in

كيف تنبأت لعبة فيديو بانهيار اقتصاد فنزويلا

تضخم اقتصادي رقمي؟ هذا ما حدث في لعبة Diablo III ويشبه إلى حد كبير ما حصل في دول ضربها التضخم المفرط

منذ ثماني سنوات، أصدرت شركة «Blizzard Entertainment» لعبة جديدة ومثيرة ومتعددة اللاعبين بعنوان «Diablo III»، حيث يمكنك القيام بمهام مختلفة كإلقاء التعاويذ وصناعة الدروع وكسب الأسلحة، واستكشاف عالم خيالي أثناء قتالك ضد العدو الأخطر: التضخم! قد لا يبدو هذا منطقياً لك. فمن المنطقي أن يكون (ديابلو) شرير اللعبة، لكن في الحقيقة، أنت مخطئ.

ما هو التضخم

بعبارات بسيطة، يحدث التضخم عندما تنخفض قيمة العملة، ويحدث هذا عادةً إثر زيادة المعروض النقدي دون زيادة مقابلة في السلع.

تخيل أنك تعيش على جزيرة، وكل ما تنتجه الجزيرة في العام الواحد هو خمس حبات من جوز الهند. تخيل الآن أن هناك خمس وحدات من العملة المتداولة في الجزيرة –دعنا نسميها «دولار». لذلك من المحتمل أن تساوي كل حبة من ثمار جوز الهند الخمس في الجزيرة دولارًا واحدًا. ولكن دعنا الآن نفترض أنك كسبت المزيد من تلك العملة حتى أصبح رصيدك 500 دولار في الجزيرة، في حين أن الجزيرة مازالت لا تنتج سوى خمس حبات جوز الهند: سيرتفع سعر جوز الهند، فكل شخص لديه الكثير من الدولارات لكنه يحاول استخدامها لشراء نفس العدد المحدد من جوز الهند، مما يقلل من قيمة كل دولار.

الحنفيات والمصارف

مزاد لبيع أغراض من لعبة ديابلو بمالبغ حقيقية من المال.

أول شيء يجب فهمه حول اقتصاديات ألعاب الفيديو هو فكرة الحنفيات Faucets والمصارف Sinks .الحنفيات هي عناصر موجودة في اللعبة مهمتها إنتاج الذهب للاعبين، وفي لعبة «Diablo III»، كانت الحنفيات بمثابة مكافآت لهزيمة الأعداء أو إكمال المهام.

أما المصارف، فهي العناصر التي تصرّف وتزيل الذهب من اللعبة. ولعبة «Diablo III» عانت من مشكلة في المصارف، وليس ذلك النوع الذي يمكن للسباك إصلاحه بالطبع.

إذ أن المصارف لم تُزِل ما يكفي من الذهب في اللعبة. فقد كانت الطريقة الوحيدة لإنفاق أموال طائلة هي شراء أغراض وعناصرٍ من حدادٍ افتراضي داخل اللعبة. لكن عدداً قليلاً من اللاعبين اعتمد على هذه الطريقة، لأنه من الأسهل عليهم شراء الأشياء من لاعبين آخرين بدلاً من إنفاق المال على الأغراض المعروضة لدى الحداد.

ولأن الحنفيات أنتجت ذهبًا أكثر من قدرة المصارف على التصريف، فكانت هناك زيادة سريعة في المعروض من العملات، مما أدى إلى التضخم. ثم ازدادت المشكلة سوءًا بسبب دار مزادات المال الحقيقي الخاص بـ «Diablo III»، والذي تدفع فيه دولارات حقيقية مقابل الحصول على أغراض ثمينة.

في محاولة لمنع الأسواق السوداء للإنترنت التي ظهرت في الجزء السابق من اللعبة، Diablo II، قام مطورو «Diablo III» ببناء وظيفة في اللعبة تسمح للاعبين بتبادل أموال حقيقية في العالم مقابل الذهب الافتراضي، والعكس. ما يعني بناء تبادل للعملات الافتراضية. فما الذي حدث؟

حسنًا، كان الحد الأدنى للصفقة في اللعبة 0.25 دولارًا أمريكيًا، ولا يمكنك البيع إلا عبر حزمٍ مؤلفة من 100000 وحدة ذهب، مما أدى إلى ظهور حد أدنى للسعر المحتمل للذهب، وهو 0.25 دولار حقيقي لكل 100000 وحدة ذهبية من اللعبة. وبمجرد غمر اللعبة بالذهب بما فيه الكفاية بحيث لا يتم استنزاف المصارف، سرعان ما اقتربت التبادلات من ذلك الحد الأدنى، وكان على اللعبة أن تتكيف قبل أن يتحول الناس إلى السوق السوداء، لذلك رفعوا الحزم إلى مليون وحدة من الذهب، واحتفظوا بالحد الأدنى عند 0.25 دولار.

بالتالي أصبح من الممكن بيع الذهب بسعر أقل، وهذا ما فعله الناس، ما يعني أن سعر الذهب سيهبط إلى حد أدنى جديد. وفي غضون أشهر، حصل تضخم مقداره 1000٪، ما يعدّ كارثة حقيقية من الناحية الاقتصادية.

ما يحول التضخم إلى تضخم مفرط، ليس فقط توفر الكثير من العملة، بل أن يتوقف الناس عن الرغبة في تلك العملة. في أوائل عام 2013، خشي لاعبو «Diablo III» من انخفاض الحد الأدنى لسعر الصرف مرة أخرى، مما سيؤدي إلى خفض قيمة الذهب لديهم أكثر. هذا يعني أنهم لا يريدون الاحتفاظ بالذهب كأصول (Asset)، لذلك حاولوا بشدة إنفاق كل ما لديهم من ذهب في أسرع وقت ممكن، قبل أن يفقد قيمته، وهذا ما أدى إلى حدوث تضخم مفرط.

فكر في الأمر من منظور العرض والطلب البسيط. يزداد عرض العملة بشكل كبير، حيث يغمر الناس السوق بها في محاولة للتخلص منها. في غضون ذلك، يتراجع الطلب على تلك العملة كثيرًا إذ لا يريدها الناس، لأنهم يعتقدون أنها ستفقد قيمتها قريبًا. وأي شيء يخضع لعرض مرتفع وطلب منخفض، ينخفض سعره.

ذلك ما حدث مع منتجي فيلم «Cats»، وهو فيلم ذو ميزانية ضخمة جداً صمم بهدف صناعة وحوش القطط المرعبة التي تشبه البشر، لكن السوق –أو المشاهدين في حالتنا هذه– لم يكن مهتم بالعرض المتمثل بهكذا فيلم.

من سيء إلى أسوأ

14 مليون و600 ألف بوليفار فنزويلي مقابل دجاجة وزنها 2.4 كيلوغرام. صورة: Reuters

لكن الأمور سارت من السيئ إلى الكارثي مع «Diablo III» في السابع من مايو عام 2013، عندما أدى خطأ في اللعبة إلى تمكين اللاعبين من مضاعفة ذهبهم حسب الرغبة، ما تسبب بارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من إصلاح الخطأ بسرعة، فإن دورة التضخم المفرط قد انتشرت بالفعل، فبعد مرور عام على إطلاق اللعبة، أظهرت بورصات السوق السوداء أن ذهب «Diablo III» قد سجل معدل تضخم قدره 1،000،000٪.

يبدو كل ما سبق وكأنه حادثة ألعاب فيديو لا قيمة لها، لكن التضخم المفرط هو ظاهرة حقيقية تؤثر على الاقتصادات الحقيقية. حدث ذلك قديماً في جمهورية فايمار الألمانية في عشرينيات القرن الماضي، وكان أحد الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وفي زيمبابوي في أواخر العقد الأول للقرن الحالي، ما أدى في نهاية المطاف إلى طباعة عملات ورقية بقيمة 100 تريليون دولار زيمبابوياني، وهو ما يحدث الآن في فنزويلا، حيث يتطلب شراء الأشياء الكثير من العملات الورقية بحيث لم يعد الموظفون يحسبونها، بل يرمون أكواماً من العملات مقابل حاجيات بسيطة.

لا تقتصر هذه الظاهرة الاقتصادية في العالم الافتراضي، بأي حال من الأحوال على «Diablo III»، فهناك أمثلة رائعة جدًا لاقتصادات افتراضية عانت من ذات الأمر في ألعاب مثل «EVE» و «EverQuest» و «SecondLife»

مقالات إعلانية