in

تعرف على «مانسا موسى» الملك الأفريقي الأغنى من جيف بيزوس

كان القرن الثالث عشر الميلادي في أوروبا عصرًا للظلمات، وفترة سيئة يسودها التشدد الديني والخرافات ازدادت سوءًا مع ما يعرف بالموت الأسود إشارة إلى تفشي الطاعون الدبلي آنذاك والذي قتل ما يقدر بنحو 50 مليون شخص في القارة الأوروبية وحدها.

في هذه الأثناء، على بعد آلاف الأميال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كانت إمبراطورية مالي تشهد ازدهارًا للعلم والثقافة في العصور الوسطى، ازدهار تغذيه ثروة لا يمكن تصورها.

وسط ذلك كان ملك غرب إفريقيا المدعو (مانسا موسى) يحكم إمبراطورية إسلامية شاسعة تمتد على مساحة 3219 كيلومترًا من المحيط الأطلسي إلى ما يعرف اليوم بالنيجر، ولكن الأهم من حجم إمبراطوريته كان ثراء موارده الطبيعية، حيث كان يملك منجمي ذهب عاليا الإنتاج يشتهران بإنتاج الذهب الأكثر نقاءً والأكثر طلبًا في العالم.

إذا كانت القصص التي رُوِيت عن (مانسا موسى) صحيحة –أنه كان يزين نفسه وبلاطه بالذهب الخالص، وأنه أنفق الكثير من الذهب في الحج إلى مكة لدرجة أنه خفّض سعر الذهب لعقود– فقد يكون أغنى رجل عاش في أي وقت.

يقول موقع Celebrity Net Worth إن ثروته كانت تبلغ 400 مليار دولار بدولارات اليوم، مما يجعل ثروة (مانسا موسى) تعادل أربعة أضعاف ثروة (جيف بيزوس).

ملك الذهب

ورث (مانسا موسى) عرش إمبراطورية مالي بين عامي 1307 و1312 (مانسا تعني سلطان أو إمبراطور بلغة الماندينكا) وعزز موقع الإمبراطورية في مركز شبكة تجارية واسعة في العصور الوسطى كانت تربط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا عبر إفريقيا بضم 24 مدينة. تم إرسال نسبة مئوية من كل الذهب المستخرج في الإمبراطورية كجزية للملك، وتقول بعض المصادر أن نسبة تلك الجزية 1 إلى 1.

تُظهر خريطة متقنة من القرن الرابع عشر تسمى الأطلس الكتالوني رسمًا توضيحيا بارزًا لمانسا موسى جالسًا على عرش فخم، ومتوجًا بالذهب، يمسك بصولجان في إحدى يديه ومحجر ذهبي كبير في اليد الأخرى.

هذه التفاصيل من خريطة الأطلس الكتالونية رقم 6 تُظهر (مانسا موسى) متوجًا بالذهب، وممسكًا بصولجان في يد وقطعة ذهبية كبيرة في اليد الأخرى.
هذه التفاصيل من خريطة الأطلس الكتالونية رقم 6 تُظهر (مانسا موسى) متوجًا بالذهب، وممسكًا بصولجان في يد وقطعة ذهبية كبيرة في اليد الأخرى. صورة: BIBLIOTHÈQUE NATIONALE DE FRANCE / WIKIMEDIA COMMONS

يُقرأ في وصف الخريطة: ”يُدعى هذا الحاكم المغاربي Musse Melly أي (مانسا موسى)، سيد الزنوج في غينيا، هذا الملك هو أغنى حكام هذه المنطقة وأكثرهم تميزًا بسبب الكمية الكبيرة من الذهب الموجودة في أراضيه“.

يقدم العمري، المؤرخ العربي الذي عاش في القرن الرابع عشر، سردًا غير مباشر لغرفة العرش الفخمة لمانسا موسى، والتي يُفترض أنها غارقة في الذهب، فكتب العمري عن ملك مالي: ”كان بين يديه سيف ورمح وجعبة وقوس وسهام كلها من ذهب“، ووصف أعضاء البلاط الملكي في مالي: ”يرتدي فرسانه الشجعان أساور من ذهب، وأولئك الأكثر شجاعة يرتدون معها قلنسوة ذهبية، والأكثر عظمة بينهم يضيفون إليها خلخال ذهب“.

يحذر المؤرخون من أننا يجب أن نطّلع على هذه المرويات القديمة بحذر شديد، لأنها غالبًا ما تكون بشكل شبه مؤكد منحازة ومبالغًا فيها، ولكنها تحمل أيضًا عناصر من الحقيقة.

قامت (كاثلين بيكفورد بيرزوك)، وهي المديرة المساعدة لشؤون التنظيم في متحف (بلوك) بجامعة (نورث وسترن)، بتنسيق معرض مذهل عن شبكة التجارة عبر الصحراء التي أوصلت (مانسا موسى) إلى ثرائه المذهل. تقول: ”إن الخطوط العريضة للقصص المحيطة بـ(مانسا موسى) واقعية حتى لو تم تزيين التفاصيل بمرور الوقت“.

تضيف (بيرزوك): ”من المؤكد أن مانسا موسى والحكام الآخرين لممالك غرب إفريقيا قد تمكنوا من الوصول إلى كميات هائلة من الثروة، وكان ذهبهم نفسه يعتبر الأنقى والأثمن في عصره، لكنني لا أعرف ما إذا كان مانسا الرجل الأغنى في التاريخ“.

مانسا موسى والحج إلى مكة

أراد (مانسا موسى)، المسلم المتدين، أن يؤدي مناسك الحج في مكة المكرمة أقدس مدينة في الإسلام. لذلك في عام 1324 انطلق ملك مالي بقافلة ذات أبعاد أسطورية إلى حيث توجد المملكة العربية السعودية اليوم، وبحسب العمري، فإن قافلة (مانسا موسى) تضخمت لتصل إلى 60 ألف شخص، بما في ذلك 12 ألف عبد وعدد لا يحصى من مسؤولي البلاط والجنود والشعراء المغنين، وعن نقل الأموال قال العمري إن (مانسا موسى) أحضر معه: ”مئة قافلة من الذهب“، وكانت القافلة الواحدة تحمل 45 كلغ من الذهب، كما يقدر البعض.

استغرقت الرحلة إلى مكة والعودة عامًا كاملاً مع فترات توقف طويلة في القاهرة. بحسب العمري، انطلق (مانسا موسى) في فورة إنفاق ملحمية في العاصمة المصرية، حيث كان يوزع الذهب كما لو كان حلوى.

كتب العمري أن الرجل أغرق القاهرة بإعاناته، ولم يترك أميرًا في البلاط ولا صاحب مكتب ملكي دون هدية من الذهب، فحقق أهل القاهرة أرباحًا لا تُحصى منه ومن حاشيته في البيع والشراء والعطاء والأخذ، وتبادل الجانبان الذهب حتى انخفضت قيمته وبخس سعره.

هذا صحيح، فقد انخفض سعر صرف الذهب في جميع أنحاء الشرق الأوسط بسبب رجل واحد، وبحسب بعض المصادر، ظلت أسعار الذهب منخفضة لمدة عقد.

ملح مقابل الذهب

كان (مانسا موسى) فاحش الثراء لأنه جلس على قمة شبكة التجارة الأكثر حيوية في عالم العصور الوسطى. كان الجوع إلى ذهب غرب إفريقيا كبيرًا لدرجة أن التجار كانوا على استعداد لعبور الصحراء الكبرى للحصول عليه.

تقول (بيرزوك): ”استغرقت هذه الرحلة على متن قافلة الجمال من ثلاثة إلى أربعة أشهر، مع استراحات لمدة 10 أيام أو أكثر بين المحطات. لقد كانت رحلة صعبة وشاقة، مع بعض المخاطر المحدقة“.

لكن المكافأة كانت تستحق المخاطرة، فقد كان ذهب غرب إفريقيا حرفياً ”المعيار للذهب“ آنذاك، وأرادت الممالك في جميع أنحاء العالم سك عملتها الذهبية بالذهب الأنقى.

والمثير للدهشة أن الملح هو السلعة الأكثر قيمة في مالي المليئة بالذهب لدرجة أنه كان يستخدم كعملة هناك.

لذلك، ستتوقف القوافل على طول الطريق المؤدية إلى إمبراطورية (مانسا موسى) وتتاجر بالمنسوجات والتوابل بألواح كبيرة من الملح الصحراوي.

ادعى الرحالة العربي في العصور الوسطى ابن بطوطة أن المستوطنة الصحراوية في تغازة كانت غنية جدًا بملح الصحراء لدرجة أن مبانيها كانت مصنوعة من الملح الصخري النقي. بمجرد الوصول إلى مالي، تقول بعض المصادر أنه يمكن تداول ألواح الملح الثقيلة مقابل وزنها من الذهب.

تقول (بيرزوك) إن تجارة الملح والذهب المربحة دعمت شبكة تجارة أكبر عبر الصحراء الكبرى مع مراكز التجارة الوسيطة في مدن مثل سجلماسة في المغرب، ونيامي في النيجر، وتادماكا في مالي.

تقول (بيرزوك): ”وخلف تجارة الذهب والملح هذه تأتي باقي السلع المختلفة: الخرز الزجاجي، والأواني الزجاجية، والكتب، والمنسوجات، والتوابل، والمستعبدين، إنه اقتصاد معقد للغاية نشأ من هذه التجارة الأساسية للذهب والملح“.

تاريخ أفريقيا الذي تم التغاضي عنه

تقول (بيرزوك) إن شخصية عظيمة مثل (مانسا موسى) تسلط الضوء على الدور المركزي والمؤثر لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في التجارة العالمية في العصور الوسطى، وهي قصة غالبًا ما طغت الأحداث التي جاءت بعدها عليها: قرون من تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي والاستعمار الأوروبي.

بني مسجد (دجينجودير)، في تمبكتو بمالي، بتكليف من مانسا موسى الذي زُعم أنه دفع للمهندس المعماري 440 جنيهاً (200 كيلوغرام) من الذهب. المسجد لا يزال قائما حتى اليوم.
بني مسجد (دجينجودير)، في تمبكتو بمالي، بتكليف من مانسا موسى الذي زُعم أنه دفع للمهندس المعماري 440 جنيهاً (200 كيلوغرام) من الذهب. المسجد لا يزال قائما حتى اليوم. صورة: ELLEN MACK/GETTY IMAGES

لم تكن إمبراطورية مالي قبل وبعد عهد (مانسا موسى) غنية فحسب، بل كانت أيضًا عاصمة للتعليم الإسلامي. كانت مدينة تمبكتو المالية الشهيرة موطنًا لواحدة من أكبر المكتبات الإسلامية في العالم في العصور الوسطى.

تقول (بيرزوك): ”نريد إعادة النظر في كيفية تدريس التاريخ الأفريقي وإنصاف إرثه الحقيقي“.

مقالات إعلانية