in

دخلك بتعرف السببان اللذان يجعلان الأشخاص أكثر وحدة؟

وحدة

يُعَدُّ الشعور بالوحدة أزمة نفسية عالمية في الوقت الراهن، وتتمثل في عزلة العديد من الأشخاص عن الحياة الاجتماعية اليومية، لذا نعرض في مقالنا هذا السببين الرئيسيين اللذين يؤديان إلى تنامي شعور الأفراد في وقتنا الحالي بالوحدة، لعلَّ ذلك يساعد في فهم أكبر لما يجري من حولهم، والمساعدة في كسر ذلك الشعور المريع.

وجد الاستبيان الاجتماعي العام General Social Survey بأنَّ عدد الأمريكيين الذين لا يملكون أصدقاء مقربين قد تضاعف ثلاث مرات منذ سنة 1985، حيث كان الـ”صفر“ هو الرقم الأكثر شيوعاً للأصدقاء المقربين، والذي رُصِدَ لدى ربع عدد الأشخاص الذين شملهم الاستبيان تقريباً.

بطريقة مماثلة، يشعر متوسط عدد الأشخاص في أمريكا بأنَّ عدد الأشخاص الذين يستطيعون التحدث معهم حول ”مسائل هامة“ قد انخفض من ثلاثة إلى اثنين.

ينتشر الشعور بالوحدة بشكل غامض بين أبناء جيل الألفية، وهناك سببان متراكبان لذلك.

السببب الأول: وبشكل لا يُصدَّق، الوحدة مُعدية!

وحدة

في دراسة أجريت في عام 2009، استُخدِمت فيها بيانات ما يقارب الـ5000 شخص وأبناءهم من (فرامينغهام)، و(ماساشوستس)، ووُجِدَ منذ عام 1984 بأنَّ 52٪ من المشاركين في الدراسة مرجَّحون لأن يصبحوا وحيدين إذا كانوا على اتصال مباشر مع شخص وحيد كـ”صديق“، أو ”جار“، أو ”زميل عمل“، أو ”أحد أفراد الأسرة“، فالأشخاص غير الوحيدون يميلون لأن يصبحوا أكثر وحدة إذا ما كانوا في محيط أشخاص وحيدين بالفعل.

لماذا؟ لأنَّ للأشخاص الوحيدين قابلية قليلة للاندماج مع مؤثرات اجتماعية إيجابية كاهتمام الآخرين، ومؤشرات الالتزام، لذا ينسحبون قبل الأوان -في عدة حالات- قبل أن يصبحوا في الواقع معزولين اجتماعياً، وقد يؤدي انسحابهم غير المُعلَّل هذا إلى شعور الأشخاص المقربين منهم بالوحدة أيضاً، ويميل الأشخاص الوحيدون أيضاً إلى التصرف ”بثقة أقل، وأسلوب عدائيٍّ أكبر“ الذي قد يؤدي إلى تقويض علاقاتهم الاجتماعية، وإضفاء الشعور بالوحدة على الآخرين.

وفي حديث له مع صحيفة (نيويورك تايمز) حول البحث المنشور في سنة 2009 حول النتائج التي تحصَّلوا عليها من (فرامينغهام)، شرح الدكتور (نيكولاس كريستاكيس) كيف يمكن لشخص وحيد أن ”يزعزع شبكة اجتماعية بأكملها“، كمثل خيط واحد يستطيع تخريب سترة، فقال: ”إنَّك تنقل الوحدة إذا كنتَ وحيداً، وعندها تستطيع قطع الرابط، أو يقوم الشخص الآخر بقطع ذلك الرابط. لكن بهذا فإنَّ الشخص الآخر قد تأثر، وسيقوم بمواصلة التصرف بنفس الطريقة، وهنالك تلك الدفعات من الوحدة التي تسبب التقويض للشبكات الاجتماعية“.

الوحدة سيئة كأية عدوى أخرى، فالمراهقون الذين يعانون منها يتعرضون لقدر أكبر من الضغط الاجتماعي مقارنة بغير الوحيدين منهم، كما أنَّ الأفراد الذين يشعرون بالوحدة يعانون أيضاً من ارتفاع الأجسام المضادة الخاصة بفيروس (ايبشتاين-بار) Epstein-Barr (الذي يلعب الدور الأساس في كثرة الوحيدات Mononucleosis)، وبشكل حرفي، النساء الوحيدات يكنَّ أكثر جوعاً، وفي النهاية، يرفع الشعور بالوحدة خطر الموت بنسبة 26٪، ويضاعف مخاطر الموت بسبب أمراض القلب.

لكن، إذا كانت الوحدة مُعدِيَة بطبيعتها، لماذا استفحلت مؤخراً؟

السبب الثاني لوحدة أبناء الألفية هو أنَّ الإنترنت يجعلها تنتشر كالنار في الهشيم:

وحدة

ليس من المصادفة أنَّ الشعور بالوحدة بدأ بالارتفاع بعد عامين فقط من إطلاق شركة (آبل) Apple أول كومبيوتر شخصي تجاري، وخمس سنوات قبل اختراع (تيم بيرنرز-لي) Tim Berners-Lee للشبكة العنكبوتية العالمية World Wide Web.

وبشكل مثير للسخرية، نحن نستخدم الإنترنت لمحاولة التخفيف من وحدتنا؛ لم يعد التواصل الاجتماعي يتطلب وجود سيارة، أو اتصال هاتفي، أو تخطيط؛ فقط كبسة زر، كما يبدو هذا أنه يعمل حقاً، فلاعبو الـWorld of Warcraft يعانون قلقاً اجتماعياً ووحدة أقل عندما يكونون متصلين بالشبكة مقارنةً بالحياة الواقعية.

تعمل الإنترنت على تحفيز الرضى الاجتماعي، وتصرفات الأشخاص الوحيدين الذين غالباً ما يلجؤون إلى الاتصال بالشبكة عند شعورهم بالانعزال، والاكتئاب، والقلق.

وفقا لما كتبه (دايفيد بروكس) David Brooks في صحيفة (نيويورك تايمز) New York Times في العمود المخصص له في الخريف الماضي، فإنَّ الإنترنت يتيح ما دعاه بـ”يومٍ من نقاط الاتصال السعيدة“، لكنَّ الإنترنت أيضاً يستطيع في نهاية الأمر عزلنا وتحجيم علاقاتنا المتبقية.

منذ نشر كتاب (روبرت بوتنام) Robert Putnam الشهير بعنوان (لعب البولينغ وحيدا) Bowling Alone عام 2000، فإنَّ تفكك الجماعات والمجتمع المدني أصبح أسوأ بشكل شبه مؤكد.

إنَّ الذهاب وحيداً للعب البولينغ اليوم قد يكون في الواقع اجتماعياً بشكل حرفي لأنَّنا، بدلاً من ذلك، ”نذهب“ للعب البولينغ – وأشياء أخرى نفعلها في الواقع المزيف- على الشبكة! إنَّ (لعب البولينغ وحيدا) هو رمز (بوتنام) Putnam المركزي في ”عجز الرأس المال الاجتماعي“.

إنَّ أحد أسباب شعورنا بالوحدة بسبب الإنترنت هو محاولتنا لاستبدال صداقاتنا الحقيقية بتلك التي تكون عبر الشبكة، وبالرغم من شعورنا بشكل أفضل لمدة مؤقتة عند التفاعل مع الآخرين افتراضياً، فإنَّ هذه الاتصالات تميل لأن تكون سطحية وغير مرضية في نهاية الأمر، ووفقا لنتائج إحدى الدراسات: فإنَّ جهات الاتصال الاجتماعية عبر الشبكة ”ليسوا بديلاً مؤثراً للتفاعلات الاجتماعية على أرض الواقع“.

في الواقع، تستطيع التكنولوجيا الحديثة أن تعيق التواصل الواقعي بمجرد حضورها حتى دون استخدامها، فببساطة، مال بعض الأفراد ”الغرباء“ إلى تقييم محادثةٍ لهم مع ”غرباء“ آخرين على أنها سطحية، وطرف المحادثة على أنه أقل تعاطفاً، وعلاقتهم الجديدة أقل قرباً بمجرد كون طرف المحادثة ذلك يضع هاتفه بالقرب منه؛ بالمقارنةِ مع الغرباء الذين بدل الهواتف، امتلكوا دفاتراً (كراريساً) بالقرب منهم.

يرفع الاستخدام المفرط للإنترنت الشعور بالوحدة أيضاً لأنه يقوم بفصلنا عن العالم الحقيقي؛ يظهر أحد الأبحاث أنَّ الأشخاص الوحيدين يستخدمون الإنترنت لكي ”يشعروا بأنهم يتم امتصاصهم داخلها“ -وهي الحالة التي تُحتِّم صرف وقت وطاقة اللذين يمكن صرفهما في الواقع في أداء النشاطات الاجتماعية، وبناء صداقات ملموسة (على أرض الواقع) أكثر وفاءً.

وما يزيد من تفاقم عزلتنا هو ميل المجتمع إلى نبذ الأقران الوحيدين، حيث وجدَت إحدى الدراسات المشهورة في سنة 1965 أنَّه عندما كانت السعادين محبوسةً في حجرة العزل الانفرادي، والتي تدعى ”حفرة اليأس“، وأعيدَ تقديمها إلى عشائرها بعد عدة أشهر، أصبحت منبوذة ومستبعَدة؛ تقترح دراسة (فرامينغهام) Framingham هذه أنّ البشر قد يقومون أيضاً باستبعاد الأشخاص الوحيدين، لذا ”بإمكان الشعور بالعزلة الاجتماعية أن يؤدي إلى العزلة الموضوعية“.

كلما شعرنا بالوحدة أكثر، كلما اتجهنا أكثر للتفاعل عبر الشبكة العنكبوتية، مزيفين هروبنا من الوحدة بشكل افتراضي، وهذا ينطبق بشكل خاص على أبناء جيلي (إشارةً لعمر المؤلف) الذين تعلموا تهدئة أنفسهم بوساطة التكنولوجيا المصنوعة من قبل الأشخاص الأقل سنا، وستصبح فقط حقيقيةً أكثر عندما نقوم بالتزاحم على العمل الحر (المستقل) وغير ذلك من وسائط العمل التي تعتمد على الإنتاج من أشخاص مفردين.

صاغ عالم الاجتماع (فيليب سليتر) Philip Slater، مصطلح (افتراض المرحاض) Toilet Assumption في كتابه المثير للجدل (السعي وراء الوحدة) The Pursuit of Lonliness عام 1970: ”نحن نعتقد أن مشاعرنا غير المرغوبة وواقعنا الاجتماعي كذلك سيختفي إذا قمنا بتجاهله“.

يبرهن (سليتر) أنَّ الفرديَّة الأمريكية وبالمقابل الشعور بالوحدة: ”تتأصل في محاولة رفض الواقع الاتكالي البشري“، ربما يمثل الإنترنت المثال الأفضل حتى الآن في محاولة دفق الشعور بالوحدة.

بدلاً من ذلك، نحن عالقون في كومة متزايدة من العزلة المُعدِية.

مقالات إعلانية