in

نقد الرأسمالية من وجهة نظر اشتراكية

نقد الرأسمالية

لا يوجد تعريف ثابت للاقتصاد القائم على الرأسمالية، لكن إذا أردنا وصفه، فهو يرتكز على ثلاث صفات أساسية: الإنتاج السلعي، احتكار وسائل الإنتاج، العمل المأجور.

1. الاقتصاد السلعي:

إذا درسنا الحياة الاقتصادية في ظل الرأسمالية، نجد أن أول صفة من صفات هذا النظام هي إنتاج السلع. فالسلعة ليست مجرد منتوج، بل هي شيءٌ تمّ إنتاجه من أجل السوق خصيصاً.

إن المنتوج الذي ينتجه المنتج نفسه من أجل الاستعمال الشخصي، ليس سلعة، بل يتحول إلى سلعة عندما يُباع أو يشترى. وبالتالي في ظل الرأسمالية كل المنتجات عبارة عن سلع ويجري إنتاجها للسوق فقط.

لكن الاقتصاد السوقي يفترض بالضرورة وجود الملكية الفردية، وحيث يسود الإنتاج السلعي والملكية الفردية، يسود النزاع على المشترين والمنافسة على من يبيع بكمية أكبر. وكما هي العادة فإن الأقوى والأذكى والذي يملك أفضل أدوات، وبشكلٍ خاص ذلك الذي يستطيع تخزين وحفظ المال، هو دائماً الذي يجذب الزبائن ويدفع منافسيه نحو الإفلاس.

إن الرأسمالية نظام ملكية صغيرة، والاقتصاد السلعي قائم على هذه الملكية الصغيرة. وبالتالي هذا الاقتصاد قائم من أجل خدمة السوق.

2. احتكار الطبقة الرأسمالية لوسائل الإنتاج:

لا يمكننا بناء نظامٍ اقتصادي رأسمالي بالكامل على حقيقة الاقتصاد السلعي فقط. لأنه بالإمكان تواجد اقتصاد سلعي دون تواجد نظام رأسمالي؛ كما الاقتصاد السلعي البسيط، على سبيل المثال، الحرفيين المستقلين، هؤلاء تُعتبر منتجاتهم سلعاً بلا شك، لكنّ إنتاجهم لا يُعدّ إنتاجاً رأسمالياً. وبالتالي لكي يتحول هذا الاقتصاد السلعي البسيط إلى إنتاجٍ رأسمالي، يجب أن يتحقق ما يلي:

  • يجب أن تصبح وسائلُ الإنتاج ملكاً فردياً، وفي أيدي طبقةٍ محدودة من الرأسماليين الأغنياء.
  • يجب على باقي الحرفيين المستقلين أن يفلسوا وينهاروا اقتصادياً، ويتحولوا إلى عمال مأجورين.

وبالتالي ومع مرور الزمن، تنتقل كل وسائل الإنتاج إلى ملكية خاصة للطبقة الرأسمالية، أي تصبح احتكاراً لها.

3. العمل المأجور:

إن هذه الأعداد الكبيرة من الحرفيين السابقين الذين قد حُرموا من ملكية وسائلهم، حُوّلوا إلى عمّال مأجورين لرأس المال — لدى من أخذ ملكيتهم — وبالتالي هذا العامل لا يملك مخرجاً آخر غير أن يعمل لدى هذا الرأسمالي المالك لكل وسيلة إنتاج.

لكن هذا العامل المأجور لا يمكن بيعه وشراؤه كما العبيد في العصور السابقة، لكن يمكن شراء ”قوة عمل“ العامل المأجور. فالفارق الوحيد بين تلك العصور والآن، هو حرية العامل في بيع قوة عمله، وبالتالي حرية الرأسمالي بشرائها. هنا يكمن جوهر العمل المأجور وهو بيع قوة العمل، أي تحويل هذه القوة إلى سلعة.

لا يوجد قوة عمل في الاقتصاد السلعي البسيط، فالحرفي المستقل، هو رأسمالي نفسه، يملك قوة عمله، بيته، أدواته الخاصة، كما أنه يعمل لحسابه الخاص، ويدير مؤسسته الصغيرة بنفسه. لكن كل هذا يختلف كلياً في ظل الرأسمالية، فالعامل لم يعد يملك وسائل الإنتاج، وبالتالي لا يستطيع استخدام قوة عمله لإدارة مؤسسته الخاصة.

ولهذا نجد بجانب الأسواق الرأسمالية، أسواق العمال المأجورين يبيعون قوة عملهم. إنّ استخدام الرأسمالي للعامل يعني بيعه لسلعة معينة، وتُسمى هذه السلعة ”قوة العمل“، وبالتالي ينطبق على هذه السلعة ما ينطبق على باقي السلع الأخرى، فتكون قيمتها، مثل كل السلع، تساوي كمية العمل المبذولة لإنتاجها.

لكن ما قيمة إنتاج شيء كهذا؟ إنهم عمال (بشر)، أي يحتاجون طعاما وإلخ، فتعود قوتهم للعمل من جديد. كما أن هناك حاجيات إضافية غير الحاجيات اليومية، وهي تدريب العمال من أجل العمل في المصانع. وبالتالي القيمة النهائية لقوة العمل تساوي قيمة الحاجيات الاستهلاكية اليومية —للعامل بالإضافة لقيمة نفقات التدريب.

العمل المأجور

لكن لماذا تحتاج الطبقة الرأسمالية الى استئجار العمال؟ إن الجواب بسيط جداً، من أجل الربح. وهو صفة من صفات المجتمع الرأسمالي، فهو لا ينتج أشياء ضرورية أو مفيدة غالباً، بل يجبر العمال على إنتاج السلع التي تأتي بأعلى سعر. على سبيل المثال، التدخين، فهو مضر بالصحة بكل تأكيد، لكنه تجارة رابحة جداً. الرأسمالي يشتري المواد الأولية وقوة عمل العمال، ويبدأ بالإنتاج، وينتج هذا المصنع سلعة جديدة إلى أن تستنفذ قوة العمل. وقيمة هذه السلعة هي قيمة المواد الأولية بالإضافة إلى قيمة عمل العمال ”قوة العمل“ الذي دفع الرأسمالي قيمتها سابقاً بتوظيف العمال وإعطائهم المال مقابل عملهم.

لكن في الواقع فإن استغلالٌا كبيرا يحدث للعامل: إذ أن الرأسمالي دفع قيمة المواد الأولية، لكنه لم يدفع قيمة ساعات العمل الكاملة التي عمل بها هذا العامل، لأن كمية العمل المطلوبة لتجديد قوة عمل العامل شيء، وكمية العمل الذي يستطيع هذا العامل أن يبذلها شيء آخر. وكمثال، يستطيع العامل أن يعمل 10 ساعات في اليوم، لكن ما يحتاجه من طعام وكساء وإلخ هو كقيمة يساوي 5 ساعات عمل فقط، وبالتالي العامل يقدم ما يزيد عما هو ضروري من أجل ”تجديد قوة عمله“ من أجل شراء الغذاء والكساء من المال الذي يتقاضاه من الرأسمالي.

أي وبكل بساطة، باعتبار العمل مدته 10 ساعات، فإن يوم العمل ينقسم إلى نصفين، الأول: يعمل للتعويض عما تلقاه من أجر مقابل حاجاته، والثاني: يعمل للرأسمالي مجاناً، وهذا العمل الإضافي المجاني المُقدم للرأسمالي يسمى بالقيمة الفائضة أي استغلال العامل.

الآن ربما يمكننا وضع تعريف عام لرأس المال والرأسمالي. رأس المال عبارة عن قيمة قبل أن يكون أي شيء آخر، غير أنه يسمح بإنتاج قيمة جديدة، ويسمح بإنتاج قيمة فائضة، والإنتاج الرأسمالي هو إنتاج هذه القيمة الفائضة التي سبق وتكلمت عنها. ولكننا لا نستطيع القول أنّ وسائل إنتاجٍ معينة هي وسائل رأسمالية إلا إذا تملكتّها طبقة واحدة، أو إذا استُخدمت هذه الوسائل لاستغلال العامل المأجور، ولإنتاج القيمة الفائضة التي من الممكن أن تتمثل بسبائك ذهب أو عملة ورقية أو حتى وسائل إنتاج جديدة.

الاقتصاد الرأسمالي يحمل في داخله مكونات دماره

ربما قد نرى أن هذا المجتمع الرأسمالي، مجتمعٌ متماسك، متين، لكن في الواقع، يوجد به ثغرات عديدة كبيرة سوف تؤدي إلى دماره. من أهمها، ما يعرف بـ”فوضى الإنتاج“ و”الصراع الطبقي“.

يتلخص معنى فوضى الإنتاج بهذا الشكل: جميع الشركات الرأسمالية تنتج السلع باستقلالٍ تام عن بعضها البعض وبدلاً من إنتاج ما يحتاجه المجتمع من سلع لسد حاجته، فإنهم — الرأسماليين — سينتجون السلع التي ستجني أرباحاً أكثر والتي ستسمح لهم بالانتصار على الشركات المنافسة في السوق، مما سيؤدي إلى تدفق ”كميات فائضة“ من السلع في السوق بدون تصريف. فتبدأ هنا الأزمات بالظهور، فتغلق بعض المصانع التي لم تستطع تصريف بضاعتها، ويُسرح عمالها. بالإضافة إلى ذلك فإن فوضى الإنتاج تؤدي إلى نزاعٍ على الأسواق، وقد يتخذ هذا النزاع عدة أشكال، فإما يكون بين صناعيين اثنين على السوق المحلية، وإما بحربٍ عالمية تتصارع فيها الدول الرأسمالية للسيطرة على السوق العالمية.

وأما ما يُعرف بالصراع الطبقي فيحدث بهذا الشكل: المجتمع الرأسمالي ليس مجتمعاً واحداً بل اثنين: الأول هو الرأسماليون والثاني هو العمال والفلاحون. وهناك دائماً حالةٌ من العداء الدائم بين هذين المجتمعين، ودائماً ما ينتهي هذا العداء بفناء إحدى هاتين الطبقتين وتسلُّمها الاقتصاد الكلي. وإذا درسنا تطور المجتمع الرأسمالي عبر التاريخ فنراه مرشحاً للانهيار بسبب توسع هذه الثغرات التي تكلمت عنها. وبالتالي نستخلص هذه النتائج:

  • يتقلص عدد الرأسماليين بتطور الرأسمالية لكنهم يزدادون ثراءً وقوة.
  • يزداد عدد العمال باستمرار، وتتسع الهوة بين الطبقتين: الرأسمالية والعمالية.
  • الصدام المؤكد بين الطبقتين في النهاية، والذي يؤدي الى انتهاء الطبقة الرأسمالية وظهور الطبقة الاشتراكية.

ولادة الاقتصاد الاشتراكي

إن انهيار النظام الرأسمالي انهيارٌ حتمي، بسبب العاملين السابقين. وما إن يؤدي هذين التناقضين الأساسيين إلى تدمير الاقتصاد الرأسمالي، حتى يقوم على أنقاضه مجتمعٌ جديد يكون بالتالي متحرراً من هذه التناقضات. إذاً يجب أن يتميز هذا المجتمع بأن يكون مجتمعاً منظماً أولاً، أي متحرراً من فوضى الإنتاج والمنافسة. كما يجب أن يكون مجتمعاً خالياً من الطبقات كي لا يحدث تصادم جديد يؤدي إلى فناءه، واستغلال إحدى هذه الطبقات للأخرى.

إن جوهر المجتمع الاشتراكي هو الملكية العامة لوسائل الإنتاج، أي جميع الوسائل التي تتواجد في المجتمع هي ملك للمجتمع وليست حكراً على طبقة واحدة، إنما تحت تصرّف جميع أفراد المجتمع، كما أنه لا توجد مشاريع اقتصادية تنافس أخرى لتسيطر على السوق. بالإضافة إلى أنه يلغي تقسيم المجتمع إلى طبقات متناحرة فيما بينها، فالمجتمع يصبح عبارة عن طبقة واحدة.

إن نمط الإنتاج الاشتراكي يقضي بتسخير الإنتاج لسد الحاجات المباشرة للمجتمع وليس من أجل سد حاجة السوق. كما أن الإنتاج لا يتم على يد صانع واحد — رأسمالي، بل بتعاونية ضخمة، وكنتيجة لهذا التغير، ينتج المجتمع منتجاتٍ لا سلع. فتزول عمليات البيع والشراء، وتُخزن جميع المنتوجات في مستودعات جماعية، وتسلم هذه المنتوجات للمحتاجين منها. وبالتالي يمكن تلخيص آلية عمل النظام الاقتصادي الاشتراكي بالشكل التالي: في المراحل الأولى من المجتمع الاشتراكي، توزع المنتجات حسب كمية العمل المبذول، ثم توزع حسب الحاجة إليها.

إن المجتمع الاشتراكي أفضل من الرأسمالي، لعدة أسباب:

  • إن قيام الاشتراكية يحرر كميةً ضخمة من الطاقة كانت مهدورة سابقاً في الصراع الطبقي.
  • تنقذ الاشتراكية كل هذه الطاقات والإمكانيات المادية التي تُهدر في المنافسات والأزمات والحروب، كالصراع العالمي للسيطرة على السوق العالمية.
  • تنظّم الصناعة لإنقاذ الهدر غير المبرر للإنتاج، بالإضافة لتحسين الإنتاج من الناحية التقنية.
  • كما أن الاشتراكية تنمي القوى الإنتاجية، وبالتالي لن يضطر العامل إلى بذل كمية العمل التي كان يبذلها تحت سقف الرأسمالية.

One Comment

مقالات إعلانية