كان (صامويل مورس) رجل أعمال ناجح ومخترع التلغراف، لكن اسمه ارتبط باختراعه الشهير المعروف باسم «شيفرة مورس»، وهو نظام أحدث ثورة في علم الاتصالات في القرن التاسع عشر. حتى مع ازدهار وسائل التواصل الاجتماعية ووادي السيليكون، لا تزال البشرية بحاجة إلى «شيفرة مورس».
من هو صامويل مورس؟

قد تبدو قصة (صامويل مورس) وكأنها قصة هوليوودية حزينة. حيث وُلد الرجل في تشارلستون، بولاية ماساتشوستس في السابع والعشرين من شهر أبريل عام 1791. كان (مورس) رساماً محترفاً، وبدأ يعمل على رسم صور شخصية (بورتريه) لـ (ماركيز دو لافايت) عام 1825. وهكذا، أودى به رسم الصور الشخصية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث تلقى هناك رسالة مروعة مفادها أن زوجته الشابة توفيت في منزلهما في نيو هيفن بـكنيتيكت.
والأسوأ من ذلك أن (مورس) لم يستطع العودة إلى منزله لحضور الجنازة، فالوقت لم يسعفه، لذا دُفنت الزوجة بدون حضور زوجها. هكذا هو حال معظم وسائل الاتصال في تلك الفترة، خاصة بين المناطق البعيدة. ويبدو أن ذلك ما دفع (مورس) إلى ريادة هذا المجال.
كان (مورس) واحداً من الناس الذين اخترعوا أول تلغراف في ثلاثينيات القرن الماضي. وبالمناسبة، لا يمكننا، من ناحية الدقة التاريخية، إطلاق اسم شخص أو عالم واحدٍ فقط على مخترع التلغراف. ولهذا السبب، اعتُبر (مورس) واحداً من أوائل العلماء الذين ساهموا في تطوير جهاز التلغراف.
على الرغم من خلفيته العلمية المتواضعة والمحدودة، كان (مورس) يعشق علوم الكهرباء. في عام 1837، عرض (مورس) نموذجاً عن التلغراف الذي صنعه أمام العامة. ومثل جميع آلات التلغراف، يتم الإرسال عن طريق نبضات من التيار الكهربائي عبر السلك. تشق تلك النبضات طريقها إلى مستقبل –وهذا المستقبل هو ما دفع (مورس) إلى اختراع شيفرته الشهيرة.
أول إرسال عبر شيفرة مورس

لم يستطع التلغراف الذي صنعه (مورس) بث الأصوات أو الأحرف المكتوبة مثلاً، لكن عندما صب (مورس) اهتمامه وتركيزه على تلك النبضات الكهربائية، اكتشف طريقة جديدة لإرسال الرسائل المشفرة.
كان لدى (مورس) شريك ذكي يُدعى (ألفريد فايل)، ساعده الأخير في إعادة تعريف وتوسيع النظام. وبناءً على شيفرة مورس، فمُنح كل حرف في اللغة الإنجليزية –إضافة إلى علامات الترقيم والأرقام من 0 إلى 9– مجموعة من النبضات القصيرة والطويلة والتي تتغير وفقاً لكل حرف.
عُرفت النبضات الطويلة باسم ”شَرطة“ أو Dash، بينما دُعيت النبضات القصيرة بـ ”نقطة“ أو Dot. لكن بسبب تكرار شَرطات ونقاط الشيفرة، كانت بعض الشَرطات غير متماثلة في الطول، فبعضها كانت أطول من غيرها. تنوعت أيضاً المسافات الفاصلة بين النبضات بشكل كبير (حسب السياق والمحتوى).
بعد فترة قصيرة، تمكن (مورس) من عرض اختراعه العجيب علناً، وفي عام 1843، منحه الكونغرس الأمريكي منحة بمقدار 30 ألف دولار أمريكي من أجل بناء تلغراف تجريبي طويل المدى يصل العاصمة واشنطن بمدينة بالتيمور في ولاية ماريلاند (تبلغ المسافة نحو 57 كلم).
جاءت اللحظة الكبرى لـ (مورس) في الرابع والعشرين من شهر مايو عام 1844. كان (مورس) حينها في قاعة المحكمة العليا في العاصمة الأمريكية واشنطن، وبعث رسالة مشفرة إلى (فايل)، الذي كان في بالتيمور في انتظار رسالة (مورس).
اقترحت ابنة صديق (مورس) ما يجب قوله في هذه الرسالة الأولى، وهكذا، بعث (مورس) رسالته الشهيرة ”ما فعل الله“ أو بالإنجليزية ”What hath God wrought“.
شيفرة مورس والانتشار العالمي

انتشرت خطوط التلغراف طويلة المدى كالنار في الهشيم خلال العقود التالية لاختراع الجهاز، وهذا ما حصل أيضاً لشيفرة مورس. فخلال الحرب الأهلية الأمريكية، استخدم الرئيس الأمريكي (أبراهام لينكولن) التلغراف ليبقى على اطلاع تام بمجريات الحرب ونتائج المعارك. وعندما أكملت شركة «ويسترن يونيون» بناء خطوط أول تلغراف عابر للقارات عام 1861، تلقى الرئيس (لينكولن) أول رسالة من مدينة سان فرانسيسكو (تبلغ المسافة بخط مستقيم نحو 3900 كلم).
لكن مع انتشار شيفرة مورس في بلدان أخرى، برزت عدة مشاكل وتحديات. لذا عمل عامل التلغراف الألماني (فريدريش كليمنس غيركه) على تبسيط نظام شيفرة مورس عام 1848، وأجرى عدة تغييرات من بينها إلغاء الشَرطات الطويلة جداً ونقح الكثر من شيفرات الأعداد والأحرف.
بعد إجراء تعديلات إضافية، أصبحت تلك النسخة التي عدلها (غيركه) تُدعى بـ «شيفرة مورس العالمية». بينما دُعيت النسخة الأصلية بـ «شيفرة مورس الأمريكية». وفي الحقيقة، أصبحت الأخيرة شبه منقرضة حالياً، بينما أصبحت شيفرة مورس العالمية هي السائدة.
تعلّم أساسيات شيفرة مورس

سنتحدث هنا بالطبع عن الشيفرة العالمية: الشَرطة أطول بثلاث مرات من النقطة. أما على الورق، فالرمز «-» هو رمز الشَرطة، بينما رمز النقطة هو «.» وإذا أخذنا الحرف E مثلاً، فهو يتألف من نقطة واحدة فقط، أي رمزه «.» بينما نجد حرف الـ C الأكثر صعوبة، ورمزه «-.-.» الجدول أسفل يوضح جميع الرموز.
إذا كنت ترغب بطباعة حرف يحوي العديد من النقاط أو/و الشرطات، فيجب عليك التوقف لفترة مكافئة لمسافة نقطة واحدة بين تلك المكونات (سواء كانت نقاط أم شرطات). أما إذا انتهيت من حرف ما وبدأت بحرف آخر، فعليك التوقف لمدة أطول تعادل مسافة ثلاث نقاط. أما إذا انتهيت من كتابة كلمة وتريد كتابة كلمة بعدها، فعليك التوقف لمدة قدرها مكافئٌ سبع نقاط.
بالطبع، جميعنا نعلم أن أشهر عبارة تُستخدم فيها شيفرة مورس هي «SOS» أو Save Our Souls أو أنقذوا أرواحنا. وهي إشارة تُعرف عالمياً عند استخدامها بأن الشخص في ورطة أو مأزق. وبالمناسبة، استُخدمت هذه العبارة لأول مرة من طرف عمال التلغراف الألمان عام 1905. لماذا اختار هؤلاء تلك الأحرف الثلاث؟ السبب هو بساطة الشيفرة العالمية التي ابتكرها الألمان أنفسهم: فحرف الـ S يُرمز بـ ثلاث نقاط، بينما حرف الـ O يُرمز بثلاث شرطات. بالتالي من السهل جداً، وفي مختلف الظروف، تذكر العبارة SOS، فهي كالتالي …—… سهلة أليس كذلك.
تطبيقات شيفرة مورس، بين الماضي والحاضر

صُممت شيفرة مورس خصيصاً لجهاز التلغراف، لكن الناس عثروا على طرق أخرى ليستخدموا بها لغة الإشارة تلك. تحديداً مع انتشار أجهزة الإبراق اللاسلكي Radiotelegraph في تسعينيات القرن التاسع عشر، فكانت الرسائل مشفرة تنتقل عبر موجات الراديو. وبدءاً من عام 1867، بدأت السفن تستخدم شيفرة مورس والأضواء الوامضة، فكانت السفن تعبر عن شيفرة مورس باستخدام الوميض.
هناك أيضاً مثال من التاريخ، وهو رجل (جيريمياه دينتون جونيور)، وهو طيار بحرية أمريكي (وأصبح سيناتوراً لاحقاً)، أُسر خلال حرب فيتنام. وأُجبر على الظهور في مقابلة تلفزيونية في فيتنام الشمالية ليتحدث فيها عن وضعه في الأسر، وأُجبر أيضاً على القول أن آسريه يعاملونه بشكل جيد جداً. على الرغم من أن (دينتون جونيور) قال ذلك فعلاً، لكن عينيه تحدثتا عن قصة أخرى: فكان يومض عينيه ويرسل شيفرة مورس عن طريق تلك الومضات وبعث على التلفاز الفيتنامي رسالة مشفرة قال فيها «تعذيب» أو «Torture».
في أواخر القرن العشرين، بدأت شيفرة مورس بالانقراض والاختفاء بشكل كبير. فلم يستخدمها خفر السواحل الأمريكي بصفة رسمية بعد العام 1995 على سبيل المثال، كما أن السفن الحديثة تعتمد كلياً على أنظمة الاتصال بالأقمار الصناعية. لكن يجدر بنا ذكر أن البحرية الأمريكية لا تزال حتى اليوم تدرب خبراء الاستخبارات على شيفرة مورس.
في المقابل، استمرت طائفة من هواة شيفرة مورس باستخدام التقنية الأخيرة، وهي «جمعية الحفاظ على شيفرة مورس العالمية». تلك الجمعية عبارة عن هواة عمال ومشغلي الراديو، وينتشر أعضاؤها في جميع أنحاء العالم تقريباً. لذا، مع اضمحلال العصر الذهبي لشيفرة مورس والتلغراف والنقاط والشرطات، من الجميل أن بعض الناس لا يزالون يستخدمونها حتى اليوم.