in

أشياء مقززة ومثيرة للاشمئزاز كان القدماء يستخدمونها لصنع منتجات تجميلية

اقتضت الممارسات التجميلية القديمة استخدام موادٍ خطرة أو سامة أو غير صحية، ووضعها على الوجه أو الأسنان أو الأعين.

إن كنت تعتقد أن سعي النساء الدائم وراء مساحيق التجميل أمرٌ جديد، فهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، بل كان البشر جميعهم –نساءً ورجالاً –يطلون أوجههم ويجمّلون أنفسهم منذ آلاف السنين. من المصريين إلى الرومان مروراً بالفرنسيين في القرن التاسع عشر.

هناك جدلٌ واسع اليوم حول ما تحتويه مساحيق التجميل التي يستخدمها الإنسان، فهناك من يدعي أنها مضرة بالصحة، وخرجت عدة دراسات تؤكد ذلك. لكننا اليوم لسنا بصدد الحديث عن مساحيق التجميل الحالية، بل سنخبركم بما كان البشر سابقاً يستخدموه في صنع مساحيق التجميل. إن كنت تظن أن منتجات التجميل اليوم سيئة، فتخيّل أن المصريين مثلاً استخدموا السُخَام لصنع المكحل وتخطيط عيونهم (السخام أو السناج، علمياً هو جزيئات الكربون الناتجة عن الاحتراق غير الكامل للهيدروكربونات، وينتج الكربون عن احتراق الفحم أو الخشب، وهو أشبه بضباب دخاني)، كما استخدمت النساء الإنجليزيات في إحدى الفترات الاسبيداج لجعل أوجههن بيضاء شاحبة (الإسبيداج أو الإسفيداج، وهو مادة كيميائية ”خضاب أبيض“ تحتوي على الرصاص ”كربونات الرصاص القاعدية“، ما قد يؤدي إلى خطر الإصابة بالتسمم بالرصاص).

تابعوا معنا لنتعرّف بشكل أدق على تلك الممارسات الغريبة والمقززة التي نفّذها البشر سعياً وراء الجمال والتزيّن:

1. قيء الحوت في العطورات

العنبر
صورة: David Liittschwager/National Geographic/collection of Mandy Aftel

استُخدم العنبر، ولا يزال، في صناعة أرقى وأفخم أنواع العطورات، وتلك معلومة يعلمها أغلبنا. يُقال أن رائحة العنبر ”بُرازية“ عندما يكون جديداً، لكن الرائحة تتغير مع الزمن لتصبح رائحة شديدة الروعة. ومع تزايد حدة صيد الحيتان، استُبدل العنبر بالتربينويد الصناعي: الأمبروكسيد.

ينتج حوت العنبر تلك المادة في سبيله الهضمي، لذا يُشار إلى العنبر بأنه ”قيء الحوت“. لكن لإنتاج العنبر في سبيل الحوت الهضمي سبب آخر، فهو مادة للحماية، حيث يغطي العنبر الأشواك الحادة لأسماك الصبار كبيرة الحجم، والتي يتغذى عليها الحوت. أما العنبر، بالإمكان الحصول عليه في المحيطات التي يمرّ فيها الحوت، أو يمكن العثور عليه في السبيل الهضمي للحيتان النافقة، وهذا سبب تعرّض الحيتان لعمليات الصيد.

للعنبر أيضاً فوائد أخرى للعنبر، فخلال مراحل مختلفة من التاريخ، اعتُبر العنبر مادة مثيرة للشهوة الجنسية، حتى أنه استُخدم عقاراً طبياً في العصور الوسطى. فاعتقد البشر أن العنبر يشفي نوبات الصرع والصداع ونزلات البرد وعدد آخر من الأمراض.

لا يزال العنبر الطبيعي موجوداً ويُباع في أفخم العطور، لكن حوت العنبر أصبح محمياً من الانقراض. ربما كان ذلك السببَ في كون العنبر باهظ الثمن!

2. سُخام المدخنة في تكحيل العيون

تمثال من مصر القديمة
تمثال اكتشفت في خزنة الفرعون المصري (توت عنخ آمون). صورة: DEA/G. DAGLI ORTI/De Agostini/Getty Images

تكحيلُ العينين باللون الأسود ممارسة قديمة قدم مصر، حيث كان المصريون يكحلون عيونهم كي يحموها من أشعة الشمس الساطعة. وهذا واضحٌ فعلاً في النقوش على الآثار المصرية، فمثلاً نستطيع رؤية (كليوبترا) في أغلب تلك الآثار وعيونها مُكحلة باللون الأسود وبكثافة شديدة، ولا يقتصر الأمر على النساء، فالعديد من ملوك مصر كانوا يفعلون ذلك، حتى أن الكحل الأسود لا يقتصر على الملوك والملكات، بل كان عامة الشعب أيضاً يمارس ذاك التقليد، وعلى مر عصور من تاريخ مصر القديمة.

السخام
السخام الأسود الناتج عن الاحتراق.

لكن، لا تتخيلوا أن تكحيل العينين سابقاً مشابهٌ لما يقوم به البشر اليوم. فقبل اختراع المكحلة الحديثة، مزج القدماء المواد المستخدمة وطلوا بها أدواتٍ معدنية أو خشبية (أو العظام في بعض الأحيان!) ثم زينوا بها أوجههم. في الآثار التي عُثر عليها، بدا أن الناس استخدموا السُخام أو الرماد، ثم في العصور اللاحقة، استخدمت النساء مزيجاً من السخام والدهون لتكحيل أعيونهن.

3. استخدام الرصاص لجعل الوجه أبيض

شخصية الملكة (إليزابيث الأولى) في فيلم Mary Queen of Scots
الممثلة (مارغو روبي) وهي تؤدي دور الملكة (إليزابيث) في فيلم Mary Queen of Scots. صورة: Liam Daniel/Focus Features

كانت النساء في العصور الوسطى مهووسات بالجمال المتمثّل بالجسد الأبيض الشاحب، أبيض لدرجة تبدو فيها المرأة وكأنها تنازع الموت. ولأن أي لون قريب من السمرة يشير إلى كون المرأة فقيرة وتعمل في الحقول، ولأن لون الوجه الأبيض النقي يدل على الشباب والجمال والصفاء، قامت النساء بطلاء وجوههن بالإسبيداج الحاوي على الرصاص، والرصاص هو إحدى المواد السامة والخطيرة والتي قد تؤدي إلى كثير من الأمراض والآثار الضارة، ومن المعروف أن ملكة إنجلترا (إليزابيث الأولى) كانت تضعه بكثرة، ودائماً ما تصورها اللوحات بوجه شاحب جداً.

كان القرن الثامن عشر أيضاً مليئاً بصيحات الجمال الخطيرة والمرعبة، لكن لا شيء أغبى وأشد خطراً من استخدام الرصاص للحصول على ذاك الوجه الشاحب. بالطبع، توفرت الكثير من الخيارات الأخرى والأقل خطراً، كالخلّ والبزموت (عنصرٌ أبيض اللون)، لكن مسحوق الرصاص كان خيار الأغنياء والمترفين.

استُخدم الرصاص لإكساب الشخصيات في اللوحات منظراً شاحباً وكأنها تفارق الحياة. فقام الناس، نساءً ورجالاً، باستعمال الرصاص في كلّ مناسبة اجتماعية. وكما أوضحنا سابقاً، فهناك الكثير من الأسباب التي دفعت بهؤلاء الناس إلى استخدامه كما تحدثنا سابقاً، لكن الرصاص كان مفيداً في إخفاء العيوب وآثار الأمراض الجلدية المتبقية على الوجه، والتي كانت منتشرة جداً في تلك الفترات الزمنية.

الرصاص الأبيض
مسحوق من طلاء الرصاص الأبيض. صورة: naturalpigments

للرصاص آثار سيئة جداً على الإنسان، فبصرف النظر عن سميته وتراكمه في جسد الإنسان، كان الرصاص يخرّب البشرة مع الاستعمال الطويل! فعندما تستعمل النساء الرصاص لإحياء بشرتهن وإعطائها منظراً شاباً، كان الرصاص يضرّ ببشرتهن ويجعلها أسوأ في اليوم التالي، فكانت النساء تعاود وضع الرصاص كي يظهرن بشكل أفضل، وهكذا وقعن في حلقة مفرغة من استخدام الرصاص وتخريب الأخير لبشرتهن، ثم استخدامهن الرصاص مجدداً لتقليل الضرر، وهكذا دواليك…

هناك أمرٌ آخر أحبت النساء في العصور الوسطى فعله، وهو أن تبدو عروقهنّ شديدة الوضوح وكأن جلدهنّ شفاف، وذلك أمرٌ لا نلاحظه ربما إلا عند المرضى على وشك الوفاة. ولأن الأمر شبه مستحيلٍ بشكل طبيعي على الأقل، قامت النساء بابتكار طرق تلبي رغبتهنّ. فاستخدموا الأقلام والحبر الأزرق لإظهار الأوردة وجعلها أشد وضوحاً، أو حتى رسمها من الأساس إن لم تكن واضحة.

وهكذا، مزجت النساء بين الإسبيداج أو طلاء الرصاص، الذين أعطاهنّ مظهراً أبيضاً خالياً من أي علامات كبر، وبين العروق الملونة بالحبر الأزرق، وذلك ما منحهنّ منظراً مهوّلاً أشبه بالأشباح أو الموتى.

4. مبيّض أسنان من البول

مراحيض رومانية قديمة
مراحيض رومانية عامة. صورة: Fubar Obfusco

إحدى الممارسات التجميلية القديمة، والمثيرة للإقياء صراحة، هي جمع بول البشر والحيوانات المُتخمّر لاستخدامه في تبييض الأسنان. عندما يُترك البول ليتخمّر عدة أسابيع، سينتج لدينا الأمونيا. والأمونيا، بدورها، تقوم بالكثير من المهام، وتبييض الأسنان إحداها. عُرف عن الرومان استخدامهم البول في كثير من الأغراض، وتحديداً تبييض الأسنان.

كان الرومان حقاً معجبين باستخدامات البول وقدرته على تبييض الأسنان، ولم يهملوا أي منتج بإمكانهم الاستفادة منه، حتى أنهم جمعوا البول والبراز من المراحيض العامة لاستخدامهما.

لم يقتصر استخدام الرومان للبول على تبييض الأسنان، بل استخدموه (وشعوب أخرى غيرهم) أيضاً للغسيل، كما شاع استخدامه لاحقاً لصنع البارود. أما قصة استخدام البول في غسيل الملابس، فتلك ممارسة قديمة أيضاً تعود إلى عصر الرومان، حيث كانت السيدات يجمعن البول للحصول على الأمونيا التي تنظّف الأوساخ. وفي القرن الثامن عشر في انجلترا، ظهرت تجارة مربحة هدفها جمع البول ومعالجته وتحويله إلى نترات البوتاسيوم لصنع البارود. لم يكن البول عند القدماء مجرد فضلات يطرحها الكائن، بل منتجاً ذي استخدامات عديدة!

5. أحمر شفاه من الدودة القرمزية

الدودة القرمزية
كانت هذه الحشرات المقرفة أداة جوهرية لصناعة مستحضرات التجميل. صورة: H. Zell

يعتبر الأحمر من الألوان المميزة وذات الاستخدامات الخاصة حتى في عصرنا هذا. وعلى الرغم من اختفاء موضة الشفاه الحمراء البراقة التي كانت دارجة قديماً، لكن أحمر الشفاه لا يزال إحدى المنتجات المطلوبة بكثرة.

لم يكن إنتاج هذا الخضاب الأحمر المُشبع باللون أمراً سهلاً، والطريقة الوحيدة لإنتاج كميات كبيرة منه –وبتكلفة منخفضة –هي اللجوء إلى الدودة القرمزية. تحصل إناث الدودة على لونها الأحمر جرّاء نظامها الغذائي القائم على التوت، وإنتاج حمض الكرمينيك عندما تتحلل. يُنقى لاحقاً هذا الحمض لنحصل على الخضاب القرمزي.

اعتُمد خلال القرن العشرين على الدودة القرمزية للحصول على اللون الأحمر المُستخدم في أحمر الشفاه، لكن تلك الممارسة قديمة جداً، إذا تعود على الأقل لأيام المصريين القدماء، الذين كانوا يطحنون الحشرات من أجل الحصول على خضاب واستخدامه تجميلياً. يُقال أن (كليوبترا) كانت تفعل ذلك، ويُعرف عن المصريين القدماء اهتمامهم بشكل عام بمسائل التجميل ووقاية الجلد، لذا من غير المستبعد أن يكون المصريون أوجدوا طرقاً وأساليباً تجميلية استمرت لعصور بعدهم.

المشكلة أن فكرة وجود بقايا حشرة في مسحوق التجميل هي فكرة مثيرة للاشمئزاز من الأساس، وإذا كان الموضوع مزعجاً بالنسبة للسيدات اليوم، بإمكانهنّ شراء مساحيق تجميل نباتية أو لا تعتمد على المنتجات الحيوانية، فحتى اليوم، لا يزال استخراج اللون القرمزي من الدودة عملية شنيعة وقاسية. للأسف، لا نعتقد أن منتجات التجميل تلك متوفرة في بلادنا العربية.

6. حمرة الزِنْجَفْر (كبريتيد الزئبقيك) شديد السمية

زنجفر على الدولوميت
زنجفر على الدولوميت. صورة: Wikipedia

على مر الكثير من العصور، كالعصر الفيكتوري في انجلترا مثلاً، كان التبرج والألوان أموراً غير مرغوب بها، وحتى في عصرنا الحالي، لا يُنظر إلى التبرج الزائد على أنه أمرٌ جميل، بل تقتضي الموضة حالياً –وفي العديد من الفترات التاريخية –إكساب الوجه لوناً طبيعياً مع قليل من الحمرة على الوجنتين. بالطبع، هناك العديد من الأساليب والمستحضرات والطرق لإكساب الوجنتين ذاك التورّد (الاحمرار) شبه الطبيعي، وجميع تلك المستحضرات آمنة. لكن النساء سابقاً لم يملكن تلك الرفاهيات.

لاستعمال الخضاب الأحمر في تلوين الوجه، كان القدماء يستخدمون الفلز البركاني المعروف باسم الزنجفر، ولم يقتصر استخدامه على مستحضرات التجميل، بل كان يُستخدم في تزيين اللوحات أيضاً. لكن المشكلة أن تلك المادة ليست سوى فلزّ شديد السمية من الزئبق، فالاسم العلمي للمركب الكيميائي هو كبريتيد الزئبقيك MgS، وهو يحوي على الكبريت والزئبق.

هناك خضاب آخر استعمل على مر التاريخ للحصول على اللون القرمزي، أو الفرمليون (ويُطلق عليه أيضاً الزنجفر، ولونه برتقالي مائل للحمرة)، وهو المركب الكيميائي كبريتيد الزئبق. يُصنع من ذاك الفلز صباغٌ أحمر قرمزي جميل اللون، لكن التكلفة الصحية له باهظة جداً.

فالزئبق، بجميع أشكاله، هو عنصرٌ شديد السمية بالنسبة للإنسان. وتكمن خطورته في السموم المتراكمة بيولوجياً، أي أنها تتراكم داخل جسد الإنسان على مر الزمن عند التعرض للزئبق. فتخيّلي إذاً أن تطلي وجهك، كلّ يوم، بتلك المادة السامة!

بالطبع، لن تكون كمية الزئبق كبيرة إذا استُعمل في مساحيق التجميل. لكن تعرّض البشرة للزئبق كلّ يوم –ولو بتلك الكميات القليلة –سيؤدي إلى تراكم السموم داخل الجسم. يؤثر الزئبق على الجهاز العصبي ويؤدي للإصابة بأعراض شديدة كالطفح الجلدي وفقدان الحواس.

7. رموش من شعر الماعز

ماعز
صورة لحيوان الماعز.

كان الإغريق القدامى مهووسين بحواجب المرأة. حتى أنهم ربطوا بين الحاجبين والكثير من الخصال الأخرى، فكان الحاجبان الطبيعيان يشيران إلى النقاء والجمال والشباب. أما الحاجبان المتصلان، فتلك صفة تشير إلى ذروة الجمال، كما تدل على أن صاحبة الحاجبين شديدة الذكاء والجمال. لا يبدو ذلك صالحاً لعصرنا أليس كذلك؟

لأن الحاجبين المتصلين «موضة» بالنسبة للإغريق، حاولت النساء ملء المسافة بين الحاجبين للحصول على المظهر المثالي. وعندما فشلن في الوصول إلى مبتغاهن باستخدام الطرق التقليدية (كالسخام مثلاً)، لجأت النساء إلى حلّ متطرف نوعٍ ما، وهو شعر الماعز.

بالإمكان ملء المسافة بين الحاجبين باستخدام شعر الماعز ولصقه على البشر باستخدام الراتنج الطبيعي (مادة لاصقة). توفّر تلك المواد لا يعني أن العملية كانت سهلة على الإطلاق، فتخيلوا هذا المزيج من الراتنج وشعر الماعز وهو موضوع على جبهتكم، سيسبب الكثير من الحكة والاهتياج. على أي حال، لو توقف الأمر عند هذا الحد لكان مقبولاً، لكن الأرستقراطيين الفرنسيين في القرن الثامن عشر تجاوزوا كلّ الحدود في استخدام شعر الحيوانات.

كانت نساء الطبقة الرفيعة في تلك الفترة، وتحديداً في العصر الجورجي في انجلترا، يحلقن حواجبهنّ بشكل كامل –بالمناسبة، كانت تلك العملية شاقة جداً، فلم تكن شفرات الحلاقة موجودة وقتها ولا مسكنات الألم.

بعد إزالة وحلق حواجبهن، تضع النساء حينها رقعاً من جلد الفئران، ثم تُلصق تلك الرقع على الوجه باستخدام اللاصق النباتي. هل تتخيلون الآن منظر النساء وقتها؟

8. صباغ أسود أو بني لطلاء الأسنان

فتيات لازلن يمارسن تقليد Ohagura
الأسنان السوداء والمسوسة إحدى علامات الجمال.

كان السكر مادة نادرة وليست متوفرة للجميع قديماً، لذا كانت أسنان عامة الشعب في حالة صحية مقبولة، ولم يحتاجوا العناية بأسنانهم. لكن الوضع كان مختلفاً بالنسبة للأغنياء وأصحاب السلطة، فكانوا يستهلكون السكر، تلك المادة الفخمة في عصرهم، بشكل شره جداً، لذا كانت أسنانهم في حالة سيئة جداً. حتى أن الملكة (إليزابيث الأولى) امتلكت أسناناً سوداء جرّاء التسوس. وبما أن (إليزابيث الأولى) ملكة أيقونية ومثالاً يُحتذى به، أصبحت أسنانها السوداء موضة تلحقها النساء.

بدأت النساء من الطبقات الفقيرة والدنيا استخدام السخام والمركبات السوداء الأخرى لصبغ أسنانهن. وبذلك، استطعن الادعاء أنهن من الطبقة الرفيعة، لأن أسنانهنّ سوداء جرّاء تناول السكر والحلويات الأخرى. من الغريب فعلاً كيف تحوّل اتجاه الموضة من الأسنان المسوسة والبدانة إلى الأسنان البيضاء اللامعة والأجساد النحيلة. فالبدانة والأسنان المسوسة كانت علامات تشير إلى أن صاحبها شخصٌ ثري بإمكانه شراء الكثير من الطعام والحلويات السكرية، وبالتالي سيكون له مكانة مرتفعة في المجتمع. لحسن الحظ، تغيّرت تلك الاتجاهات الغريبة والسطحية جداً.

تُعرف هذه الممارسة بشكل خاص في اليابان، حتى أنها بدأت قبل عصر الملكة (إليزابيث) واستمرّت حتى اليوم (ولو أن استخدامها اليوم أقلّ بكثير عن السابق). تُعرف هذه الممارسة في اليابان باسم Ohagura، وتقتضي تلويث الأسنان وجعلها بنية أو سوداء باستخدام طلاء اللّك (الورنيش). يُصنع الأخير من حلّ برادة الحديد في الخلّ، وهناك طرق أخرى كثيرة، لكن الأولى هي ما استخدمه الأثرياء لإعطاء أنفسهم منظراً جذاباً.

9. طلاء أظافر من عنصر الراديوم المشع

عاملة في إحدى مصانع طلاء الساعات بالراديوم المشع
فتيات الراديوم، وهنّ نساء عملن على طلاء الأرقام على الساعات بعنصر الراديوم المشع. صورة: Daily Herald Archive/SSPL via Getty Images

ظهرت في القرن العشرين إحدى الممارسات المرعبة، والتي أودت بحياة عددٍ لا بأس منه من الفتيات والنساء في قصة تراجيدية وحزينة، كان سببها عنصر الراديوم المشع.

يُشار إلى تلك الحادثة في الولايات المتحدة بحادثة «فتيات الراديوم»، وهي قصة مزعجة تشمل أموراً كالفساد وتجاهل الضرر الكبير الذي حلّ بالفتيات، وإخفاء الأدلة التي تشير إلى إصابة بعضهنّ بالسرطان والتي كانت كافية لإيقاف صناعة فاخرة تعتمد على الفتيات.

تدور قصة «فتيات الراديوم» حول النساء والفتيات اللواتي عملن في مصانع شركة تقوم بطلاء أرقام الساعات الفاخرة بمادة الراديوم كي تشعّ الساعة في الظلام، تلك ميزة أقبل عليها الكثير من الناس في عشرينيات القرن الماضي. كان الراديوم عنصراً عجيباً وقتها، فاستُخدم مثلاً لرسم التمثيليات الإنجيلية من قصص الكتاب المقدس لجعلها براقة ومضيئة وإكسابها طابعاً سحرياً، بينما اعتبره البعض دواءً يشفي كلّ العلل.

عملت النساء بأيديهن في تلك المصانع مُجردات من أي حماية أو وقاية، حتى أن المسؤولين أخبروهن أن الراديوم ليس خطيراً، وبالتالي تعرضت النساء لكميات مهوّلة من العنصر المشع عندما كنّ يطلين أرقام الساعة بأيديهن أو يطلين أظافرهن ويتبرجن مستخدمات تلك المادة، والأسوأ من ذلك كله، هو إجبارهن على لعق فرشاة الطلاء كي تصبح أرفع ويكون الطلاء دقيقاً. وبالمناسبة، كانت فرصة العمل تلك مرموقة جداً، حتى أن بعض النساء ميسورات الحال عملن في تلك المصانع لفترة قصيرة، كان الراديوم معجزة سحرية في القرن العشرين.

للأسف، عانت فتيات الراديوم من أمراضٍ مؤلمة، وتوفي أغلب الفتيات جرّاء إصابتهنّ بفقر الدم (الأنيميا) والساركوما العظمية (إحدى أنواع سرطان العظام). كما عانت الفتيات من تساقط أسنانهن وفكوكهن، وتوفت في النهاية 50 فتاة جراء التسمم بالراديوم، كانت أغلبهن في عقدهنّ الثاني أو الثالث.

للأسف، لم تسر الأمور في مصلحة الفتيات. حيث قامت بعض الناجيات منهن بمقاضاة الشركة، لكن الأخيرة فبركت الأدلة ودفعت رشاوى إلى المحامين والأطباء الذين فحصوا الفتيات. حصلت الفتيات على العدالة في نهاية المطاف، لم تخسر الشركة الكثير وقتها، ودفعت تعويضات سخيفة للناجيات (اللواتي توفين بعد أعوام قليلة). لكن كان لتلك الحادثة أثراً إيجابياً على الوعي العام تجاه مخاطر العناصر المشعة.

10. دهن (دسم) الحوت واستخدامه كأحمر شفاه

قطعة من دهن الحوت
قطعة من دهن الحوت المتخمر والمحفوظ. صورة: Wikimedia

تعرفنا في إحدى الفقرات السابقة على طريقة مقززة للحصول على أحمر الشفاه، لكنها ليست الطريقة الوحيدة على ما يبدو. فعبر التاريخ، استخدم البشر دهن الحوت لأنه يساعد في نشر الخضاب الأحمر، ولا تعتقدوا أن استخدامه قديم قدم الإغريق والرومان أو المصريين، بل شاع استخدام دسم الحوت في سبعينيات القرن الماضي!

يمتلك الحوت الواحد كمية كبيرة من الدسم كافية لاستخدامه في صناعة أحمر الشفاه والصابون، ما أدى إلى انتشار عمليات صيد الحيتان بكثرة لتأمين تلك الدهون عالية الجودة. بالطبع، أصبح صيد الحيتان محدوداً ومقيداً بشكل صارم، وتوفرت اليوم الكثير من المنتجات الأخرى –معظمها نباتية –أرخص بكثير وأسهل من ناحية التصنيع.

مستحضر مصنع من دهون الحيوانات
مستحضر مصنع من دهون الحيوانات. صورة: redmart

لم يعد دهن الحوت مستخدماً صناعياً اليوم، لكن بعض الشعوب ما زالت تستخدمه، كشعب الإنويت مثلاً. فالدهون تؤلف نحو 50 بالمئة من وزن الحوت، فتوفر إذاً كميات وافرة من السعرات الحرارية باعتبارها مصدراً غذائياً، وذلك أمرٌ ضروري للبقاء حياً في بيئات باردة جداً كالتي يعيش فيها شعب الإنويت. كما يحوي دهن الحوت الفيتامين د، وهو أيضاً ضروري لسكان المناطق الذين لا يتعرضون لأشعة الشمس كثيراً.

11. قطرات للعينين من نبات البِيلّادونا السام والمميت

البيلادونا السامة
البيلادونا السامة.

يُطلق على هذا النبات الكثير من الأسماء: منها الاسم العلمي (أتروبا بيلادونا)، أو أسماء شائعة أخرى كالباذنجان المميت أو البيلادونا أو «ست الحسن» –حيث تعني كلمة Bella Dona بالإيطالية ”المرأة الجميلة“ ومن هنا جاءت تسمية ”ست الحسن“.

وكما تشير كلمة (بيلا دونا) الإيطالية، يبدو أن حسناوات إيطاليا في عصر النهضة كنّ يستخدمن قطرات الأعين المُعدّة من هذا النبات لتوسيع حدقة العين، حيث كانت العيون الكبيرة والواسعة معياراً للجمال وقتها.

لكن ذاك النبات هو إحدى أكثر النباتات سمية في النصف الشرقي من الكرة الأرضية. فقد يسبب تناول النبات، وتحديداً الجذر، أمراضاً قلبية وعصبية والإجهاض التلقائي وغيرها. والأطفال هم أكثر عرضة للتسمم بنبات البيلادونا نظراً لمظهرها الجذاب وفاكتها سوداء وأرجوانية اللون، والأهم من ذلك، هو طعمها الحلو والجيد، فالنباتات السامة يكون طعمها غير محبذٍ في العادة.

يحوي جذر النبات أعلى تركيزٍ من القلويات السامة والتي تجعل من النبات مميتاً، بالطبع، جميع أجزاء النبات سامة لكن بدرجات متفاوتة. ونعود لحسناوات إيطاليا، اللواتي كن يضعن مستخلص هذا النبات على أعينهن، فكانت النساء تعاني من اضطرابات بصرية وعدم القدرة على التركيز وتسارع نبضات القلب، وأخيراً العمى.

12. أحمر شفاه من الشوندر

الشوندر
الشوندر.

كان هذا المنتج النباتي شائعاً في القرن العشرين، ولم يُستخدم في صناعة التجميل حتى أصبحت النساء قادرات على تحمّل نفقات منتجات التجميل.

إذا تناولت الشوندر في إحدى المرات، فربما لاحظت السوائل الحمراء التي تخرج منه، فالشوندر غني بالبيتالين (هي مواد لونية تُكسب النباتات وثمارها لونها)، وهو ما يُكسب الشوندر لونه الأحمر الأرجواني الجميل، بالتالي كان هذا النبات مثالياً للاستخدام في صناعة المواد التجميلية، فأصبح يُطبق على الوجنتين والشفتين كي يكسبها لونها الأحمر المتورد. كما كان متاحاً لجميع النساء وقتها، فهل من منتج تجميلي أفضل من الشوندر؟

بالطبع، لا يسبب الشوندر مشاكل أو تسمم، لكن استخدامه منذ القدم (كجميع الخضراوات الجذرية) بالطبقات الفقيرة من المجتمع، بل كان يُعتبر طعام الفقراء. حتى نساء القرى المعزولة لم يستطعن استخدام إلا كميات صغيرة من الشوندر الفائض أساساً.

13. استُخدم الشمع المُنصهر لتطويل الأهداب (الرموش)

صورة لإحدى ممثلات السينما الصامتة
صورة لإحدى ممثلات السينما الصامتة. صورة: Business Insider UK

لاحظنا سابقاً أن البشر سابقاً فضلوا الحواجب المتصلة مع بعضها، بينما حبذوا لاحقاً إزالة الأهداب بالكامل، ثم اعتبروا لاحقاً أن الأهداب الطويلة رمزٌ للجمال الأنثوي. يبدو أن الموضة وأذاوق الناس تتغير باستمرار.

سنتحدث هنا عن الأهداب أو الرموش الطويلة، وتحديداً تلك الطويلة جداً التي جعلت نساء القرن العشرين، وتحديداً ممثلات ونجمات السينما الصامتة، يرغبن بأهداب طويلة وسوداء تجعلهن بارزات أثناء أداء الدور. بالطبع، لم تُخترع وقتها الأهداب الصناعية التي تضعها النساء اليوم، لذا لجأت نساء القرن العشرين إلى طرقٍ أخرى مبتكرة لتطويل أهدابهنّ.

كانت مجملات الرموش (أو المسكرة Mascara كما تُسمى) موجودة في تلك الفترة، وكانت النساء يمزجنها بدقيق أسود ويجملون بها أهدابهن، لكنها لم تكن كافية لإكسابهن رموشاً طويلة كما تفعل الرموش الاصطناعية.

ما الحلّ إذاً؟ وضعت النساء وقتها الشمع المُذاب على أهدابهن باستخدام قطرات من الشمع الحار جداً على الأعين، التي تُعبر إحدى الأعضاء الحساسة جداً عند الإنسان. وبالفعل، عانت معظم النساء من الحروق الصغيرة، حتى أن ملابس بعضهن كانت تتعرض للحروق. لكن يبدو أن النتيجة كانت فعالة حقاً، وذلك واضح إن تابعت أفلاماً من العصر الماضي.

نرى، إذاً، أن البشر استخدموا أشياء وأغراض لا تخطر ببال أحدٍ كي يظهروا بأبهى مظهرٍ لهم، حتى لو كانت طُرق التجميل التي اتبعوها مقرفة للغاية ومؤلمة، أو حتى مميتة!

مقالات إعلانية