in

رواية ”مزرعة الحيوان“، رائعة جورج أورويل المحظورة

تعد رواية ”مزرعة الحيوان“ من روايات الأدب الديستوبي الخالدة، كتبها ”جورج أورويل“ بين نوفمبر 1943 وفبراير 1944 عندما كانت الممكلة المتحدة في تحالف مع الإتحاد السوفييتي، ووقت حظي ”ستالين“ بتقدير كبير لدى الشعب البريطاني والمثقفين منه، ما أثار حفيظة ”أورويل“.

وقد كان العنوان الأصلي للرواية ”مزرعة الحيوان: رواية خيالية“، إلا أن الناشر الأمريكي أسقط العنوان الفرعي عندما نشرها في عام 1946، وقد تأثر ”أورويل“ بهذه الرواية عندما كتب روايته الشهيرة الثانية ”1984“.

صنفت مجلة ”Time“ الكتاب من أفضل 100 رواية باللغة الإنكليزية (1923 حتى 2005)، وكان ترتيبه 31 في قائمة ”Modern Library“ لأفضل روايات القرن العشرين، وفازت بجائزة ”هوجو“ بأثر وهمي عام 1996، كما أنها مدرجة في مجموعة ”كتب عظيمة في العالم الغربي“.

الرواية والشخصيات

مزرعة الحيوان

تعتبر الرواية إسقاطاً ممتازاً لأحداث ما قبل عهد ”ستالين“ وخلاله، ممثلة الثورة الروسية وما بعدها، وتستعرض ثورة الحيوانات في مزرعة السيد ”جونز“ التي ثارت عليه وعلى طغيانه واستغلاله لها، وما يتبعها من مخاطر وأعمال تقودها للفشل في إشارة إلى فساد الثورة على أيدي قادتها في حال لم يتم الإنتقال إلى حكومة الشعب.

نستعرض في هذا المقال سرداً لأهم الأحداث في الرواية مع بعض التحليلات، لنترك لك عزيزي القارئ متعة الغوص في التفاصيل المشوقة لهذه الرواية.

تبدأ الحكاية عندما تجتمع جميع حيوانات المزرعة لسماع ”ميجور“ الخنزير العجوز، الذي وصف حلمه بعالم تعيش فيه الحيوانات بحرية وسعادة، وحياة تخلو من طغيان الإنسان، و”أخبرهم كيف أن حياتهم قصيرة، يظلّون يكدحون فيها، ثم في النهاية يذبحون… ولايوجود في إنجلترا كلها حيوان حر“.

كما يقوم بتعليمهم النشيد الثوري ”يا وحوش إنجلترا“، لتقوم ثلاثة خنازير ”سنوبول، ونابليون، وسكويلر“، بعد موت ”ميجور“ بتحويل خطابه إلى مذهب خاص ”Animalism“، وعملوا على نشره بين بقية الحيوانات.

وفي أحد الأيام، عندما نسي ”جونز“ إطعام الحيوانات، اشتعلت الثورة وطُرد السيد ”جونز“ من المزرعة، ليتحول بعدها اسم المزرعة إلى ”مزرعة الحيوان“، ويتولى ”سنوبول“ و”نابليون“ التدبير والقيادة، بعد أن سلمت لهما الحيوانات بذلك لاعتقادها بأنهما أذكى وأكثر قدرة على القيادة.

في البداية، حقق التمرد النجاح، واستطاعت الحيوانات تدبر أمورها بنفسها بعيداً عن تسلط الإنسان واستغلاله، وذلك بجهودها وتكاتفها، غير أن ”نابليون“ أثبت أنه قائد جائع للسلطة، يسرق حليب الأبقار وثمار التفاح لنفسه وللخنازير الأخرى، ولم يلبث أن جعل من ”سكويلر“ المتحدث الإعلامي باسمه، هذا المتحدث البارع في ”التطبيل“.

وينشأ لاحقاً خلاف بين ”سنوبول“ الذي اقترح بناء طاحونة هوائية توفر الكهرباء وتريح الحيوانات وتؤمن لهم الرفاهية، و”نابليون“ الذي عارض الخطة بشدة بحجة أن بناءها لن يتيح الوقت الكافي للحيوانات لإنتاج الغذاء، فيقوم ”نابليون“ باستدعاء مجموعة كلابه الشرسة التي دأب على تربيتها منذ ولادتها، لتطرد ”سنوبول“ خارج المزرعة، ومن ثم يتهمه بسرقة فكرته ببناء الطاحونة وعمالته بتعاونه مع ”الإنسان“.

”نابليون“ ومجموعة كلابه الشرسة
”نابليون“ ومجموعة كلابه الشرسة

يعلن ”نابليون“ نفسه زعيماً ويطبق تغييرات على إدارة المزرعة، لتصبح الخنازير هي الآمرة الناهية في المزرعة، ويستمر ”سكويلر“ في حملته الإعلامية بتمجيد ”نابليون“ واتهام ”سنوبول“ بالتخريب، كما يقوم ”نابليون“ بتطهير ”معارضيه“ الذين اتهمهم بالتعاون مع ”سنوبول“.

وينتهي الأمر بمخالفة الخنازير لجميع المبادئ التي اتفقت عليها الحيوانات عند انطلاق الثورة، وفي نهاية الرواية يسكن ”نابليون“ منزل السيد ”جونز“، ويظهر وهو يقف على قدمين، وكأنه يتصرف كالبشر الذين ثار عليهم، كما ويعقد الجلسات مع المزارعين المجاورين للعب الورق.

يبدو لنا أن ”نابليون“ هو ترميز صارخ لشخصية ”جوزيف ستالين“، القائد الثاني للإتحاد السوفييتي، وظهرت قسوته ووحشيته بشكل واضح عندما رغب في الإنفراد بالسلطة، ولعل الكلاب أو الجراء التي استخدمها ”نابليون“ في إرهابه مثلت الشرطة السرية، أوجهاز المخابرات الـ”كي جي بي“.

فيما مثل ”سكويلر“ الأدوات الإعلامية التي استخدمها ”ستالين“ لتبرير أفعاله، وقدرتها الهائلة على استخدام اللغة الملائمة لتعيق المجادلات وتربك المتحاورين، ويستمر ”سكويلر“ حتى نهاية الرواية بالإشارة إلى امتيازات الخنازير وحقهم في الحصول على الرفاهية دون غيرهم، وعلى الأرجح أن ”سنوبول“ مثل الثوري الفكري ”ليون تروتسكي“.

وأحد الشخصيات المهمة في الرواية هو الحصان ”بُكسر“ ذو البنية الجسدية القوية، والمخلص لعمله وقادته، حيث كان شعاره ”سأعمل بكد أكبر“، في إشارة واضحة للطبقة العاملة ”البروليتاريا“.

الحصان ”بُكسر“ ذو البنية الجسدية القوية
الحصان ”بُكسر“ ذو البنية الجسدية القوية

كما مثلت الخراف والأبقار أيضاً هذه الفئة من المجتمع، ولربما مثلت شخصية السيد ”جونز“ مالك المزرعة الذي يعاني من مشكلات مالية، ملك روسيا المخلوع ”نيقولاي الثاني“. كما تضمنت الرواية شخصيات أخرى مثلت الدول المجاورة وحكوماتها.

”الحيوانيّة – Animalism“

تقوم الحيوانات الثلاثة ”نابليون، وسنوبول، وسكويلر“، بتحويل أفكار الخنزير العجوز ”ميجور“ إلى نظام فكري متكامل، والذي أسموه رسمياً ”Animalism“، في إشارة مجازية إلى الشيوعية، وهو يسخر بشكل واضح من هذه الدوجمائية السياسية، كما سخر من السلطوية والشمولية.

تضمن مذهبهم الخاص سبعة وصايا هي:

  1.  كل من يمشي على قدمين عدو.
  2.  كل من يمشي على أربعة أقدام، أولديه أجنحة صديق.
  3.  لايجوز للحيوانات ارتداء الملابس.
  4.  لايجوز أن ينام الحيوان في السرير.
  5.  لايجوز أن يشرب الحيوان الكحول.
  6.  لايقتل الحيوان حيواناً آخر.
  7.  جميع الحيوانات متساوية.

Animalism

إلا أنه وفي وقت لاحق، يقوم كل من ”نابليون“ وخنازيره، بتحوير الوصايا لتجنب اتهامهم بانتهاكها، وليصبح بعدها ”نابليون“ قادراً على العيش كإنسان، بشربه الكحول ونومه في السرير، وفي النهاية يستبدل الوصية الأخيرة والأهم لتصبح ”جميع الحيوانات متساوية، ولكن بعض الحيوانات هم أكثر مساواة من غيرهم“، وهي نقطة التحول الأهم التي أراد لنا ”أورويل“ أن نعيها، وهي سخرية من تطور الغرض الرئيسي من الوصايا السبع، والتي كانت من المفترض أن تحافظ على النظام داخل المزرعة من خلال توحيد الحيوانات معاً ضد البشر، ومنعها من اتباع عادات الإنسان الشريرة.

وهكذا يوضح ”أورويل“، كيف تتحول العقيدة السياسية إلى بروباغاندا مطواعة ببساطة.

أين حظرت الرواية ولماذا؟

– في الإتحاد السوفييتي:

حظرت الرواية حتى عام 1980 كونها مناهضة للشيوعية، ولاستخدامها صورة مهينة تجاه الإتحاد السوفييتي، وما يبرر هذا أن الإتحاد السوفييتي لم يرغب في أن يعرف شعبه ما يفكر به بقية العالم حوله.

– في الولايات المتحدة الأمريكية:

حظرت الرواية بسبب النص الشيوعي في المقدمة، وما يبرر هذا أن الحكومة الأمريكية أرادت أن يثق شعبها في حلفائها.

– في دول قوات التحالف:

حظرتها من عام 1943 حتى عام 1945، لانتقادها الإتحاد السوفييتي، وقد كان مهماً أن تحافظ قوات التحالف على ثقتها في الإتحاد السوفييتي.

– في كينيا:

حظرت مسرحية ”مزرعة الحيوان“ في كينيا في عام 1991، لأنها تنتقد القادة الفاسدين، فمن ناحية ليس مقبولاً إنكار معرفة الشعب الكيني للاتحاد السوفييتي، ولكن من الممكن تسويغه أن الحكومة الكينية لم ترغب بحدوث تمرد.

– في الإمارات العربية المتحدة:

حظرتها في عام 2002 في المدارس، لاحتوائها على نصوص وصور تتعارض مع القيم الإسلامية، وخصوصاً وجود خنازير متكلمة، فهي لم تُحظر للأفكار الموجودة فيها، وإنما بسبب وجود خنازير متكلمة، الأمر الذي يتعارض مع دينهم.

كما أن الكتاب هو محظور الآن في كوبا وكوريا الشمالية، الدولتان الشيوعيتان الديكتاتوريتان.

سبب الرواية والغاية منها

اقتنع أورويل أن العلاج الوحيد لمشكلة الفقر الكبيرة، تكمن في ”الإشتراكية“، وهي فلسفة سياسية واقتصادية تقول أنه فقط عندما تسيطر الدولة على وسائل الإنتاج والتوزيع سيشارك جميع أفراد الأمة أرباحها ومكافآتها، وخلافاً ”للرأسمالية“، الفلسفة القائلة بأن وسائل الإنتاج والتوزيع في الدولة يجب أن تكون ملكاً للقطاع الخاص ومسيطر عليها من قبله، فإن الإشتراكية تقول بأن التنظيم الحكومي للإقتصاد الوطني وحده يمكن أن يسد الفجوة بين الثراء والفقر.

وعلى الرغم من أن ”أورويل“ لم يكن مناهضاً بشدة للرأسمالية، إلا أنه اعتقد بأن إدخال الأفكار والممارسات الإشتراكية بشكل تدريجي في الحياة البريطانية ستجعل الفقراء يتقاسمون ثمار رخاء أمتهم.

وقد درس ”أورويل“ الإشتراكية في عدد من أعماله غير الخيالية، لكن ما دفعه لكتابة ”مزرعة الحيوان“ هو الإعتقاد السائد والكاذب بأن الثورة الروسية عام 1917 كانت خطوة نحو الإشتراكية لملايين الفقراء والمضطهدين الروس، ورأى ”أورويل“ أن وصول ”ستالين“ المتوحش إلى سدرة الحكم لم يكن بربرياً فحسب، بل خيانة للمبادى الإشتراكية التي ثار من أجلها ”لينين“ و”تروتسكي“.

وقد كتب ”أورويل“ الرواية بعد تجربته خلال الحرب الأهلية الإسبانية، والتي وصفها في كتابه ”الحنين إلى كاتالونيا“ عام 1938.

وفي مقدمة طبعة عام 1947 الأوكرانية من كتابه مزرعة الحيوان، شرح كيف أن الهروب من التطهير الشيوعي في إسبانيا علمه ”كيف تسيطر الدعاية الإستبدادية بسهولة على رأي الناس المثقفين في البلدان الديمقراطية“، وكان هذا دافعاً له ليفضح ويدين بشدة ما رأى أنه الفساد الستاليني للمثل الإشتراكية الأصلية.

وبالإضافة لاعتبار الرواية أنها تعرض فساد الثورة على أيدي قادتها، تعد أيضاً تحذيرية من خطورة الحركات السياسية الثائرة التي تصبح فيما بعد ديكتاتورية للحفاظ على سلطتها.

تبقى هذه الرواية خالدة على مر التاريخ، على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على كتابتها، وذلك لأنها تصلح لكل زمان ومكان، ويمكن إسقاطها على كل حالة ثورية عايشتها المجتمعات الإنسانية.

كتاب ممتع بكل معنى الكلمة، ينصح بقراءته لجميع الفئات العمرية.

مقالات إعلانية