in

دخلك بتعرف قصة آخر (أوك عظيم) في العالم، وكيف انقرض على يد الإنسان

طائر الأوك العظيم
صورة: Skye J.JS

مبحرا بالقرب من جزيرة (ساينت كيلدا) الإسكتلندية النائية، لمح (لوفلان ماكينون) طائراً غريبا ينط فوق شاطئ صخري، لم يكن هذا الطائر يشبه أي طائر رآه من قبل في أنحاء تلك المنطقة، لقد كان طائراً ممتلئ الجسم بقامة تصل إلى المتر باللونين الأبيض والأسود، وكانت له أجنحة قصيرة جدا تبعث على الضحك، حيث لم يكن طولها يتعدى العشرين سنتمتراً.

اليوم، قد يخلط الملاحظ العادي بين هذا الطائر الذي يعرف باسم (الأوك العظيم) وطائر البطريق لدرجة الشبه الكبير بينهما، فقد كان (الأوك العظيم) شبيها بالبطريق غير أنه كان أكبر منه حجماً بكثير، وكان بطيئا ومتكاسلا جدا على اليابسة لكنه كان سريعا مثل الطوربيد في المياه.

كان طائر (الأوك العظيم) يتغذى على الأسماك، وكان له صوت منخفض لكنه حاد، لم يكن (الأوك العظيم) حيوانا عدوانيا كما لم يكن دفاعيا، وكان يتزاوج مع أنثى واحدة فقط في حياته، وكان يضع بيوضه في واحدة من أكثر المناطق تجمداً وقسوة في العالم.

في الواقع، أعار (الأوك العظيم) اسمه للبطاريق الحديثة، لأن اسمه العلمي هو Pinguinus Impennis [وPinguins هو اسم البطاريق باللغة الإنجليزية والفرنسية]، وعندما اكتشف أوائل المستكشفين في القارة القطبية الجنوبية تلك الطيور المسالمة [البطاريق]، أطلقوا عليها اسم «بطاريق» Penguins وذلك راجع للتشابه الكبير بينها وبين (الأوك العظيم) —للعلم فإن الأوك العظيم والبطريق مختلفان تماماً لا تربطهما أية قرابة—.

لمدة قرون كاملة، استوطنت طيور (الأوك العظيم) الجزر المتجمدة بالقرب من آيسلندا وغرينلاند وشمال اسكتلندا. وفقا لـ(سامنثا غالاسو) في مجلة (سميثسونيان)؛ فقد كتب أحد البحارة من القرن الثامن عشر أن جزيرة (فونك) في (نيوفندلاند) كانت مكتظة جدا بطيور (الأوك) لدرجة ”لم يكن باستطاعتك أن تنزل على شواطئ هذه الجزر دون جزمات مرتفعة، لأنها ستتسبب في تلف بنطالك، لقد كانت مكتظة بها لدرجة لم يكن موجودا بينها موطئ قدم تضع عليه خطواتك“.

مجسم طائر (أوك عظيم) بالحجم الحقيقي مقارنة بالإنسان - صورة: مدونة naturetime
مجسم طائر (أوك عظيم) بالحجم الحقيقي مقارنة بالإنسان – صورة: مدونة Naturetime

مما يعني أيضا أن هذه الطيور كانت سهلة الاصطياد والقتل. لم تكن طيور (الأوك العظيم) تخشى البشر وكان بإمكان أي شخص أن يمشي باتجاه أحدها ويمسكه ويقتله دون أن يحرك هذا الطير ساكناً، وهو الأمر الذي ظل الناس يفعلونه بوتيرة مرتفعة جدا، وبحلول سنة 1534، كتب المستكشف الفرنسي (جاك كارتيي) أنه كان قادرا على ملء قاربين من طيور الأوك التي اصطادها في مدة لا تتعدى نصف ساعة، وقام بتشبيه ذلك بعملية ملء سفينة بالصخور لدرجة سهولتها.

بعد كل شيء، صارت قيمة طائر (الأوك العظيم) وهو ميت أكبر منها وهو حي، فقد كان السكان المحليون يفضلون لحمه الذي كان الصيادون يستعملونه كغذاء وطُعم في آن واحد، وكان البحارة كذلك يحبذون الزيت الذي يتم استخراجه من دهونه، ومدح كذلك صانعو الوسائد ريش (الأوك العظيم) واستخدموه كثيرا في صناعتها.

بحلول القرن السادس عشر، انخفضت أعداد طيور الأوك كثيرا لدرجة تحتم سن قوانين خاصة من أجل حمايتها من الانقراض، وبحلول سبيعينات القرن الثامن عشر، أصدرت جزيرة (ساينت جون) في كندا قانونا يجرم جمع ريش وبيوض طائر (الأوك) وكانت تحكم على كل من يخالف هذا القانون بالجلد أمام العامة.

Great Auk
رسمة لطائر (الأوك العظيم) لـJohn James Audubon – صورة: جامعة Pittsburgh

غير أن هذا لم يردع الناس عن قتل هذه الطيور الآيلة للإنقراض، فبانخفاض أعداد طيور (الأوك العظيم)؛ ارتفعت قيمة الفوائد المحققة من صيدها وبيعها، لذا عندما رأى (لوفلان مكينون) طائر (أوك عظيم) في شهر يوليو من سنة 1840، فلابد أن ما خطر بباله هو وصديقاه الاثنين كان تحقيق المال لا غير. لسبب يبقى مجهولاً، قام هؤلاء المستكشفون الثلاثة باتخاذ قرار غريب وغير معهود وهو أخذ (طائر الأوك) الوحيد على الجزيرة حيا، فاقترب أحد هؤلاء الرجال وهو (مالكوم مكدونالد) من الطائر المتكاسل وانتشله من عنقه وقام بربط ساقيه بحبل صيد، بعد مدة وجيزة استفاق الطائر وبدأ بالعويل، وبينما كان يصرخ، بدأت الأمطار تتهاطل.

قرر الرجال بعدها الانتظار إلى حين هدوء العاصفة داخل كوخ صغير واصطحبوا الطائر معهم إلى الداخل. مر يوم، ثم تلاه يوم آخر، غير أن الأمطار لم تتوقف عن الهطول والرياح ظلت تعصف، وكان البحر مضطرباً به أمواج عاتية منعتهم من العودة إلى قواربهم والإبحار بعيدا عن هذه الجزيرة.

بحلول اليوم الثالث، بدأ صبر الرجال المحتجزين داخل الكوخ ينفذ بينما بدا وكأن العاصفة لم تكن ستهدأ في أي وقت قريب، وإضافة إلى الصداع الذي سيطر عليهم كان هناك عويل الطائر الذي كان يصيح في كل مرة يقترب فيها أحدهم منه. في نهاية المطاف، ومثلما تفيده القصة، اتفق الرفاق الثلاثة أن هناك سبباً وحيداً للحظ العاثر الذي ابتلوا به، وهو أن ذلك الطائر لم يكن طائرا على الإطلاق، لقد كان ”مشعوذة مثيرة للعواصف“.

كانت هناك طريقة وحيدة للتعامل مع مشعوذة تتحكم في الطقس: لقد بدا جليا أنه يجب قتلها. وفقا لإحدى الروايات، ضرب الرجال الطائر بحجرين كبيري الحجم، وآخرون قالوا بأنهم قاموا بضربه بعصي كبيرة حتى فارقته الحياة، وبعد عقود لاحقة، أدرك المؤرخون أن ذلك الطائر الذي اعتقد (لوفلان) ورفاقه أنه مشعوذة وقاموا بقتله كان آخر طائر (أوك عظيم) في بريطانيا.

خلال السنوات الخمسة التالية، لاقى آخر زوج متناسل من هذه الطيور نفس المصير المحتوم، فعلى جزيرة (إيلدي) بالقرب من آيسلندا؛ تم قتل زوج من طيور (الأوك) العظيمة خنقا من طرف مجموعة من الصيادين، في تلك الأثناء كانت الأنثى تحضن بيضة مما وضعته، وبينما كان الرجال يحاولون قتل الطائر وهو يصارع لأجل حياته، داس أحدهم على البيضة بجزمته، وبذلك كان قد قضى على مستقبل جنس كامل.

مقالات إعلانية