in

تقنيات تبدو حديثة للغاية، لكنها ظهرت أولاً في وقت أبكر بكثير مما تعتقد

عندما تفكر بالتغيرات الكبرى التي حصلت في الحياة اليومية للبشر خلال العقدين الماضيين فقط؛ يبدو من الواضح كوننا نعيش في فترة من أكثف فترات الابتكار في التاريخ، حيث باتت عقود فقط كافية لجعل العالم يبدو مختلفاً تماماً عن كل ما سبق. ومع أن النظر بهذه الطريقة يظهر حقيقة كون الكثير من الأشياء التي نعتبرها أساسية اليوم لا تزال حديثة العهد للغاية، فهناك جانب يغيب عن فكر الكثيرين، وهو أن الكثير من التقنيات المستخدمة اليوم قديمة للغاية في الواقع، لكنها احتاجت لوقت طويل للغاية ليتم صقلها وتقديمها مجدداً بشكلها الحالي.

في هذا الموضوع سنتناول بعضاً من أهم التقنيات التي توصف عادة بالحديثة والتي تلعب دوراً كبيراً في الحياة اليوم، ومع أنها تبدو حديثة نسبياً، فهي في الواقع أقدم بوضوح مما يظنه معظم الأشخاص.

المواعدة الإلكترونية

اختبار (جورج كراين) للمواعدة.
اختبار (جورج كراين) للمواعدة.

حالياً باتت المواعدة الإلكترونية هي الشكل الأكثر شيوعاً للتعرف على الشركاء العاطفيين، فحتى بتجاهل تطبيقات المواعدة الكبرى والشهيرة، فكون الجميع اليوم يستخدم التواصل الاجتماعي باتت الكثير من العلاقات العاطفية وحتى الصداقات تبدأ من سطور عبر الإنترنت تتحول لاحقاً إلى علاقات حقيقية على أرض الواقع، ومع أن أمراً كهذا يبدو حديثاً للغاية ونتاج السنوات العشرة الأخيرة ربما، فهو موجود في الواقع منذ قرابة نصف قرن.

في الواقع ومنذ ثلاثينيات القرن العشرين؛ قدم شخص باسم (جورج كراين) نموذجاً أولياً لاختبار مكون من أسئلة مصممة لتقييم ”الزوجات الأفضل“، وبعد أن جمع كماً كافياً من الإجابات على أسئلته وصمم معايير لقيمة كل جواب في النتيجة النهائية؛ قام بتصميم نظام حاسوبي أولي يحدد أفضل النساء للزواج بشكل تلقائي وبآلية مشابهة لما تفعله الاختبارات المنتشرة كتطبيقات اليوم. وعلى الرغم من أن أسلوباً كهذا يبدو بدائياً للغاية وحتى غير فعال، فقد عاد ليتم تطويره لاحقاً.

في الستينيات كانت الحواسيب قد بدأت بالتطور بشكل حقيقي نحو الحواسيب التي نعرفها اليوم، ومع أن الحواسيب الخارقة حينها كانت تمتلك قوة معالجة أدنى من هاتف ذكي رخيص الثمن اليوم، فقد كان الأمر كافياً لـ(كراين) لتطوير نظامه مجدداً وبشكل تجاري هذه المرة. ببساطة يقوم الأشخاص بالإجابة على مجموعة من الأسئلة ويقوم الحاسوب بعدها بتقديم نتائج لكل اختبار تربط الأشخاص ببعضهم البعض، بحيث يكونون مناسبين لبعضهم قدر الإمكان.

بالطبع فعمل (كراين) لم يكن وحيداً، بل سرعان ما ظهرت العديد من الشركات المنافسة التي تعرض خدمات التزويج أو ربط الأشخاص المناسبين لبعضهم البعض معاً. وخلال ثلاثة سنوات فقط كان هناك أكثر من 5000 حالة زواج مسجلة نتيجة لهذه الطريقة. بالطبع يبدو فهذا النوع من ”المواعدة الإلكترونية“ مختلفاً عما هو موجود اليوم، لكنه السلف المباشر لما نمتلكه اليوم.

بث الموسيقى

جهاز بث الموسيقى للمخترع (ثاديوس كاهيل).
جهاز بث الموسيقى للمخترع (ثاديوس كاهيل).

خلال السنوات الأخيرة؛ صعد نجم خدمات بث الموسيقى عبر الإنترنت إلى الهواتف الذكية بسرعة كبيرة. حيث أن خدمات مثل (سبوتيفاي) و(غوغل بلاي ميوزيك) و(آبل ميوزيك) نجحت بجذب عشرات ملايين المستخدمين حول العالم، مع كون بث الموسيقى هكذا خياراً عملياً أكثر لمعظم الأشخاص وحتى أنه أفضل من القرصنة على الرغم من كونه مكلفاً مالياً. لكن فكرة بث الموسيقى إلى الهواتف ليست جديدة حقاً، بل أنها تعود لوقت كانت فيه الهواتف نفسها تقنية حديثة وذلك مطلع القرن العشرين.

في نهاية القرن التاسع عشر وفي وقت سابق لإذاعات الراديو وسواها؛ كان هناك وسيلتان فقط للاستماع للموسيقى، إما أن تحضر حفلاً موسيقياً مباشراً، أو تحاول العثور على تسجيلات ذات جودة تذهب الاستمتاع بالموسيقى أصلاً. لكن بالنسبة للمخترع (ثاديوس كاهيل) لم يكن ذلك كافياً، لذا وبعدما وجد طريقة لإصدار درجة موسيقية باستخدام الترددات الخاصة بالهاتف، بدأ بالعمل على إيجاد الترددات الخاصة بالدرجات الأخرى وبشكل متعدد لتمثيل آلات مختلفة.

لاحقاً جمع (كاهيل) كل ما اكتشفه في آلة واحدة مشابهة للأورغن، لكن مع اختلاف بسيط كون هذه الآلة تحول ما يتم عزفه عليها إلى موسيقى لآلات مختلفة عبر ترددات الهاتف. ومع أن جودة الموسيقى الناتجة لم تكن عالية حقاً، فقد كانت جيدة كفاية لتصبح الآلة تقدم خدمة بث موسيقى حقيقية بحلول عام 1906، مع كون الأمر يتطلب اشتراكاً بالطبع. ومع أن بثاً كهذا عبر الهاتف يبدو مضحكاً بمعايير اليوم ربما، فمقارنة بما كان موجوداً حينها اعتبر الأمر ثورياً حقاً.

استمرت الخدمة بالعمل حوالي عشرة سنوات حتى توقفت عام 1916، حيث أن وسائط التسجيل المعتادة أصبحت أفضل بحلول ذلك الوقت، كما أن الآلة اللازمة كانت باهظة حقاً وتكلف حوالي 4 ملايين دولار أمريكي [من المال اليوم أي بعد احتساب تأثير التضخم] مما جعل الفكرة قليلة الانتشار عموماً.

على أي حال فما اخترعه (كاهيل) حينها هو الأساس الذي بنيت عليه الموسيقا المنتجة رقمياً اليوم، وبالتالي فهو ولو جزئياً سلف خدمات البث الحالية.

مشغلات الموسيقى المحمولة

آلة Mikiphone
آلة Mikiphone.

بالنسبة للكثير من الشباب واليافعين اليوم فمشغلات الموسيقى المحمولة هي شيء يذكرهم بأجهزة (آي بود) ومشغلات (أم بي 3) التي انتشرت في مطلع الألفية على نطاق واسع، وحتى بالنسبة لمن هم أكبر سناً ففكرة مشغل موسيقى محمول ترتبط عادة بمشغلات (والكمان) الشهيرة من (سوني) والتي غيرت عالم الموسيقى عندما ظهرت مع نهاية السبعينيات، لكن في الواقع ففكرة مشغلات الموسيقى المحمولة قديمة كفاية بحيث تتزامن مع مشغلات الموسيقى الأولى حتى.

بين عامي 1923 و1927؛ تم إنتاج أكثر من 100 ألف مشغل موسيقى محمول في سويسرا، لكن مشغلات الموسيقى المحمول هذه كانت مختلفة تماماً عن تعريفنا الحالي لمشغلات الموسيقى المحمولة، فهي ليست شخصية حقاً ولا تتضمن سماعات للأذن حتى، بل أنها من حيث المبدأ مشغل أسطوانات Vinyl صنع بحيث يكون صغيراً إلى حد بعيد وبالكاد حجمه بقدر كف اليد. هذه الآلة الغريبة كانت تحمل اسم Mikiphone، وكانت مصممة لتحمل باليد أو الجيب مع حافظات جلدية مصممة خصيصاً لحملها وحمايتها.

من حيث المبدأ، هذه الآلة الصغيرة لا تعمل بشكل مباشر ولا تسمح للمستمع بالاستمتاع بالموسيقى أثناء الركض مثلاً، لكنها في كل شيء آخر مشغل موسيقى محمول، حيث يتم فكها أولاً وبعد بعض الإعداد توضع أسطوانة Vinyl داخلها لتشغيلها، وبشكل مستغرب في الواقع فهي تقدم جودة مقبولة وغير سيئة أبداً.

حالياً لا يزال هناك بضع قطع من هذا النوع، وبعضها لا يزال قادراً على العمل حتى، وببحث سريع على (يوتيوب) يمكنك مشاهدة طريقة تجهيزها وعملها.

قبل طائرات التجسس؛ كان هناك طيور التجسس

المخترع (جوليوس نيوبرونر)
المخترع (جوليوس نيوبرونر). صورتي: Wkimedia Commons

في عالم اليوم باتت طائرات الاستطلاع جزءاً مهماً من الجيوش الكبرى كونها تقدم فائدة كبيرة وأفضلية لمن يستخدمها، لكن قبل الطائرات دون طيار أو حتى المروحيات الصغيرة اليوم؛ كان هناك طريقة استطلاع فعالة في الواقع وأشبه بالأقمار الصناعية بكونها صعبة الملاحظة والاكتشاف حتى، هذه الطريقة هي طيور الاستطلاع التي ظهرت للمرة الأولى عندما قام (جوليوس نيوبرونر) بتقديم براءة اختراع لها عام 1908، قبل عقود من الأقمار الصناعية وطائرات التجسس حتى.

لم تكن براءة الاختراع التي حصل عليها (نيوبرونر) لطيور الاستطلاع بالتحديد، بل كانت لكاميرا مصغرة كفاية بحيث من الممكن لطير صغير مثل الحمامة حملها مع كون عدستها موجهة نحو الأسفل، والكاميرا نفسها تمتلك آلية مؤقت زمني للتصوير، بحيث يمكن استخدام الحمام الزاجل وإرساله فوق أراضي العدو أو فوق المنطقة التي يتمركز فيها الجيش المعادي لتقدم صورة جوية عما هو موجود هناك.

قد تبدو تقنية كهذه مثيرة للضحك ربما، لكن بالنسبة للحرب العالمية الأولى حيث كانت الحرب تتم من الخنادق بالدرجة الأولى، كان من الممكن الانتظار ساعات أو حتى يوماً ريثما يتم تحضير الصور لمعرفة تجهيزات العدو قبل الهجوم عليه، وفي العديد من المعارك مثل معركتي (فردان) و(السوم).

على أي حال، فالاستخدامات الأساسية لهذه الطيور المتجسسة كانت مدنية في الواقع، حيث كان (نيوبرونر) يصور الأماكن من الأعلى ومن ثم يحول الصور إلى بطاقات بريدية ويبيعها مع نجاح كبير نسبياً.

ألعاب الفيديو

لعبة (كومبيوتر سبيس) من سنة 1971
لعبة (كومبيوتر سبيس) من سنة 1971. صورة: Wikimedia Commons

بالنسبة للكثير من الأشخاص؛ قد تبد ألعاب الفيديو شيئاً من نتاج التسعينيات أو ربما الثمانينيات حتى –في حال كان أول مشغل ألعاب عرفوه هو (نينتندو) أو (بلايستايشن وان)–، وقد يعود الأمر للسبعينيات بالنسبة للمدققين في تاريخ الألعاب أكثر مع لعبة (كومبيوتر سبيس) أو (بونغ) التي تعد أم الألعاب الرقمية اليوم، وهي من مهدت لسوق مشغلات الألعاب المنزلية والخاصة بمراكز الألعاب Arcade على حد سواء.

لكن إن كنت تريد الأصل هنا؛ ربما يجب أن تعود عدة عقود إلى الخلف، وبالتحديد إلى عام 1947 عندما قام عالم الفيزياء الأمريكي (توماس غولدسميث الابن) باختراع شيء أسماه «كاثود راي تيوب» والذي يعد أول شيء يمكن وصفه بلعبة فيديو في الواقع، واللعبة هنا أشبه بكرة الطاولة وتبدو كسلف قديم للعبة (بونغ) لكن من منظور جانبي.

وعلى الرغم من أن هذه اللعبة لم تنتج أو تباع أبداً بسبب التكاليف الهائلة، وكون تصنيعها وإنتاجها على نطاق واسع أمراً غير عملي أبداً حينها، ولم تترك أي أثر حقيقي على تطور ألعاب الفيديو اللاحق، فهي دون شك أولى ألعاب الفيديو التي تستحق هذا الوصف كونها سبقت أي لعبة أخرى بعقود.

الهواتف (العادية وليس المحمولة)

نموذج (أنطونيو ميوتشي) للهاتف. صورة: Catalogo Collezioni/Wkimedia Commons

في حال تحدثت مع شخص مسن للغاية عن الهاتف، فالأرجح أنه يتذكر الفترة التي شاهد فيها الهاتف للمرة الأولى، وبالنسبة للكثيرين؛ هذه الفترة كانت في منتصف القرن العشرين، فقبلها كانت الهواتف شيئاً غريباً جلبه الفرنسيون والبريطانيون معهم إلى المنطقة العربية خلال القرن العشرين، لكن في حال بحثت كفاية في تاريخ الهواتف ستجد أنها تعود لسبعينيات القرن التاسع عشر في الواقع عندما نجح نموذج (غراهام بيل) وقبله (إليشا غراي)، لكن مع بعض البحث الإضافي ستجد أن الهاتف أقدم حتى.

حالياً يعتقد أن أول نموذج حقيقي للهاتف يعود لثلاثينيات القرن التاسع عشر وكان من صنع المخترع الأمريكي من أصل إيطالي (أنطونيو ميوتشي)، حيث كان قد قدم نموذجاً عاملاً للهاتف منذ عام 1834، لكن فقره الشديد من جهة، وقدرته الضعيفة على الحديث بالإنجليزية حالا دون تسجيل براءة اختراع أو الاستفادة من اختراعه.

في الواقع بقيت إسهامات (ميوتشي) في اختراع الهاتف مجهولة وغير معترف بها حتى مطلع الألفية، بعد أكثر من قرن على وفاته.

أفران المايكرويف

فرن Radarange
فرن Radarange. صورة: Acroterion/Wikimedia Commons

خلال الثمانينيات؛ بدأت أفران المايكرويف بالانتشار بسرعة كبيرة في العالم الغربي ومن ثم في العالم العربي ومختلف مناطق العالم في العقود التالية، والسبب هنا بسيط للغاية كون هذه الأفران فعالة للغاية فيما تفعله، وتشكل طريقة مثالية لتسخين الطعام البارد أو حتى تحضير بعض أنواع الطعام. لكن وعلى الرغم من أن هذه التقنية كان تبدو كشيء حديث وجديد تماماً عندما بدأ انتشارها، فهي تعود لعقود مضت، وبالتحديد إلى أربعينيات القرن العشرين.

عام 1945 اكتشف العالم الأمريكي (بيرسي سبنسر) كون أمواج الراديو القصيرة للغاية تمتلك أثراً حرارياً واضحاً، وذلك عندما أذابت قطعة من الشوكولا في جيبه. وبالنتيجة قام (سبنسر) ببناء أول نموذج لفرن يعتمد على الطريقة، ونجح حقاً في طهو البيض وصنع الفوشار حتى، وخلال عامين فقط كان قد بدأ شركته التي تنتج هذه الأفران التي كانت تحمل اسم Radarange وبدأ ببيعها مقابل حوالي 5 آلاف دولار، أي حوالي 57 ألف دولار بمعايير اليوم.

ومع أن أفران (سبنسر) لم تلاقي نجاحاً بسبب سعرها الكبير جداً، فقد كانت في الواقع أولى أفران مايكرويف في السوق.

آلات الفاكس

نسخة مطورة من فاكس (ألكسندر باين) تعود لأربعينيات القرن الماضي
نسخة مطورة من فاكس (ألكسندر باين) تعود لأربعينيات القرن الماضي. صورة: موقع hffax.de

اليوم بات الفاكس يبدو كتقنية قديمة للغاية وغير مستخدمة مع تخلي الغالبية العظمى من الأشخاص عنها مع انتشار حلول أفضل، لكن عندما بدأ الفاكس بالانتشار في الشركات خلال ثمانينيات القرن الماضي كان يبدو أشبه بأداة سحرية وحديثة، كونه يستطيع إرسال المستندات عبر تمديدات خطوط الهواتف، لكن ظن موظفي الشركات في الثمانينيات لم يكن بمحله أبداً، فعندما بدأ الفاكس بالانتشار كان في الواقع قد تجاوز قرناً كاملاً من العمر.

في الواقع يعود اختراع آلات الفاكس إلى أربعينيات القرن التاسع عشر، عندما تمكن المخترع الأسكتلندي (ألكسندر باين) من تطوير نظام يسمح بنقل الصور (بدقة منخفضة جداً) بشكل كهربائي. وبعد بضعة تحديثات على التقنية لجعلها مناسبة أكثر؛ تم فتح أول خدمة فاكس تجاري في العالم عام 1865 بين مدينتي باريس وليون الفرنسيتين.

هذا ليس فقط أبكر بكثير من تبني الفاكس في الشركات، بل أقدم حتى من أول خدمات الهاتف التجارية والتي لم تظهر حتى عقد آخر من الزمن.

السيارات الكهربائية

سيارة كهربائية من سنة 1888.
سيارة كهربائية من سنة 1888. صورة: Henrysirhenry/Wikimedia Commons

ما الذي يخطر ببالك عند الحديث عن السيارات الكهربائية؟ الإجابة على الأرجح هي سيارات (تيسلا) الرياضية الفخمة، أو ربما السيارات الكهربائية الصغيرة التي تنتجها بعض شركات السيارات اليابانية والألمانية. باختصار تبدو السيارات الكهربائية كأمر جديد للغاية بالكاد عمره عقدان من الزمن لمعظم الأشخاص، لكن في حال أجريت القليل من البحث في تاريخ السيارات الكهربائية، ستجد أنها أقدم بكثير مما تعتقد، وقد ظهرت في الواقع قبل السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي.

في الواقع تعود النماذج الأولية للسيارات الكهربائية إلى مطلع القرن التاسع عشر عندما كانت الكهرباء لا تزال حديثة العهد وقليلة الانتشار أصلاً، لاحقاً ظهرت أولى النماذج القادرة على العمل عام 1890 وفي حينها كانت هذه السيارة الكهربائية الأولية تعمل على البطاريات وتستطيع الوصول إلى سرعة 23 كيلومتراً في الساعة تقريباً.

عموماً ومع كون الكهرباء كانت لا تزال شيئاً حديث العهد حينها وقليل الانتشار خارج المدن الكبرى، فقد ماتت فكرة السيارات الكهربائية أمام سيارات الاحتراق الداخلي، ولم تعد للظهور مجدداً سوى بعد قرن من الزمن.

آلات البيع

آلات البيع المياه المقدسة
آلات البيع المياه المقدسة. صورة: Archaeology and Art

اليوم باتت آلات البيع التي تستقبل النقود (المعدنية أو الورقية) أمراً شائعاً للغاية في الكثير من الأماكن حول العالم، ومع أن انتشارها هذا أتى في معظمه خلال العقود الأخيرة فقط، ففكرة آلات البيع التي تقوم بتقديم منتج ما مقابل النقود التي توضع فيها قديمة للغاية، وقد تم تطبيقها في أزمنة قديمة جداً مثل القرن الأول ضمن الاسكندرية –التي كانت تحت حكم الرومان ويسكنها اليونانيون في ذلك الوقت–. وعلى عكس آلات البيع التي تقدم الأطعمة السريعة أو المشروبات –أو كل شيء يخطر بالبال إن كنت في اليابان– فأول آلة بيع معروفة كانت ”تبيع الدين“.

آلة البيع الأولى هذه كانت تبيع المياه المقدسة في المعبد، حيث يقوم الشخص بوضع قطعة نقدية ضمن الآلة التي تفتح صمام ”المياه المقدسة“ لفترة وجيدة ومن ثم تغلقه بانتظار قطعة نقدية أخرى، وفي نهاية اليوم يتم تفريغ الآلة من العملات ضمنها، وإعادة ملئها بالمياه المقدسة من جديد!

على أي حال وحتى في حال تجاهلنا آلة البيع هذه، هناك سجلات تفصيلية لآلات بيع تبيع التبغ منذ القرن السابع عشر، وفي القرن التاسع عشر ظهرت العديد من آلات البيع الأخرى لبيع مختلف الأشياء مثل الصحف والطوابع.

السيارات

عربة (جوزيف كونيو) البخارية المسماة Fardier والتي تعود إلى سنة 1770.
عربة (جوزيف كونيو) البخارية المسماة Fardier والتي تعود إلى سنة 1770. صورة: Joe deSousa/Wkimedia Commons

اليوم تعد السيارات منظراً معتاداً في أي مدينة أو قرية تخطر بالبال تقريباً، حيث أن هذه الآلات التي صممت لنقل البشر بسهولة وسرعة حققت انتشاراً كبيراً منذ مطلع القرن العشرين، لكن وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص يربطون السيارات بصعود شركة (فورد) الأمريكية للسيارات مطلع القرن العشرين، فأول السيارات الحقيقية تعود إلى منتصف القرن الثامن عشر في فرنسا، وقبل الثورة الفرنسية حتى.

بعد اختراع المحركات البخارية في بداية القرن الثامن عشر، كان الاستخدام الأساسي لها حينها هو القطارات التي تسير على السكك الحديدية فقط، لكن في عام 1769 قام المخترع الفرنسي (جوزيف كونيو) بتطبيق فكرة المحركات البخارية على عربات مصممة لنقل البشر بدلاً من البضائع، وبالنتيجة صنع أول ما يمكن اعتباره سيارة في الواقع.

ومع أن سيارة (كونيو) لم تكن عملية تماماً من حيث القيادة أو إمكانية الاعتماد عليها بسبب أعطالها الكثيرة، فقد استخدمت ولو لمدة وجيزة من قبل الجيش الفرنسي حينها.

بالنسبة للبعض؛ قد يبدو الأمر وكأن اختراع (كونيو) قد ضاع بين صفحات التاريخ، لكن في الواقع بعد اختراع (كونيو) وقبل اختراع (بنز) لمحرك الاحتراق الداخلي؛ كان هناك العديد من النماذج لعربات بخارية لا تسير على سكك حديدية –من حيث المبدأ سيارات– في كل من المملكة المتحدة وحتى الولايات المتحدة. ومع أن هذه العربات كانت ضخمة عادة وقليلة الانتشار كذلك، فهي السلف الحقيقي لسيارات اليوم ويمكن اعتبارها السيارات الأولى.

العدسات اللاصقة لتصحيح البصر

إحدى العدسات اللاصقة التي تعود لسنة 1948. صورة: موقع WorthPoint
إحدى العدسات اللاصقة التي تعود لسنة 1948. صورة: موقع WorthPoint

مع كون معظم الأشخاص اليوم لا يزالون يستخدمون النظارات الطبية –التي تمتلك عدواً أزلياً هو المشروبات الساخنة في الشتاء– فالعدسات اللاصقة تبدو كاختراع جديد نسبياً، ومع أنها ربما ليست حديثة كفاية لتكون من اختراعات القرن الحادي والعشرين، فالوقت المنطقي لظهورها ربما يكون منتصف أو نهاية القرن العشرين، لكن في الواقع وفي حال بدأنا من أول عدسات لاصقة تم إنتاجها على الإطلاق، فالجواب هو عام 1888، أي قبل أكثر من قرن وربع من الزمن!

في الواقع ففكرة العدسات اللاصقة قديمة كفاية بحيث يعتقد أن (دافنشي) وصفها في القرن الخامس أو السادس عشر، لكنها ظهرت بشكل أولي عام 1888 عندما قدمها المخترع الألماني (أدولف فيك) كحل بديل للنظارات الطبية في حل مشاكل البصر. بالطبع فقد كانت العدسات الأولى غير عملية حقاً حيث كانت مصنوعة من الزجاج ولا يمكن ارتداؤها لأكثر من 4 ساعات متواصلة.

بعد التصميم الأولي ظهرت التصاميم الأحدث –التي لا تزال مستخدمة إلى الآن فعلياً– نهاية عشرينيات القرن العشرين، لكن اتشار العدسات اللاصقة تأخر لعقود أخرى حيث لم توافق عليها إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية حتى السبعينيات، بعد أكثر من 80 عاماً على اختراعها.

منصات التواصل الاجتماعي

يستخدم جميعنا اليوم نوعاً من أنواع منصات التواصل الاجتماعي على الأقل، حيث أن مواقع مثل (فيسبوك) و(أنستغرام) و(تويتر) وسواها باتت تمتلك مئات ملايين أو حتى مليارات المستخدمين حول العالم، وبالنسبة للجيل الذي عاصر الوقت السابق لسيطرة هذه المنصات فهي العلة في كل شيء والموضوع المفضل للتذمر، ومع أن الغالبية العظمى من الأشخاص يربطون منصات التواصل الاجتماعي بالقرن الحادي والعشرين مع صعود موقع (فيسبوك) وقبله (ماي سبايس) مثلاً، فالواقع أنها أقدم من ذلك حتى.

من حيث المبدأ؛ منصات التواصل الاجتماعي أقدم من الويب نفسه في الواقع، حيث ظهرت للمرة الأولى خلال السبعينيات عندما قام مجموعة أصدقاء في مدينة (بيركلي) الأمريكية في ولاية (كاليفورنيا) بصنع شبكة محلية مكونة من حاسوب مركزي وأكثر من 100 مودم تربط المستخدمين بالحاسوب المركزي، الذي كان يتضمن منصة لوضع الرسائل عليها ليشاهدها الأشخاص الآخرون.

ربما يبدو هذا الأمر صغيراً كونه لعدد محدود من الأشخاص وفي مساحة محدودة، لكنه من حيث المبدأ السلف الحقيقي لمنصات التواصل الاجتماعي الحالية.

مقالات إعلانية