in

رحلة داخل مركبة سفينة النجوم Starship العملاقة

يُعد (إيلون ماسك) الحالم الأكبر في عالمنا اليوم، بأفكاره المجنونة التي كانت، حتى وقت قريب، تعتبر مستحيلة التحقيق. بعيداً عن عمله المعتاد خلال اليوم، فقد هيأ (ماسك) البشرية للسيارات الكهربائية، وهو يسعى حاليا لأخذ الحضارة البشرية إلى المريخ، ويريد تحقيق ذلك في أقرب فرصة ممكنة.

في سعيه المحموم لتحقيق غايته بوضع البشر على المريخ، طوّر (ماسك) مركبة فضائية للتنقل بين الكواكب تعرف باسم «ستارشيب»، مطلقا عديد من النماذج الأولية بمعدل عالي جداً. لكن كيف تعمل هذه المركبات كلها؟ وماذا يوجد بداخل هذا الهيكل المعدني المدور الهائل، والذي يستمر بالتحطم في كل مرة؟ في المقال التالي سنلقي نظرة سريعة على مركبة «ستارشيب».

خلال مقابلة حديثة مع (إيلون ماسك)، استضافه بها (جو روغان)، كشف (ماسك) قليلاً عن الأفكار التي كانت خلف عملية بناء الصاروخ الفضائي الخاص به. (ماسك) أخبر (روغان) أنه أُلهم من لممثل الشهير (ساشا كوهين) وفيلمه الكوميدي الساخر «الديكتاتور»، والذي يحكي قصة قائد مجنون، في دولة خيالية، يأمر مهندسيه فيها ببناء صاروخ مدبب، في محاولة لدب الرعب في قلوب أعداءه. يقول (ماسك) حول هذا: ”وهكذا كان الأمر، لقد أخبرت فريق المهندسين في «سبيس إكس» أنه يجب على المركبة أن تكون مدببة أكثر.“

مشهد من فيلم «الديكتاتور»، صورة: Youtube

بعد ذلك وجّه (روغان) سؤالا إلى (إيلون)، فيما إذا كان الرأس المدبب فعلاً أكثر فائدة للصاروخ من الناحية الأيروديناميكية من الرأس غير المدبب، فكان رد (ماسك) أن التصميم الجديد “أسوء” من التصميم القديم لكن، على الرغم من هذا، فقد ظن الجميع أنه من الممتع إذا كان رأس الصاروخ مدبباً أكثر.

لا تقتصر غرابة أعظم حلم لدى (إيلون ماسك) على شكل رأس المركبة الفضائية فقط، بل يتعداه إلى بريق المركبة، ذات الخمسين مترا ارتفاعا، غرابة. لكن من أين يأتي هذا البريق؟ السبب هو أن «ستارشيب» مصنوعة من الستانليس ستيل(الفولاذ المقاوم للصدأ). يعود هذا لعدة أسباب، حيث يشرح (ماسك) بنفسه، لمجلة «بابلك ميكانيكس» فيقول: ”بالطبع هو معدن رخيص، وهو أيضا سريع، من ناحية سرعة إنتاج نموذج مصنوع من هذا المعدن.“ وحين نتابع عن كثب طريقة عمل (ماسك) نجد أن سرعة الإنتاج تتناسب بوضوح مع رغبته في إيصال البشر إلى المريخ بسهولة ويسر وبأقل وقت ممكن.

التكاليف هي أيضاً عامل آخر في استخدام الستانليس ستيل، حيث نجد أن ألياف الكربون، المستخدمة في صناعة أغلب المركبات الفضائية، تكلف 135 دولار لكل كيلوغرام، بالإضافة إلى أن ثلث ألياف الكربون يجب أن تسحب وتقص عند أخذها الشكل والحجم الدقيقين لصناعة «ستارشيب» وبالتالي يضاف إليها تكاليف الهدر، فتصبح الكلفة الحقيقية لألياف الكربون هي 200 دولار لكل كيلوغرام. على الجانب المقابل نجد أن الستانليس ستيل يكلف أقل بكثر من ذلك، بحوالي 3 دولار لكل كيلوغرام.

بريق مركبة «ستارشيب». صورة: Youtube

إلى جانب الأسباب السابقة، نجد أن الستانليس ستيل يملك نقطة انصهار أعلى، وهذه ميزة مهمة جدا في صناعة الصواريخ والمركبات الفضائية. تمتلك ألياف الكربون درجة تسامح في حالة الاستقرار عند حدود 150 درجة مئوية، بينما نجد أن الستانليس ستيل يمكن أن يصل بسهولة إلى حدود 820 درجة مئوية من دون ضغط. وهكذا كان قرار استخدام الستانليس ستيل مهما جدا في صنع المركبة. وهو ما يمنحها بطبيعته السطح العاكس اللامع المشابه للمرآة. كما أن هذا المعدن يوفر فائدة إضافية بعدم تهشمه في درجات الحرارة المنخفضة جداً.

وجّه (ماسك) لاستخدام النوع الأفضل من الستانليس ستيل عند تصنيع النماذج الأولية لمركبته «ستارشيب». «ستانليس ستيل 301»، وهو نوع له تاريخ طويل في الاستخدام الصناعي، كما كان له دور كبير في الصناعات الفضائية لعقود طويلة، غير أن (ماسك) نشر تغريدة على تويتر في العام الماضي قائلاً: “يجب علينا، في عام 2020، أن نقوم بأشياء أفضل مما كان عليه الوضع منذ خمسين عاماً. لذلك يجب أن نفكر في بدائل للنوع 301 في الشهر أو الشهرين القادمين.” ثم تابع بتفصيل أكثر: ”سيتم استخدام النوع 304L في بعض الأجزاء، هذا النوع لديه معدل صلابة أعلى في درجات الحرارة المنخفضة جداً.“

يتكون الستانليس ستيل 301 من خليط من النيكل والكروميوم والحديد وهو أكثر مقاومة للصدأ. بينما نجد أن النوع 304 يتكون من نفس الخليط لكن مع نسبة كروميوم أعلى مما يجعله أقل عرضة للصدأ، ويضيف أداء أفضل من ناحية تحمل الحمولة الثقيلة في درجات الحرارة العالية. أما الحلقات التي يمكن رؤيتها على السطح الخارجي للمركبة «ستارشيب»، وذلك كل 108 متر، فيعود سببها إلى حقيقة أن الستانليس ستيل الصناعي يصنع بارتفاع معياري يبلغ 1.8 متر لكل لفة.

لفات الستانليس ستيل المستخدمة في «ستارشيب»، صورة: Youtube

الآن نصل إلى محتوى المركبة نفسها. نجد عند الجزء العلوي للمركبة ما يسمى «القمع» حيث نجد مقصورة الحمل، وهذا الجزء متروك بشكل فارغ في النموذج التجريبي الحالي. لكن، وفقا للمهمة التي ستقوم بها المركبة، فإن المركبة تستطيع، وبشكل مريح، استيعاب 100 شخصاً داخلها، خلال رحلتها إلى المريخ. غير أنه يمكن زيادة هذا الرقم وفقا لـ(ماسك): ”يمكن للحجرة أن تستوعب من خمسة إلى ستة أشخاص داخلها، إذا ما أردنا مركبة مزدحمة. لكننا نعتقد أن شخصين أو ثلاثة أشخاص هو الرقم الأفضل في كل غرفة، وبالتالي فسعة المركبة تصل إلى مئة شخص خلال رحلتها إلى المريخ.“ إلى جانب حجرات الركاب، يحتوي الجزء العلوي على مناطق عامة، مساحات تخزين، وملجأ حيث يمكن للركاب اللجوء إليه والاختباء في حجرات متجاورة من العواصف الشمسية المخيفة المسببة للسرطانات.

القسم العلوي من المركبة «القمع»، صورة: Youtube

تظهر لقطات فيديو، أخذت من هاتف (ماسك) نفسه، للجانب العلوي من المركبة أو ما يسمى بالـ «القمع» جهازا دوارا يدعى «الخزان الرئيسي». يتواجد في هذا الجزء شيء مهم جدا في عمل المركبة هو مجموعة بطاريات «تيسلا»، لكن ما دور هذه البطاريات؟ مفهوم إعادة الاستخدام هو جوهر فلسفة تصميم مركبة «ستارشيب»، وهذا يعني في نهاية المطاف أن هذا العملاق المكون من الحديد سيتوجب عليه الهبوط في وقت ما، لكن، وعلى العكس من مركبة «سبيس إكس» الأخرى «فالكون»، التي تهبط بشكل عمودي بتكاليف زهيدة جدا، فإن «ستارشيب» ضخمة لدرجة كبيرة جدا مما يتوجب عليها موازنة ثقلها وحجمها بشكل أكثر ذكاء ودقة لتستطيع الهبوط بكلفة مقبولة وأمان.

حتى يتمكن المهندسون من ضمان هبوط «ستارشيب» بأمان على الأرض، قاموا بتوسيع زعنفة المركبة من الجوانب. أتاحت هذه الفكرة استخدام الغلاف الجوي للأرض لإبطاء الانحدار الكبير للمركبة خلال الهبوط. يفسر (ماسك) هذا الجانب فيقول: ”نحن نحاول أن نقوم بعملية سحب عوضا عن الدفع، وهذا حقيقةً عكس طريقة عمل المركبات الفضائية التقليدية.“

الهبوط العمودي لمركبات «فالكون»، صورة: Youtube

هذا النهج في الهبوط، أو على الأقل محاولة الاقتراب من الأرض قدر الإمكان، يحتاج إلى كمية أقل من الوقود في عملية تشغيل محركات «ستارشيب»، وبالتالي وزناً أقل للوقود من الطريقة المتبعة في «فالكون». تدير بطاريات ومحركات «تيسلا» المُشغل الذي يوسع زعانف المركبة ويساعد في عملية الهبوط هذه.

نهج «ستارشيب» في الهبوط، صورة: Youtube

في الجانب الأسفل من المركبة، نجد خزان وقود الأوكسجين السائل ثم نجد خزان الميثان السائل. ذلك الخليط، غير التقليدي، من الوقود، اختير من «سبيس إكس» لعدة أسباب. هذا الوقود أقل كثافة وبالتالي أخف وزنا من الهيدروجين. كما أنه يحترق بشكل كامل ونظيف، وهذا جانب مهم جدا إذا ما أرادت «سبيس إكس» إعادة استخدام محركات المركبة عدة مرات. كذلك، وبفضل اكتشاف الجليد على سطح المريخ، فيمكن للمهمات المستقبلية أن تنتج الوقود بفضل تفاعل كيميائي يعرف باسم «عملية ساباتييه» لتشكيل وقود الميثالوكس «الميثان \ لوكس».

يفصل بين خزاني الوقود العملاقين هذين، والذين يحتويان على 1200 طن من الوقود، تجويف نصف كروي يعرف باسم «القبة العامة». هذا التجويف، بحد ذاته، هو اختراع عظيم من «سبيس إكس». تقليدياً يفصل بين خزاني الوقود والأوكسيجين تجويفان نصف دائريين منفصلان، مما يهدر مساحة كبيرة ثمينة في الفراغ بينهما. لكن هنا نجد «القمع» وهو واحد من «خزانين رئيسيين» داخل المركبة، أما الخزان الرئيسي الآخر موجود في «القبة العامة» المذكورة آنفا. يحتوي «القمع» أيضا على مخصصات مستقلة من الأوكسجين، كما تحتوي «القبة العامة» على خزان بداخله الميثان السائل. لا يتم إستخدام هذه المخصصات إلا في المراحل النهائية من الهبوط، فقط عندما يتم استنفاذ كمية الوقود الرئيسية في الخزان الكبير، وهكذا يمكن للمحركات، الشرهة للوقود، أن تستمتع بالميثالوكس عالي الضغط عندما تحتاجه.

يعتبر موضوع ضغط الوقود هاماً جدا في عملية تشغيل المحرك، فقد ألقى (ماسك) اللوم على ضغط وقود الخزان الرئيسي عندما اشتعل وانفجر النموذج التجريبي للمركبة الفضائية في كانون الأول الماضي. كما يقوم «الخزان الرئيسي» بدور إضافي في حماية الوقود المستخدم أثناء الهبوط من خطر التطاير، والذي يشكل مشكلة كبيرة في الرحلات الطويلة المعرضة لمخاطر الإشعاع الشمسي. كما يلعب موقع خزان الاوكسجين في «القمع» دور الوزن المعاكس عند الهبوط، وذلك في النماذج التجريبية الحالية.

إنفجار النموذج التجريبي الأول لـ «ستارشيب»، صورة: Youtube

يحرك هذا الهيكل العملاق محركات مصممة من قبل «سبيس إكس»، وهي محركات «رابتوبر»، حيث تم تعديل ثلاثة محركات تعمل في الغلاف الجوي، لكن النسخ النهائية لـ «ستارشيب» ستحتوي على ستة محركات «رابتور»، ثلاثة منها تعمل في ظروف الفضاء. المحركات التي تعمل في الفراغ لديها قطر 2.8 متر، أكبر من نصف قطر المحركات التي تعمل في الغلاف الجوي بقطر 1.3 متر.

محركات Raptor، صورة: SpaceX website

استخدامات «ستارشيب»

الأقمار الصناعية

يمكن أن تستخدم «ستارشيب» لإيصال الأقمار الصناعية إلى أماكن أبعد وبتكلفة قليلة جداً لكل إطلاق عوضا عن استخدام مركبات «فالكون». بحجم حجرة حمل كبيرة مقارنة مع أي مركبة فضائية حالية، سواء هي مستخدمة أو قيد التطوير، فإن «ستارشيب» تحمل إمكانيات هائلة لمهمات جديدة، منها تلسكوبات فضائية ضخمة، أضخم حتى من تيليسكوب (جيمس ويب) الفضائي.

محطة الفضاء الدولية

صورة: محطة الفضاء الدولية ISS، صورة: Wikipedia

يمكن لـ «ستارشيب» إيصال الحمولات والبشر من وإلى محطة الفضاء الدولية. تؤمن «ستارشيب» سعة استيعاب كافية لممارسة النشاطات الفضائية. كما يمكن لمستودع التخزين استيعاب أنواع مختلفة من الحمولات.

مهمات القمر

صورة: مستعمرات القمر، صورة: SpaceX website

تطوير قاعدة تدعم مهمات استكشاف الفضاء يتطلب عمليات نقل حمولات كبيرة إلى القمر بغرض البحث وتطوير الرحلات البشرية إلى الفضاء، ويعد تصميم «ستارشيب» مناسبا لهذا الغرض.

التنقل بين الكواكب

تنقل «ستارشيب» بين الكواكب، صورة: SpaceX Website

سيتطلب بناء المدن على سطح المريخ عملية توصيل مقبولة التكلفة لإيصال أعداد كبيرة من الناس وكمية كبيرة من الحمولة. تصميم «ستارشيب» القابل لإعادة الاستخدام يمكنه أن يحمل الناس لرحلات طويلة المدى بين الكواكب بالفعل.

أول رحلة خاصة إلى القمر

«يوساكو مايزاوا» أول مدني يسافر إلى القمر، صورة: Youtube

في عام 2023، سيصبح رائد الأعمال الياباني (يوساكو مايزاوا) بالإضافة إلى طاقم «دير موون» أول مسافرين مدنيين في مهمة «ستارشيب» إلى سطح القمر، في رحلة تستغرق أسبوعا. مازال مشروع «دير موون» مفتوحا للتسجيل حتى اليوم، وهناك ثمانية أماكن شاغرة للمدنيين للانضمام إلى (مايزاوا) في رحلة طيران «ستارشيب».

في وقت كتابة هذا المقال، تطلق «ستارشيب» نموذجها التجريبي «SN10»، مع العديد من التحسينات في التصميم، آملين بتحقيق هبوط آمن بعد رحلة الطيران، لتقريب البشرية خطوة أخرى من حلم (إيلون ماسك) الكبير، مستقبل زاهر للبشرية.

خلال مؤتمر مبكر ضمن برنامج «ستارشيب» قال (إيلون ماسك): ”التاريخ يحمل طريقين لا ثالث لهما، الطريق الأول هو بقائنا على الأرض، ومن ثم سننقرض في نهاية المطاف. الطريق البديل هو أن نصبح حضارة مقيمة في الفضاء ما بين نجمية، وهو طريقنا للاستمرار.“

مقالات إعلانية