفت بعد من شوارع العاصمة (هافانا) عندما قررت الولايات المتحدة تصفيته وبدأت حكومتها تحيك له الدسائس من أجل اغتياله.

قبل (كاسترو)، كانت كوبا تحت سيطرة رجل يعرف باسم (باتيستا)، الذي جعلها مفتوحة لأي نوع من الأعمال المتاحة سواء كانت شرعية أم غير شرعية، ومنه جعلت المافيا الأمريكية لنفسها فيها موطأ قدم وافتتحت فيها الكثير من الاستثمارات المشبوهة.

وبما أن النظام الشيوعي الجديد مثل مصدر تهديد لمشاريع المافيا واستثماراتها في كوبا، قَبل أعضاء من منظمة المافيا في (لاس فيغاس) Las Vegas Sydicate مقترحا من طرف وكالة الاستخبارات الأمريكية بقتل واغتيال الزعيم الحديث آنذاك (فيدال كاسترو).

لم تكن هناك خطة محددة للقيام بذلك، وكل ما حدث أن قام رجل يدعى (روبيرت مايهيو) بالتقرب من رجل العصابات (جوني روزيلي) في (لاس فيغاس)، الذي قدمه بدور إلى رفاقه من رجال العصابات وهم (سالفاتوري جيانكانا) و(سانتو ترافيكانتي) من أجل مناقشة موضوع مشكلة كوبا وتسطير برنامج للتخلص منها نهائيا.

كان (مايهيو) ضابط استخبارات متخصص في الجوسسة المضادة لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية، الذي أدلى بشهادة فيما بعد أمام مجلس الكونغرس الأمريكي اعترف فيها عن كونه رجل ”المهام القذرة“ التابع لأحد أقسام الوكالة الذي لم تكن تريد أن تربطها به أية صلة مباشرة، ووفقا لشهادته تلك، فقد كان قد عرض على (روزيلي) مبلغ 150 ألف دولار باسم الـCIA من أجل القضاء على (كاسترو) بأية طريقة يراها مناسبة، لكن (روزيلي) رفض المبلغ وعرض القيام بالخدمة مجانا.

جاء (جيانكانا) بفكرة دس السم بواسطة حبوب سامة في طعام أو شراب (كاسترو) في سبيل القضاء عليه، ثم تم بعد ذلك إعداد حبوب حمض السيانيد السامة من طرف قسم الخدمات التقنية التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وأُرسل بها إلى أحد عملاء (جيانكانا) في كوبا الذي عُرف باسم (أورتا).

في نهاية المطاف، فشل (أورتا) في التقرب بالشكل اللازم من (كاسترو) في الكثير من المناسبات في سنة 1960، ثم تم إيعاز المهمة بعد ذلك إلى طبيب محلي يدعى (أنثوني فيرونا).

منحت وكالة الاستخبارات الأمريكية (فيرونا) مبلغ 11 ألف دولار من أجل التحضير لمهمته وتنفيذها، وهو الأمر الذي فشل فيه هو الآخر وتخلى عن المهمة في نهاية المطاف بعد أحداث ”خليج الخنازير“.

توقفت بعد ذلك جميع محاولات منظمات المافيا في اغتيال (فيدال كاسترو)؛ حيث بدا أنهم علموا تماما متى يوقفون خسائرهم ويتخلون عن مسعاهم، وهو الأمر الذي قاموا به بالضبط في سنة 1961.

2. استخدام عشيقته ضده:

الرئيس الكوبي السابق (فيدال كاسترو) رفقة عشيقته (ماريتا لورنز)
الرئيس الكوبي السابق (فيدال كاسترو) رفقة عشيقته (ماريتا لورنز).

بعد فشل المخطط الأول، أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية عملية (مونغوز) Moongoose، وهو برنامج كلف الخزينة 4.4 مليون دولار سنويا يقضي بتجنيد المنفيين من كوبا تحت حكم (كاسترو)، وتدريبهم على أن يصبحوا عملاء متخفين داخل كوبا يعملون لصالح الولايات المتحدة، وكان من بين هؤلاء المجندين امرأة تدعى (ماريتا لورنز).

وفقا لوثائق رسمية، وبعض الروايات الشخصية التي قصتها خلال حوار لها مع مجلة (فانيتي فير) سنة 1993، التقت (لورنز) بـ(فيدال كاسترو) في زمن الثورة الكوبية وأصبحت صديقة له، وبعد ذلك تطورت صداقتهما لتتتحول إلى علاقة غرامية، فكان بإمكانها دخول منزله في أوقات متأخرة من الليل دون مساءلة من أحد، وجعلها ذلك واحدة من أفضل الأدوات التي استخدمتها الحكومة الأمريكية للقضاء عليه، لأنها وبكل بساطة كان بإمكانها تنفيذ المهمة في أكثر اللحظات التي يكون فيها وحيدا وأعزلا.

جهزتها الـ(سي آي آي) CIA بحبوب سامة قادرة على قتله في غضون ثلاثين ثانية بعد وضعها في شرابه، ومن بين جميع محاولات اغتيال (فيدال كاسترو)، كانت هذه أفضلها وأقربها لتحقيق الهدف المنشود.

لسوء الحظ، قامت (لورينز) بإدخال الحبوب إلى غرفة (كاسترو) داخل جرة من الآيسكريم البارد جدا، وهو الأمر الذي تسبب في تحللها بسرعة قبل استعمالها، وبإدراكها بأن هذا أفشل خطتها قبل حتى الشروع فيها، فضلت (لورنز) أن تعترف لـ(كاسترو) بمخططها والمهمة التي جاءت من أجلها، وصارحته بكل شيء.

وفقا لها، ثارت ثائرة (كاسترو) ليس ضدها بل ضد الحكومة الأمريكية التي لم تكف عن محاولة قتله مستخدمة جميع الوسائل حتى غير الأخلاقية منها، ثم مد يده وسحب مسدسه من جرابه وشحنه بذخيرة حية ووضعه في يدها وراهنها بأنها لن تستطيع إطلاق النار عليه، وهو الأمر الذي اعترفت بأنها وجدت نفسها عاجزة عنه، ثم ألقت بالمسدس أرضا، وارتمت في أحضانه ومارسا علاقة حميمية طوال تلك اللية، وفي الصباح الموالي، قالت بأنها هجرته للأبد هو ووكالة المخابرات الأمريكية وكل ما يتعلق بهما.

3. استهداف سمعته ومحاولة إلحاق الضرر بشهرته:

أدى فشل مهمة (لورنز) ببرنامج (مونغوز) إلى التقهقر هو الآخر، فتواصل فشل كل المهمات التي خططت لها الحكومة الأمريكية من أجل تصفية (كاسترو)، التي عمدت بعدها إلى مخطط آخر، وهو حرب البروباغاندا الإعلامية التي هدفت من ورائها إلى تشويه سمعته وإضعاف شوكته بين أفراد شعبه.

بالوصول إلى هذه المرحلة، كان برنامج (مشروع كوبا) Cuba Project يستهلك حوالي خمسين مليون دولار سنويا من خزينة الحكومة الأمريكية، كما تطلب تجنيد حوالي 2500 عميل على مدار الساعة، الذين انقسموا بين عملاء كوبيين وحوالي 500 مواطن أمريكي يعملون لدى كل من وكالة الاستخبارات، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الدفاع.

كان أحد جنرلات سلاح الجو الأمريكي هو من تولى إدارة وقيادة هذا المشروع، والذي كان يرسل بالتقارير مباشرة إلى البيت الأبيض، حيث كان مسؤولون رفيعون داخل مكتب الحكومة يقومون بتنسيق المهمات المتعلقة بالبرنامج بين مختلف أقسام الحكومة من وزارة الشؤون الداخلية، ووزارة العدل، ودائرة الهجرة والمهاجرين، ووكالة الإعلام الأمريكية.

لم يرد في الوثائق ذكر لتورط أي من وكالة ناسا للأبحاث الفضائية، ولا وكالة براءات الاختراع، ولا وزارة الصحة، لكن لا أحد يستبعد كونها قد تكون تورطت في هذا المشروع الهائل.

أُطلق مشروع حرب البروباغاندا الإعلامية هذا ضد (فيدال كاسترو) بعد كارثة ”خليج الخنازير“ التي خصصت فيها الحكومة الأمريكية مكافآت مغرية لكل من ينجح في قتل مسؤولين كوبيين كبار، كما قامت بتوزيع مناشير على كل الأراضي الكوبية عبر إلقائها من الجو تشرح فيها قيمة الجوائز الموضوعة على رؤوس هؤلاء المسؤولين التي وصلت إلى المليون دولار للشخص الواحد.

وفيما يبدو خطوة من أجل تذليله والإنقاص من قيمته، حددت مكافأة من ينجح في قتل (فيدال كاسترو) بمجرد 2 سنتات، غير أن هذه الخطوة لم تؤثر أبدا على سمعته ولا على قوة شخصيته بين أفراد شعبه، كما لم تحرض رفاقه المسؤولين في حكومته على الإطاحة به، لأنها لم تنجح في جعلهم يشعرون بأنهم أكثر أهمية منه نظرا للفرق الهائل بين المكافآت على حياتهم وحياته.

4. استخدام السيجار:

فيدال كاسترو يدخن السيجار في مكتبه في هافانا سنة 1977
كان (فيدال كاسترو) يعشق تدخين السيجار الكوبي.

تلى فشل الخطط السابقة إحدى أشهر محاولات اغتيال (كاسترو) وأكثرها سخافة في آن واحد، حيث خططت وكالة الاستخبارات المركزية لاغتياله عن طريق سيجار يحتوي على قنبلة صغيرة داخله، التي بمجرد إشعاله تنفجر وتقضي على وجهه كاملا، غير أن بعض المسؤولين الحكوميين ادعوا أن هذا المخطط بالذات لم يكن ينظر إليه بجدية إطلاقا، بل لم يتعدى مجرد كونه قصة ترويجية لتغطية وتمويه مخططات أخرى أكثر جدية، مثل ذلك المخطط في سنة 1963 الذي هدف إلى تسميم سيجاره بواسطة عقارات الـ(أل آس دي) المهلوسة وجعله يهذي، ثم تطور هذا المخطط بعد فشله في المرة الأولى إلى محاولة ضخ غاز مشحون بعقارات الـ(آل آس دي) المهلوسة داخل الاستوديو الذي كان يدلي فيه بخطاباته على أمواج الراديو، وجعله يهلوس أمام الملايين مما سيجعل سمعته تنهار على الهواء مباشرة.

تضمنت كذلك بعض مخططات وكالة الـCIA تلويث خزان الأكسجين الذي كان يستعمله لدى عمليات الغطس التي كان يحب ممارستها بالبكتيريا المسببة لمرض السل، كما تضمن مخطط آخر تلويث بزة الغطس خاصته ببعض المواد الكيميائية التي ستجعل شعر جسمه يتساقط.

وفي واحدة من أكثر هذه المخططات مكرا، تضمنت إحدى المقترحات دس قنبلة في واحدة من الصدفات الملونة وتفجيرها لدى اقتراب (كاسترو) منها أثناء واحدة من رحلات الغطس خاصته، وهو المخطط الذي ورد في تقارير وكالة الاستخبارات المركزية أنها رفضته ولم تعره أي انتباه.

5. القلم السام:

(فيدال كاسترو) يأكل المثلجات على متن أحد القطارات في مدينة (نيويورك) سنة 1959
(فيدال كاسترو) يأكل المثلجات على متن أحد القطارات في مدينة (نيويورك) سنة 1959

بين سنتي 1963 و1966، خططت الحكومة الأمريكية لمئات الطرائق التي قد تغتال من خلالها الرئيس الكوبي الراحل، لكن قليلا منها من تطور من مجرد أفكار ومقترحات ليتحول إلى واقع ملموس على الأقل. من بينها كان موضوع القلم السام، الذي يحتوي على سم قاتل تفرزه إبرة دقيقة جدا في جسم (كاسترو) لدى لمسه، وكانت الابرة دقيقة لدرجة لن يحس بوخزها -على الأقل نظريا-.

بدا أن أول نسخة من هذا المخطط قد تم تطويرها في صائفة سنة 1961، ثم تم تعليقها لمدة معتبرة من الزمن.

لم تكن محاولات اغتيال (كاسترو) السابقة باستخدام السم ناجحة جدا، بل في الواقع كانت أكثرها فشلا، ففي سنة 1961، تمكن أحد ضباط المخابرات الأمريكية يدعى (ريتشارد بيسال) بتهريب أحد أنواع السموم القاتلة إلى داخل أحد المطاعم المحلية، ونجح في إقناع موظف هناك بأن يجعله داخل قمع البوظة التي داوم (كاسترو) على اشترائها من هناك بصورة يومية.

للمفاجأة، لم يعرج (كاسترو) بعدها بذلك المطعم من أجل شراء البوظة كعادته إطلاقا، ثم اختفى موظف المطعم الذي كان من المقرر أن يدس له السم على إثر اعتقال قوات الأمن الكوبية له، مما يدل على أن (كاسترو) كشف عن المخطط، وبعد ذلك عثرت الشرطة الكوبية لدى التحقيقات التي أجرتها على السم داخل أحد معدات التبريد في المطعم.

تحمل المسؤولية:

(فيدال كاسترو) يدلي بأحد خطاباته.
(فيدال كاسترو) يدلي بأحد خطاباته.

بحلول سنة 1974 فقدت أجهزة الأمن القومي الأمريكية السيطرة على نفسها، وراحت تقترف الكثير من الفظائع على عدة جبهات، فقد ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي بمشروعه (كوينتيلبرو) الذي تأسس تحت إمرة الرئيس (آيزنهاور) إلى بعد آخر جديد كليا قام خلاله بإثارة أعمال شغب في كوبا، وأمر حتى باغتيال مسؤولين ساميين وتسبب في مقتل الكثير من اليساريين في البلد.

اعتمد البنتاغون كذلك نسخته الخاصة من المشاريع المضادة لنظام (كاسترو)، وهو عملية (نورثوودس) التي كان من المفترض أن تتضمن قوارب كوبية مسلحة تهاجم بارجة مدمرة أمريكية خلال الليل ثم استخدام هذه الذريعة في مهاجمة كوبا بشكل رسمي، إلا أن هذا المخطط نُقل إلى الجنوب الشرقي للقارة الآسيوية واستخدم في افتعال حرب الفيتنام التي لم تخلف إلا الضحايا وانتهت بشكل مأساوي في سنة 1973.

بينما اشتبه في أن الرئيس (نيكسون) نفسه قد يكون تورط في الموضوع بشكل شخصي وأسس فرقة قتل واغتيال خارج جدران البيت الأبيض التي عنيت بمحاولة تصفية الرئيس الكوبي (كاسترو)، وعلى إثر ذلك، وإلى جانب قضية (ووترغايت)، شكل الكونغرس الأمريكي لجنة ”مجلس الكنيسة للتحقيق في الاغتيالات“، للتحقيق في جميع المسائل التي تورطت فيها أجهزة الأمن الأمريكية داخل وخارج الولايات المتحدة، ومن بينها قضايا محاولات اغتيال (كاسترو).

بدأت هذه اللجنة محاضر الاستماع خاصتها في سنة 1975، وسرعان ما شد ذهول أعضائها ما أدلى به الشهود من شهادات صادمة، فقد كانت محاولات اغتيال (كاسترو) قمة الرأس الجليدي فقط وما خفي كان أعظم من ذلك بكثير؛ فبالعودة إلى سنة 1952، كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية قد استعملت نازيين هاربين من أجل دراسة أساليب التعذيب وعمليات غسيل الدماغ تحت مشروع MKULTRA، وتسببت في الإطاحة بالعديد من الحكومات في العالم، كما كانت تقتل كل من ترغب في وسمه على أنه شيوعي، وبالإضافة إلى ذلك قامت بتهريب كميات هائلة تفوق طاقة الاستيعاب من الهيروين من كل من (اللاوس) و(كمبوديا) خلال حرب الفيتنام.

لم تقم هيئة لجنة الكنيسة للتحقيقات التي حققت في كل هذه المواضيع بنشر هذا الغسيل القذر أمام الجميع بالطبع، لكن تسريبات من هنا وهناك أدت إلى فضح جميع ما سبق ذكره، مما دفع بالرؤساء اللاحقين بالشعور بضرورة إجراء تغييرات جذرية وكبح جموح أجهزة الأمن، وهذا بالضبط ما قام به الرئيس (فورد) تحت ضغط من الكونغرس عندما أصدر الأمر التنفيذي الرئاسي رقم 11905 الذي يحظر الولايات المتحدة وجميع موظفي حكومتها من التخطيط لقتل واغتيال أي فرد من أفراد الدول المعادية لها، مهما كان يبدو لها خطيرا ومصدر إزعاج.

تم تعويض الأمر التنفيذي رقم 11905 من طرف الرئيس (ريغن) فيما بعد الذي أصدر الأمر التنفيذي رقم 12333 الذي دعم بنود أمرية (فورد) وأضاف عليها الكثير من البنود الأخرى التي تقيد من صلاحيات أجهزة الأمن.

انتهى (مشروع كوبا) أخيرا في منتصف سبعينات القرن الماضي، وتم إلغاؤه على الرغم من أن الشائعات استمرت لعقود لاحقة بمواصلة حكومات المولايات المتحدة المتعاقبة محاولاتها في الإطاحة بنظام (كاسترو).

في نهاية المطاف، ُذكر أن سبب وفاة (كاسترو) كان أزمة قلبية، لكن من يدري ما قد يكون حدث بالفعل؟

مقالات إعلانية