in

دخلك بتعرف أغرب 7 شخصيات عرفها التاريخ

لربما كنا جميعنا على قدر معين من الغرابة، وقد تتجاوز غرابة بعضنا البعض الآخر، لكن هناك بعض الأشخاص الذين يتجاوزون الغرابة العادية بأشواط ويدخلون مصاف الغرابة المطلقة التي تذهل كل من يشهدها.

تجعل تصرفات هؤلاء الأفراد، الذين سنقص عليكم قصصهم في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، منهم أغرب الشخصيات التي عرفتها كتب التاريخ يوماً، ابتداء من التبرز أمام الملأ كفعل نابع عن ”تمرد فلسفي“، إلى التهام كل شيء حتى الجثث بدافع سد جوع لا ينتهي، إليكم ما كان هؤلاء الأشخاص يفعلونه حتى تم تصنيفهم ضمن أكثر الأشخاص غرابة وعجبا وتعقيدا على مر التاريخ:

(ديوجينيس)، ذلك الفيلسوف المجنون والمتشرد:

(ديوجينيس) داخل البرميل الذي اتخذ منه بيتاً، محاطا بالكلاب التي كانت تتبعه حيثما ذهب.
(ديوجينيس) داخل البرميل الذي اتخذ منه بيتاً، محاطا بالكلاب التي كانت تتبعه حيثما ذهب. صورة: Wikimedia Commons

لا يُعرف الكثير عن بداية حياة الفيلسوف اليوناني (ديوجينيس)، لكن هناك الكثير من القصص التي تحوم حول مراحلها اللاحقة دون شك، وما نعلمه على وجه اليقين هو أن هذا المفكر القديم كان واحدا من أغرب الشخصيات في التاريخ.

ولد (ديوجينيس) حوالي سنة 412 أو 402 قبل الميلاد، في مستعمرة يونانية بعيدة تعرف باسم (سينوب). في سن شبابه، عمل (ديوجينيس) مع والده في سك العملة لصالح المستعمرة، واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن تم نفي كليهما بتهمة تزييف الذهب والفضة في العملات المعدنية.

شق (ديوجينيس) الشاب طريقه إلى (كورينيث) في البر الرئيسي في اليونان، وبمجرد وصوله إلى هناك، بدى وكأنه جُن، ولأنه وجد نفسه بدون عمل يسد رمقه تبنى حياة المتسول المشرد، وقام طواعية بالتخلص من كل ممتلكاته عدا عن بعض الثياب الرثة لستر عورته، وصحن خشبي ليتناول فيه طعامه وشرابه.

كان (ديوجينيس) غالبا ما يحضر محاضرات الفيلسوف (أفلاطون)، وكان يتناول الطعام بصوت مرتفع مصدرا أكبر صخب يمكنه أثناء ذلك من أجل التشويش على الدرس الذي يلقيه أفلاطون، كما كان غالبا ما يتجادل بصوت مرتفع معه حول الفلسفة، وكان كذلك يستمني علانية كلما شعر بالرغبة في ذلك، وكان ييتغوط أيضا حيثما شاء ووقتما شاء أمام أنظار الجميع، بما في ذلك داخل أكاديمية أفلاطون.

كان يأكل كل ما يعثر عليه مرميا على الشارع من فضلات، وكان يتشارك ذلك مع الكلاب التي كانت تتبعه حيثما ذهب، حتى إلى داخل محاضرات أفلاطون.

على الرغم من هذا (أو لعله بسبب هذا) ذاع صيت (ديوجينيس) على أنه واحد من أكثر الفلاسفة حكمة في اليونان كلها: هناك عدة قصص توحي بدهائه وسرعة بديهته ونظرته الثاقبة التي تركت الآخرين –خاصة أفلاطون– يبدون بُلهاء أمامه، حيث يقال أنه عندما زاره الإسكندر المقدوني بينما كان يتشمس عاريا فوق البرميل الذي جعل منه مأوى له، سأله —أقوى رجل في العالم كله آنذاك— عما باستطاعته فعله لأجله، فأجابه (ديوجينيس) بأن ما يستطيع فعله لأجله هو التنحي جانبا وتركه يستمتع بأشعة الشمس.

(تارار) الذي آكل كل شيء:

تارار الفرنسي الذي يأكل كل شيء
رسم تمثيلي يرجع إلى عام 1630 يبين ظاهرة ”النهم“ التي كان يعاني منها (تارار). والشخص الذي يقف في الصورة هو (نيكولاس وود) الذي كان يلقب بـ”أعظم ملتهم طعام في مدينة كينت“. لم يجد المؤرخون أي صورة حقيقية لـ(تارار). صورة: Wikimedia Commons

ولد المزارع الصبي الفرنسي (تارار) في مدينة (ليون) في فرنسا سنة 1772، ومنذ حداثة سنه كان جائعا بصورة دائمة وكان دائم البكاء من أجل الحصول على الطعام، حتى بعد انتهائه من تناول وجبة ما مباشرة.

عندما بلغ من العمر 17 سنة، تسلل (تارار) الجائع دائماً إلى داخل مخزون القرية من الطعام والتهمه كله. ومما كان يتصف به أنه كان له فم كبير بشكل غير طبيعي، وكان دائما يتعرق، وكانت تفوح منه رائحة كريهة جدا.

قام والدا (تارار) بطرده من المنزل، فوجد نفسه في مدينة باريس قبل اندلاع الثورة الفرنسية بقليل، استغل جوعه الذي لم يتمكن من التحكم فيه وقام بتحويله إلى مهنة يقتات عليها، فأخذ يأكل أمورا غريبة وغير قابلة للأكل ليذهل مشاهديه من المارة: فأكل أموراً على شاكلة حيوانات حية وحتى حجارة كبيرة الحجم.

غير أن المال الذي كان المارة يقدمونه له بعد مشاهدته يؤدي عروضه شُحَّ بمجرد اندلاع الثورة الفرنسية، فأصبح (تارار) جنديا في صفوف الجيش الفرنسي، لكنه كان دائما المرض والعلة بسبب أكله القهري للقطط الشاردة والأغراض التي لا تندرج في خانة الأطعمة.

كان المشرفون على المستشفى الذي كان قابعا فيه يطعمونه حصص طعام تكفي لأربعة جنود، واستمر الأمر على تلك الحال إلى أن رأى فيه الجنرال (ألكسندر دو بوارني) فرصة فريدة من نوعها، ذلك عندما تقرب من (تارار) وطلب منه أن يعمل جاسوسا لصالحه، من أجل نقل أسرار عسكرية داخل معدته الغريبة، فوافق (تارار) على الأمر وقام بابتلاع صندوق خشبي يتضمن رسالة موجهة إلى عقيد فرنسي مسجون.

عبر (تارار) الحدود البروسية وفي غضون ثلاثين ساعة اعتقله الجنود البروسيون، فخان فرنسا وباح بالأسرار، وقيل أنه تعرض لضرب مبرح.

رمى البروسيون بـ(تارار) بقرب الخطوط الفرنسية فعاد إلى المستشفى العسكري الذي جاء منه، حيث راح يشرب الدماء المخزنة ويأكل جثث الجنود المحفوظة في المشرحة، وعندما اشتبه في كونه أكل طفلا صغيرا تم طرده من المستشفى.

توفي (تارار) بشكل مروع عن عمر 27 سنة، وكشف تشريح جثته عن أن أمعاءه كانت متقيحة، وأن جسمه كله كان متعفنا بينما كان حيا وكان يملؤه القيح، كما كان جهازه الهضمي يتصف بالكثير من الطفرات، حيث كانت معدته تبدأ من مؤخرة حلقه وتمتد ناحية الأسفل، ولم يكن كل من القلب والرئتان في موقعهما الطبيعي.

كانت الرائحة الكريهة المنبعثة من (تارار) أقوى من أن يتحملها الطبيب المشرّح، فأوقفها باكرا.

اللورد (بايرون):

لوحة زيتية تبرز اللورد (بايرون).
لوحة زيتية تبرز اللورد (بايرون). صورة: Government Art Collection

كان اللورد (بايرون) شخصا محظوظا منذ ولادته في سنة 1788 —عدا عن ساقه اليمنى المشوهة وعن أنه لم يكن مؤهلا لأن يرث لقب ”بارون“ (بايرون روشاديل) الذي سيتم تذكره به بعد مماته– عدا عن ذلك، عندما بلغ من العمر عشرة سنوات نال هذا اللقب، وورث إلى جانبه أراضي واسعة جدا وأمولا طائلة تفوق مخيلة الإنسان.

كان لللورد (بايرون) اهتمام بالشعر منذ نعومة أظافره، وهو ما استعمله كوسيلة ليقول كل ما كان يرغب في قوله دون خشية تبعات ذلك، كانت أعمال (بايرون) تتسم بالغطرسة بدون شك، حيث كان غالبا ما يستعمل الشعر كآلية للانتقام، فاستعمله من أجل إهانة أقرانه وزملائه الشعراء على شاكلة (روبيرت ساوثي) و(كوليريدج) و(ويتمان)، الذين كان دائما ما يسخر منهم وينعتهم بعديمي حس الفكاهة وثقيلي الظل، وأن أعمالهم كانت تنشر لأنهم كانوا يدفعون المال لشخص ما من أجل ذلك وليس لأنها مبدعة أو حتى جيدة.

كانت حياة (بايرون) الخاصة بنفس الجموح الذي كان عليه عمله، بل أكثر، حيث في إحدى المرات أخبرته السلطات في جامعة (كامبريدج) أن إدخال الكلاب إلى حرم الجامعة ممنوع، فقام بتبني دب صغير يتجول به في أرجائها، وفي وقت لاحق بعد أن جعلت منه بعض الكتب والمؤلفات شخصا شهيرا في لندن، اتصل (بايرون) بعد وقت طويل مع أخته غير الشقيقة (أوغوستا)، التي جعلها تحمل منه في نهاية المطاف.

ثم تزوج من امرأة ثرية ورثت ثروة طائلة، لكنه لم يكن قادرا على الابتعاد عن ذراعي أخته غير الشقيقة التي كانت تربطه بها علاقة غريبة، لذا اعتبرته زوجته مريضا نفسيا وقامت بتطليقه.

بعد أن كثرت الأقاويل والشائعات حوله في سنة 1816، ترك (بايرون) إنجلترا وسافر إلى منزل (بيرسي بيسهي شيلي) في سويسرا، وتقول بعض الروايات أنه كان حاضرا بينما ألّفت (ماري شيلي) رواية (فرانكنشتاين)، بينما تفيد روايات أخرى أنه كان في الغرفة المجاورة يضاجع أختها.

بحلول نهاية تلك السنة، رحل (بايرون) إلى إيطاليا حيث علّم نفسه بنفسه اللغة الأرمينية وأعاد كتابة الإنجيل وأضاف إليه قصصا اعتقد أنها كانت أفضل من الأصلية، وبينما كان يعيش في (رافينا)، يتذكر (بيرسي شيلي) أن (بايرون) كان يترك: ”خمسة طيور طاووس، واثنين من الدجاج الغيني، وطائر الكركي المصري“ تتجول بحرية في منزله لاعتقاده بأنها كانت أرواحاً متقمصة.

في نهاية المطاف، باع (بايرون) ملكية عقارية له في إسكتلندا وتبرع بالمال الذي جناه منها في اليونان، التي كانت آنذاك تحارب من أجل الاستقلال، والتي دعته إلى المساعدة على الرغم من انعدام معرفته بالشؤون العسكرية تماماً.

أنهى مرض مفاجئ حياته عن عمر ناهز 36 عاما قبل أن يتمكن من أن يشهد معركة واحدة من الثورة اليونانية التي تبناها، وإلى يومنا هذا مازالت اليونان تتذكر (بايرون) وأمواله على أنه بطل من أبطال الثورة اليونانية، وكذلك كواحد من أغرب الشخصيات في التاريخ.

(هيتي غرينز)، المرأة التي نقلت الشحّ والبخل إلى مستوى خرافي:

صورة (هيتي غرينز) في سنة 1897.
صورة (هيتي غرينز) في سنة 1897. صورة: Library of Congress

كانت (هيتي غرينز) امرأة حققت ثروة طائلة في عصر أمريكا الذهبي، وهو ما كان عصرا رائعا ليكون المرء فيه ثرياً، فخلال السنوات التي تلت الحرب الأهلية، كان بإمكان المليونيرات أن يفعلوا ما يشاؤون ثم أن يتركوا أموالهم تقيهم تبعات ذلك، حتى عندما يتعلق الأمر بالسلوكات التي قد يصفها الجميع على أنها قمة في الغرابة! وحتى بمعايير ذلك الزمن، وقفت (هيتي) متميزة جدا عن بقية الأثرياء.

ولدت (هيتي غرينز) لعائلة ثرية تمتهن صيد الحيتان في سنة 1837، غير أن ثروتها الحقيقية جاءت عندما تزوجت المليونير (إدوارد هينري غرين) في سنة 1867، ففي حركة غير مألوفة آنذاك، ناقشت (هيتي) عقد ما قبل الزواج الذي حافظ على أمور الزوجين المالية منفصلة بشكل تام.

وافق (إدوارد) على هذا الأمر بدون تردد، ثم قامت (هيتي) بتطليقه في نهاية المطاف بعد أن بدأ البنك يستعمل أموالها كما لو كانت أمواله، وفي تقديمه لوثائق إعلانه عن إفلاسه لاحقا، كان كل ما تبقى في حوزة (إدوارد) من ممتلكات هو 40 دولاراً وساعة ذهبية، ثم توفي في وقت لاحق في سن مبكرة.

طوال حياتها، كانت (هيتي) حذرة جدا في تعاملها بالمال، وكانت قد بدأت تقريبا مسيرتها بميراث متواضع وبعض النصائح الذهبية التي أسداها لها جدها قبل وفاته، ثم تطورت لتجمع ثروة تجاوزت المليار دولار آنذاك، وهو ما يعادل بأرقام اليوم 27 مليار دولار.

على الرغم من ثروتها الكبيرة، كانت (هيتي) تعيش حياة فقيرة وبائسة لحد قد يدفعك على الضحك والسخرية منها، على سبيل المثال لم تنفق يوما المال من أجل الحصول على مكتب أو أي أثاث مكتبي من أي نوع، فقد كانت تفضل مزاولة أعمالها على أرضية البنك الذي كانت تملكه محاطة بكل تلك المعاملات الورقية المبعثرة.

كما كانت تتصف في نفس الوقت بالارتياب، حيث كانت غالبا ما تتمشى لساعات طويلة حتى تصل إلى منزلها عائدة من البنك، وذلك بسبب كل تلك اللفات التي كانت تقوم بها من أجل تضليل متعقبيها ”الخياليين“.

سرد منتقدوها الكثيرون، الذين كانوا يطلقون عليها اسم ”مشعوذة وول ستريت“، قصصا عن بخلها وشحها، واحدة منها كانت أنها لا تأكل سوى رقائق الشوفان التي كانت تسخّنها فوق مدفأتها، لاعتقادها أن الفحم الذي يغذي الفرن كان مكلفا جدا.

وقد يكونون على حق، حيث أن بخل (هيتي) كان يتمثل كذلك في مكنستها التي اشترتها مقابل عشرة سنتات منذ سنوات وبقت تستعملها حتى مع تساقط شعيراتها كلها تقريباً.

لكن كان شخص آخر تماما هو من دفع ثمن بخلها وشحها الشديد، فعندما سقط ابنها في حادثة وانكسرت ساقه عندما كان لا يزال طفلا صغيراً، حاولت (هيتي) معالجتها بنفسها، وعندما لم ينجح الأمر تنكرت وابنها (نيد) على شكل متسولين وحاولت أخذه ليتلقى العلاج في عيادة مجانية، وبعد أن تعرف عليها العاملون هناك وطردوها، عادت إلى المنزل وتركته على حاله.

بعد أن ساءت حالة ابنها، دفعت المال أخيرا في سبيل علاجه، وهذه المرة من أجل بتر ساقه التي كانت قد تضررت كثيرا والتهبت، وهو ما يجعل (هيتي)، التي طال بخلها صحة أبنائها، من بين أغرب الشخصيات التي عرفها التاريخ.

(هينري سيريل باجي)، جوهرة بين الأرستقراطيين:

صورة شخصية لـ(هينري باجي) خامس (ماركيس) لـ(أنجليسي)، التقطت حوالي سنة 1900.
صورة شخصية لـ(هينري باجي) خامس (ماركيس) لـ(أنجليسي)، التقطت حوالي سنة 1900. صورة: John Wickens/Wikimedia Commons

عاش (هينري سيريل باجي) من سنة 1875 إلى سنة 1905، أي أقل من ثلاثين سنة، وخلال سنوات حياته القصيرة تلك، ترك أثرا خلده في التاريخ؛ عندما بلغ من العمر 27 سنة، ورث (هينري) لقب خامس (ماركيس) لـ(أنجليسي) في الويلز. وإلى جانب هذا اللقب، ورث ملكيات عقارية بلغت مساحتها 30 ألف آكر، وعائدات سنوية بلغت 14 مليون دولار بأرقام يومنا الحاضر.

خاليا من أي نوع من المسؤوليات، وثريا مثل الأمراء، عمد (باجي) على الفور إلى جعل أكثر أحلامه جرأة تتحول إلى حقيقة يعيشها، وكانت أحلامه كلها تقتصر في حياة بذخ وترف منقطع النظير بالنظر إلى شاب ذكر في زمانه.

كان يأمر المصممين أن يصمموا له فساتين مرصعة بالماس وكل الأحجار الكريمة التي كان يرتديها بكل فخر، مما جعل معاصريه يلقبونه بذلك: ”المخلوق الطويل والأنيق المرصع بالمجوهرات“.

كانت سياراته معدلة كلها ومرصعة بالأحجار الكريمة هي الأخرى والمعادن النفيسة، وبدلا من إطلاق الدخان من العادم كانت سياراته تطلق العطور، وكان غالبا ما يصطحب كلب الـ(بودل) خاصته الذي صبغ فراءه باللون الزهري معه حيثما ذهب، كما كان مهووسا بالتصوير.. بتصوير نفسه بشكل أخص.

تزوج (باجي) من قريبته (ليليان فلورنس مود شيتويند) في سنة 1898، وهو الزواج الذي أقسمت (ليليان) على أنه لم يكن يوما كاملا ومنه تطلق الاثنان بعد سنتين فقط. كان (باجي) يعاملها كالدمية، حيث كان يشتري لها مجموعات كاملة من المجوهرات النفيسة وكان يطلب منها ارتداءها على جسدها العاري، لكنه كان يكتفي بالتحديق فقط ولم يلمسها أو يقربها قط.

قام هذا الـ(ماركيس) أيضا بتحويل كنيسته المتواجدة في ملكيته العقارية إلى مسرح عملاق، الذي أطلق عليه اسم (ذا غاييتي) The Gaiety أو ”المرح“، ومع كل المعدات المتطورة التي جهزه بها، تمكن من إعادة أعمال كاملة لـ(شايكسبير) ومسرحيات أخرى.

كان يوظف ممثلين محترفين برواتب تفوق رواتبهم المعتادة بعشرة أضعاف، بينما كان يمثل نفسه في المسرحيات ويحتكر على نفسه أدوار البطولة فيها.

كان (باجي) يؤدي رقصات غريبة ومغرية في كل مرة تسنح له الفرصة بذلك، مما جعله يكتسب لقب ”الماركيس الراقص“، كما ذهب هو ومسرحه الدوّار في جولة أوروبية يؤدون فيها العروض دامت ثلاثة سنوات.

نادرا ما يتمكن أحد يعيش حياة مشابهة لحياة البذخ التي عاشها (باجي) من تمويلها إلى الأبد؛ في سنة 1904، أي بعد سنتين فقط من استلامه إرثه، أعلن (هينري باجي) عن إفلاسه. في الواقع، قام حتى بالاستدانة بمبلغ 700 ألف دولار إضافية، ومنه تم بيع كل ما كان يملكه في سبيل تسديد ديونه.

بعد سنة من ذلك، توفي (باجي) متأثرا بمرض السل عندما كان عمره 29 سنة، فورث من بعده قريبه (تشارلز) لقب الـ(ماركيس)، ولم يتوان في تفكيك المسرح، ثم باع أقساما من الملكية العقارية العائلية في ثلاثينات القرن الماضي من أجل تسديد الديون العالقة، كما قام حتى بحرق كل ورقة أو وثيقة تحمل اسم (باجي)، مؤكدا على أنه هو خامس ماركيس لـ(أنجليسي) وليس السادس بعد (باجي).

أبلى (تشارلز) بلاء حسنا في إزالة ومحو اسم قريبه (باجي) عن صفحات التاريخ، عدا عن إزالته من قائمة أغرب الشخصيات التي عرفها العالم بالتأكيد.

(غلوريا راميريز)، السيدة السامة:

(غلوريا راميريز) قبل وفاتها في سنة 1994.
(غلوريا راميريز) قبل وفاتها في سنة 1994.

كانت حياة (غلوريا راميريز) طبيعية جدا لكن الأحداث التي أحاطت بلحظاتها الأخيرة جعلت منها واحدة من أغرب الأشخاص في التاريخ.

اتخذت حياة (راميريز) الطبيعية والعادية جدا منحى غريبا في التاسع عشر من شهر فبراير سنة 1994 عندما تم نقلها إلى المستشفى العام في (ريفرسايد) في كاليفورنيا، وذلك بعد أن ارتفع معدل نبضات قلبها بشكل غير طبيعي وانخفض ضغط الدم لديها وأصبحت غير قادرة على تكوين جمل مفيدة ومتناسقة.

كان عمر (راميريز) 31 سنة عندما أصابتها تلك النوبة التي تم تشخيصها لاحقا على أنها بسبب سرطان عنق الرحم، الذي اعتقد أنه تسبب لها في تدهور حالتها الصحية، فبدأ الأطباء العمل على إنقاذها فور وصولها إلى المستشفى، لكن لم يكن أي مما يفعلونه يجدي نفعاً.

مدخل مصلحة الاستعجالات حيث نُقلت (غلوريا راميريز).
مدخل مصلحة الاستعجالات حيث نُقلت (غلوريا راميريز). صورة: Wonderlane/Flickr

عندما أزالت الممرضات قميص (راميريز) وجدن بريقا زيتيا غريبا على بشرتها، وكان فمها يعبق برائحة تشبه رائحة الثوم، فقام الأطباء بأخذ عينة عن دمها ورأوا جزيئات غريبة تطفو فيه، وكانت رائحة النشادر تفوح من دمها بشكل غريب.

وكما لو أن الوضع لم يكن غريبا كما هو عليه بما فيه الكفاية، فجأة بدأت الممرضات يغمى عليهن الواحدة تلو الأخرى في الغرفة التي كانت متواجدة فيها (راميريز)، وتطور لدى البعض الآخر منهن مشاكل تنفسية وعانت واحدة منهن من حالة شلل مؤقت، ولا أحد لم يكن يدري ما السبب في ذلك.

على الرغم من المجهودات الجبارة التي بذلها فريق الأطباء والممرضين في المستشفى، فإن (راميريز) استسلمت لقدرها المحتوم خلال تلك الليلة التي أحضرت فيها، فجاء فريق خاص لتفحص جثتها وكان أفراده يرتدون سترات واقية من المواد الخطيرة من أجل حماية أنفسهم من أي شيء تسبب في تلك الحالة المرضية لدى الممرضات.

نالت (راميريز) لقب ”السيدة السامة“ لأن لا أحد كان قادرا على تفحص جثتها دون تعريض نفسه لعدد واسع من المشاكل الصحية، وفي نهاية المطاف تمكن الخبراء من إجراء ثلاثة عمليات تشريح على جثتها واستخلصوا أنها توفيت بسبب فشل قلبي الذي كان بسبب فشل كلوي، تسبب فيه هو الآخر سرطان عنق الرحم في مراحله الأخيرة.

غير أن كل عمليات التشريح تلك لم تكن قادرة على تقديم دلائل قاطعة عن السبب الذي جعل موظفي المستشفى يعانون من مشاكل مرضية لدى تعاملهم معها.

(آنيليز ميشال)، الفتاة الشابة التي ”سكنتها الشياطين“:

(آنيليز ميشال) أيام الجامعة.
(آنيليز ميشال) أيام الجامعة.

لطالما أرعبت قصة (آنيليز ميشال) كل من سمع بها ممن يؤمنون بالشياطين والمس الشيطاني وما إلى ذلك، وهذا على مر عقود، لدرجة ألهمت صناع الأفلام في هوليوود لإنتاج فيلم عن قصتها سنة 2005 بعنوان Exorcism of Emily Rose أو «طرد الأرواح من إيملي روز»، وهو ما يصنف هذه الفتاة الشابة من بين أغرب ما حملته صفحات التاريخ.

ولدت (آنيليز ميشال) في أواخر الستينات في (بافاريا) غرب ألمانيا، وكانت متدينة حتى النخاع، وكانت كاثوليكية مؤمنة مخلصة إلى أبعد الحدود لدرجة كانت تقصد القداس مرتين في الأسبوع.

انقلبت حياتها العادية هذه رأسا على عقب عندما بلغت من العمر 16 سنة، حيث حدث لها في إحدى المرات أن غابت عن الوعي في المدرسة ثم بدأت تسير وتتجول في المنطقة وهي غائبة عن الوعي.

اختبرت نوبة مشابهة في السنة الموالية التي صاحبتها سلسلة من الاضطرابات الجسدية، فاصطُحبت على إثر ذلك إلى الأطباء الذين شخصوا حالتها على أنها صرع الفص الصدغي، ومن بين آثار هذا الاضطراب الآنف النوبات المرضية، وفقدان الذاكرة، والهلوسات، والذي قد يتسبب كذلك في متلازمة (جيشويند) Geschwind Syndrome التي قد تؤدي إلى الإصابة بحالة تعرف بـ”فرط التقوى والتدين“ Hyperreligiosity.

(آنيليز) على أقصى اليسار مع عائلتها.
(آنيليز) على أقصى اليسار مع عائلتها المتدينة حتى التخاع.

أخذت (ميشال) تتناول مجموعة من الأدوية حتى تبقي على نوبات الصرع لديها في أدنى مستوياتها، لكن الأمر لم ينجح معها، فبدأت لاحقا ترى وتسمع ”الشيطان“ يتحدث إليها، هو ومجموعة من الشياطين الآخرين الذين كانوا يخبرونها بأنها كانت ”ملعونة“ وأنها ”ستتعفن في الجحيم“.

اقتنعت (ميشال) بأنها كانت مسكونة من طرف الشياطين وقصدت رهبان الكنيسة من أجل مساعدتها، في بادئ الأمر رفضوا مساعدتها، ثم أخيرا سمع القس (إرنست ألت) بقصتها وصدقها وقصد أسقفية محلية من أجل رقيتها و”طرد الأرواح الشريرة“ منها.

خلال الشهور القليلة التي تلت ذلك، قام (ألت) وقس محلي بإجراء 67 عملية طرد الأرواح الشريرة على (ميشال)، وخلال هذه الجلسات ادعت (ميشال) أنها كانت مسكونة من طرف الشياطين (لويسفر)، و(كاين)، و(يهوذا الإسخرطي)، و(أدولف هيتلر)، و(نيرو).

(آنيليز) ووالدتها التي تقوم بتثبيتها أثناء واحدة من عمليات ”طرد الأرواح الشريرة“ التي خضعت لها.
(آنيليز) وهي في حالة يرثى لها برفقة والدتها التي تقوم باقتيادها أثناء واحدة من عمليات ”طرد الأرواح الشريرة“ التي خضعت لها.

خلال فترة الأشهر العشرة تلك، بدأ جسم (ميشال) ينهار [ولا عجب في ذلك نظرا لما يحدث في مثل هذه الجلسات]، فتكسرت عظام ركبتيها من الركوع المفرط للصلاة وبدأت تتوقف عن تناول الطعام تدريجيا، في نهاية المطاف استسلمت للموت في الفاتح من يوليو 1976، وذلك بسبب سوء التغذية والجفاف الذي أصابها.

اتُهم والدا (ميشال) والقس المسؤول عن رقيتها وطرد الأرواح الشريرة عنها بالتسبب في وفاتها عن طريق الإهمال والتقصير، وثبتت إدانتهم جميعا لكنهم تمكنوا من تفادي دخول السجن.

لا أحد يعلم بالضبط ما الذي حدث على مستوى نفسية وذهنية (ميشال) الذي جعلها تستسلم لمثل هذه الهلوسات التي أنهت حياتها القصيرة بهذا الشكل المأساوي، لكنها بدون شك تبقى واحدة من أغرب الشخصيات التي عرفها التاريخ.

(مارغاريت هاوي لوفات)، المرأة التي كانت في علاقة جنسية مع دلفين:

(مارغريت هاوي لوفات) مع واحد من دلافين المخبر.
(مارغريت هاوي لوفات) مع واحد من دلافين المخبر.

اشترك عالم الأعصاب الدكتور (جون ليلي) والفلكي (فرانك درايك) معا في ستينات القرن الماضي من أجل الحصول على تمويل بحث يتناول الطريقة التي يمكن من خلالها إنشاء جسر تواصلي بيننا نحن البشر والدلافين. قام هذان العالمان ببناء مختبر كان نصفه مقر عمل والنصف الآخر موطنا للدلافين، وعندما مرت الفتاة البالغة من العمر 23 سنة التي تدعى (مارغريت هاوي لوفات) من هناك ودخلت إلى المنشأة؛ توقفت لمشاهدة الدلافين، وأبدت رغبتها في العمل هناك، فوافق مدير المخبر على تركها تساعدهم في مهمتهم.

كانت (مارغريت) تلقن الدلافين دروسا يومية بهدف حملها على إنشاء أصوات شبيهة بأصوات الإنسان، فانغمست في عملها هذا بكل جوارحها وبهوس منقطع النظير، حتى بدأت تعيش في المختبر ولا تعود إلى منزلها أبدا، وشكلت علاقة خاصة مع أحد الدلافين الذي كان يدعى (بيتر)، وهو بدوره كان له اهتمام من نوع خاص بها.

كان (بيتر) مهووسا بـ(مارغريت)، ثم بدأ يعبر عن رغبات حميمية تجاهها من خلال فرك جسمه بجسمها. في نهاية المطاف، قامت (مارغريت) بأمر غريب جدا وبدأت بإرضاء حاجات (بيتر) البيولوجية يدويا حتى لا يبقى محتماً عليها إعادته مع بقية الإناث في كل مرة يشعر فيها بتلك الطريقة.

فيديو: (مارغريت هاوي لوفات) تتحدث حول إرضائها لرغبات الدلفين (بيتر) في وثائقي من إنتاج قناة الـBBC.

قالت (لوفات) في هذا الشأن الغريب جدا: ”لم يكن الأمر حميميا من جهتي.. ربما كان حسياً، لقد بدا لي أنه كان يجعل روابطنا أقوى. ليس بسبب النشاط الذي قمنا به، بل بسبب انخفاض المرات التي كان يتعين علينا فيها الانفصال، وهذا كل ما كان في الأمر حقا. كنت هناك لأعرف (بيتر) جيداً. وذلك كان جزءا من (بيتر)“.

في نهاية المطاف، فقد المختبر التمويل الذي كان لازما لاستمراره وانتهت العلاقة بين (بيتر) و(مارغريت) بمجرد أن تم نقله إلى مختبر آخر في (ميامي)، وبدا أن فؤاد (بيتر) تحطم بسبب هذا الانفصال، مما دفعه إلى الانتحار في نهاية المطاف داخل الحوض الذي كان يعيش فيه.

يؤكد (ريك أوباري) من «مشروع الدلفين» على ضرورة استخدام مصطلح ”انتحار“ في قوله: ”ليست الدلافين آلية التنفس مثلنا نحن البشر… كل نفس تأخذه هو عملية واعية نتاج مجهود واعٍ، إذا ما أصبحت الحياة شاقة جدا أكثر من طاقته، يأخذ الدلفين نفسا واحدا ثم يغوص إلى القاع“.

قد تبدو قصة العلاقة غير المألوفة بين الدلفين (بيتر) و(مارغريت هاوي لوفات) بالنسبة للبعض مثل قصة حب مأساوية، لكن بالنسبة لمعظم البقية فإن (لوفات) واحدة من أغرب الأشخاص الذين عرفهم التاريخ بدون شك.

مقالات إعلانية