in

تعرف على قصة «حادثة التماسيح» في جزيرة رامري، والتي علمتنا نحن البشر أن لا نعبث مع الطبيعة بتاتاً

تخيل أن تكون فردا في قوة عسكرية تفوقت عليها قوات العدو في هجوم مباغت وطوقتها على جزيرة استوائية، ويتعين عليك الالتقاء مع فوج آخر من الجنود الحلفاء على الجانب الآخر من الجزيرة، لكن السبيل الوحيد إلى ذلك هو عبر تجاوز وعبور مستنقع كبير يعج بالتماسيح المفترسة!

إذا لم تجرؤ على العبور، تجد نفسك مجبرا على الالتفاف ومواجهة قوات العدو التي تضيق عليك الخناق شيئا فشيئا، وإن تحاول العبور؛ تواجه غضب وجوع التماسيح، هل ستخاطر بحياتك في هذه الحالة في المستنقع أم تضعها بين أيدي ورحمة جنود العدو؟

وجد فوج من الجنود اليابانيين الذين كانوا يحتلون جزيرة (رامري) في حوض البنغال أنفسهم في هذا الموقف البائس خلال الحرب العالمية الثانية في بدايات سنة 1945، يمكننا القول أنهم لم يبلوا حسنا عندما اختاروا عبور هذا السبيل الوحيد للهروب عبر المياه التي كانت تعج بالتماسيح.

جنود البحرية البرطانية لدى إنزالهم على جزيرة (رامري) في شهر يناير من سنة 1945 في بداية معركة دامت ستة أسابيع.
جنود البحرية البرطانية لدى إنزالهم على جزيرة (رامري) في شهر يناير من سنة 1945 في بداية معركة دامت ستة أسابيع.

في ذلك الوقت، كانت القوات البريطانية في حاجة إلى تشييد قاعدة عسكرية في منطقة جزيرة (رامري) من أجل التمكن من تنفيذ المزيد من الضربات والهجومات العسكرية على القوات اليابانية، هذه الجزيرة التي كانت محتلة من طرف آلاف الجنود اليابانيين متسببين في معركة دامت ستة أسابيع كاملة.

علق طرفا المعركة فيما يشبه وقف إطلاق النار بعد أن كان يبدو أن المعركة لم تكن في صالح أي جانب منهما، إلى أن قامت قوات البحرية الملكية البريطانية إلى جانب فرقة المشاة الهندية رقم 36 بتطويق موقع القوات اليابانية، تسببت هذه الخطوة العسكرية في تقسيم مجموعة قوات العدو الياباني إلى نصفين، كما تسببت في عزل ما يقارب ألف جنديّ ياباني.

جنود بريطانيون يجلسون بالقرب من معبد في جزيرة (رامري)
جنود بريطانيون يجلسون بالقرب من معبد في جزيرة (رامري).

أرسل بعد ذلك البريطانيون رسائل إلى الفرقة اليابانية المعزولة الأقل تعدادا بأن تستسلم على الفور، حيث كانت هذه الوحدة قد احتجزت وعلقت بين المطرقة والسندان، ولم يكن أمامها أي سبيل للوصول إلى بر الأمان والانضمام إلى الفيلق الأكبر عددا. لكن بدلا من قبول عرض الاستسلام، اختار اليابانيون تحقيق رحلة الإثني عشر كيلومترا في مياه مستنقع أشجار المانغروف، وهنا تحولت الأحداث من سيئ إلى أسوأ…

كان مستنقع أشجار المانغروف موحلا، وكان السير عبره صعبا وبطيئا للغاية، وكانت القوات البريطانية تراقب وضع الوحدة اليابانية من بعيد من الجهة الأخرى للمستنقع.

لم يقم البريطانيون بملاحقة الجنود اليابانيين لأنهم كانوا على علم بما كان ينتظرهم داخل هذه المياه الضحلة، التي كانت بمثابة فخ الموت الطبيعي، وهي التماسيح المتربصة.

تعتبر تماسيح المياه المالحة أكبر أنواع السحالي في المعمورة، ويبلغ معدل وزن ذكر متوسط الحجم من هذه التماسيح حوالي 453 كيلوغراما ويبلغ طوله 5 أمتار، وكان أكبرها حجما ليبلغ طوله سبعة أمتار ووزنه ألف كيلوغراما، وتعتبر المستنقعات بيئتها الطبيعية، كما يستحيل على البشر مضاهاة سرعتها ولا حجمها ولا رشاقتها ولا قوتها الهائلة وقوة أفكاكها الرهيبة.

كان اليابانيون على علم بأن التماسيح تشتهر بكونها تحب أكل البشر، لكنهم على الرغم من ذلك استمروا في اختيارهم بعبور مستنقع المانغروف الممتد لـ12 كيلومتر، وفي حدث فريد لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسان، سيهلك الكثير من هؤلاء الجنود في الهجوم الذي سيتعرضون له.

بعد وقت من دخولهم للمياه الموحلة والضحلة، بدأت أعراض الجفاف والجوع الشديد والتعب تظهر تباعا، كما كان للبعوض والعناكب والثعابين السامة والعقارب دور في سقوط الجنود واحدا تلو الآخر، وظهرت التماسيح بعدها عندما وصل الجنود اليابانيون إلى نقطة عميقة من المستنقع، ومما جعل الوضع أسوأ بالنسبة لهؤلاء هو كون التماسيح كائنات ليلية متمرسة في الافتراس تحت جنح الظلام.

قال العديد من الجنود البريطانيين أن التماسيح تغذت على الجنود اليابانيين في المستنقعات حرفيا، وكان أول تقرير عن الأحداث التي وقعت في تلك الليلة مصدره الجندي (بروس ستانلي رايت) الباحث في علوم الطبيعة الذي شارك في معركة جزيرة (رامري) بين صفوف جنود البحرية الملكية البريطانية، حيث كان قد كتب: ”كانت ليلة التاسع عشر من شهر فبراير سنة 1945 أبشع ليلة قد يتذكرها أي فرد من وحدة الـMotor Launch [وهو اسم الوحدة التي كان ينتمي إليها] حيث تجمعت التماسيح، التي أثار انتباهها ضجيج وصخب الحرب ورائحة الدم في المياه، بين أشجار المانغروف مستلقية مع أعينها تطفو فوق المياه، وكانت تراقب بانتباه ترقبا للحصول على وجبتها التالية.

مع ارتفاع المد، تحركت التماسيح لافتراس المتعبين، والجرحى، وكذا غير الجرحى الذين علقوا في الوحل من الجنود اليابانيين […] كانت أصوات طلقات الرشاشات العشوائية في جنح الظلام الذي خيم على المستنقع في تلك الليلة، التي رافقتها أصوات التماسيح وهي تلتف وتجول وتصول في المياه، بمثابة ”تنافر نغمات الجحيم“ التي لم يسبق أن حدثت على الأرض من قبل، وبحلول الفجر قدمت العقبان لتنظف ما خلفته التماسيح من بقايا“.

تمساح المياه المالحة
تمساح المياه المالحة

من بين الألف جندي الذين دخلوا مياه المستنقع تلك الليلة؛ لم ينجٌ سوى 480 فردا منهم، كما صنفت موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية هذه الحادثة على أنها أكبر هجوم تنفذه التماسيح على البشر في تاريخ الإنسان.

غير أن تقديرات عدد ضحايا التماسيح لم يفصل فيها بالضبط، فما تناقلته القوات البريطانية التي شهدت تلك الليلة هو أنه لم يخرج من تلك المياه سوى عشرون جنديا اعتقلهم البريطانيون على الفور، وأخبر هؤلاء الجنود اليابانيون محتجزيهم حول هجوم التماسيح الذي تعرضوا له.

لكن العدد الدقيق للرجال الذين هلكوا بين أفكاك تماسيح المستنقعات المالحة العملاقة يبقى غير واضح حتى الساعة، ذلك أن لا أحد يعرف بالضبط كم رجلا هلك بفعل التعب أو الجفاف أو الجوع قبل أن تتغذى عليه التماسيح.

عليك أن تتأكد من أمر واحد فقط عزيزي القارئ: عندما تجد نفسك أمام خيارين بين الاستسلام لقوات العدو أو المجازفة بمواجهة التماسيح، اختر دائما الاستسلام ولا تعبث مع الطبيعة بتاتا.

مقالات إعلانية