in

هل تعلم أن (إسحق نيوتن) عمل في مجال مكافحة تزوير العملات؟ إليكم القصة

”إنّ مقدراتي عادية، عملي هو ما يُحقق لي النجاح“ –نيوتن

السير إسحق نيوتن

يُعتبر كلٌ من (آينشتاين) و(غاليليو) و(تيسلا) و(نيوتن) من بين أكثر العلماء شهرةً حول العالم، حيث خُلّدت أسماؤهم في أذهان الجميع وأصبحت إسهاماتهم في الفكر والحضارة البشرية معروفةً لدى البشرية بأسرها بعد أن ساعدت على تحسين حيواتنا وإيصالها لما هي عليه اليوم.

يُشتهر (نيوتن) –من بين هؤلاء– بشكلٍ أساسي بسبب أعماله في الفيزياء، خاصةً في قوانين الحركة والجاذبية، لدرجة أنّ أول ما قد يتبادر إلى ذهنك عندما تسمع اسمه هو تلك التفاحة الشهيرة، ولكن هل كنت تعلم أنّه لم يكن مجرد عالم رياضيات أو فيزيائي؟ أجل هذا صحيح! فقد كان عالم لاهوت وكاتباً وعالم فلك، قام بتأكيد قوانين (كبلر) لحركة الكواكب وبنى أول تلسكوبٍ عاكس وطور قوانين التبريد، وكان أول من أجرى العمليات الحسابية لتحديد سرعة الصوت، فضلاً عن صياغة القوانين لديناميك السوائل التي أدت لإطلاق اسمه على فئةٍ من السوائل.

والآن… إن كانت هذه الإنجازات جميعها غير كافية بالنسبة لك حتى تعتبر السير (إسحق نيوتن) شخصاً متعدد المواهب، فيمكننا أن نُخبرك أنّه كان –بالإضافة لكلّ ما سبق– من أوائل الأشخاص الذين عملوا على تطبيق قوانين مكافحة تزوير العملة.

في عام 1696، عُيّن (إسحق نيوتن) في منصب مدير دار سك العملة الملكي سعياً لإنقاذ البلاد من الأزمة المالية التي ضربت البلاد بعد حربٍ دامت 8 سنوات، والتي وجدت نفسها فوق ذلك بحاجةٍ لمواجهة حركة تزوير العملة، ما جعل قيمة المعادن الثمينة في العملات أقل من قيمة العملات. ورغم أنّ ذلك المنصب اعتُبر منصباً شرفياً أو فخرياً يُمنح لشخصٍ كرّس حياته لتحسين أوضاع المملكة بحيث يتقاضى صاحبه راتباً كبيراً دون الحاجة لإنجاز الكثير من العمل، لكن (نيوتن) لم يكن ذلك الشخص الذي يحبّ الجلوس بلا عمل.

دار السك الملكية في برج لندن. صورة: Google Images

تولى (نيوتن) إدارة دار سكّ العملة الملكية أثناء قيامه بعملية إعادة ”سكّ العملة الكبرى Great Recoinage“ والتي كانت عمليةً تهدف لجمع العملات الفضية القديمة في إنجلترا التي تعرضت للاهتراء والتلف بشدة، وصهرها واستبدالها بعملاتٍ معدنية جديدة. هنا قرر (نيوتن) سريعاً أن يفعل شيئين، أولاً أن يتأكد أنّ العملات المعدنية الجديدة معيارية وتمّ سكّها بشكلٍ مناسب، وثانياً أن يحرص على القضاء على التزوير الذي كان يُصنّف كخيانة للتاج.

أثناء عملية إعادة سكّ العملة، لاحظ (نيوتن) أنّ واحدةً من كلّ 5 عملاتٍ وصلت إلى دار السك كانت مزورة، وبصفته المسؤول عن الدار، فكان من واجبه أن يُقاضي المزورين، فجعل ملاحقتهم مهمته الشخصية. لكنّ مهمته هذه لم تسر بسلاسةٍ مطلقة، فقد كان هناك خصمٌ ذكي استعصى على (نيوتن) القبض عليه لسنوات، وكان يُدعى (وليام شالونر).

كان (وليام شالونر) صانع مسامير في البداية، وعندما تمكن من الحصول على عددٍ من قوالب صنع العملات المعدنية المسروقة، بات قادراً على استغلال مهاراته في تزوير العملات وصنعها بشكل مطابق للمواصفات القياسية. معظم هذه العملات المزورة صنعت بطريقةٍ تُدعى ”اقتطاع العملات Coin Clipping“ حيث كانت هذه العملية تتضمن كَشطِ جزءٍ صغير من حواف العملات وصهر هذه الأجزاء الصغيرة لصنع عملات جديدة مزيفة.

كان المزورون يحصلون على هذه الشرائط المعدنية بعد قص العملات وقطعها. صورة: The Portable Antiquities Scheme/ The Trustees of the British Museum / CC BY-SA

الأمر الذي جعل (شالونر) مختلفاً عن بقية المزورين والمجرمين هو أنّه لم يكن مجرد مزورٍ أحمق يسعى للحصول على الربح السريع والهرب، كان (شالونر) يؤدي عمله بذكاء ويبذل جهداً كبيراً للظهور كشخصٍ شريفٍ يستحق الثقة في المجتمع، فعلى الرغم من قدرته على سكّ نحو 30 ألف قطعة نقدية مزورة واستغلالها للإنفاق لتمويل أسلوب حياته الرغيد، كان قادراً على الظهور في المجتمع واكتساب بعض أعضاء البرلمان إلى صفه وإقناعهم بأنّه عثر على قوالب العملات المعدنية بالصدفة وأنّه الشخص الوحيد القادر على القبض على المزورين، طالباً منهم تكليفه بتصميم وإنتاج العملات المعدنية في إنكلترا بعد أن وجه العديد من تهم الفساد لدار سك العملة و(نيوتن)، فوق ذلك، نشر العديد من المنشورات التي زوّجت له على أنّه الشخص المثالي لحل مشكلة التزوير.

لم يكن (نيوتن) حينها واثقاً بـ (شالونر) وكان مقتنعاً أنّه مجرد محتال ولكن بعد أن أصبحت الأمور شخصيةً بينهما، صمم (نيوتن) على معاقبته، ونظراً لأنّ مقر دار سك العملات الذي كان حينها في برج لندن (كان سجناً من عام 1100 وحتى 1952) فقد استغل السلطة التي منحه إياها منصبه وقابل الكثير من المجرمين والمتهمين وحقق معهم، كما جعل الكثيرين منهم ينقلبون على شركائهم بعد أن كان يعدهم بعقوبةٍ مخففة بدلاً من عقوبة الإعدام التي كان ينالها المزورون. كما استغل كونه من أسياد العلوم في ذلك الوقت لتوجيه مهاراته وعلومه في القبض على (شالونر) وبقية المزورين.

بورتريه للسير (وليام تشالونر) بريشة الرسام الفلمنكي (أنطوني فان ديك). صورة: Google Images

كانت الحرب بين هذين طويلة، واستمرت لسنواتٍ كثيرة حصل بينهما فيها الكثير من المناوشات، ولكنّ في عام 1698، قرر (نيوتن) استغلال كافة مصادره ضدّ (شالونر)، فقام (نيوتن) حينها بتنشيط شبكة كبيرة من المخبرين، وتمكن من دفع أحد رجال (شالونر) على الانقلاب لصالحه، ووصل الأمر بـ (نيوتن) إلى درجة تدخله شخصياً حينما تنكّر بالملابس وتجول في الحانات لتتبع (شالونر) ليتمكن من التخطيط لتحركاته القادمة بشكل أفضل. بعد 18 شهر، تمكن أخيراً من جمع ما يكفي من الأدلة ضده لينتهي الأمر بإدانة (شالونر) في مارس 1699 وإعدامه في قرية تيبرون.

في العام التالي، أصبح (نيوتن) سيد دار السك، وتلك أعلى رتبة موجودة ضمن الدار، وبقي محتفظاً بلقبه هذا حتى وفاته في عام 1727. في عام 1705، منحته الملكة (آن) لقب فارس، خلال حياته المهنية هذه تمكن من تحسين جودة العملة بشكل كبير وجعل تزويرها أكثر صعوبة وذلك بعد أن حسّن من جودة النقوش عليها ونوعية المعادن الثمينة المستخدمة في صناعة العملات.

دقة العمل التي انتهجها (نيوتن) جعلته يرفض أي انتقاد لعمله وهو ما تجلّى في محاكمة PYX التي حكمت بأنّ عملاته لا تحتوي الكمية الصحيحة من الذهب، ولكنّه أثبت أنّهم مخطئون وأنّ اللوحة المعيارية التي استخدموها في التحقق كانت معيبةً وتحتوي كميةً زائدةً من الذهب. وحتى اليوم ما زالت دار السك الملكية تفتخر بالسمعة الحسنة لجودة عملاتها.

مقالات إعلانية