in

هل المصريون الحاليون ليسوا فراعنة حقا كما يشاع مؤخرا؟

أكثر بحث علميّ حصل جدال عليه في مصر والمنطقة العربية بل والعالم ككل، وتم استخدامه لتمرير أيديولوجيات وأفكار كثيرة، وتم نشره بطرق تخرجه عن سياقه بشكل مبالغ فيه في ظرف يوم واحد فقط من نشره، هو البحث الذي تحدّث عن الـDNA الخاص ببعض المومياوات الفرعونية.

البحث الذي استخدمته مواقع متعددة داخل وخارج مصر بعناوين تحمل الصياغة نفسها، وهي أنّ المصريين الحاليين ليسوا فراعنة، وأنّ الفراعنة كانوا من أصول أوروبيّة أو من بلاد الشام، بيدَ أنّ ذلك ما لم يذكره البحث الأصليّ إطلاقاً.

المصريون الحاليون ليسوا فراعنة
بوست على صفحة هافبوست على فيسبوك حول الموضوع
المصريون الحاليون ليسوا فراعنة
مقال على موقع العربية حول الموضوع

البحث الأصليّ أُجريَ فيه عملية مسح جيني كامل لثلاث مومياوات فرعونية، و90 مسح جيني للـ”ميتوكوندريا“ على 90 مومياء، كلّها من مقبرة واحدة في أبو صير في الجيزة وسط مصر، وتعود لفترة زمنية تمتد من 1388 قبل الميلاد حتى 426 بعد الميلاد، أيّ في فترة الدولة الفرعونية الحديثة وحتى نهاية العصر الروماني.

عند مقارنة الـDNA الخاص بهذه المومياوات مع الـDNA الخاص بالمصريين الحاليين اتضح أنّ المصريين الحاليين لديهم جينات إفريقية من جنوب الصحراء الكبرى أكثر بنسبة 8% ممّا كان لدى هذه المومياوات، وأنّ هذه المومياوات تحتوي على جينات تعود لأصول من الشرق الأدنى وتجمّعات العصر الحجري الحديث في شبه جزيرة الأناضول وأوروبا أكثر ممّا لدى المصريين الحاليين.

جدير بالملاحظة أنّ البحث الأصليّ لم يقُل أنّ المصريين الحاليين ليسوا فراعنة، أو أن الفراعنة كانوا أوروبيين أو من بلاد الشام، إنّما هي فقط مقارنة بين نِسب الجينات من أصول إفريقية وأصول غير إفريقية لدى المصريين الحاليين وهذه المومياوات.

المشكلة الكبرى هنا أنّ هذه المومياوات تعود لفترة كانت مصر فيها معرّضة للكثير من الغزوات الخارجية، وهو ما أدّى إلى وجود العديد من الأجانب في مصر وربّما ساهم ذلك في تشكيل المحتوى الجيني للمصريين، كما أنّ هذه المومياوات تمثّل عدداً قليلاً جداً لا يُمكن التعويل عليه بأيّ حال لإطلاق النتائج بشكل معمّم على كل الفراعنة، فالفراعنة كانوا في مصر منذ العصر الحجري قبل 10000 سنة، وإنّ أقدم أثر يعود لبداية الحضارة في مصر من عصر بداية الأسرات قبل 7000 عام.

إذاً فهذه المومياوات لاتمثّل الفراعنة أصلاً، ولذلك لم يتحدث البحث الأصلي بهذا التعميم إطلاقاً، فكل نتائجه متعلّقة بهذه المومياوات فقط وهي مجرّد اقتراحات لا أكثر.

الميزة الحقيقية في هذا البحث هي أنه، ولأول مرة، يتم عمل تحليل جيني متكامل لمومياوات فرعونية يتفادى الأخطاء السابقة في تلوّث العيّنات بجينات غير بشرية أو من بشر معاصرين، وأنه استطاع التغلّب على معوّقات كبيرة تقف أمام استخلاص الجينوم من المومياوات، حيث أنه يتحلّل بسرعة نتيجة الحرارة والرطوبة العالية في معظم مقابر مصر، ونتيجة المواد الكيميائية المضافة أثناء تحنيط المومياء التي تسبب تحللاً للجينوم، خاصّة مركّبات بيكربونات الصوديوم.

حتى أنّنا لا نعرف بعد هل هذه التقنية يمكن اعتمادها فعلاً أم أنّها قيد التجريب حتى الآن، لكن إذا كانت نتائجها قوية بالفعل فإنها ستفتح الطريق أمام إجراء المزيد من هذه التجارب واستكشاف المزيد من جينات المومياوات الفرعونية الأقدم ”مومياوات ملكية وغير ملكية“، والتي تمثّل فترات متعددة في مصر القديمة للتحقق من أصول الفراعنة بشكل أكثر دقّة.

الخلاصة أنّ البحث الأصلي لم يذكر أياً مما ذُكر في هذه العناوين، وهي مشكلة متكررة بين ما تذكره الأبحاث العلمية وبين ما يتم نشره على المواقع الإخبارية ومواقع العلوم الشعبوية نتيجة لأسباب سياسية أو اجتماعية.

البحث الأصلي تم نشره في مجلة Nature Communications بتاريخ: 30/7/2017

مقالات إعلانية