in

أعجوبة العالم الثامنة تعود بعد أكثر من 130 عاما من الإختفاء

أعجوبة العالم الثامنة

كان يا ما كان، في قديم الزمان، في العاشر من شهر حزيران عام 1886، ثوران بركاني عنيف على بحيرة تدعى ”روتوماهانا“ في جزيرة نيوزلندا الشمالية.

انبثقت الصهارة المضغوطة من عمق البركان لتجابه بقوتها وبطشها صفاء البحيرة وهدوءها، ونتيجة لهذا السلوك الفيزيائي العجيب غير مفسّر حتى الآن، انطلقت سلسلة من الانفجارات الهائلة وتدفقات الحمم الحارة.

بهدوء الثوران، أشارت التقديرات إلى أنّ هذه الحادثة حررت طاقة أشد وأكبر بكثير من أكبر قنبلة نووية تم تفجيرها يوما.

”التسار بومبا“، كما تعرف، تدمرت على إثرها واحدة من أكثر التشكيلات الطبيعية ندرة على الأرض، وتدعى: ”المدرجات الوردية والبيضاء“، والتي كانت تعتبر إلى حد ما الأعجوبة الثامنة من عجائب الدنيا، والمعروفة أيضاً باسم: ”ينبوع السماء الغائمة“ (بالنسبة للمصاطب الوردية اللون)، و”الصخور الموشومة“ (المصاطب البيضاء)، حيث تشكلت في الأصل نتيجة التراكم البطيء والمستمر لرواسب غنية بالسيليكا مصدرها الينابيع الجوفية الحارة. لكن وفقاً للاعتقادات الشائعة التي تم تناقلها في ذلك الوقت، فإنّ حادثة الثوران البركاني العظيم في عام 1886 كانت سبباً في انمحاق هذه الظاهرة الطبيعية وتلاشيها كلياً، مما أدى بالباحثيين، منذ ذلك الحين، بالبحث والتقصي عن أي حطام أو آثار متبقية منها، ولكن دون جدوى، إلى أن جاءت مجلة دراسات نيوزلندا عام 2016 مُدّعية بتحقيقها تقدماً في هذ البحث.

يعود الفضل في هذا النجاح إلى مذكرات عالم الجيولوجيا ”فرديناند فون هوكستيتر“ التي كتبها بحلول القرن التاسع عشر، والتي تم استرجاعها من المتحف في عام 2010، حيث استعان بها أمين مكتبة أبحاث ومؤرخ، واللذان توصلا في النهاية إلى خلاصة تشرح بدقة موقع المدرجات الوردية والبيضاء وبتفاصيل لم يسبق لها مثيل.

استناداً إلى الملاحظات الميدانية -وليس إلى خريطة فعلية- قام هذان الباحثان بتضييق عدد الاحتمالات إلى أقل قدر ممكن حول مكان وقوف هوكستيتر عند وصفه لهذه المدرجات طوال تلك السنوات.

النشاط البركاني القابع تحت بحيرة روتوماهانا والذي لا يزال نشطا إلى يومنا هذا
النشاط البركاني القابع تحت بحيرة روتوماهانا والذي لا يزال نشطا إلى يومنا هذا

وفقاً لتحليلاتهما، فإنّه قد تم تقسيم المدرجات إلى ثلاثة أجزاء ولم يتم العثور عليها في بحيرة روتوماهانا، بل على العكس تماماً فقد كانت موجودة بالقرب من الينابيع الأرضية الحارة الأخرى، وأنّ تلك الأوصاف التي استخدمها المستعمرون البريطانيون في ذلك الوقت، كانت خيالية بعض الشيء ولم تكن دقيقة بما فيه الكفاية.

وباعتبار أن هامش الخطأ قد وصل الآن إلى مسافة 35 متراً، قام الباحثان بدورهما بدعوة السلطات إلى الشروع في رحلة جيولوجية للمساعدة في تأكيد صحة حساباتهم أو نفيها، فإذا كانا على حق، فإنّ واحدة من أكثر الألغاز العلمية غموضا في العالم قد تم فك شيفرتها وكشف الستار عنها.

في حين لاقى معظم السكان الأصليون الذين شهدوا الثوران البركاني عام 1886 حتفهم، وفر من بقي منهم على قيد الحياة الى أماكن بعيدة وآمنة، بقي مصير هذه المدرجات لغزاً على مدار السنوات الماضية.

بالعودة الى عام 2011، وخلال جولة الخبراء الجيولوجيين واستكشافهم لقاع بحيرة روتوماهانا، وجدوا شظايا ضخمة من حطام المدرجات الوردية، واستناداً إلى هذا البحث، خَلُص الفريق إلى أن هذه المدرجات تحطمت بصورة غير منتظمة، حيث إنّ الحفر المتشكلة جراء الانفجارات التي تلت الثوران زادت بشكل كبير من حجم البحيرة، والتي امتلأت بسرعة كبيرة نتيجة للأمطار الغزيرة، غامرةً بذلك المدرجات التي اندثرت تحت الأمواج.

على أيّة حال، وبعد مرور خمس سنوات، أجرى نفس الفريق مسحا للبحيرة باستخدام جهاز السونار (سبر بالصدى)، والذي كشفت نتائجه إلى أنّ ما سبق استنتاجه كان خاطئا برمّته، وأنّ الطاقة المتفجرة للثوران كانت كافية لتتلف كلا من المدرجات الوردية والبيضاء على حد سواء وبشكل كامل.

 الماء على صهارة بركانية (ماغما)
ضع القليل من الماء على صهارة بركانية (ماغما) وسيصبح بمقدورك عندها رؤية أجمل عرض تفاعلي على السطح – صورة: Smit/Shutterstock

تقول الدراسة المستندة إلى أبحاث ”هوكستيتر“ أنّ هناك بعض التدمير والخراب الذي لَحِق بهذه المدرّجات، ولكن قسما من المدرجات، والتي كانت متموضعة إلى الداخل أكثر من غيرها، لم تتضرر كثيرا جراء ثوران عام 1886.

اختتم الفريق البحث بقوله: ”إنّ حطام المدرّجات الزهرية القابع في عمق البحيرة، والذي وُجِد عام 2011، قد انزلق على حافة البحيرة واستقر هناك لمدة 125 عاماً قبل أن يجده الغطّاسون“.

مقالات إعلانية