in

كيف تطورت المناطق الزمنية، وما هي أغرب مناطق التوقيت المحلي في العالم؟

لقد عانينا جميعنا في مرة أو أكثر من مشاكل اختلاف التوقيت من مكان لآخر، وربما واحدة من أولى المشاكل تظهر عند متابعة القنوات التلفزيونية من بلدان أخرى، فأنا أتذكر تماماً أثناء مراهقتي المشكلة الدائمة بمحاولة متابعة أي برنامج على قنوات تعتمد التوقيتات الخليجية مثلاً وبالأخص قنوات MBC2 وDubai One، فعندما كنت أخطط لمشاهدة برنامج ما وبالأخص في الشتاء كنت غالباً ما أجد نفسي متأخراً أو حتى بعد انتهاء ما أريد مشاهدته أصلاً.

كانت المشكلة بالطبع هي اختلاف الوقت، ففي الشتاء مثلاً فالتوقيت المحلي في سوريا هو GMT+2 (توقيت غرينتش + ساعتين) بينما توقيت السعودية هو GMT+3 وتوقيت الإمارات العربية المتحدة هو GMT+4، وفي حال كنت تسكن في الجزء الغربي من المنطقة العربية فالأمور ستكون محيرة أكثر.

على أي حال فالأمر احتاج لبعض البحث سابقاً لأفهم طبيعة المناطق الزمنية وخصوصاً الغريبة منها، وهدفي هنا هو محاولة إيصال سبب وجودها وآلية عملها، بالإضافة لبعض الأمثلة عن أغرب المناطق الزمنية في العالم.

من أين أتت التوقيتات المختلفة للمناطق الزمنية؟

ساعة محطة قطار قديمة
كانت القطارات هي السبب الأساسي لتوحيد التوقيت والتخلي عن الاعتماد على الشمس لتحديد التوقيت في كل منطقة على حدة، ولاحقاً، كان هذا الأمر ضرورياً لتطور المواصلات ووسائل الاتصال.

قبل حوالي 200 عام من الآن كان الأمر مختلفاً بشكل كبير عن اليوم، فمع أن الوقت كان مهماً حينها بالطبع، وتقسيمات اليوم كانت مماثلة لحالها الآن، فالتوقيتات المحلية كانت مختلفة بشدة ومتباينة حتى في الأماكن المتقاربة من بعضها البعض، فالتوقيت الشمسي كان أساس كل شيء حيث كانت الساعة 12 ظهراً توازي وقت أعلى مكان للشمس في السماء، وباقي اليوم مقسم حسبها إلى 24 ساعة، 12 منها ”بعد الزوال“ و12 أخرى ”قبل الزوال“.

هذا النوع من التوقيت لم يكن مشكلة في تلك الحقبة بالطبع، فقد كانت التنقلات تتم بالمشي أو بالعربات التي تجرها الخيول بأفضل الحالات، وكانت الرحلات من الممكن أن تمتد لأيام حتى من مدينة إلى أخرى بحيث أن فرق التوقيت لم يكن مهماً حقاً أو ذا تأثير حقيقي، لكن التطور اللاحق (وبالتحديد تطور المواصلات) جعل فروق الوقت أمراً مزعجاً جداً وغير مناسب لطبيعة العمل، حتى مع انتشار السكك الحديدية وتحول القطارات لواحدة من أهم وسائل النقل حينها.

أول توقيت رسمي تم وضعه في التاريخ المعروف هو توقيت غرينتش (Greenwich Mean Time) أو اختصاراً GMT والذي يعد المرجع الأساسي للتوقيت اليوم، وتم تحديد هذ التوقيت عام 1675 عندما بني المرصد الملكي في (غرينتش) على طرف مدينة لندن حينها، لكن التوقيت كان خاصاً بالمدينة وحدها وكان لا يزال خاضعاً للتوقيت الشمسي في الواقع، مما عنى أنه لم يقدم أي فائدة حقيقية للمشاكل التي ستأتي لاحقاً.

في بداية القرن التاسع عشر، كانت المحركات البخارية قد ظهرت، وفي عام 1807 تم تسيير أول رحلة خطوط حديدية لنقل الركاب في بريطانيا بعد 3 سنوات فقط على أول خط حديدي تم بناؤه، وبمرور السنوات انتشرت الخطوط الحديدية في كل مكان وباتت تمتد لمسافات أطول وتستخدم على نطاق أوسع سواء لنقل الركاب أو لنقل البضائع، ومع كون التنظيم أمراً أساسياً في هذا المجال كان لا بد من توحيد التوقيت للأماكن القريبة من بعضها جغرافياً، وبالطبع فمع كون بريطانيا كانت الأولى مع توقيت رسمي ومكان بداية الخطوط الحديدية أصلاً، فأول منطقة زمنية كانت ضمن الجزيرة البريطانية حيث اعتمدت شركا السكك الحديدية توقيت غرينتش بشكل موحد عام 1847 ولاحقاً أصبح التوقيت هو التوقيت الرسمي للجزيرة البريطانية بأكملها عام 1880.

على أي أساس تم تقسيم المناطق الزمنية؟

توزع المناطق الزمنية في العالم
نظرياً هناك 25 منطقة زمنية في العالم، تتدرج جميعها من توقيت غرينتش الأصلي وتتوزع من -12 حتى +12، لكن في الواقع هناك العديد من مناطق التوقيت ذات الحالات الخاصة.

المبدأ الأساسي لتقسيم المناطق الزمنية هو بالطبع خطوط الطول الخاصة بالأرض، فالأرض مقسمة إلى 360 درجة كون مقطعها دائري الشكل والدائرة مكونة من 360 درجة، ومع كون اليوم مكوناً من 24 ساعة فكل ساعة تساوي 15 درجة من خطوط الطول.

لكن هذا الأمر كان ليكون في الحالة المثالية بالطبع، وكوننا لسنا في حالة مثالية فالتوزيع يختلف بشكل كبير عن مجرد خطوط الطول فقط.

التوزيع الحالي لخطوط للمناطق الزمنية يعتمد بشكل كبير على خوط الطول، لكنه يعتمد على العديد من العوامل الأخرى مثل الارتفاع عن سطح البحر والحدود الخاصة بالدول وحتى العلاقات الاقتصادية والسياسية في بعض الحالات، وهذا الأمر تسبب بالعديد من الحالات الغريبة حيث تكون المناطق الزمنية مختلفة عما هو متوقع، أو أنها تبدو خاطئة حتى! وهنا سنذكر بعضاً من هذه الحالات المثيرة للاهتمام.

أغرب حالات المناطق الزمنية

– حالة الصين: منطقة زمنية واحدة لبلد بأكمله:

المناطق الزمنية في الصين
بالنسبة لخطوط الطول تقع الصين في 5 مناطق زمنية مختلفة، لكنها تستخدم توقيتاً موحداً في أراضيها جميعاص مما يجعل التوقيتات غريبة للغاية لسكان وسط وغرب الصين.

ربما يعرف الجميع أن الصين هي أكبر بلدان العالم من حيث السكان، كما أنها واحدة من الأكبر مساحة كذلك مع حدود تمتد من أفغانستان غرباً حتى البحر الأصفر شرقاً، مما يجعل البلاد ممتدة ضمن خمسة مناطق زمنية متباينة في الحالة المثالية، لكن كما قلنا سابقاً فالحالة المثالية غير موجودة ولا يوجد مثال أفضل لتأثير السياسة على المناطق الزمنية من حالة الصين.

نظرياً، يفترض أن تمتد الصين في المناطق الزمنية من GMT+5 حتى GMT+9، لكن التركز السكاني والاقتصادي وبالطبع السياسي في المنطقة الشرقية من الصين جعل الحكومة الصينية تفرض توقيت بكين GMT+8 على كامل البلاد.

وكما هو متوقع، فهذا الأمر ينتج ظواهر غريبة للغاية، فالمناطق الغربية في الصين يتأخر شروق الشمس فيها أحياناً حتى الساعة 10:17 صباحاً، ولا تنتصف الظهيرة حتى الساعة 3:10 ظهراً، مما يتسبب بتأخير يوم العمل بالتالي في العديد من المناطق ليبدأ من الساعة 11 صباحاً حتى 7 مساءاً بدلاً من يوم العمل المعتاد من 9 صباحاً حتى 5 بعد الظهر.

هذا الأمر يتسبب بمشكلة أخرى هي اختلاف التوقيت بين طرفي الحدود، فبينما يكون الاختلاف ساعة واحدة في حال وجوده عادة، فقطع الحدود بين الصين وأفغانستان يعني فرقاً زمنياً هو 3 ساعات ونصف كون أفغانستان تتبع توقيت GMT+4:30 وهو واحد من أكبر الفروق الزمنية الموجودة بين بلدين متجاورين في العالم.

– المناطق الزمنية التي لا تعتمد أقرب ساعة:

المناطق الزمنية في أستراليا
بالنسبة لحجمها، تمتلك أستراليا عدداً كبيراً من التوقيتات المختلفة والمحيرة، لكن كون الغالبية من السكان تتركز على الساحل الجنوبي الشرقي ضمن منطقة +10 (+11) بجعل الأمور أسهل مما تبدو.

مع التقسيم المعتاد للمناطق لزمنية، فمعظم المناطق الزمنية تعتمد التقريب لأقرب ساعة لتوقيتها الرسمي بحيث يكون التحويل بين توقيتها وتوقيت البلدان الأخرى أبسط ما يمكن بإضافة عدد صحيح من الساعات، لكن هذه القاعدة تمتلك بعض الحالات الشاذة أيضاً، فبينما معظم البلدان تلتزم بها، هناك عدة بلدان مثل فنزويلا وإيران وأفغانستان وسريلانكا والهند وبورما تستخدم توقيتات مقربة لنصف ساعة، فتوقيت إيران هو GMT+3:30 بينما توقيت فنزويلا هو GMT-4:30.

الأمر يصبح أغرب حتى في أستراليا التي على الرغم من مساحتها الصغيرة نسبياً مقارنة ببلدان مثل الصين أو الولايات المتحدة، فهي تمتلك 8 مناطق زمنية متمايزة لتكون واحدة من الأكبر في العالم بعدد المناطق الزمنية (تسبقها روسيا التي كانت تمتلك 11 منطقة زمنية مختلفة، وتمتلك 8 حالياً).

الأمر لا يتوقف هنا بل أن 4 من هذه المناطق الزمنية مقربة لأقرب ساعة، بينما الأربعة الباقية مقربة لأقرب نصف ساعة. ومع أن 3 من المناطق الزمنية الخاصة بأستراليا تتبع للجزر البعيدة عنها والتابعة لها، فالجزيرة الأساسية مقسمة إلى 3 مناطق رئيسية: GMT+8 وGMT+9:30 وGMT+10، لكن في الصيف ومع التوقيت الصيفي تمتلك أستراليا 5 مناطق زمنية: GMT+8 وGMT+9:30 وGMT+10 وGMT+10:30 وGMT+11.

وإن كانت المناطق الزمنية التي تقرب إلى أقرب نصف ساعة غريبة كفاية، فهناك حالتان أغرب هما بورما وجزر شاثام التابعة لنيوزيلندا حيث أن كلاً منهما تعتمد توقيتاً رسمياً مزاحاً بمقدار 45 دقيقة عن المناطق الزمنية الأقرب إليها.

– المناطق المجاورة لخط التأريخ العالمي:

خط التأريخ العالمي
هذا الخط من المفترض أن يكون مستقيماً تماماً خصوصاً وأنه يقع في المحيط ولا يمر بكتل قارية، لكن كما هو واضح فاعوجاجه كبير جداً.

خط التأريخ الدولي هو الخط المناظر تماماً لخط التوقيت المار من غرينتش، أي أنه من المفترض أن يكون على خط طول 180 وبشكل مستقيم تماماً، لكن الأمور مختلفة جداً هناك والخط يبدو كمجرد خربشة فقط لا كخط مستقيم، فمع أن المنطقة التي يمر منها هي منتصف المحيط الهادئ، والتي يفترض أنها خالية من الدول، فوجود العديد من الجزر الصغيرة المستقلة هناك يعني انعواجات غريبة وتوقيتات غير متوقعة حتى.

أغرب الحالات تظهر في جزر (لاين) Line Islands التي تقع في المحيط الهادئ والتي تستخدم توقيت +14 (ولو أن التوقيتات من المفترض أن تمتد من -12 حتى +12 كحد أقصى) مما يجعلها أول بلاد تمر عليها الأيام في الواقع وتحتفل بالعام الجديد قبل غيرها.

الأمر الأغرب هو معرفة أن هذه الجزر تقع على نفس خط الطول الخاص بجزر (هاواي) التابعة للولايات المتحدة، لكن استخدام جزر هاواي لتوقيت GMT-10 يعني أن المنطقتين تمتلكان نفس التوقيت، لكن جزر (لاين) تتقدم بيوم كامل عن (هاواي) وتتقدم بـ26 ساعة عن جزيرة (بيكر) الأمريكية غير المأهولة.

حالة جزر (لاين) لم تكن دائماً كذلك، بل نتجت في الواقع عن كونها هي وجزر أخرى مجاورة هي جزر (جيلبيرت) Gilbert Islands التي كانت تابعة للتاج البريطاني، وجزر (فينيكس) Phoenix Islands التي كانت كما جزر (لاين) تابعة للولايات المتحدة، لكن في عام 1979 استقلت دولة (كيراباس) Kiribati عن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وتخلت الولايات المتحدة عن جزر (لاين) التي أصبحت جزءاً من دولة (كيراباس).

هذا الامر خلق مشكلة في العلاقات التجارية بين الأرخبيلات الثلاثة، فجزر (جيلبيرت) كانت تستخدم توقيت GMT+12 بينما تستخدم جزر (فينيكس) توقيت GMT-11 وتستخدم جزر (لاين) توقيت GMT-10 مما كان يعني أن العمليات التجارية تتم في أربع أيام في الأسبوع فقط نتيجة فقدان يوم إضافي بسبب فرق التوقيت، لذا تم تغيير التوقيت في جزر (فينيكس) وجزر (لاين) إلى GMT+13 وGMT+14.

على أي حال فالتغيير الأحدث على خط التوقيت العالمي ليس ما سبق، بل يخص دولة (ساموا) Samoa المكونة من جزيرتين من أرخبيل ساموا (الجزيرة الثالثة تتبع للولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر)، ففي عام 1892 تمكن التجار الأمريكيون من إقناع ملك (ساموا) حينها بالانتقال إلى توقيت GMT-11 متأخراً 3 ساعات فقط عن (كاليفورنيا) الأمريكية لتحسين التجارة مع الولايات المتحدة، لكن مع السنوات تغيرت العلاقات التجارية للجزر لتصبح متركزة مع دول أستراليا ونيوزيلندا، وفي عام 2011 تم تغيير التوقيت الرسمي مجدداً إلى GMT+13 بحيث تكون الجزيرة في نفس اليوم مع البلدين.

ماذا لو استخدم العالم بأكمله نفس التوقيت؟

مع كل هذه المناطق الزمنية المختلفة والصداع الذي تسببه لمن يحاول تتبعها، ففكرة الانتقال بشكل عالمي إلى توقيت موحد قد تبدو فكرة جيدة للوهلة الأولى، لكن نظرة أعمق بقليل للأمر تجد المشكلة الأساسية في الأمر:

لا زلنا نستخدم التوقيت الشمسي في الواقع، ونربط كل توقيتاتنا به، فنحن معتادون على أن العمل يبدأ الساعة 8 أو 9 مثلاً وينتهي في الساعة 4 أو 5، لكن الأمر لن يكون مناسباً بالطبع عندما تكون الساعة 9 صباحاً تعني منتصف النهار في سوريا، وبذات الوقت تعني المغرب في الصين ومنتصف الليل في كاليفورنيا.

توقيتنا الحالي مزعج بالتأكيد، لكن أياً من مشاكل التوقيت لن يتم حلها في حال اعتمدنا على توقيت موحد، فشئنا أم أبينا في كل لحظة من اللحظات تكون المناطق المختلفة من الأرض ضمن فترات زمنية مختلفة، وعلى الرغم من أن المناطق الزمنية المختلفة مزعجة عند التنقل بينها أو تعديل المواعيد تبعاً لاختلافاتها، فهي تبقى خياراً أفضل من أن يكون وقت الذهاب للعمل هو منتصف الليل حسب التوقيت الرسمي.

مقالات إعلانية