منذ أن تمكنت البشرية من التحليق في السماء، نشأ ما يسمى بعلم الآثار الجوي الذي كانت مهامه تتمحور حول مساعدة ودعم علماء الآثار على اكتشاف الكثير من المواقع الأثرية وحتى المدن التي كانت في السابق مجهولة، والتي كان من المستحيل العثور عليها أو رصدها من على مستوى الأرض.
اليوم؛ وبفضل التكنولوجيا المتطورة، أصبح علم الآثار الجوي أقرب إلى ما يكون علم آثار فضائي. حيث أنه من خلال تفحص الخرائط الدقيقة لسطح الأرض المأخوذة من الفضاء الخارجي يتمكن علماء الآثار والباحثون باستخدام الحواسيب المحمولة فقط من البحث في مساحات شاسعة عن مواطن الغرابة، التي قد توحي بدلائل عن التاريخ البشري الذي بقي مخفيا ومجهولا لقرون.
في مقالنا هذا على موقع دخلك بتعرف، قمنا بإعداد لائحة بأكثر الإكتشافات الأثرية روعة التي تم رصدها واكتشافها من الفضاء الخارجي:
1. اكتشاف 3100 مستوطنة، و1000 ضريح ضائع، و17 هرما في مناطق مختلفة من مصر:

”سارة باركاك“ هي عالمة آثار فضائية واختصاصية في الآثار المصرية التي؛ ومنذ سنة 2003، اكتشفت العديد من المواقع الأثرية في مصر، وقامت بكل ذلك عن طريق حاسوبها.
تتخصص باركاك في فحص الصور المأخوذة من الأقمار الصناعية من على بعد 643 كيلومتر فوق الأرض، حيث تقوم بمعالجة هذه الصور من أجل تسليط الضوء على أجزاء من الطيف المغناطيسي الذي لا تتمكن العين المجردة من رصده، مما يخولها من ملاحظة العديد من الأمور الشاذة والغريبة التي قد تدل على وجود مواقع أثرية تحت الأرض.
إنه عمل اختصاصي من الدرجة الأولى، فقد لا تعني النقاط الصغيرة على الخرائط أي شيء بالنسبة لغير المختصين، إلا أنها بالنسبة لباركاك توفر أدلة في غاية الأهمية مثل تلك التي قادتها إلى إكتشاف المواقع المحتملة لسبعة عشر هرما مصريا، و3100 مستوطنة، وألف ضريح ضائع على مد مصر.
كما قامت كذلك باركاك بإستعمال أجهزة الإستشعار عن بعد للتعرف على موقع المدينة الأثرية الضائعة ”تانيس“، التي ذاع صيتها عندما تم قرنها بالعمل السينمائي ”Raiders of The Lost Ark“، حيث كانت شبكة شوارع ومنازل مدينة تانيس مستحيلة رؤيتها من على مستوى سطح الأرض، إلا أن باركاك تمكنت من كشف النقاب عن هذه المستوطنة والمدينة القديمة واستعراض امتدادها الشاسع من خلال تحليلها للصور بالأشعة ما تحت الحمراء التي التقطت بواسطة الأقمار الصناعية.
قامت باركاك كذلك بإلقاء خطاب تيد TED مشهور حول علم الآثار الفضائي في سنة 2012، وفي سنة 2015 تم منحها جائزة المليون دولار الخاصة بمحادثات تيد، هذا المال الذي قامت باستغلاله لإنشاء قاعدة السكان العلمية ”GlobalXplorer“، التي تمنح كل شخص القابلية في تحليل الصور المأخوذة من الفضاء بغية اكتشاف المزيد من المواقع الأثرية الضائعة.
2. الأيام الأخيرة لحضارة المايا:

تعد منطقة ”بيتون“ الغابية في شمالي غواتيمالا موطنا لواحدة من أهم المواقع الأثرية لحضارة المايا في وسط قارة أمريكا، بما في ذلك ”تيكال“.
لطالما عمل علماء الآثار بالتعاون مع وكالة ناسا للفضاء باستعمالهم لأجهزة الإستشعار عن بعد من أجل فحص أدغال ”بيتون – Petén“ من الفضاء الخارجي على أمل العثور على مدن أثرية ضائعة تابعة لحضارة المايا، التي بلغت ذروة وأوج قوتها وازدهارها كما سيطرتها على المنطقة بين القرن السابع والقرن التاسع ميلادي، ثم انهارت بعد ذلك حوالي القرن العاشر ميلادي.
ومن أجل الحصول على فهم أكبر لما كان قد تسبب بهذا الإنهيار، قام أول عالم آثار يعمل مع وكالة ناسا ”طوم سيفير“ بتفحص الصور المأخوذة من القمر الصناعي التابع لذات وكالة الفضاء نفسها تحت برنامج عرف باسم ”سارفير – SERVIR“، والذي تم إطلاقه من مركز ”مارشال للطيران الفضائي“ في ”هانتسفيل“ بولاية ألاباما في سنة 2005.
قام سيفير بالإستعانة بالصور من أجل تطوير نظريته (التي يسانده فيها ”جاريد دايموند“ في كتابه ”الإنهيار“ على الرغم من أن معظم علماء الآثار المتخصصين في حضارة المايا يعارضونه فيها) القائلة بأن ما جعل حضارة المايا تنهار هو شعب المايا نفسه، وذلك من خلال تسببهم في كارثة بيئية.
أظهرت الصور أن شعب المايا كان يتبع طريقة في الزراعة تعرف بـ”القطع والحرق“ التي أدت فيما بعد إلى تقلص كبير وحاد في مساحة الغابات، كما أنهم قاموا باستنزاف وتجفيف الأراضي الرطبة المعروفة باسم ”باخوس“ مثلما تظهره الصور عن الرشح القديم، متسببين بذلك في جفاف كبير أدى بدوره إلى ارتفاع كبير في درجات الحرارة.
تتم الآن غالبا الإشارة إلى مصير المايا كمثال حي على ما قد يحدث نتيجة إزالة الغابات والتغير المناخي الذي يواجه خطره كوكبنا اليوم أكثر من ذي قبل.
3. متى وأين تم نقل تماثيل المواي على جزيرة ”إيستر“:

لطالما أسرت التماثيل الشامخة على جزيرة إيستر علماء الآثار منذ اكتشافها أول مرة من طرف مستكشف هولندي سنة 1722، إلا أن الغموض الحقيقي يكمن في الطريقة التي تمكن بها شعب الـ”رابا نوي“ من نقل هذه التماثيل العملاقة من مقالع الحجارة التي تم فيها نحتها إلى مواقع مختلفة من الجزيرة، دون الإستعانة بالحيوانات كبيرة الحجم على غرار الفيلة أو الجمال أو الأحصنة، أو الرافعات.
في سنة 2012، إستعان كل من ”كارل ليبو“ في جامعة كاليفورنيا الحكومية، و”تييري هانت“ في جامعة هاواي بصور الأقمار الصناعية لتعقب المسارات القديمة التي من خلالها تم نقل هذه التماثيل من مقالع الحجارة إلى نقاط مختلفة حول الجزيرة، الأمر الذي أفضى إلى تحديد سبع طرق رئيسية.
أدى اكتشاف هذه الطرق بكل من ليبو وهانت إلى اقتراح أن هذه التماثيل قد تم نقلها من خلال ”تمشيتها“ إلى وجهاتها، وذلك بإستعمال حبال قوية من أجل إمالتها ثم إعادة إنصابها في حركة تدحرجية.
لاختبار صحة نظريتهما، قام ”مجلس البعثات“ التابع لشركة ناشيونال جيوغرافيك بتمويل هذه التجربة التي تم فيها إنشاء نسخة عن تماثيل المواي يبلغ طولها ثلاثة أمتار، ووزنها خمسة أطنان، وباستعمال حبال قوية، تمكن ثمانية عشر شخصا من نقل هذا التمثال الضخم على مسافة تسعين مترا.
4. مدينة إرم الضائعة ”أوبار“:
منذ خمسة ألاف سنة مضت، شكلت مدينة كبيرة في وسط صحراء عمان مركزا لتجارة البخور عرفت بإسم ”إرم“ أو ”أوبار“.
ورد ذكر هذه المدينة الأسطورية في كل من القرآن وقصص ألف ليلة وليلة، إلا أنه لم يتم العثور على أي دليل على وجود هذه المدينة التي يشاع أنها كانت عظيمة في يوم من الأيام.
كان المستكشف ”ت. إ. لاورنس“ يشير إليها باسم ”أطلانطيس الرمال“، كما أن العديد من المؤرخين كانوا قد بدؤوا يشكون في وجودها أساسا.
كان الغموض الذي اكتنف هذه المدينة الضائعة مغريا بما فيه الكفاية ليحظى باهتمام وكالة ناسا، التي وافقت على إجراء مسح للمنطقة بواسطة أجهزة الرادار الفضائية خاصتها، وذلك بعد أن قام صانع الأفلام والمستكشف ”نيكولاس كلاب“ بالتقدم بطلب إليها بذلك.
وفرت البعثة الفضائية ”تشالنجر“ في سنة 1984 فرصة ذهبية لإجراء مسح لصحراء عمان من الفضاء الخارجي، بحثا عن معالم أثرية مخفية تحت كثبان الرمال.
وكشفت الصور المتحصل عليها عن طرق تعود لقوافل تجارية قديمة، التي قد تكون تشكلت على مر مئات السنوات من مرور قوافل الجمال عليها أثناء تنقلها بين المحاور التجارية، كما كانت تقاطعات هذه الطرق تمثل مواقع محتملة لهذه المدينة الضائعة.
باستعمال هذه المعلومات، بدأ علماء الآثار في التنقيب في مواقع واعدة مختلفة، وفي سنة 1991، كشف ”كلاب“ وفريقه من الباحثين النقاب عن حصن يحتوي على العديد من الأبراج (مثلما تم وصفه في القرآن)، والذي يعتقد أن يكون قد مثل سابقا قصر الملك وقلعته المنيعة، ومركز تخزين البخور.
قاد هذا الإكتشاف فريق البحث إلى الإعتقاد بأنهم قاموا أخيرا بإزالة الغموض عن المدينة الضائعة لـ”أوبار“. كما تشير أدلة من الموقع الأثري إلى أن دمار المدينة كان سببه تشكل بالوعة رملية كبيرة تحتها، الأمر الذي قد يكون أخل بأساساتها مما جعل الناس يهجرونها.