in

قصة يوم ”الدراجة الهوائية“، وألبرت هوفمان، وأصل اكتشاف عقار الـ(أل أس أدي) LSD المخدر

يوم ”الدراجة الهوائية“، وألبرت هوفمان
صورة: موقع prohbtd

لدى اليوم الذي عرف بيوم ”الدراجة الهوائية“ علاقة بجولة جرت على متن درجة هوائية، لكن الأمر ليس مرجعا حرفيا للدلالة على الرحلة، حيث يحتفى بيوم الدراجة الهوائية هذا على أنه اليوم الذي اكتشف فيه العالم السويسري (ألبرت هوفمان) تأثير المادة المخدرة التي أصبحت تعرف باسم (ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك)، أو باختصار الـ(أل أس دي) LSD.

على الرغم من كون يوم الدراجة الهوائية حدث في التاسع عشر من شهر أبريل سنة 1943، إلا أنه لم يكن أول مرة يصادف فيها (ألبرت هوفمان) عقار الـ(أل أس دي)، ففي السابق، وفي سنة 1938 بالتحديد، استخلص (هوفمان) بطريقة اصطناعية مركب الـLSD عندما كان بصدد دراسة خصائص أحد أنواع الفطريات يدعى (إرغوت) -أو ”مهماز الشيلم“-، كان (هوفمان) يبحث عن مركب كيميائي يحفز الجهاز العصبي للاستعمال كحل دوائي لعلاج آلام وصداع الرأس أو مشاكل التنفس.

وعندما أجريت التجارب الأولية ولم تفض إلى أية نتائج واعدة تذكر، عمدت شركة الصيدلة وصناعة الأدوية التي كانت تمول بحث (هوفمان) إلى إيقاف التمويل عن تجاربه، ومنه تخلى عن فكرة تطوير المادة، على الأقل إلى حين.

في أحد أيام سنة 1943، شعر (هوفمان) برغبة كبيرة في العودة إلى إجراء التجارب على العقار الذي كان قد تركه جانبا في السابق منذ خمسة سنوات، وفي السادس عشر من شهر أبريل سنة 1943، وقبل أيام قليلة مما سيعرف في المستقبل على أنه يوم الدراجة الهوائية، بدأ (هوفمان) إجراء التجارب مرة أخرى.

على الرغم من أنه ليس واضحا كيف وصلت مادة الـLSD إلى داخل دم (هوفمان)، إلا أنه يشتبه في أنه كان قد لعق أصابع يديه بعد فراغه من أداء التجربة، التي تكون قد علقت بها بعض من تلك المادة، وعندما دخلت المادة في دورته الدموية، اختبر شعورا يشبه حالة من تحسن المزاج والوعي.

في التاسع عشر من شهر أبريل من نفس السنة، قرر (هوفمان) أن يقوم بإجراء التجارب على نفسه معتبرا إياها موضوع بحث من أجل اكتشاف التأثيرات الحقيقة والفعلية لعقار الـLSD، واستهلك بعدها ما قدّر حجمه على أنه جرعة عادية تزن 25 مليغراما، بعدما تركها تنحل في الماء.

وكانت تلك بداية يوم الدراجة الهوائية…

لوحة تبرز ڤهلوسات” العالم (ألبرت هوفمان) بفعل عقار الـ(آل آس دي).
لوحة تبرز ڤهلوسات” العالم (ألبرت هوفمان) بفعل عقار الـ(آل آس دي).

على الرغم من أن (هوفمان) لم يكن واثقا مما ستكون تأثيرات العقار عليه إلا أنه شعر بنقلة نوعية وعميقة داخل أحشائه بعد ساعة من تناوله المخدر، وتضمن هذا الشعور الأولي حالة من التشوش ممزوجة مع قليل من القلق والتوتر، بالإضافة إلى الرغبة الملحة في الضحك بدون سبب.

طلب (هوفمان) من مساعده المخبري أن يوصله إلى بيته، لكن بما أن هذه الأحداث كانت تجري في زمن الحرب العالمية الثانية، فإنه كان يمنع على الأفراد استقلال أو قيادة السيارات، ومنه تعين على (هوفمان) استقلال دراجة هوائية إلى منزله رفقة مساعده.

وهنا بلغ يوم الدراجة الهوائية ذروته، فقد أخذت حالة (هوفمان) تزداد حدة شيئا فشيئا بينما كان يقود دراجته إلى المنزل، فتطورت لديه حالة من القلق الكامل والارتياب، وكان يخشى أنه أصيب بالجنون.

يعرف ”يوم الدراجة الهوائية“ على أنه اليوم الذي استقل فيه العالم (ألبرت هوفمان) دراجة هوائية إلى المنزل وحقق اكتشافا كان الأول من نوعه.
يعرف ”يوم الدراجة الهوائية“ على أنه اليوم الذي استقل فيه العالم (ألبرت هوفمان) دراجة هوائية إلى المنزل وحقق اكتشافا كان الأول من نوعه.

أصبح (هوفمان) بعدها خائفا من أن يكون أقدم على تسميم نفسه، وذلك ليس بالفكرة غير المعقولة، حيث أن فطر (إغروت) الذي استعمله في استخلاص المادة المخدرة كان ساما وقاتلا في حالته الطبيعية.

كتب (هوفمان) في أحد مذكراته واصفا ما حدث خلال الرحلة في يوم الدراجة الهوائية، وما راوده من شعور وأفكار: ”كان كل شيء في مرمى نظري مشوه الشكل ومترنحا، كما لو كنت أشاهده من خلال مرآة مقعرة، كما انتابني شعور بأنه لم يكن باستطاعتي التحرك والابتعاد عن زاوية الرؤية تلك، غير أن مساعدي أخبرني لاحقا بأننا كنا نقود بسرعة كبيرة“.

صورة (ألبرت هوفمان) العالم الذي اخترع عقار الـ(آل آس دي) المهلوس.
صورة (ألبرت هوفمان) العالم الذي اخترع عقار الـ(آل آس دي) المهلوس.

وبمجرد أن وصل إلى المنزل، استدعى (هوفمان) حضور طبيب ليتفحصه في بيته لأنه خشي على حياته. لم يجد الطبيب لدى (هوفمان) أية أعراض خطيرة أو غير طبيعية عدا عن حدقتان متوسعتان، وبمجرد أن علم (هوفمان) بأنه معافى ولا يشكو من شيء واطمأن بأن حياته لم تكن في خطر، شعر بتغير جذري في حالته الشعورية، فقال: ”زال الشعور بالذعر وخفّ، وأفسح المجال أمام شعور رائع بالإمتنان والسعادة“، وأضاف: ”وبعد ذلك، أصبحت شيئا فشيئا قادرا على الاستمتاع بالألوان الرائعة التي لم أر لها مثيلا من قبل، والأشكال الجميلة التي لم تغادر مخيلتي بينما كنت أغلق عيناي، فقد كانت تلك صورا رائعة مصدرها داخلي“.

ومنه اخترع عقار الـLSD على أنه دواء مخدر، وأطلق على ذلك اليوم اسم ”يوم الدراجة الهوائية“.

توفي (ألبرت هوفمان) في سنة 2008 عن عمر ناهز 102 سنوات.

ليست ذكرى التاسع عشر من أبريل هذه احتفالية بالضرورة، بل إنها يوم تخليد ذكرى رجل على الاكتشاف الذي خدم به البشرية، والطريقة الفريدة التي حقق بها هذا الاكتشاف، ومثلما قال (هوفمان) نفسه: ”أنا لم أختر الـLSD، بل الـLSD هو من اختارني“.

مقالات إعلانية