in

هل تستطيع هذه النظارات إصلاح عمى الألوان بالفعل؟

نظارات إصلاح عمى الألوان

انتشرت منذ مدة قليلة عدة فيديوهات عبر شبكة الانترنيت بشكل هستيري تتمحور كلها حول موضوع واحد، وهو أن يقوم شخص مصاب بعمى الألوان بوضع نظارات خاصة وفجأة يصبح قادراً على رؤية العالم بكل ألوانه البراقة.

يصاب بعضهم بالذعر، ويبكي آخرون، والبعض الآخر لا يستطيع التوقف عن التحديق في الألوان الجديدة التي قالوا أنهم يرونها للمرة الأولى.

ولكن ما حقيقة هذا الخبر؟

في الواقع لا تقوم هذه النظارة -وبعكس ما يظهر- بإيضاح مجموعة من الألوان الجديدة بالنسبة للمصابين بعمى الألوان، وعندما يضعها الشخص فهي لا تقوم بتقويم الرؤية، بل تقوم تلك النظارات بعمل تصفية ونوع من الفلترة للضوء، مما يساعد على تسهيل تمييز الاختلاف بين الألوان بالنسبة للأشخاص المصابين بعمى الألوان المرتبط بالكرياتين.

عندما يكون الشخص مصابا بعمى الألوان، فهذا يعني أنه ثمة ضرر معيّن بالمخاريط الموجودة في عينيه (وهي الخلايا البصرية الحساسة للضوء والمعنية بالرؤية النهارية، على عكس العصي وهي الخلايا البصرية غير الحساسة للضوء والمعنية بالرؤية الليلية).

توجد ثلاثة أنواع من المخاريط، فهي إما تتحسس الضوء ذو الموجات القصيرة، أو المتوسطة، أو الطويلة، والتي تتناسب -تقريباً- مع اللون الأزرق والأخضر والأحمر.

الضوء ذو الموجات القصيرة، أو المتوسطة، أو الطويلة
الضوء ذو الموجات القصيرة، أو المتوسطة، أو الطويلة

هناك العديد من الأنواع المختلفة لعمى الألوان، وفي الغالبية العظمى منها يستطيع المرء أن يرى بعض الألوان على الأقل، والاستثناء هنا هو مرض Monochromacy أو (الرؤية أحادية اللون)، الذي لا يملك المصاب به أية مخاريط على الإطلاق، وبالتالي يرى العالم بالأسود والأبيض والرمادي فقط، لكن هذا المرض نادر جداً، تقدر نسبة الإصابة به بشخص في كل 30 ألف.

هناك أيضاً مرض Dichromacy أو (الرؤية ثنائية اللون)، ويحدث عندما يكون أحد أنواع المخاريط الثلاثة مفقوداً، على سبيل المثال يرى الأشخاص الذين لا يملكون المخاريط التي تتحسس اللون الأخضر (أو الموجات متوسطة الطول) العالم باللون الأزرق والأصفر فقط.

الرؤية ثنائية اللون
الرؤية ثنائية اللون

أما مرض عمى الألوان الأكثر شيوعا فهو ما يعرف بـAnomalous Trichromacy أو (الرؤية ثلاثية اللون الشاذة)، بحيث يملك المصاب به الأنواع الثلاثة من المخاريط ولكن أحدها يتحسس الأمواج الخاطئة من الضوء.

يصاب بهذا المرض حوالي 6.3% من الرجال، و0.37% من النساء، وتكون الإصابة لدى الغالبية العظمى منهم على مستوى المخاريط الحمراء أو الخضراء، ولهذا السبب يخلط معظم المصابين بعمى الألوان بين اللونين الأخضر والأحمر.

في الحالة التي يطلق عليها اسم Deuteranomaly تتحسس المخاريط المختصة باللون الأخضر لبعض الموجات العالية (الموجات الأقرب إلى الأحمر)، أي أن الضوء الأحمر سيحفز كل من المخاريط الخضراء والحمراء معاً، الأمر الذي يفسره الدماغ كدرجة من درجات اللون الأصفر، أما حالة Protanomaly فهي الحالة المعاكسة تماماً، فالمخاريط الحمراء هنا تتحسس لبعض الموجات المتوسطة، مما يعني أن الضوء الأخضر يحفز كلا من المخاريط الخضراء والحمراء، مما يقود لنفس النتيجة وهي رؤية لون أقرب إلى الأصفر بدلاً من الأخضر.

Deuteranomaly
Deuteranomaly
Protanomaly
Protanomaly

وفي كلا الحالتين السابقتين تتحسس المخاريط الحمراء والخضراء معاً لموجات ضوئية متقاربة الطول مما ينتج عنه خلط وارتباك بين اللونين الأحمر والأخضر، اللذين يبدوان أقرب إلى اللون الأصفر، مثلاً كصعوبة التفريق بين الفلفل الأحمر والأخضر.

هناك عدة طرق لمساعدة الناس المصابين بعمى الألوان، حتى بدون نظارات عجيبة، كتطبيق حاسوبي يمكنه أن يغير الألوان قليلاً، فإذا واجهتك مشكلة في معرفة الفلفل الأحمر يمكنك أن تستخدم هاتفك الذكي، فعن طريق الكاميرا الخاصة به يستطيع التطبيق أن يغير الألوان قليلاً ويقوم بإظهار الأحمر بلون قريب من الزهري ليسهل عليك العملية.

صعوبة التفريق بين الفلفل الأحمر والأخضر.
صعوبة التفريق بين الفلفل الأحمر والأخضر.

تحتوي بعض التطبيقات وألعاب الفيديو على خيارات مشابهة لهذه العملية لكي لا يخلط اللاعب مثلاً بين الأعداء باللون الأحمر وأعضاء الفريق باللون الأخضر، كما توجد كذلك عدسات لاصقة خاصة بعمى الألوان، بحيث تقوم بوضع عدسة لاصقة على عين واحدة فقط، وتكون غالباً ذات لون أحمر داكن، لذلك تقوم بحجب الكثير من موجات الضوء الأخضر، فتبدو الأشياء الخضراء أغمق بكثير، وعندما تقوم بمقارنة ما تراه بكل عين على حدى، تستطيع التمييز بين الأحمر والأخضر.

تستطيع تلك العدسات مساعدتك على تخطي اختبارات عمى الألوان بنجاح (التي نراها كثيراً على الإنترنيت كأرقام مكتوبة بدوائر ملونة)، ويمكنها أيضاً أن تساعدك في ممارسة بعض المهن كعامل تصليح الكهرباء، حيث لا يجب أن تخطئ في ألوان الأسلاك.

من جهة أخرى، لا تحاول تلك النظارات التي تظهر في كل تلك الفيديوهات تصحيح الرؤية اللونية (بعكس ما يظهر)، بل هي تساعد في حل مشكلة اختلاط المخاريط، وبالتالي عدم تحفيز الألوان للمخاريط الخطأ.

تنجح تلك النظارات في مهمتها فقط مع الحالات التي يملك فيها المصاب كل أنواع المخاريط، أي فقط في حالة الإصابة بكل من: Deuteranomaly وProtanomaly، ويكمن السر هنا في حجب الموجات الضوئية التي تسبب أكثر حالات الخلط: وهي الموجات الضوئية الخضراء أو الحمراء التي تحفز كل من المخاريط الحمراء والخضراء معاً.

تعتمد تلك النظارات على تقنية تدعى (التصفية ثلاثية الأثلام)، فهي تحتوي على معادن نادرة تعمل على امتصاص أمواج ضوئية محددة، تاركةً الأمواج الضوئية سهلة التمييز، وبالتالي تصبح الأشياء الحمراء أكثر احمراراً والأشياء الخضراء أكثر اخضراراً، ويسهل التمييز بينهما.

هذا ما يحصل أيضاً لدى ارتداء شخص طبيعي لتلك النظارات؛ تصبح ألوان الطيف الأساسية أكثر وضوحاً، ومع ذلك فإنها لا تعمل إلا إذا كان عمى الألوان غير شديد، فلو كانت المخاريط تخلط كثيراً بين الأشعة الضوئية، فليس بوسع تلك النظارات عمل الكثير لتسهيل التمييز بينها، لأنها لن تستطيع حجب كل الموجات التي تسبب الارتباك.

من ناحية أخرى، يقول بعض الناس الذين استفادوا من تلك النظارات أنهم يرون ألواناً لم يسبق لهم رؤيتها من قبل مثل درجات معينة من اللون الأرجواني، بحيث يرى الناس بالبصر الطبيعي اللون الأرجواني عندما يندمج اللون الأحمر بالأزرق، بينما في حالة الـDeuteranomaly يقوم جزء من الضوء الأحمر بتحفيز المخاريط الخضراء فيسبب هذا الخلط، ولكن عندما تحجب النظارات تلك الأشعة بالإضافة إلى بعض الأشعة الخضراء معها، سيرى الناس درجات من اللون الأرجواني، وهذا من خلال استثناء الأشعة الخضراء من اللون، فلن يبقى سوى اللون الأحمر والأزرق.

بالطبع، لا تستطيع تلك النظارات أن تعالج عمى الألوان لأنها لم تتسبب بأي تغيير فيزيولوجي في العين أو المخاريط، ولكن بالنسبة للناس الذين يظهرون في تلك الفيديوهات الدعائية لها، يبدو العالم طبيعياً بالكامل بعد ارتدائها، مما يدعو للارتياب طبعاً.

فبعد كل شيء، ليس بإمكان أية نظارات أن تمنحك رؤية مشابهة لرؤية أشخاص طبيعيين إن كنت تعاني من عمى الألوان.

مقالات إعلانية