in

من هو بوذا، مؤسس الديانة البوذية؟ أين ولد وكيف عاش طفولته؟

بوذا

من منا لا يعرف بوذا؟ فهو مؤسس الديانة البوذية أو كما يسميها البعض الفلسفة البوذية، ولكن ماذا تعرف عن بوذا؟ أين ولد وكيف عاش طفولته؟

وُلد سيداهارثا غوتاما المعروف ببوذا عام 567 قبل الميلاد، في مملكةٍ صغيرة تقعُ تحت جبال الهمالايا، كان أبوه قائداً عسكرياً في العشيرة الشاكية، قبل ميلاده بحوالي اثنتي عشرة سنة، توقع البراهمة (وهم طائفة هندوسية) بأن بوذا سيُصبح إما امبراطوراً عالمياً أو حكيماً عظيماً، ولكي يمنعه والده من أن يعيش حياةً زهيدة، قام بتربيته في القصر الملكي، فعاش بوذا حياةً مترفة، معزولاً عن العالم الخارجي، حيث تعلم الرقص مع الفتيات، وتربى على يد البراهمة وتعلم المبارزة والرماية والسباحة والعدو. وعندما نضج بوذا، قام بالزواج من (جوبا) التي أنجبت له طفلاً، بكل بساطة، يمكننا أن نقول بأن بوذا امتلك كل شيء.

ومع ذلك، لم يكن هذا كافياً لبوذا! شيئاً جذبه بشدة إلى خارج أسوار هذه القلعة، شيئاً جذبه إلى شوارع كابيلافاستو، هناك، قابل ثلاثة أشخاص؛ رجلٌ مريض ورجلٌ مُسن وجثة يحملها الناس ويتوجهون بها إلى المحرقة، وعندما أخبره سائق العربة بأن جميع الكائنات مُعرضة للمرض وللشيخوخة وللموت أيضاً، لم يستطع بوذا أن يرتاح بعدها.

في طريق عودته إلى القصر، مرّ بوذا بجانب أحد الزهاد المتجولين، يرتدي عباءةً وبيده وعاءً خالياً، وعندها قرر بوذا أن يغادر القصر، ويبحث عن إجاباتٍ لتساؤلاته التي تسببت في معاناته، وبعد توديعه لزوجته وابنه توديعاً صامتاً حيث لم يقم بإيقاظهم، اتجه بوذا نحو الغابات، وقام بقص شعره الطويل باستخدام سيفه، ثم استبدل ملابسه الفاخرة بثوب الراهب البسيط الردئ.

رحلة التحرر

بعد تركه القصر، انضم جواتما (بوذا) إلى فئة كبيرة من الهنود الذين تركوا مجتمعهم للعثور على الحرية، كان هناك العديد من وسائل التعلم، والمعلمين أيضاً. ولقد قام بوذا بمناظرة ومناقشة العديد من الملحدين والماديين والمثاليين والجدليين. تلك الغابات البعيدة وهذه الأسواق المزدحمة كانت مليئة بآلاف النقاشات والآراء المختلفة، عكس ما نعيشه حالياً!

استقر بوذا أخيراً، وقرر العمل مع معلمين اثنين، الأول كان ”أرادا كالاما“، الذي كان يقوم بتعليم ما يقارب 300 تلميذ، وقد علم بوذا كيف يسيطر على عقله، طلب ”أرادا“ لاحقاً من بوذا أن يبقى معه، وأن يقوم بمشاركته في تعليم التلاميذ، ولكن بوذا رفض بعد أن اقتنع بأنه ليس انساناً تحريرياً، وبعد ذلك قام بوذا بتعلم كيفية التحكم بتركيز عقله، وهي حالة تقع بين الوعي واللاوعي، من علمه كان ”أودراكا رامبوترا“، ولكن حتى هذا لم يعجب بوذا، حيث لم يرَ بوذا أي فائدة تساعده على أن يصبح تحريرياً.

ولمدة ستة سنوات، قام بوذا برفقة خمسة من رفقائه بتعلم التقشف والتركيز، قسى بوذا على نفسه بقوة، كان يأكل حبة أرزٍ واحدة يومياً، دخل بوذا في صراعٍ بين العقل والجسد، كانت ضلوعه تظهر بوضوح في جلده المتهالك، وفي تلك الفترة بدا بوذا في تلك الفترة ميتاً، أكثر مما هو حيا!

منتصف الطريق

قام زملاء بوذا الخمسة بتركه، وذلك بعدما قرر الابتعاد عن الزهد والبدء بأكل الطعام بكميات أكبر، بعد ذلك ذهب بوذا إلى قريةٍ صغيرة باحثاً عن الطعام، وهناك قابل امرأةً تُدعى (سوجاتا) وقدمت له كوباً من الحليب ووعاء من العسل، استعاد بوذا قواه بعد ذلك، وقام بالاغتسال في نهر نايرانجانا—نهر ليلاجان حالياً—، وقام بالتوجه بعدها إلى شجرةٍ بودية—تعرف أيضاً بشجرة فيكس لسان العصفور—، وقام بالاسترخاء تحت ظلها هناك.

هناك تحت ظل هذه الشجرة، جلس بوذا وحيداً يفكر فيما تعلمه من جميع المعلمين، وبكل ما هو مقدسٌ من الكتب، وبكل محاولاته وطرقه التي حاول إيجاد التحرر الذاتي عن طريقها.

جلس هناك، عازماً ومصراً كما كان في يومه الأول، وأخيراً، وبعد ستة أيام، استيقظ بوذا على نجمةٍ في السماء، في صباحٍ باكر، وعندها فقط، أدرك بوذا أن ما يبحث عنه غير مفقود من الأساس، غير مفقود له ولا لأي شخصٍ آخر، وبذلك لم يعد هناك هدف لتحقيقه، وبالتالي، لا ليس هناك أي حاجة للمرور بمزيدٍ من الآلام!

بوذا

”وعجب العجاب!“ قال بوذا، ”هذا التنوير الذي أبحث عنه تحديداً موجود في طبيعة كل كائنٍ حي، ومع ذلك جميعهم غير سعداء لعدم وجوده!“. في هذا الوقت استفاق سيدهارثا جاوتاما من غيبوبته، وأصبح (بوذا)، المستيقظ، بوذا… حكيم قبيلة شاكيا!

ولمدة سبعة أسابيع، تمتع بوذا بالحرية والطمأنينة الذاتية، بالبداية لم يرغب بوذا في الحديث عن استنتاجاته في البحث عن الحرية، لأنه شعر أن الناس سيواجهون صعوبةً كبيرة في فهمها، ولكن وفقاً لما تقوله الأساطير، طلب منه براهما، خالق الثلاثة آلاف عالَم، طلب من بوذا أن يقوم بتعليم الناس، فوافق بوذا.

الحقيقة النبيلة الأولى

معلما بوذا السابقين، أودراكا وأرادا، ماتا قبل ذلك الطلب بأيامٍ قليلة، فقام بوذا بالبحث عن الزهاد الخمسة الذين تركهم، وعندما رأوه يقتربُ لمنطقة دير بارك في بيناريس قرروا أن يتجاهلوه، وذلك لأنه خالف عهده معهم، ولكن شيئاً ما جذبّهم بشدة إلى بوذا، وجدوا شيئاً مضيئاً في حضرته، فجهزوا له مقعداً، وغسلوا له قدميه، واستمعوا لما يقوله بوذا، وكانت هذه أول جلسة تعليمية يقوم بها بوذا.

الحقيقة البوذية النبيلة الأولى قالت أن الحياة بأكملها، والوجود بكامله، تُصنف بواسطة كلمة تُدعى duhkha وهي كلمةٌ سنسكريتية تعني الألم والمعاناة وعدم الرضا، حتى لحظات السعادة دائماً ما تجد طريقها لتتحول إلى لحظات ألم عندما نتمسك بها. أو عندما تُصبح ذكرى من الماضي، تقوم بلوي الحاضر بحيث يقوم العقل بمحاولة فاشلة لإعادة خلق الماضي.

حقيقة بوذا مبنية على الرؤية المباشرة لطبيعة الوجود، إنها حقيقةً مبنية على النقد الجذري للتفكير الرغبوي، وللتكتيكات التي لا حصر لها للهروب من الواقع—سواء كان ذلك عبر الطوباوية السياسية او العلاجات النفسية او الهندوسية البسيطة، أو (وهو ما يفصل البوذية عن الديانات الأخرى) التخلص الإيماني من التصوف.

المعاناة حقيقةٌ ثابتة

الـDuhkha أو الألم هو مصطلحٌ نبيل، حقيقيٌ أيضاً. إنها، نقطة انطلاق، ليتم فهم هذا العالم بشكل كامل، لا ليتم الهروب منه أو محاولة شرحه. هذه التجربة، تجربةُ الألم، تقود بنا إلى حقيقةٍ نبيلةٍ أخرى، وهي أصل هذا الألم، تُوصف غالباً بالتواق، العطش من أجل المتعة، ولكنها تعني بالأساس العطش من أجل الوجود المستمر، وكذلك عدم الوجود!

هذه الدراسة تقود بنا مباشرةً إلى الحقيقة النبيلة الثانية، وهي أن فكرة ”نفسي“ أو ”أنا“، مع كل ما تمتلكه هذه الكلمات من آمال ورغبات ومخاوف، لا قيمة لـ”نفسي“ على الإطلاق، وهنا تأتي الحقيقة النبيلة الثالثة، حيث يكون ايقاف الألم… مفهوماً.

السانغا الأولى

الراهبين الخمس الذين استمعوا لخطاب بوذا الأول، أصبحوا يشكلون النواةَ الأولى للمجتمع، تحت مسمى السانغا، أي الجماعة البوذية المتدينة، جماعة من الرجال (دخل النساء هذه الجماعة في وقتٍ لاحق)، ممن اتبعوا ارشادات وتعاليم بوذا التي شرحها في حقيقته النبيلة الرابعة. فهؤلاء الرهبان، عاشوا حياةً بسيطة، يحملون وعاءً بيديهم، يرتدون عباءةً، يحملون مصفاة مياه، وموس الحلاقة، حيث حلقوا شعورهم كإشارةٍ منهم بأنهم تركوا منازلهم، وقدسافروا إلى المناطق الشمالية الشرقية من الهند ليمارسوا التأمل بمفردهم أو في جماعاتٍ صغيرة، يتوسلون من أجل أن يتم إطعامهم.

بوذا

ولكن تعاليم بوذا، لم تكن فقط للمجتمع الرهباني، حيث قال بوذا:

”اذهبوا أيها الرهبان، من أجل مكسب الكثيرين، من أجل مصلحة الكثيرين، تعاطفاً مع العالم، من أجل الخير، من أجل المكسب، لأجل الآلهة والرجال“.

قرابةَ الخمسين سنة التالية، كان بوذا يتمشى في القرى والمدن الهندية، يتكلم العامية ويستخدم مصطلحاتٍ مفهومة للجميع، وقد علم قروياً كيف يتأمل وهو يقوم بسحب المياه من البئر، وفي تلك المرة التي طلبت فيه أمٌ يائسة أن يحيي ابنها من الموت، لم يقم بوذا بعمل أي معجزة، بل طلب منها ببساطة أن تحضر له بذرةَ الخردل من منزلٍ لم يمت أحد افراده قط، وقد عادت هذه الوالدة من البحث دون ايجاد هذه البذرة، ولكن باقتناع أن الموت آتٍ للجميع.

الموت والخلود

مع ارتفاع شهرة بوذا الشديدة، قام الملوك وغيرهم من الطبقة الغنية بالتبرع بالحدائق والمنتزهات لبوذا، على أمل أن يتراجع ويتوقف عن نشر أفكاره وتعاليمه، قبل بوذا هذا الاتفاق، ولكنه استمر بالعيش بالطريقةِ نفسها منذ أن كان في التاسعةِ والعشرين من العمر، زاهدٍ متجول، يتوسل من أجل الطعام، يمضي أيامه بالتأمل.

من أغرب عادات بوذا أنه بعد وجبته المسائية كان يتوقف عن إعطاء أي تعاليم أو اجابات بحيث لم يتم تسجيل أي حدث أو سؤال أو اجابة لبوذا بعد هذا الوقت.

تُوفي بوذا في مدينةِ كوشينجار الهندية، في عمر الثمانين، بعد أكله لوجبةٍ من اللحم أو الفطر، هلع بعض الرهبان لاقتراب موته، ولكن بوذا، المستلقي على جانبه، واضعاً رأسه على راحةِ يده اليمنى، ذكرهم بأن كل شيءٍ زائل لا محالة، ونصحهم بأن يتخذوا ملجأً لهم، وكانت كلماته الأخيرة:

”الآن أيها الرهبان، أخاطبكم هنا وأقول لكم، كل شيءٍ حتماً زائل، فاعملوا بجد“.

عامٍ بعد وفاة بوذا، في موسمٍ ماطر، قيل أن حوالي خمسمائة زعيم تجمعوا فوق جبلٍ بالقرب من مدينةِ راجكير، حيث عقدوا هناك المجلس الأول. أعاد ”أناندا“ وهو طالب بوذا السابق تعليم ارشادات بوذا التي سمعها وتعلمها، وأما ”أوبالي“، فقد قام بتلاوة القواعد الرهبانية المئتين والخمسين، بينما قام ”ماهاكاشامبيا“، بشرح الاسرار البوذيةِ المتعلقةِ بالعلوم النفسية، وعلوم ما وراء الطبيعة. هذه الشروحات الثلاث، التي كُتبت على أوراق شجر النخيل بعد عدة قرون، تُسمى بـTripitaka أي السلال الثلاث، وأصبحت هذه السلال، الأساس المُعتمد عليه في التعاليم البوذية.

مقالات إعلانية