in

كم من المعلومات العلمية حقيقية في مسلسل (بريكينغ باد) الشهير يا ترى؟

والتر وايت
صورة: AMC

تحذير: هناك حرق للعديد من تفاصيل المسلسل في هذا المقال.

قد يكون مسلسل (بريكينغ باد) أفضل سلسلة تنتج على الإطلاق، حيث أنه استحوذ على اهتمام ومتابعة ملايين المشاهدين حول العالم، الذين تستوقفهم كل حلقة منه بعد انتهائها فتجدهم يتعجبون من قصة ذلك الأستاذ البسيط الذي تحول إلى عقل مدبر ومنتج أول للمخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية، وربما العالم كله.

لكن دعونا نلقي نظرة إلى بعض المشاهد العلمية التي يزخر بها هذا المسلسل، لنعرف مدى عكسها للحقيقة العلمية والواقع، وذلك بمساعدة الكيميائي والفيزيائي الحاصل على شهادة الدكتوراه (جوناثان هاير)، وهو خبير في الفيزياء والكيمياء في (معهد العلم المبدع) في جامعة (سيساكس)، كما أنه أحد أعضاء (المجتمع الملكي للكيمياء).

يقول (والتر وايت)، وهو الشخصية الرئيسية في المسلسل: ”يجب أن تحترم الكيمياء“، (والتر) هو باحث كيميائي لامع دفعت به الظروف إلى أن يترك عمله وأبحاثه، ويتخذ له من تدريس مادة الكيمياء في الثانوية مهنة يقتات بها، إلا أنه بعد أن اكتشف بأنه مصاب بسرطان الرئة في مراحل متقدمة منه، يحّول مهاراته في الكيمياء لصنع (الميثامفينيمين) Methamphetamine، بالتعاون مع أحد تلاميذه السابقين وهو (جيسي بينكمان) الشهير.

مع خلفيته كمدرس لمادة الكيمياء، كثيرا ما نرى (والتر) في هذا المسلسل وهو يوجه التعليمات لـ(جيسي) وكأنه ما زال في أحد صفوفه في الثانوية.

كان (جيسي) تلميذا فاشلا جدا فيما يتعلق بالعلوم في الثانوية، لكنه بينما بدأ يصنع الـ(ميث) مع (والتر)، ازداد إعجابه بالكيمياء وصار يحترمها أكثر من ذي قبل، هذه الكيمياء التي وجدها ضرورية جدا من أجل الحصول على منتوج جيد.

لكن كم من العلم كان ”علما حقيقيا“ في هذا المسلسل يا ترى؟

1. هل بإمكان الـ(ميث) الأزرق أن يكون نقيا جدا:

يفهم من الـ(ميث) البلوري الذي يصنعه (والتر) بأن نقي بشكل خارق للعادة، كما أن له لونا أزرقا مميزا، إن هذا أمر جيد بالتأكيد من أجل حبكة القصة، لكن في العادة لا يتم تحديد نقاوة المركب الكيميائي من خلال لون بلوراته.

قد تؤدي عدم نقاوة المعادن كبلورات (الكوارتز) مثلا بها إلى أن تتخذ لونا زهريا (الكوارتز الزهري) أو بنفسجيا، لكن اللون بصفة عامة هو نتيجة للطريقة التي تمتص بها الإلكترونات في المادة الضوء، ومنه فهو ليس مؤشرا خاصا على النقاوة.

2. الغاز السام:

والتر وايت في الصحراء
والتر وايت في الصحراء – صورة: AMC

في أحد المشاهد، وعندما كانا داخل مختبر إنتاج (الميثامفينيمين) المتحرك خاصتهما في وسط الصحراء، يتعرض (والت) و(جيسي) للتهديد من طرف رجلين من أفراد إحدى العصابات، فيرتجل ويتوصل إلى طريقة من أجل تعريضهم لنوع من الغازات السامة، من خلال رميه للفوسفور الأحمر في الماء الساخن.

يتمكن (والتر) بطريقة ما من الفرار خارج المنزل المتنقل، وينجح في احتجازهما داخله، ثم يشرح لاحقا لـ(جيسي) بأن تلك العملية التي قام بها قد أنتجت غاز الفوسفين السام.

يتعين على الفوسفور الأحمر أن يتفاعل مع الهيدروجين من أجل أن ينتج غاز الفوسفين -لكن ليس مع المياه الساخنة- بإمكان الفوسفور الأبيض أن يتفاعل مع (هيدروكسيد الصوديوم) -وهي مادة كيميائية كان ليحوز عليها ببساطة في المسلسل- لكننا نراه في المشهد بوضوح كيف يرمي بمسحوق أحمر بدلا من مادة بيضاء، ومنه فإن الدكتور (هاير) لا يعتقد بأن الحيلة التي وصفها لـ(جيسي) قد تعمل فعلا في أرض الواقع مثلما حدث في المشهد.

3. حوض الاستحمام المتحلل:

(جيسي بينكمان) وهو يتحضر لسكب حمض الأسيد فوق جثة رجل في حمام منزله
(جيسي بينكمان) وهو يتحضر لسكب حمض الأسيد فوق جثة رجل في حمام منزله – صورة: AMC

في المشهد الذي سبق هذا، يلقى واحد فقط من رجلي العصابات حتفه جراء استنشاقه الغاز السام، أما الثاني فيستجمع (والتر وايت) كل شجاعته ويقتله بنفسه، لكنه الآن يواجه مشكلة أخرى، وهي كيفية التخلص من الجثة.

في مشهد مثير للقشعريرة، يضيف (جيسي) حمض (الهيدروفلوريك) Hydrofluoric Acid باختصار الـ (HF) إلى الجثة داخل حوض الاستحمام في منزله بغرض جعلها تتحلل.

إن حمض الهيدروفلوريك مفيد جدا في المخبر، وذلك راجع لكيميائيته الفريدة من نوعها، فهو يعمل على تحليل الزجاج، ومنه يتعين حفظه في عبوات بلاستيكية خاصة (PTFE or Teflon).

إنه حمض قوي فعلا، لكن كيميائيته هي التي تخوله من تحليل الزجاج (وكذا الجسم البشري) وليس (قوته الخارقة).

للأسف، لا يتبع (جيسي) تعليمات (والتر وايت) الدقيقة المتعلقة باستعمال نوع محدد من الحاويات البلاستيكية (الذي يجب أن يكون منيعا من حمض الهيدروفلوريك)، فيقوم بدل ذلك، وببساطة شديدة، بسكبه في حوض حمام منزله، فتسقط بذلك بقايا جثة نصف متحللة، وبعض أجزاء حوض الاستحمام المنزلي من خلال السقف المنزلي المتحلل كذلك.

4. بطارية المنزل المتنقل:

في مشهد صحراوي آخر، نرى (والتر) و(جيسي) منهمكين في إعداد منتوجهما، ولكن عندما يقرران العودة إلى منزليهما يكتشفان بأن بطارية السيارة لا تعمل.

يصنع بعد ذلك (والت) بطارية مرتجلة وأساسية للغاية باستعمال حمض الأسيد، ومعادن مختلفة، وأسلاك، كما يشرح لـ(جيسي) الكيمياء المتبعة وراء ذلك الاختراع.

إذا حدث ووضعت معدنين مختلفين في حمض الأسيد (أو حتى في محلول منحل بالكهرباء على غرار ماء البحر)، ينتج عن ذلك الاختلاف في التفاعل الكيميائي بين المعدنين قدر من التيار الكهربائي.

إنها عبارة عن خلية كهروكيميائية أساسية، ومنه فإن مجموعة من هذه الخلايا المرتبطة فيما بينها يسمى ”بطارية“.

قد يتذكر كل شخص كان قد وضع حشوات الأسنان المعدنية عندما كان طفلا صغيرا ذلك الشعور الغريب الناتج عن تحسس قطعة من ورق الألومنيوم في فمه.

لقد كان اللعاب هنا يلعب دور المحلول المنحل في الكهرباء، كما كانت الحشوات المعدنية وورق الألمنيوم تمثل المعدنين من نوعين مختلفين، ومنه فقد كنا نتعرض للصعق ”الخفيف“ بالتيار الكهربائي من طرف بطارياتنا الخاصة الموجودة في أفواهنا.

إن الشرح الذي قدمه (والتر) هو دقيق بشكل كبير، لكن للأسف، لن تكون بطارية على هذا القدر من البساطة والأساسية من توفير الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل محرك بحجم محرك المنزل المتحرك الذي نراه في المسلسل.

5. فلمينات الزئبق أو Fulminate Of Mercury:

يتعرض (جيسي) في أحد المشاهد إلى التعذيب والضرب المبرح من طرف رجل عصابات مختل نفسيا اسمه (توكو)، يواجه (والت) بعد ذلك (توكو) في مكتبه، كما يعرض عليه المزيد من الـ(ميث) لكنه يصرّ على أن يتم الدفع له مقابل المخدرات على الفور.

يبدأ (توكو) بالتصرف بقذارة لكن (والت) كان قد حضّر خطته مسبقا، فقد كانت حقائب بلورات الـ(ميث) التي كان قد منحها لتوه لـ(توكو) في الواقع عبارة عن (فلمينات الزئبق).

يقوم برمي بلورة واحدة على الأرضية فتنفجر وكأنها قنبلة، مسفرة عن خراب كبير، ثم نرى بعد ذلك (والت) وهو يمشي خارجا من ذلك المكتب بخطى المنتصر، ونرى المكتب خلفه يغرق في دخان كثيف، لكن هل بإمكان بلورة صغيرة افتعال هذا القدر من طاقة التفجير في الواقع؟

فلمينات الزئبق هي مادة غير مستقرة للغاية، ومركب كيميائي متفجر قد تتم صناعته بصورة آمنة في شكل بلورات صغيرة فقط، إلا أنه كذلك غرض بإمكان أستاذ في الثانوية صناعته.

صورة من مشهد التفجير، حيث خرج (والت) من ذلك المكتب وهو يمشي بخطى المنتصر
صورة من مشهد التفجير، حيث خرج (والت) من ذلك المكتب وهو يمشي بخطى المنتصر – صورة: AMC

إن البلورات التي يتعدى حجمها بضعة ميليمترات هي صعبة التحكم بها، ومنه فإن بلورات (والتر) كما الحقيبة المملوءة بها لن تكون مستقرة بما فيه الكفاية لتمكنه من التجول حاملا إياها مثلما نراه في المسلسل، بل قد يتسبب هذا القدر الكبير من البلورات ”الكبيرة نسبيا“ في انفجار هائل نظريا.

كما أن موجة الصدمة التي خلفها تفجير البلورة الأولى سيكون كفيلا دون شك بتفجير البلورات الأخرى في الحقيبة على مكتب (توكو).

أما إن تمكن كل من (والت) و(توكو) من النجاة بأعجوبة، فهما لن يكونا قادرين على سماع شيء لمدة طويلة من الزمن.

6. حرق القفل:

يقوم كل من (والتر) و(جيسي) هنا بحرق قفل باب منيع من أجل الولوج إلى مخزن للمواد الكيميائية الصناعية.

يصف (والت) الطريقة التي سيتبعانها في ذلك -تفاعل الثيرمايت- لـ(جيسي) على النحو التالي: ”هنا تقوم بمزج أكسيد الحديد، مع برادة معدنية تفاعلية مثل الألومنيوم، وينتج عن ذلك أكسيد الحديد والألومنيوم“.

الولوج إلى مخزن للمواد الكيميائية الصناعية
مشهد الولوج إلى مخزن للمواد الكيميائية الصناعية – صورة: AMC

درجة حرارة التفاعل مرتفعة جدا، وبالإمكان استعمالها من أجل لحم السكك الحديدية مع بعضها البعض، أو بالتأكيد حرق قفل منيع.

إن العلم هنا في هذا المشهد هو دقيق وصحيح، كما أن المشهد يتم تذكره بشكل أكبر من خلال تعثر (والت) و(جيسي) مرار وتكرارا بينما حاولا نقل برميل المادة الكيميائية بدل دحرجته ببساطة.

معلومة إضافية: تم تهجئة وتسمية العديد من المركبات الكيميائية التي استعملت في صناعة (الميثانفينيمين) بصورة صحيحة ودقيقة في هذا المسلسل بما في ذلك: الـPseudoephedrine والـMethylamine.

كما كانت المستشارة الكيميائية للمسلسل البروفيسورة (دونا نيلسون) قد شرحت لماذا تم تجنب إظهار العمليات الكاملة الداخلة في صناعة المخدرات.

مقالات إعلانية