in

لماذا تقوم هذه السناجب بتدمير أدمغتها في كل شتاء؟

سنجاب

تبقى أدمغتنا نحن البشر ثابتة من حيث البنية، على الأقل في مرحلة البلوغ، مع حصول بعض التغيرات الطفيفة، فبالنسبة لغالبية الأجزاء فإن التغيرات البنيوية الكبيرة تنتهي في مرحلة البلوغ، وهو الأمر الذي تختلف فيه عنا سناجب الأرض السباتية.

تقوم بعض الفصائل من تلك السناجب بتفكيك أجزاء من أدمغتها لتقوم ببناءها لاحقاً بكل بساطة، وهي لا تقوم بتلك العملية لمرة واحدة عند بداية الصيف وانتهاء فترة السبات فحسب، بل تقوم بها مرة كل 2-3 أسابيع، فبالنسبة إليها يمثل السبات دورة حياة أكثر من كونه حدثاً سنوياً.

لتوفير الطاقة، تقوم سناجب الأرض بالالتفاف حول نفسها على شكل كرات جميلة في جحور تحت الأرض، وتقوم بخفض عمليات الأيض (التمثيل الغذائي) بالإضافة إلى خفض حرارتها إلى درجات منخفضة جداً لتصبح أحياناً أقل من درجة التجمد، وكل عدة أسابيع تقوم تلك السناجب باعادة حرارتها طبيعياً إلى أجسادها الصغيرة، وفي أقل من 24 ساعة تعود لتبريد أجسامها مرةً ثانية، وتبقى على هذا الحال حتى قدوم الربيع.

سنجاب ملتف حول جسمه في حالة سبات
سنجاب ملتف حول جسمه في حالة سبات

في بدايات تسعينات القرن الماضي قرر فريق من الباحثين الروس معرفة ماذا يحصل في أدمغة السناجب الأرضية في (سيبيريا) خلال دورة السبات، فركزوا على منطقة من الدماغ تسمى Hippocampus أو ”قرن آمون“ بما أنها سهلة الدراسة والمراقبة، ولأنها الجزء من الدماغ الذي يساعد في التحكم في السبات، وما وجدوه كان صادماً للغاية…

مقارنةً مع السناجب النشطة طوال العام، وجد العلماء أن السناجب التي دخلت السبات منذ 3 إلى 4 أيام كانت خلاياها العصبية تملك تشعبات أقصر وأقل تشعباً (حيث تستخدم الخلايا العصبية أو العصبونات تشعباتها لتتواصل بين بعضها)، وقد لاحظوا أيضاً أن تشعبات الخلايا العصبية كان لديها عقد تواصل أقل من مثيلاتها عند الحيوانات النشطة بالإضافة إلى أن حجم الخلية العصبية قد تقلص بمقدار 30٪، والأغرب من ذلك كله: عندما نظر العلماء إلى السناجب المستيقظة من السبات قبل ساعتين وجدوا مشهداً مختلفاً تماماً، حيث كانت تشعبات الخلايا طبيعية جداً وكثيفة أكثر من السناجب النشطة التي لا تقوم بالسبات الشتوي، وكانت الخلايا العصبية أكبر أيضاً. يعني هذا أنه وفي فترة قصيرة جداً أعادت السناجب كل شيء فقدته في مرحلة السبات.

وجد العلماء لاحقاً بأن هذه العملية تحصل أيضاً في أجزاء أخرى من الدماغ، واستنتجوا بأنها تحدث دائماً بنفس التواتر. يطلق علماء الأعصاب على هذه العملية اسم Synaptic Plasticity أو ”اللدونة في التشابك العصبي“، ومع أننا نحن البشر وبعض الفصائل التي لا تدخل في السبات الشتوي تحدث لدينا هذه العملية إلى حد معين، إلا أنها عند السناجب سريعة بشكل لا يصدق، على سبيل المثال يتطلب الأمر من الجرذان أربعة أشهر للقيام بما تقوم به السناجب في ساعتين فقط من الزمن، ومن الواضح أن هذا الأمر زاد من اهتمام العلماء بذلك النوع من السناجب بشكل كبير، ولكن يبقى التساؤل التالي مطروحا: لماذا تعد عملية البناء العصبي الكبيرة تلك مهمة لحياة تلك السناجب؟

تقول إحدى الفرضيات أن وجود دماغ مقلص أو مصغر لتلك الدرجة يمكنه توفير الطاقة، وهذه هي الغاية الأساسية للسبات الشتوي بشكل أساسي، ولكن إعادة بناء الدماغ لا تبدو عملية فعالة، ولهذا السبب لا نزال غير واثقين.

على أية حال لاحظ العلماء أن إعادة جمع الروابط والأجزاء الدماغية في الدماغ عندما يكون بارداً هو أمر يحصل بكثرة، بل وإن أثره مدمر بشكل أكبر لدى الحيوانات التي لا تقوم بالسبات الشتوي، فالفئران على سبيل المثال تفقد جميع العقد في خلاياها العصبية عند تدني الحرارة ولكن السناجب لا تفقد سوى الربع فقط، وهذا سبب آخر لاعتقاد العلماء بأن تلك الأنواع من السناجب مختلفة لأنها تخسر عددا من الروابط أقل بكثير مما قد يعتقد أحدهم.

لذا، وبالإضافة إلى أن طريقة إعادة بنائها لأدمغتها مذهلة للغاية، هناك نسبة الهدم المنخفضة جداً نسبياً، ومن أجل هذه الخاصية المميزة سيبقى العلماء يدرسون تلك الحيوانات التي يعتقد البعض أنه بإمكاننا حتى استعارة مهاراتها للمساعدة في الشفاء من بعض الأمراض والسكتات الدماغية لدى البشر.

لذا على الأقل يمكننا أن نقول بأن تلك السناجب الصغيرة تمتلك أدمغة رائعة..

مقالات إعلانية