in

إليك أكثر الدروع المهيبة التي صنعها الإنسان عبر التاريخ

لكي تحقق النصر عليك أولاً البحث عن وسيلة للنجاة، وفي سبيل ذلك أمضى القدماء الكثير من الوقت والجهد لابتكار وسائل الحماية، بعض مما ابتكروه كان بغاية العظمة، فهل سبق لك ورأيت خوذة مصنوعة من الهياكل العظمية للأسماك أو خوذة مصنوعة من قفص العصافير! أو ماذا عن درع (بروستر) الغريب الذي يعود للقرن العشرين!

على مر القرون تطورت الدروع من مجرد ألبسة يرتديها الجنود إلى عنصر أساسي يحمي مشاة الجيش، وظلت تتطور حتى وصلت الى حد صارت عنده مدعاة للمفاخرة والتباهي بين القادة عند استعراضها، بغرض كسب الحروب في ميادين القتال والسياسة على حد سواء.

ولربما تظن أننا نبالغ في اعتقادنا بأن مجموعة من الدروع تنطوي على هذا الوقع الكبير، لذلك سنستعرض في هذا المقال عدة أمثلة لدروع وخوذ غريبة ومدهشة صنعت في القرون السابقة والسبب وراء وجودها:

خوذة رأس الأسد

خوذة السير جيلز كابيل Foot-Combat Helm of Sir Giles Capel. صورة: metmuseum
خوذة السير جيلز كابيل Foot-Combat Helm of Sir Giles Capel. صورة: metmuseum

هذه التحفة المعدنية المذهلة هي أقدم مثال متبق لدروع عصر النهضة المصنوعة على الطراز القديم، وقد صُنع حوالي عام 1475 من النحاس المذهب أما العيون فقد أعدت من الزجاج لتبدو أكثر حيوية وتتسع الخوذة لخوذة فولاذية أخرى ترتدى أسفلها.

تجسد هذه التحفة رأس لأسد النيمى الشهير الذي قُتِل على يد هرقل البطل الأسطوري، نصف الإله في الأساطير اليونانية القديمة، حيث ارتدى فرو هذا النمر بعد أن صرعه. وغالبًا ما كان يصور هرقل في فن عصر النهضة كرمز للقوة والشجاعة والمثابرة.

1. خوذة الأسماك

خوذة الأسماك.
صورة: hakaimagazine

كانت الحروب واحدة من أهم الفترات التاريخية بالنسبة لسكان جزر المحيط الهادئ، ففي وقت لم يكن المعدن قد اكتُشف بعد، استخدم سكان هذه الجزر كل ما كان في متناولهم لصنع الأسلحة والدروع كالعظام والخشب وما إلى ذلك.

صمم سكان أرخبيل (كيريباتي) خوذة مستخدمين جلد السمكة المنتفخة، لم يكن تصميمها أمراً سهلاً بسبب المظهر المضحك والغريب لهذا النوع من الأسماك، ناهيك عن أشواكها الحادة التي تسبب ألماً لكل من يحاول الإمساك بها. هذا لم يمنع محاربي (كيريباتي) من اصطياد هذه الأسماك لصنع الخوذ.

كانت هذه الأسماك تنتفخ ما إن شعرت بتهديد قريب منها، لذلك كانوا يدفنون الأسماك التي يتم اصطيادها في الرمال لعدة أيام إلى أن يجف جسمها وتتحول إلى كرة شائكة مجوفة. بعد ذلك، يقوم المحارب بسحب جلد السمكة المنتفخة ويغطي به قشرة جوز الهند وبهذه الطريقة يكون قد صنع خوذة متينة.

ربما أنت تفكر الآن أن جوز الهند لا يوفر الحماية التي يوفرها المعدن، ولكنها أثبتت فعاليتها في حمايتهم من أسنان أسماك القرش، إلا أنها لم توفر الحماية من الأعداء الذين يستخدمون الفأس الحجري كسلاح لهم، ولكنها بالطبع أفضل من لا شيء.

خوذة السير جيلز كابيل

خوذة السير جيلز كابيل Foot-Combat Helm of Sir Giles Capel. صورة: metmuseum
خوذة السير جيلز كابيل Foot-Combat Helm of Sir Giles Capel. صورة: metmuseum

يمكن القول بأن خوذة السير (جيلز كابيل) كانت الأمثل بين نظيراتها للنجاة خلال المعارك في الفترة حوالي عام 1510، (كابيل) بصفته واحداً من حاشية الملك هنري الثامن، كان خصما مشهورًا للمتنافسين في البطولة بين إنجلترا وفرنسا في 1520 فيما يعرف بمنافسات ”ميدان قماشة الذهب“، وقد سمح له هذا التصميم بالاشتراك في منافسات متعددة، كمبارزة السيوف أو مبارزة الرماح على الخيل، وضمن له تصميم الخوذة مجالاً واضحاً للرؤية بينما كانت عيناه محميتين.

كان النتوء المحوري الطفيف في منتصف الخوذة جزءًا من التصميم يساعد على تفادي ضربات الخصوم، كما تضفي الخوذة على الفارس مظهراً رائعاً، حتى أن البعض يجادل بتأثيرها على تصاميم أقنعة رياضة المبارزة الحديثة.

الخيول مدرعة الرأس Shaffrons

صورة: metmuseum

بالعودة إلى القرن الخامس عشر، كانت من السيئ أن يُحمل الفرسان على ظهور أهداف كبيرة غير محمية كالخيول العزلاء، وهكذا جنبا إلى جنب مع الدرع الكامل (باردينج) تم تزويد الخيول بدروع الرأس Shaffrons، حيث قدمت لرؤوسهم حماية أكبر.

مثل ذاك التصميم المصنوع من أجل الدوق (نيكولاس) عام 1515، وتضمن حماية للعين مصممة بدقة بحيث يتمكن الحصان من الرؤية وتبقى عيناه بمأمن من حراب العدو.

هنالك تصاميم أخرى تعود لفترة عصر النهضة الفرنسية صممت كدروع عرض ملكية. وهناك تحفة معدنية مذهلة تعود إلى الملك هنري الثاني من فرنسا، جعل هذا التصميم حصانه يبدو مثل تنين شرس بأسلوب بطولي.

خوذة حصان الملك هنري الثامن. صورة: Wikimedia Commons
خوذة حصان الملك هنري الثامن. صورة: Wikimedia Commons

2. درع الجسم الذي صممه شعب الكيريباتي

درع الجسم الذي صممه شعب الكيريباتي
صورة: khanacademy

كان هذا النوع من الدروع يصنع من قطع الجلد السميكة وخياطتها بشعر بشري، كان يُستخدم لحماية المناطق الأكثر عرضة للإصابة في الجسم والتي يمكن أن تكون الإصابة فيها قاتلة، كمنطقة الصدر والمعدة والفخذ العلوي، ولكن لماذا الشعر البشري؟ يُعتبر شعر الإنسان أكثر متانة ومرونة من الألياف النباتية.

أما منطقة الأرجل والأذرع فكانت تتم حمايتها عبر صنع سترات من ألياف جوز الهند، والتي توفر حماية كبيرة من الأسلحة الحادة، قد يبدو الأمر غريباً ويصعب تصديقه، ولكن قبل أن تحكم حاول نسج بعض ألياف جوز الهند في جديلة ثم حاول قطعها بالسكين وستلاحظ مدى متانتها.

3. درع بروستر

درع برويستر
صورة: pinterest

في أوائل القرن العشرين، أدرك مصمم الأسلحة الأمريكي الدكتور (غاي أوتيس بروستر) أن الجنود بحاجة إلى شيء ما لحمايتهم من الرصاص والشظايا، ومن هنا ظهرت تلك السترة المدرعة التي تغطي منطقة المعدة والفخذ، بالإضافة لخوذة ضخمة توفر حماية للرأس والرقبة.

غير أن اختراق هذه الخوذة الفولاذية كان ممكنًا بسهولة برصاص البندقية، وبالتالي لم تكن جيدة بما يكفي بالنسبة لـ(بروستر)، لذلك صمم درعًا جديدًا بإمكانه تحمل رصاصة بندقية عيار 3 بوصة ووزن 0,35 أوقية وبسرعة 1888 ميل في الساعة.

كان لتصميم درع بوستر الحديث العديد من المزايا، ولكن بالوقت ذاته كانت تُثقله العيوب، أولاً كان يزن حوالي 40 رطلًا وهو وزن ثقيل بالنسبة للجندي، لكونه سيحمل أيضاً ذخيرته وغيرها من المعدات. ثانياً كان يُعيق حركة الجندي وخاصةً عند الانحناء أو تحريك الذراعين، كما كانت الخوذة تحجب الرؤية كما ولو أنك تنظر من خلال ثقب مفتاح.

تخيل أن يتعثر الجندي على الخطوط الأمامية من ساحة المعركة لأنه لا يستطيع الرؤية! بالطبع هذه ليست أفضل طريقة لتحقيق النصر.

4. خوذة قفص العصفور:

خوذة قفص العصفور
صورة: metmuseum

من يصدق أنه كان هناك من يرتدي خوذ مصنوعة من أقفاص العصافير! بالطبع لن تصدق، ولكن كان هناك الكثير ممن وضعوا هذه الخوذ من الفرسان وصولاً للإمبراطور، وكان يُطلق عليها اسم خوذة Kolben. لم تكن هذه الخوذة مصممة للاستخدام في المعارك الحقيقية، ولكنها كانت تُستخدم في بطولات المبارزة، حيث كان يتعارك المتبارزون بالعصي الخشبية بدلاً من الأسلحة المعدنية، وكانت هناك قواعد خاصة للفوز بهذه البطولة، حيث كان على المشارك إسقاط الخوذة من على رأس خصمه.

في البطولات الأولى، كان المتنافسون يرتدون خوذات مسطحة بتماثيل غريبة وظريفة مثبتة على القسم العلوي من الخوذة كالأسود والنمور والأعلام والقرون وغيرها، حتى أن أحدهم صمم خوذته على شكل رأس البجعة. لم يكن الهدف من هذه البطولات إلحاق الأذى بالخصم، ولكن بين الحين والآخر كان يوجه أحدهم ضربة قوية على رأس الخصم تجعله يصاب بارتجاج، أي أنها لم تكن تجربة ممتعة جداً، ولذلك استبدلوا هذه الخوذ المسطحة بخوذ مصنوعة من أقفاص العصافير التي تمتص الضربة بشكل أكبر دون أن تؤثر على عظام الجمجمة.

كانت خوذة Kolben ضخمة للغاية لدرجة أنها كانت تتسع لقبضة اليد بين رأس الفارس والسطح الداخلي للخوذة، كما أنها كانت توفر رؤية أفضل من الخوذة العادية، وهي ميزة يمكن الاستفادة منها في ساحات المعركة الحقيقية.

غير أن خوذة Kolben لم تكن تنفع أثناء الحروب، أولاً بسبب ثقل وزنها، وثانيا لأنها كانت ضخمة وبالتالي لم توفر الحماية ضد طعنات السهام والرماح والخناجر التي بإمكانها اختراق شبكة الخوذة بسهولة.

خوذة الأتراك العثمانيين

خوذة الأتراك العثمانيين Turban Helmet of the Ottoman Turks. صورة: metmuseum
خوذة الأتراك العثمانيين Turban Helmet of the Ottoman Turks. صورة: metmuseum

شاعت هذه الخوذة في عصر الإمبراطورية العثمانية وتعرف بالعمامة، تم تصميمها للمحاربين الذين كانوا يرتدون غطاء الرأس الديني.

تتناسب تصميمات الخوذ الأوروبية بغرض حماية الرأس من الضرب على الجوانب، ولكن تم تصميم هذه الخوذات في القرن الرابع عشر تقريبًا لتتلائم مع المتطلبات الدينية للجنود العثمانيين وتوفر الحماية أثناء المعركة، عادةً ما كان الشكل المخروطي المميز مذهبًا بنقوش قرآنية بأسلوب الأرابيسك، وكانت هذه خطوة ذكية بالنظر إلى أن الإمبراطورية العثمانية قاتلت في العديد من الحروب ذات الطابع الديني.

درع موكب الملك الفرنسي هنري الثاني

صورة: metmuseum

خلال القرن السادس عشر، كانت أقنعة الوجه منتشرة بشكل كبير في الشرق وفي بيزنطة وكييف، ثم انتشرت في أوروبا وأُعجب الفرسان بها وبدأوا بطلب الخوذات ذات التصاميم الغريبة والدروع الواقية، ومن هنا جاءت دروع الهياكل الحديدية التي تشبه في تصاميمها الملابس العادية.

لم يتم استخدام الدروع في المعارك، بل في حروب السياسة أيضًا. كان لدى الملك هنري الثاني الذي حكم فرنسا في منتصف القرن الخامس عشر العديد من المجموعات الرائعة من الدروع الاستعراضية، كان أروعها ذلك الذي صممه (إيبونين دي ليون)، ذلك النحات الماهر الذي زخرف كل شبر من الدرع الحديدي المعشق بالفضة بتفاصيل ذهبية معقدة كل منها يروي قصة فريدة.

تبرز الأشكال على صدر الدرع وظهره بعض إنجازات هنري الثاني العسكرية، إلى جانب العديد من الزخارف الأخرى الرائعة.

كانت هذه التصاميم الباذخة للدروع والتي عمل عليها العديد من أفضل نقاشي البلاد بغرض الاستعراض ولم تصمم لخوض أي نوع من المعارك، ونادراً ما كان يتم ارتداؤها في البطولات نظراً لثمنها الباهظ، وخاصةً أنه قديماً كان يحق للفائز في المبارزة أخذ درع الخصم، لذلك لم يكن الفرسان مستعدين لارتداء دروعهم الثمينة في المبارزات وخسارتها.

درع الفيل

درع الفيلة
صورة: Wikimedia Commons

لم تكن الخيول الحيوانات الوحيدة التي حصلت على دروع للمعركة، فقد تم استخدام الفيلة للحرب في الهند لما يقرب من ألف عام، وأعطيت أفيال الحرب في القرن السادس عشر أغطية عملاقة وأغطية سلاسل لحماية أجزاء الجسم الحيوية، ويقدر بأن مجموعات الدروع هذه تتكون من أكثر من ثمانية آلاف قطعة تزن جميعها حوالي 159 كلغ.

وفقاً لموسوعة غينيس للأرقام القياسية فإن هذا الدرع هو أثقل درع في العالم. صُمم هذا الدرع في القرن السادس عشر والسابع عشر، وكان باهظ الثمن. من الواضح أن البشر قديماً كانوا يهتمون بسلامة حيواناتهم.

يدخل في تصميم هذا الدرع السلاسل البسيطة والألواح الفولاذية المزخرفة والمتشابكة معاً بأسلاك، ويتميز بخفة وزنه –بالنسبة للفيل– وتوفير حماية عالية للفيل. كما اُستخدم درع Chainmail، الذي هو عبارة عن حلقات معدنية صغيرة متصلة ببعضها البعض على شكل شبكة، لحماية منطقة الصدر والظهر.

سهّل درع Chainmail حركة الفيل بين الأرجل، كما أشار بعض الباحثين إلى أنه كان يتم قطع أجزاء من أنياب الفيلة وتثبيت سيوف فولاذية مكانها نجا منها أربعة أزواج معروفة اليوم، أي أن هذه الفيلة المدرعة كانت تخوض حروباً وتدمر كل من يقترب منها، مثلها مثل الدبابات الحديثة.

وتكمن نقطة قوة الفيلة المدرعة في المعارك أنها وإن لم تتمكن من تمزيق العدو فإن ركلة واحدة من أقدامها ستكون كافية. إلى جانب أن العديد من الأعداء ممن لم يروا فيلاً في حياتهم، كانوا يرتعدون بمجرد مشاهدته في أرض المعركة.

خوذ غيدوبالدو الثاني

صورة: metmuseum
صورة: metmuseum

مثل الكثير من الملابس في بعض الأحيان التي تكتسب أهميتها ممن ترتديها، كان (فيليبو نيغرولي) أشهر فناني عصر النهضة في مجال الدروع الاحتفالية، إذ صنع العديد من أشهر خوذ (البورجوينتس) في العالم من القرن الخامس عشر.

(البورجوينتس) هي قبعات فولاذية خفيفة تستخدم في القرون الوسطى المتأخرة، يتضمن بعضها قطعة للرقبة مجهزة بحيث يمكن تدوير الرأس دون كشف الرقبة.

خوذة وحش الغريفين.
خوذة وحش الغريفين. صورة: metmuseum

من أمثلة هذا النوع من الخوذ نجد: خوذة (الغريفين) المصممة لتبدو مثل الرأس المعقد للوحش الأسطوري الغريفين (من أسمائه الأخرى الفَتْخَاء أو الشيردال).

وهناك أيضًا خوذة (جيدو بالدو) دوق (أوربينو الثاني)، التي هي خوذة تظهر تفاصيل أنياب ذئب يزمجر في الوسط، بينما يتصعدها تنين في الأعلى وأجنحة على الجانبين.

خوذة (جيدو بالدو) دوق (أوربينو الثاني)
خوذة (جيدو بالدو) دوق (أوربينو الثاني).

قدم (نيغرولي) وعائلته هذه الأعمال الرائعة لرعاة مثل الإمبراطور (تشارلز الخامس) وأعضاء آخرين في البلاط الفرنسي في القرن الخامس عشر، وأنشأوا شكلًا فنياً لا يزال يثير الإعجاب حتى يومنا هذا.

خوذ غيدوبالدو الثاني
خوذ غيدوبالدو الثاني.

درع الملك فرديناند الثاني من النمسا

درع الملك فرديناند الثاني من النمسا.

لقد كان الملك فرديناند الثاني مهووساً بكل ما يتعلق بالدروع القديمة، وفد تحصّل على تحفة فنية صنعت بواسطة (لوسيو بيتشينينو) في القرن الخامس عشر أهداها إياه (أليساندرو فارنيس) دوق (بارما وبياتشنزا) لمعرفته أن الإمبراطور كان جامعًا متعطشًا للتحف الفنية. أعانت هذه التحفة الدوق من كسب رضى الإمبراطور الذي ارتدى هذا الدرع في المواكب والاحتفالات ذات الأهمية السياسية الكبيرة.

كل رقعة من الدرع تم تصميما لتعرض مشهدا مشهورا مستلهماً من التاريخ، كالنقوش المذهبة على جانبي الدرع التي تمثل الآلهة (آرتيميس) و(إيفسيس)، بالإضافة الى زخرفة أخرى تظهر الإسكندر الأكبر يستلم مفاتيح بابل، هذه المجموعة المطلية بالفضة والمذهبة بأجود أنواع الذهب كانت أيضاً مبطنة بالجلد والمخمل الأحمر.

خوذة (برانكهام)

صورة: Wikimedia Commons

كانت الخوذ الأوروبية في القرن 12 تنطوي على عيب رئيسي واحد: فالمفارقة أنه هذه الخوذ لم تكن تحمي الرأس حقاً ولكن بحلول منتصف القرن الثالث عشر تم تحسين هذه الخوذة من خلال إضافة لوحة معدنية معززة قبل الربط، لكنها أثرت سلباً على مجال الرؤية لصالح الحماية الكاملة للوجه.

لسوء الحظ، فإن الوزن الهائل لكل هذا المعدن الإضافي جعل هذه الخوذات غير مناسبة للمعركة، ولذلك فقد استخدمت بشكل حصري تقريبًا في المنافسات.

خلال هذه المنافسات، كان الفرسان يصارعون بعضهم البعض ويحرزون النصر بعد التمكن من إحراز ضربة مباشرة للمجسم المزخرف على رؤوس خصومهم.

قفازات ماكسيميليان الأول

قفازات حديدية
صورة: metmuseum

قديماً كان يمكن استخدام الدروع بوصفهاً دعاية، ذلك في المكان والزمان المناسبين. يبدو هذان القفازان كما لو أنهما خرجا من فيلم سيد الخواتم، وتعود ملكيتهما إلى الإمبراطور الروماني ماكسيميليان، وهو واحد من أقوى الحكام في أوروبا في القرن الخامس عشر.

كانت مجرد النظر إلى هذه القفازات كفيلًا ببث الخوف في النفوس، وهذا بالضبط ما صنعت لأجله، حيث فضلها الإمبراطور على الرغم من امتلاكه لأعداد هائلة من الدروع الفاخرة.

عرف ماكسيميليان ببراعته العسكرية، ولكن ما يهمنا هنا هي المشاهد العامة التي أنشأها ليظهر من خلاها كإمبراطور محارب فظهوره المدرع على الدوام جعل منه أسطورة.

إن الطبيعة العدوانية والأنيقة لهذه الأنواع من الدروع كانت ستجعلها غير قابلة للاستخدام تقريبًا، إلا أنها أدت عملها على أكمل وجه في جعل الإمبراطور يبدو للعامة كرجل قوي.

خوذة بروكاس

صورة: Royal Armouries

حتى القرن الرابع عشر، كانت الخوذات التي شوهدت في ساحات القتال هي نفسها المستخدمة في المبارزة، كان التصميم جيدًا للرؤية، لكن الضربات الوحشية على الرأس يمكن أن تكون قاتلة، حيث لم يتم تصميمها لتحمل الصدامات العنيفة.

لذلك تم إجراء تغييرات على التصاميم التقليدية وصنع خوذات مبارزة كتلك التي كانت مستعملة خلال مبارزات السلام الألمانية، والتي تعرف بمنافسات عنق الإوزة Gooseneck.

تشبه فتحة الخوذة فم الضفدع، ولها حافة سفلية بارزة لحيّز الرؤية ترتفع للأمام وللأعلى لإبعاد ضربات الخصوم عن عيون الفارس. في ذلك الوقت كانت هذه الخوذة أحدث صيحات الموضة إلا أنها كان تزن أكثر من 10 كيلوغرامات أيضًا، مما سيكون له حرفياً نفس أثر القتال في معركة مع وجود ثلاثة أحجار من طوب كبير على رأسك.

6. دروع الحرب العالمية الأولى:

درع من الحرب العالمية الأولى.

غيرت الحرب العالمية الأولى مبادئ الحروب بشكل كبير، فلم تعد خطط محاصرة العدو وإبادته بوابل من الرصاص أمراً ممكناً، وخاصةً بعد ابتكار خطط حقول الألغام والأسلاك الشائكة ووضع القناصين في نقاط استراتيجية، أي أن اختراق دفاعات العدو أصبح أمراً شبه مستحيل، ولم يرغب أي طرف إهدار أرواح الجنود سُدى، لذلك اقتصرت الحروب على جلوس الأطراف المتحاربة في مواقع محصنة ومراقبة بعضها البعض، إلى أن جاء اليوم وولدت فكرة الدروع.

بدأ قادة الجيوش باختيار أفضل الجنود لديهم وتدريبهم على الاقتحام، ومن هنا ظهرت فرق القوات الخاصة المدربة والمسلحة والتي تقتصر مهمتها على اختراق خطوط الدفاع لدى العدو والتخلص من الألغام والأسلاك الشائكة، وتم تجهيز هؤلاء الجنود بدروع تشبه تصاميم دروع العصور الوسطى ولكن مع بعض الإضافات الخاصة، فمثلاً كانت الخوذة التي ابتكرها الجنرال (أوغست أدريان) تبدو كقبعة المرأة، حيث كانت كبيرة الحجم ولكنها أثبتت فعاليتها في حماية الجندي من الشظايا، كما كانت مزودة بنظارات لحماية الأعين.

خوذة بقرون للملك هنري الثامن

كان الإمبراطور ماكسيميليان الأول، إمبراطور المكسيك، مولعاً بالدروع حيث قدم هذه الخوذة الرائعة ذات القرون كهدية للملك الإنكليزي (هنري الثامن) بالإضافة لمجموعة كاملة من الدروع، ولكن لم يبق منها سوى هذه الخوذة. صورة: Royal Armouries

اشتهر هنري الثامن بقطع رأس زوجاته، وليس هناك هدية أفضل من خوذة بقرون غريبة لرجل يفتقد الرؤوس النبيلة في حياته. أهديت للملك هنري الثامن من قبل الإمبراطور ماكسيميليان الأول الرجل الذي غزا البلاطات والسياسة بقفازيه.

تم تصميم خوذة القرون هذه بواسطة (كونراد سوسنهوفز) كواحدة من أبرز الدروع في أوروبا، إذ أن مستوى التفاصيل المشغولة على الخوذة مذهل تماماً، من تلك الخطوط الموجودة حول العيون المصنوعة من الفضة وصولاً إلى التفاصيل على الفك.

تتميز الخوذة بدقة تصميم عالية، حيث يمكنك رؤية شعر الذقن والحاجبين والنظارات المُثبتة على الأنف، أما القرون فهي للزينة فقط.

اعتقد الباحثون في السابق أن هذه الهدية تصور رجلاً أحمقاً، إذ يمكنك رؤية أنف كبير مضحك في الوسط ونظارات مع قرون حلزونية كبيرة الحجم، ما قد يجعلك تتساءل عما إذا كانت هذه هدية ذات وجهين.

دروع محاربي الجاغوار

دروع محاربي الجاغوار.
صورة: BE AMAZED

بالتأكيد كان نقش صور تفصيلية لحيوانات أسطورية على الدرع الحربية للفرسان الأوروبية مهيبًا، لكنه لم يكن أكثر هيبة وإثارة للخوف من قادة جيوش المايا الذين ذهبوا إلى الحرب وهم يرتدون جلود تلك الحيوانات المخيفة ذاتها. غالبًا ما يُفترض أن محاربي الجاغوار الأسطوريين الذين ينتمون إلى حضارة الأزتيك قد ارتدوا جلود الجاغوار والفهود في المعركة.

لكن الصور التوضيحية من المخطوطة التاريخية المعروفة باسم (ميندوزا) –وهي عبارة عن مخطوطة تتحدث عن تفاصيل مجتمع الأزتك خطت حوالي عام 1541– أشارت إلى أن محاربي الجاغوار فضلوا ارتداء تاج على الرأس كان مبطناً وتعلوه حزم ملونة من ريش الطيور.

سمح لهم هذا بارتداء العديد من الأنماط والألوان في ساحة المعركة، حيث ترتبط هذه الألوان بترتيب المحاربين ومهاراتهم القتالية.

أشار الراهب الإسباني (دييجو دي لاندا) في وقت الغزو الإسباني لحضارة المايا في القرن السادس عشر تقريبًا إلى أن اللوردات ذهبوا إلى الحرب وهم يلبسون جلود النمور والأسود والجاغوار، وبصرف النظر عن تلك الأحزمة نفسها، كان يعتقد أن ارتداء الملابس والأحزمة الملونة سيعطيهم قوة الحيوان ذاته أثناء المعركة، وهو ما يفسر استراتيجيات المعارك الشرسة عند حضارتي الأزتيك والمايا.

درع الساموراي

درع الساموراي

في اليابان الإقطاعية، كانت حياة الساموراي تعني استمرار الحركة، ما يعني أن الدروع الثقيلة كانت لتشكل عبئا وبالتالي فإن تصميم درع (تاتامي غاسوكو) العبقري، الذي يعني بالعربية ”الدرع الذي يُطوى“، أصبح معيارا بين جميع محاربي الساموراي، وقد استفاد الإنكليز من هذا الصميم أيضًا.

كان مرتدي هذا الدرع قادرًا على إزالته بسهولة ونقله في صندوق خشبي صغير عند الضرورة، وغالبًا ما كان هذا الدرع مقترنًا بخوذة (الكابوتو) التي لعبت دورًا رمزيًا أيضًا.

خوذة الكابوتو.
خوذة الكابوتو.

تم صنع خوذة (الكابوتو) هذه من القرن السابع عشر على شكل صدفة من عجينة ورق وغراء مثبتة على قاعدة حديدية، وعلى الرغم من كونها عديمة الفائدة إلى حد ما في المعركة، إلا أنها تُظهر حالة من الهيبة عند ارتدائها.

تسمى مكونات درع الوجه (مينجو) أو (مينيوري)، حيث يتم تثبيتها أحيانًا على خوذة (الكابوتو) مما يعطي للمحارب مظهرًا مرعبًا أمام العدو.

فبهذا المظهر المرعب، لا عجب أن جماعة الساموراي قد حكمت اليابان لحوالي سبعمائة عام.

الفرسان المجنحون البولنديون

درع الفرسان البولنديين المجنّح.
صورة: Wikimedia Commons

يعد درع الفارس المجنح البولندي واحدًا من أكثر الأمثلة المبتذلة لتصميم الدروع في التاريخ، حيث كان ”ملائكة الموت“ هؤلاء يخرجون إلى المعركة مع إطارات خشبية عملاقة مثبتة على الأجزاء السفلية من دروعهم التي تزين بريش النعام أو النسور أو الإوز.

تشبه هذه الدروع الأجنحة فيبدو الفرسان الذين يرتدونها لأعدائهم وكأنهم جيوش السماء، التي انفتحت واندفع منها الآلاف منهم باتجاههم.

تختلف النظريات حول تصميمها لكن الأكثر شيوعًا هو أن هذه الدروع كانت تصدر قدرًا هائل من الضجيج بغرض إخافة خيول العدو، وكذا لتعطي انطباعاً بأن أعداد الجيوش أكبر بكثير مما هي عليه، ولربما كان تكتيكًا حربياً مبدعًا في وقته.

مقالات إعلانية