in

كيف يعمل ”الزر النووي“ على مكتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟

شهدت الولايات المتحدة خلال عام 2016 واحدة من أغرب الانتخابات في العقود الأخيرة، فالسباق الأمريكي نحو الرئاسة لم يكن متزناً نسبياً كما العادة، بل فوضوياً للغاية بوجود المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي ظن الجميع أنه لا يعدو عن مهرج كبير فقط، واعتبر معظم المحللين أن احتمال فوزه غير ممكن.

لكن المستحيل حصل حقاً وأصبح ترامب رئيساً ليكمل مشواره من إثارة الجدل والتعليقات العنصرية، بل وحتى التهديدات الصريحة بالحروب والأسلحة من حسابه الشخصي على تويتر، بالإضافة للحساب المخصص للرئيس الأمريكي (@POTUS).

واحدة من آخر مغامرات ترامب على الإنترنت كانت مختلفة عن غيرها، فبدلاً من إثارة الجدل المعتادة والنكات العديدة التي توجه إليه، فقد رد على تصريح مزعوم من رئيس كوريا الشمالية يلمح إلى الأسلحة النووية بأكثر طريقة رئاسية تخطر على البال: تغريدة على موقع تويتر.

تغريدة ترامب (الظاهرة أدناه) تترجم إلى: ”صرح القائد الكوري الشمالي كيم يونغ أون بأن الزر النووي موجود على مكتبه في جميع الأوقات، فليقم أحد من نظامه المفلس والمحروم من الطعام بإخباره أنني أنا أيضاً أمتلك زراً نووياً، لكنه واحد أكبر بكثير وأقوى بكثير من الخاص به، والزر الخاص بي يعمل!“

تسببت تغريدة ترامب بردود فعل عديدة، منها ما كان هزلياً جداً وساخراً من الرئيس الذي بات يعد كنزاً للبرامج الكوميدية الساخرة، ومنها ما كان قلقاً للغاية من أن ترامب ربما يكون غبياً كفاية ليبدأ حرباً نووية تدمر كوكبنا وتقتل عشرات ملايين الأشخاص، فيما أن فريقاً ثالثاً كان مشككاً بهذا ”الزر النووي“ على مكتب ترامب كونه أمر غير مسؤول أبداً حتى مع شخص منضبط، فما بالك بأحد يدخل في معارك الردود على تويتر.

عل أي حال فهذا المقال مخصص للإجابة عن وجود هذا ”الزر النووي“ من عدمه، وعن آلية عمله في حال وجوده.

هل يوجد زر نووي على مكتب ترامب؟

زر نووي
لا يوجد زر فيزيائي يرسل الصواريخ النووية، لكن في حال كان من الممكن الاعتبار إدارة مفتاح مكانه فالأمر يصبح حقيقياً بشكل جزئي.

الجواب هنا معقد نوعاً ما، فإن كنت تسأل عن زر حقيقي شبيه بالأزرار الخاصة بأفلام الكرتون يكفي ضغطه لإطلاق الجحيم بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو غير موجود!

أما إن كنت تقصد بذلك آلية تسمح للرئيس الأمريكي بإطلاق الأسلحة النووية بسرعة كبيرة ولا تتطلب سوى قراره الشخصي فقط، فهي للأسف موجودة وتكون دائماً قريبة منه على شكل حقيبة معتادة المنظر نوعاً ما، غالباً ما تكون على بعد أمتار منه في جميع الأوقات تحسباً لأي هجمة تتطلب الرد عليها بسرعة.

تسمى هذه الحقيبة الأخطر على الإطلاق باسم ”كرة القدم“، وعادة ما تتضمن آليات اتصال مشفر وسري عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة لعدة أدوات أخرى ووثائق تتضمن التعليمات والبروتوكولات الواجب اتباعها لإتمام عملية الإطلاق هذه بالسرعة القصوى، حيث أن الصواريخ البالستية عادة ما تحتاج لـ35 دقيقة أو أقل لتصل إلى وجهتها النهائية، وفي حال كانت العملية بطيئة لن تكون لها فائدة، فأي هجوم نووي كبير على الأرجح سيستهدف واشنطن أولاً والقواعد العسكرية الأمريكية بعدها.

في حال كنت قد شاهدت أخباراً تعرض الرئيس الأمريكي الحالي أو من سبقوه خلال العقود الأخيرة، فأنت على الأرجح قد شاهدت حقيبة ”كرة القدم“ التي نتحدث عنها هنا، فأينما كان الرئيس الأمريكي فهي لا تبتعد عنه كثيراً ودائماً ما يكون بين المرافقين له ملحق عسكري يحمل هذه الحقيبة ويتبعه في تنقلاته، لكن ضمن الحقيبة هناك شيء واحد يجب لفت النظر إليه، فعلى الرغم من وجود جميع آليات الإطلاق للأسلحة النووية، فالحقيبة لا تتضمن ”زراً نووياً“، ولحسن الحظ فهي لن تفتح بوابات الجحيم بالخطأ.

كيف تعمل الحقيبة النووية ويتم إطلاق الصواريخ؟

الحقيبة النووية
تبقى ”كرة القدم“ هذه دائماً قرب الرئيس الأمريكي، وفي حال نظرت جيداً في صور الرؤساء الأمريكيين الأخيرين فمن الممكن ملاحظتها في الكثير من هذه الصور.

في كل وقت من الأوقات، هناك حقيبتان نوويتان على الأقل، الأولى تحمل مع الرئيس الأمريكي في رحلاته وتنقلاته جميعها ويسير حاملها معه على نفس الأدراج ويصعد في نفس المصعد ويحمى من قبل ”الخدمة السرية“ التي هي نفس الجهة التي تحمي الرئيس الأمريكي، بينما الحقيبة الأخرى تبقى احتياطية في حال حصل طارئ ما مثل اغتيال الرئيس الأمريكي أو موته المفاجئ، وعندها تبقى مع نائبه الذي يتولى صلاحياته الكاملة ومنها الأمر بالعمليات العسكرية أو إطلاق الأسلحة النووية.

يتضمن داخل الحقيبة أداة اتصال هي الأساسية والتي تشغل الحجم الأكبر من الحقيبة، بالإضافة لكتاب أسود يحتوي على قائمة بالأهداف الممكنة وأساليب القصف المتاحة، وبطاقة صغيرة الحجم تتضمن الرمز السري الخاص بالرئيس الأمريكي لتأكيد هويته، بالإضافة لقائمة من الملاجئ الآمنة والمحصنة من الضربات النووية للأعداء وتعليمات لاستخدام نظام البث الخاص بالطوارئ، وبالعودة لجهاز الاتصال هنا، فتوجيه الأمر لا يتم بضغط زر، بل بإدارة مفتاح لتأكيد الأمر.

توجيه الأمر بإطلاق الصواريخ ليس نهاية السلسلة هنا، ففي البداية يجب على الرئيس الأمريكي أن يتشاور مع مجموعة من المستشارين الذين يوجهونه إلى أي التصرفات تعتبر قانونية وأيها لا (مع كون العوامل المحددة لذلك سرية وغير متاحة للعامة) لكن توجيهات المستشارين ليست إجبارية أي أن دورهم يأتي كنصيحة فقط، ويمكن للرئيس الأمريكي العمل وحده وتوجيه الأوامر متجاهلاً توجيهاتهم ونصائحهم، لكن بالطبع فهذه الأوامر ليست آلية تماماً وإدارة المفتاح لا تعني إطلاق الأسلحة حالاً.

يوجد بين الرئيس الأمريكي والأسلحة عدة طبقات من التأكيد والموافقة والعناصر البشرية، وعلى الرغم من أن عدد الطبقات وتراتبيتها أمر مشفر للغاية، فهناك على الأقل طبقتان في الأدنى هما ضابطان يجب أن يوافقا على إطلاق الصواريخ من المنشأة (يوجد منهما في كل منشأة تتضمن أسلحة نووية) حيث يديران مفتاحين معاً لتوجيه الأمر حيث يقوم عناصر آخرون بالتنفيذ والإطلاق.

وجود العامل البشري في المعادلة يعني أن قراراً رئاسياً لا يساوي بالضرورة هجوماً نووياً، فرفض أي شخص ضمن التراتبية للإطلاق سيوقف هذا الإطلاق في حال كان ”غير قانوني“.

في حال كنت تخشى قدرة ترامب على قصف منزلك بسلاح نووي في حال تجادلت معه على تويتر، فربما من المطمئن معرفة أنه لا يستطيع فعل الأمر بهذه البساطة، لكن بالمقابل فهو يستطيع إرسال طائرة دون طيار لقتلك على أي حال، لذا حاول ألا تعلق في مجادلة معه.

مقالات إعلانية