in

حدث (تونغوسكا) الغامض الذي ما زال يحير العلماء إلى يومنا هذا

حدث (تونغوسكا) الغامض

”فوق طريق (أونكول تونغوسكا)، انشطرت السماء إلى نصفين، وبرزت نار ملتهبة هائلة عاليا في السماء وكبيرة جدا بحيث غطت الغابة كلها“.

في أحد أيام سنة 1908، حدث انفجار هائل أقوى بألف مرة من القنبلة الذرية التي تم إطلاقها فوق (هيروشيما)، وذلك في براري (سيبيريا) البعيدة، مما هز الهدوء الذي كان يعم ذلك المنظر الطبيعي الجليدي، كما سوى بالأرض ثمانين مليون شجرة في المنطقة، ويبقى السبب الذي أدى إلى حدوث هذا الحريق المهول غامضا ومجهولا إلى يومنا هذا.

في الثلاثين من شهر يونيو سنة 1908، حوالي الساعة السابعة وسبعة عشر دقيقة صباحا بالتوقيت المحلي، استيقظ سكان المنطقة السيبيرية البعيدة قليلوا العدد التي تسمى (كرازنويارسك كراي) ليشهدوا عمودا ضخما من الضوء الأزرق الذي كان يضاهي في قوته ضوء الشمس، كان هذا العمود يتحرك في السماء، ثم سمعوا دويا هائلا، فانتقلت موجة الصدمة على طول المنطقة مما أدى إلى تحطم النوافذ، وسقط الناس أرضا من شدة قوتها.

وصف (س. ب. سيمينوف)، وهو فلاح كان يعيش المنطقة آنذاك، الحدث قائلا: ”فوق الطريق المؤدي إلى (أنكول تانغوسكا)، انقسمت السماء إلى نصفين، وظهرت نار عالية وعريضة غطت الغابة بأكملها، ثم أخذ ذلك الانقسام في السماء في الاتساع، وغطت النيران الجزء الشمالي برمته“، ويضيف: ”في تلك الأثناء انتابتني حرارة شديدة لم أستطع تحملها، كان الأمر وكأن قميصي الذي كنت أرتديه يشتعل نارا، حيث كانت تصدر حرارة عظيمة من جهة الشمال، التي كانت بها النيران، رغبت بشدة في تمزيق قميصي ورميه أرضا، ثم انغلقت السماء، ودوى صوت قوي في الأرجاء، ورمي بي بضعة أمتار إلى الوراء“.

تتضمن بعض الشهادات التابعة لشهود عيان شهادة (لوشيتكان)، وهو أحد أفراد شعب (التونغوس) القبلي الذي يقطن المنطقة، والذي كان أحد أقربائه يرعى قطعان أيائل الرنة في منطقة حدوث الانفجار.

ففي حوار لاحق معه، يذكر ما تذكره قائلا: ”تم العثور على بعض الهياكل المحترقة الخاصة ببعض حيوانات الرنة، وبعضها الآخر لم يتم العثور على أي جزء من أجسامها، أما الأكواخ، فلم يعثر على أي منها، فقد احترق كل شيء وتحول إلى رماد، بما في ذلك الملابس، والأدوات المنزلية، والصحون، وإلى آخره“.

الغابة السيبيرية التي احترقت بفعل الانفجار الذي وقع في (تونغوسكا)
الغابة السيبيرية التي احترقت بفعل الانفجار الذي وقع في (تونغوسكا).

قام مالكو اثنين من مناجم الذهب في المنطقة بالاتصال ببعضهم البعض في وقت سابق من ذلك، واتهام بعضهم كذلك بالتنقيب باستعمال الديناميت بطريقة غير مشروعة في المنطقة.

وبكون هذه المنطقة بعيدة جدا وغير مأهولة تقريبا، فقد خلف هذا الانفجار والحدث الغريب ضحيتين فقط على مستوى الأشخاص.

بعد حدوث ذلك الانفجار، سارع بعض الباحثين إلى الاستنتاج بأن هذا الانفجار الكاسح كان نتيجة تسخين هوائي ناجم عن نيزك ضخم سقط على الأرض.

في سنة 1921، وبعد أكثر من عقد من الزمن على حدوث تلك الظاهرة الغريبة، خرج العلماء السوفياتيون لأول مرة من أجل التحقيق في ذلك الانفجار، فقد أرادوا العثور على النيزك من أجل الفولاذ وغيره من المعادن النفيسة التي قد يكون يحملها معه، إلا أنهم لم يستطيعوا العثور على أية فوهة أو حفرة في المركز الذي شبت فيه النيران، وذلك بمحاذاة نهر الـ(ستوني تونغوسكا)، وعثروا بدل ذلك على حلقة من الأشجار المتفحمة التي ما زالت واقفة بدون فروع، وكانت تحيط بهذه الأشجار مساحة بشكل فراشة من الأشجار التي تفحمت وسقطت أرضا بفعل الانفجار.

تم الأخذ بعين الاعتبار العديد من الثلمات والتضاريس الضئيلة، والتي تم رفضها لاحقا على أن تكون موقع الارتطام.

مع عدم توفر أي دلائل دامغة عما يكون قد تسبب في هذا الانفجار الهائل، بدأت العديد من النظريات الأخرى حول حدث (تونغوسكا) تظهر وتبرز للعيان.

بعد مائة سنة لاحقا، بدأت غابة جديدة في النمو على الموقع الذي وقع فيه انفجار (تونغوسكا)
بعد مائة سنة لاحقا، بدأت غابة جديدة في النمو على الموقع الذي وقع فيه انفجار (تونغوسكا).

اقترح عالم الفلك البريطاني (ف. ج. و. ويبل) أن الـ”جسم“ الذي أحدث انفجار (تونغوسكا) قد يكون مذنبا صغيرا، فعلى خلاف النيازك التي هي أجسام سماوية تتكون من المعادن والصخور، فإن المذنبات هياكل تتكون أساسا من الجليد والغبار.

اعتقد (ويبل) بأن هذا ما قد يحل لغز عدم العثور على أية شظايا أو أجزاء من النيزك في موقع الانفجار، حيث أن المذنب قد يكون تسبب في الانفجار بينما دخل غلافنا الجوي للأرض، لكنه قد احترق تماما بفعل الحرارة الناتجة عن عملية اختراق الغلاف الجوي نفسها.

قد تفسر هذه النظرية توهج السماء الذي لوحظ على طول قارة أوروبا في الأيام التي تلت الانفجار، حيث أنه قد يكون حدث بسبب أثر المذنب المكون من الغبار والجليد اللذان خلفهما في الغلاف الجوي.

كما كان آخرون من مجتمع العلماء قد اقترحوا أن يكون مذنب قد وصل ما وصل إليه عبر الغلاف الجوي للأرض مخلفا ذلك الحريق والإنفجار الهائلين، ويقود هذا الى النظرية القائلة بأن ”جسم“ (تونغوسكا) قد يكون عبارة عن مذنب زائل مع غلاف صخري خوله من اختراق الغلاف الجوي.

كما توجد هناك العديد من النظريات حول حدث (تونغوسكا) كذلك، وتتضمن واحدة من بنات أفكار عالم الفلك الفيزيائي (وولفغانغ كوندت) الذي اقترح بأن يكون الانفجار قد وقع بفعل انفجار عشرة ملايين طن من الغاز الطبيعي الذي انطلق من باطن الأرض.

إلى يومنا هذا لم يتم العثور على فوهة ارتطام ناجمة عما يكون قد تسبب في حدث (تونغوسكا)، مما يترك هذا الانفجار الهائل أحد الأمور العلمية وأكثرها غموضا، التي تنتظر وتقبع هناك إلى أن يتم حلها.

مقالات إعلانية