in

هل تتذكر الفراشة أيامها عندما كانت يرقة؟

مراحل حياة الفراشة

عملية انتقال اليرقة إلى كونها فراشة تسمى عملية الاستحالة، وهي عملية بيولوجية ينتج عنها تغير جسدي وسلوكي للكائن الحي، وحتى نكمل التعريف فيجب أن نشير إلى أن العملية تحصل بعد الولادة أو الخروج من البيض. الإنسان يمر بمراحل كثيرة من التغير الجسدي خلال تطوره الجنيني والذي ينتهي بالصورة التي نولد عليها، بعد ذلك نكبر في العمر وما يحصل لنا يكون على شكل تضخم للهيئة التي ولدنا عليها وليس استحالة حيوية.

هذه العملية تحدث لبعض أنواع الحشرات والسمك والبرمائيات والرخويات والقشريات وغيرها، وعادة ما تكون الاستحالة الجسدية مصحوبة بتغير في النظام الغذائي (مثلاً نباتي – حيواني) والسلوك؛ هذا ما يعني لنا أن هناك تغير في التركيبة العصبية لهذه الكائنات خلال عملية الاستحالة. فالفراشة تبدأ كيرقة بعد خروجها من البيض ثم تدخل مرحلة الشرنقة ثم تخرج كفراشة، وهذا ما يسمى بالاستحالة الكاملة.

السؤال الذي يراودنا هنا هو: هل عملية الاستحالة (في الشرنقة) التي أنتجت الفراشة ستؤدي إلى تغيير كامل في التشابكات العصبية (الذاكرة) الموجودة في اليرقة مما سيؤدي إلى حذف كامل للذكريات التي كونتها خلال تعاملها مع البيئة المحيطة، أم هل العملية جزئية مما سيجعلها تحتفظ ببعض الذكريات وتنسى البعض الآخر؟ هل تتذكر الفراشة أيامها كيرقة؟ كيف لنا أن نعرف ذلك؟

في تجربة جميلة وذكية، قام العلماء بتعليم اليرقات سلوكاً معيناً مستخدمين مبدأ التعلم الترابطي (يتم ربط شيئين مع بعضهما البعض فتتكون ذاكرة تجمعهما). السلوك الذي أرادوا تعليمه لليرقات هو أن تتجنب رائحة معينة (ميثيل أسيتيت) لم تكن تتجنبها في السابق. واستطاعوا تحقيق ذلك فعلاً حيث أنهم عرضوا اليرقة للرائحة ثم قاموا بعد ذلك بصعقها كهربائياً بشكل طفيف.

بعد ذلك وضعوها أمام خيار طريق تصدر منه هذه الرائحة وطريق فيه هواء صافي، فلاحظوا أنها تتجنب الطريق الذي تصدر منه الرائحة (يبدو أنها تعلمت أن الرائحة سيأتي معها صعقة كهربائية فابتعدت). مع العلم أنهم حين وضعوها قبل قيامهم بهذه العملية (رائحة ثم صعقة) لم تكن تتجنب الطريق الذي تأتي منه الرائحة (يعني أن الرائحة لم تكن مربوطة بشيء سيء في دماغ اليرقة). هذا السلوك جاء بعد صعقها، وما أؤكده هو أنها تعلمت هذا السلوك.

الآن بعد تحول هذه اليرقة إلى فراشة، أحضروا الفراشة ووضعوها أمام نفس مفرق الطرق فوجدوا أن الفراشة تبتعد عن الطريق الذي تصدر منه الرائحة، وفي نفس الوقت كان لديهم فراشة ثانية لم تخض التجربة (أي لم تمر بعملية الصعق وهي يرقة) ووضعوها أمام نفس الاختيار فلاحظوا أنها لا تتجنب الرائحة.

هكذا استطاع العلماء أن يقرروا بأن سلوك تجنب الرائحة للفراشة الأولى سببه ذاكرتها وهي يرقة حين تعلمت أن الرائحة يأتي معها صعقة كهربائية. لذلك نقول بأنه نعم، إن الفراشة تستطيع تذكر بعض الأحداث (لا جميعها) التي مرت بها وهي يرقة، حيث وجد العلماء أن جزءاً من دماغ اليرقة لا زال له بقية محفوظة في دماغ الفراشة، وبالتالي يفترضون أن هذه الذاكرة الشميّة (ذاكرة الرائحة) محفوظة في هذه الواصلات العصبية التي لا زالت كما هي.

ملحوظة: أحب أن أؤكد أن التجربة تمت بعناية كبيرة لتفادي أن يكون هناك أسباب أخرى لهذا السلوك، وأيضاً تمت التجربة (وهي استمرار لتجارب كثيرة) على عدد كبير من اليرقات والفراش وليست مجرد فراشتين. الطرح أعلاه تبسيط لتسهيل الفهم.

مقالات إعلانية