in

هل نعيش في محاكاة؟

محاكاة

ربما لم يقصد Freddy Mercury المغني الرئيسي لفرقة الروك البريطانية الشهيرة Queen العيش في محاكاة عندما كتب هذه الكلمات في أغنية Bohemian Rhapsody لكن المعنى ليس بعيداً جداً؛ فالنقطة الأساسية هنا هي التساؤل عن مدى ”واقعية الواقع“ الذي نعيش فيه.

نسبة كبيرة من الناس شاهدت الثلاثية ذائعة الصيت The Matrix (المصفوفة)، وعلى الرغم من أن الأغلبية ربما شاهدوها لأجل الإثارة والتشويق؛ فهي تحمل سؤالاً وجودياً هاماً أصبح من المنطقي سؤاله مع التقدم التكنولوجي الهائل والمعرفة التي جلبها لنا:

هل نحن نعيش في محاكاة؟ هل نستطيع أن نعرف إن كنا نعيش في هذه المحاكاة أو لا؟

حتى نجيب على هذين السؤالين فنحن نحتاج معرفة عدة أشياء مسبقاً:

ما هي المحاكاة؟

المحاكاة الحاسوبية هي عملية تتم ضمن كومبيوتر وحيد أو شبكة بحيث تعيد انتاج سلوك نظامٍ معين بناءً على نموذج محدد مسبقاً للنظام المراد محاكاته.

برنامج
upi

المحاكاة الحاسوبية المعتادة هي عملية قصيرة الأمد غالباً، حيث تمتد لأوقات متفاوتة من عدة ثوانٍ حتى أيامٍ عديدة؛ ولها استخدامات متعددة في مختلف المجالات من محاكاة النماذج الاقتصادية مروراً بمحاكاة المعارك والأنظمة الاجتماعية وصولاً للمواضيع الفيزيائية والهندسية وغيرها.

بعض من عمليات المحاكاة الشهيرة تتضمن محاكاة نموذج تفكك المادة مكوناً من بليون ذرة (مليار ذرة) ومحاكاة دورة الحياة الكاملة لبكتيريا M. genitalium ومشروع ”الدماغ الأزرق“ (Blue Brain) المعهد السويسري الاتحادي للتكنولوجيا في لوسان (Swiss Federal Institute of Technology in Lausanne) الذي يعمل لإجراء محاكاة كاملة للدماغ البشري وصولاً للمستوى الجزيئي منذ العام 2005.

هنالك خلط شائع في استخدام المصطلحات بين المحاكاة (Simulation) والنمذجة (Modeling)؛ فالنمذجة تعتبر عملية بناء نموذج يحوي معادلات ولوغارتمات تعبر عن طبيعة سلوك العنصر المنمذج، بينما المحاكاة فهي عملية تشغيل هذا النموذج بحيث تتصرف العناصر وفق النموذج المبني مسبقاً ويتم تسجيل النتائج.

كيف من الممكن أن نكون في محاكاة؟

عدا عن أمثلة المحاكاة المذكورة سابقاً، يوجد عدد لا يحصى من عمليات المحاكاة التي نتعامل معها بشكل دوري: ألعاب الفيديو الاستراتيجية! تتضمن الألعاب الاستراتيجية مثل Red Alert وGenerals وAge of Empires وCivilization عمليات محاكاة صغيرة نسبياً ضمنها بشكل دائم، حيث أن فضاء اللعبة محكوم بقواعد معينة تحدد نوع الوحدات المقاتلة وخصائصها وسلوكها بالإضافة إلى سلوك القوات المعادية ككل وغيرها، فكل لعبة جديدة في هذا النوع من الألعاب* تتضمن عملية محاكاة لنماذج مبنية مسبقاً تسير وفق قواعد محددة.

ريد اليرت
zayasl

عندما نسقط هذه الفكرة على ما نعرفه بالواقع أو عالمنا الحقيقي فلا يوجد اختلاف كبير فعلياً، في المحصلة كل شيء حولنا يخضع لقواعد الفيزياء بالمحصلة، حتى تصرفاتنا لا تعدو كونها تفاعلات بيولوجية والتي هي تفاعلات كيميائية والتي بدورها لا تعدو كونها تفاعلات فيزيائية. ورغم أننا لا ندرك الآن جميع قوانين الطبيعة لكن كل ما نعرفه يدفع باتجاه أن هنالك قوانين موحدة لكوننا تحكم كل شيء فيه. حقيقةً، كوننا نخضع لقوانين ثابتة (أو بالإمكان تسميتها نموذجاً) فهنالك إمكانية موجودة أن كوننا بأكمله هو عملية محاكاة أي تطبيق للنموذج الذي هو قوانين الطبيعة ومن الممكن أن الانفجار العظيم الذي يُعتَقَد الآن أنه بداية كوننا هو ببساطة بداية تشغيل النموذج فقط.

*في الواقع جميع ألعاب الفيديو تعتمد على المحاكاة بدرجات مختلفة لكن هذا يكون بشكل أوضح في الألعاب الاستراتيجية.

إلى أي حد من الممكن أن تكون هذه المحاكاة عميقة؟

حقيقة احتمال كون الكون بحد ذاته محاكاة كبيرة؛ لا تعني أن المحاكاة لا يمكن أن تكون إلا على هذا المستوى، فكما من الممكن لكوننا بأكمله أن يكون محاكاة؛ فكل جزء منه من الممكن أن يكون وحده محاكاةً بحد ذاته، هذا يعني أن نظامنا النجمي أو كوكبنا الأرض بحد ذاته هو محاكاة فقط وكل ما نعرفه عما يقع خارج الأرض لا يعدو كونه جزءاً من النموذج الذي تتم المحاكاة وفقه فقط، حيث تم ذكر فكرة غير بعيدة عن هذا في رواية الخيال العلمي The Hitchhiker’s Guide to the Galaxy المنشورة عام 1979؛ حيث وفقاً للرواية تكون ألارض عبارة عن تصميم كومبيوتري يقوم بمحاكاة لإيجاد الجواب النهائي للكون والحياة وكل شيء** أو حسب وصف الكتاب ”آلة حاسبة كونية“.

رواية
gizmodo

عند التفكير بالأمر، وربطاً بمشروع ”الدماغ الأزرق“ المذكور سابقاً فمن غير المستبعد كون دماغك بحد ذاته عملية محاكاة بحيث يتكون النموذج من البنية الدماغية والمعلومات التي يتم إضافتها بشكلٍ متتالٍ أثناء المحاكاة وتشكل أفكارك أو نشاطك الدماغي نتيجة المحاكاة بحد ذاتها، رغم أن هذا الافتراض قد يبدو للكثيرين مرفوضاً ومنفراً لكنه ممكن للغاية، من الممكن أن يكون كل ما تعرفه عن كل شيء سواء عن نفسك أو الناس أو الكون لا يعدو عن معلومات مدخلة لنموذج حاسوبي فقط.

عند بحثك في محرك البحث Google عن جواب السؤال النهائي للحياة والكون وكل شيء (answer to the ultimate question of life, the universe, and everything) ستكون النتيجة هي ”42“، النتيجة مذكورة في الكتاب سابق الذكر كجواب للسؤال المطلق لكن يناقش الكتاب فكرة أن امتلاك الجواب دون أن تعرف السؤال بحد ذاته لا يكفي.

إذا كنا ضمن محاكاة، فمن يشغلها؟

من غير الممكن إعطاء إجابة لهذا النوع من الأسئلة لأننا لا ندري تماماً إذا ما كنا ضمن محاكاة أصلاً أو لا. لكن بعض التخمينات بهذا الخصوص تتضمن كون كوننا محاكاة من قبل نوع ما من الكائنات، فمن الممكن نظرياً أن كوننا بأكمله هو مجرد مشروع مدرسيٍ لكائنات ما من كون ما (إذا صح تعبير ”كون“) بشكل مشابه للطريقة التي يقدم فيها الطلاب على الأرض مشاريع تحوي تكاثراً بكتيرياً أو فطرياً في دروس علم الأحياء.

فضائيين
humans are free

الاحتمالات الأخرى متنوعةٌ بشدة، فمن الممكن أن يكون نظامنا النجمي أو كوكبنا محاكاة يشغلها عرق فضائي ما (كما في رواية The Hitchhiker’s Guide to the Universe آنفة الذكر) أو حتى أن واقعنا الحالي هو محاكاة قام بها البشر لتصور عالم تغير فيه شيء واحد منذ زمن، كما من الممكن أن يخطر ببالك أن تتخيل كيف كان عالمنا ليكون لولا وجود جنكيز خان أو لولا وجود جزيرة أوستراليا مثلاً، فقد يكون عالمنا بأكمله هو محاكاة قام بها البشر لمعرفة كيف كانت لتكون حياتهم بوجود قمر يدور حول الأرض أو دون أن يثور بركان ما مثلاً.

هل نحن في محاكاة؟

لا أحد يستطيع الجزم! نحن لا أدريون تماماً بهذا الخصوص. فرغم كونها شيئاً ممكناً هذا لا يعني أنها حقيقة؛ من الممكن أن يوجد كوكب ما في الكون يسكنه السنافر وتمطر سماؤه شوكولا وتثلج حلويات، لكن هل هو موجود؟ لا يمكن قول نعم ولا يمكن القول لا، هو فقط ممكن!

اكوان موازية
huffingtonpost

في النهاية، في ظل عدم وجود جواب محدد لكوننا نعيش محاكاةً أم لا يبقى التساؤل is this the real life؟ مستمراً، لكن ان كنا في محاكاة أو لا؛ هل سيغير ذلك شيئاً؟ هل من الممكن أن نعرف يوماً إن كنا في محاكاة أم لا؟ تبقى أسئلة معلقة ولا أظن ان جواب ”42“ مناسب لها.

مقالات إعلانية