in

أعزب في بلاد الفالنتين

بدأ الجميع في النظر إليه بتعجب واندهاش، بالتأكيد هو ليس من هنا، غريب عن تلك الأراضي، لماذا يرتدي هذه الألوان؟ أين اللون الأحمر المُقدس في هذا اليوم العظيم يوم الفلانتين؟ ولم لا تسير برفقته فتاة ما؟ على ما يبدو أن هذا هو الكائن الذي سمعوا عنه كثيرًا في أحاديث قديمة، قيل أنه مُعقد وكذلك قبيح، ومرارًا حذر الأجداد من مرافقته لاعتقادهم أن لعنة ما أصابته منذ زمن مضى، لعنة العزوبية، وإليكم ما لا تعرفونه عن «كائن السنجل».

حسنًا، مرحبًا يا رفاق نحن الآن في عام 2019 ولا يجب أن تظل تلك الخرافات تُطاردكم أليس كذلك! خاصة وأن كائن السنجل لم يعد وحيدًا في أي مجتمع بل يُمكن ملاحظة العديد من أتباعه، أو كما أطلق عليهم الفنان المصري أحمد أمين اسم ”كائنات السنجل العملاقة“، قد أكون قبيحا وربما مُعقدا قليلًا بسبب بضع تجارب غير ناجحة، ولكن بالتأكيد ليست كل كائنات السنجل هكذا، خاصة في عصرنا الحالي فهناك من الدوافع للبقاء أعزب أكثر بكثير من هذه الأسباب التي أشرتم بها على السنجل الغريب.. لنعرف القصة كاملًة الآن.

ما هو موطن كائن السنجل؟

يعيش السنجل في مجتمعات عادية، مختلفة ومتعددة الأنماط والعادات والتقاليد، ويُخالط المرتبطين والمتزوجين بكل سلاسة ويُسر.

في الحقيقة، مخالطة السنجل للمُرتبطين كانت هي النقطة الأهم والأبرز في صعوبة اتخاذ قرار بالارتباط وتوديع العزوبية كلما لاحت فرصة من قريب أو من بعيد، وعيد الحب قد يكون المناسبة الأبرز التي من الممكن رواية القصص فيها عن أرض الواقع.

لماذا شعر كائن السنجل أن الوحدة خيارا متاحا؟

لنعرف الإجابة على هذا السؤال، فسوف يتوجب علينا حكاية بعض القصص التي نُشاهدها في عيد الحب كما ذكرنا، باعتبارها الشاهد الأبرز على منطقية قرار الأعزب في البقاء وحيدًا.

البداية من مصر، التي تستقبل عيد الحب هذا العام وسط معارك ضارية اشتعلت بين الرجال والنساء بأسلحة متطورة تُدعى ”الهاشتاج“، إذ أطلق بعض الرجال هاشتاج #خليها_تعنس للتعبير عن غضبهم من ارتفاع تكاليف الزواج، التي وصلت إلى ما يقرب النصف مليون جنيه فقط لإتمام العُرس والوصول بأمان إلى شقة تمليك، ومن ثم أتى الرد سريعًا من النساء بهاشتاج #خليه_جنب_أمه من مُنطلق أن من لا يملك كُلفة الزواج فمن الأفضل له البقاء في بيت أهله دون الدخول في علاقات مُكلفة، بعبارة أخرى ”ماتبهدلش بنات الناس معاك.“

ودون الدخول في تفاصيل رفض لفظ العنوسة وما إلى ذلك، فإن كل هذا كان يحدث على مرأى ومسمع من الأعزب الذي يُشاهد عن قرب كيف تنتهي قصص الحب تحت غمد سيف المال، وحتى إن كانت الفتاة على قدر من التفاهم ففي مُعظم الأحوال سوف يخالفها أهلها الرأي، وكالمعتاد في مجتمعاتنا حينما يُخالف رأي الأهل رغبة ابنتهم فهذا يعني شيء واحدًا، لا وجود لرغبة الفتاة من الأساس.

أما عن قصص الحب الأخرى التي لم تصل إلى معرفة الأهل بعد، فقد ذكّرت صديقنا الأعزب بطقوس الأديان السرية في أوقات نشر الدعوة بالبدايات، فكل شيء بحساب، الرسالة التي بُعثت لا بد أن يتم محيها أو Burn after reading على طريقة براد بيت، وبالطبع كل مكالمة لا بد أن تكون في وقت مُحدد بحيث تشعر الفتاة بالأمان لعدم وجود الأهل في محيط غرفتها، أما الحديث عن الخروج برفقة بعضهم فهذا يحتاج إلى مزيد من التخطيط، اختيار المكان والتوقيت وحجة الغياب والحذر من المعارف وأصدقاء العمل ومن ثم سرقة بضع لحظات سريعة قبل إنهاء هذا الطقس السري الغاية في الخطورة.

وأخيرًا قصص الحب التي تعدت معرفة الأهل إلى الأقارب والأصدقاء والمجتمع برمته والتي يُطلق عليها «الزواج»، ففي عيد الحب خاصة سوف يكون الرجل على موعد مع اختبار الذاكرة المُتكرر في المناسبات الخاصة، النسيان ليس اختيار والتضحية بنصف راتبه من أجل هدية تليق بزوجته تمنع عنه شُبهة الخيانة مثلًا ليس رفاهية، بالإضافة إلى عديد العلاقات الفاشلة التي شاهدها كائن السنجل في قصص المحيطين به بحيث أصبح يرى في كل 10 قصص ما يقرب من 7 قصص فاشلة بين وداع وانفصال ومعارك محتدمة على أموال إجراءات الطلاق.

كيف اكتسب كائن السنجل القدرة على البقاء عازبًا؟

من الطبيعي الاستنتاج بأن تعرض الأعزب لتجارب فاشلة بجانب متابعته اليومية للقصص المذكورة سابقًا، أعطى له القدرة على التكيف وسط هذا المجتمع، بل أن عديد المرتبطين ينظرون إلى الأعزب باعتباره الكائن الذي نجا من فخ (سُنة الحياة) الذي قادوا أنفسهم إليه، خاصة وأن السبب الرئيسي للإسراع في اتخاذ قرار الارتباط هو الاحتياج الجنسي أكثر من أي سبب آخر، وهذا لا يعني بالطبع أنه لا يوجد حب أو تفاهم أو رغبة الحياة المشتركة بين طرفين، ولكن يبقى الجنس هو السبب الأهم في مجتمعات تُعاني من الكبت بقوة.

أما عن السنجل فقد دّرب نفسه على عدة أمور تجعل من شبح الارتباط عدوًا له حتى الآن على الأقل:

أولًا: تأمل حياته الحرة المُستقلة والتي يراها كثير من المرتبطين بمثل ما يرى مواطنو العرب مجتمعات الغرب، فلا قيود من العبودية تجاه جلب الأموال بأي طريقة لسد الاحتياجات المتعددة للمنزل، ولا إجبار على البقاء في مكان ما بسبب ارتباط الشريك بهذا المكان، وحتى في الأمور الصغيرة مثل اختلاف الأذواق، فلا تنازل عن مشاهدة الفيلم المُفضل والطعام المُفضل ونوع الموسيقى المُفضلة.

ثانيًا: على ذكر الأفلام والموسيقى، فكائن السنجل يتمتع بميزة حُرم منها جميع المرتبطين، إذ أنه يستطيع مشاهدة أي عمل فني بمشاعر البطل نفسه دون أي قيود، يُمكنه دائمًا تخيل نفسه يهاجر إلى بلد غريب يلتقي فيه بفتاة لا مثيل لها مثلًا، أو تخيل ترك العمل الحالي الروتيني الممل والمضي قدمًا في عمل جديد أكثر مغامرة، ونفس الأمر بالنسبة للموسيقى، فهو يستطيع تأمل نفسه يرتبط وينفصل ويَظلم ويقع الظُلم عليه كما تشاء كلمات الأغنية التي أعجبته، كل ذلك دون الحاجة لمقارنة ما يستمع إليه بحقيقه واقعه أبدًا.

الأضرار الجانبية في حياة العزوبية

لا شك أن حياة كائن السنجل ليست بكل تلك المثالية، فهو كما يتشارك مع المرتبطين في الرغبة الجنسية كذلك يُشاركهم رحلة البحث عن علاقة إنسانية يومية في تأمل ملامح شخص يحبه مع كل موعد استيقاظ وقبل النوم، ولكن بعد سنوات من العزوبية نجح كائن السنجل في تطوير آلية التخيل والتأمل لديه بشكل أكثر فاعلية، إذ أصبحت بضع ساعات أمام فيلم ما وإغماض عينيه لمدة كافية قبل النوم ليعيش فيها أي قصة حب يُريدها، كافية لإفراغ تلك الرغبات جميعها والعودة إلى رحلاته المُعتادة في مشاهدة مخاطر الارتباط عن بعد في قصص المحيطين به وكأنها عمل فني آخر.. وهكذا أتى موعيد عيد الحب مرة أخرى وهو يمر بسلام على صديقنا الأعزب في بلاد الفلانتين.

مقالات إعلانية