in

دخلك بتعرف المخاطر الصحيّة التي قد تصحب صيام رمضان؟

تمر

رمضان على الأبواب، وتبدأ التحضيرات والاحتفالات والتبريكات بحلول أقدس أوقات السنة بالنسبة للمسلمين، فهو وقت للعبادة والتقرب لله وللأقارب. لكن ما يجهله الكثير من المسلمين أن في طقسهم المميز لهذا الشهر، ألا وهو الصيام، ما قد يعود عليهم جسديًا ونفسيًا بالضرر.

وهنا قد يتدخل المسلم المتحمس لدينه ليقول ”ماذا عن كل تلك الأبحاث التي تبين فوائد الصيام؟“

إن أي بحث سطحي خلف المصادر التي يستخدمها الفقهاء والشيوخ في الحديث عن ”فوائد“ الصيام المزعومة يبين الخطأ (والذي قد يكون مقصودًا أو غير مقصود) الذي يقع فيه أنصار الصيام، ألا وهو سوء فهم معنى ”الصيام“ الذي يرد في هذه البحوث. فمثلًا، توصل الأطباء في بحث لمعهد إنترماونتين لأبحاث القلب أن الصيام يقلل من نسبة خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب، لكن ما لا يذكره أنصار صيام رمضان أن هذا البحث تم على صيام يوم واحد فقط ودون الصيام عن الماء، والأمر كذلك بالنسبة للبحث الذي يفيد أن الصيام يحسن فاعلية الإنسولين. وعلى هذه الشاكلة فإن معظم الأبحاث التي يقتبسها أنصار الصيام من المسلمين تدرس صيامًا لا يتعدى بضعة أيام وبالعادة لا يشمل شرب الماء.

وقد كثرت الأبحاث التي تدرس الآثار الصحية والنفسية لصيام رمضان، إلا أنها في معظمها لا توفر نتائج حاسمة، وذلك لتعدد المتغيرات التي تلعب أدوارًا مختلفة في آثار الصيام على الأفراد، كعدد ساعات الصيام وشدة المناخ، وكذلك عادات الأفراد في الدراسة: فتختلف، مثلًا، آثار الصيام على المدخنين من آثاره على غير المدخنين، وكذلك نوع وكم الطعام وقت الإفطار، وعليه تختلف نتائج الأبحاث التي تجرى في الهند، على سبيل المثال، من تلك التي تجرى في السعودية لاختلاف جميع المعطيات آنفة الذكر بين البلدين.

وعلى هذا التنويه، سنستعرض الآن بعض الدراسات التي درست بالفعل أثر الصيام، أي صيام شهر رمضان دون ماء أو طعام، على الصائمين جسميًا ونفسيًا ونجحت بتقديم نتائج حاسمة بشأن تلك الآثار.

الأثر الحقيقي لصيام شهر رمضان على مرضى السكري وغيره من الأمراض المزمنة

اخترت أن أعطي هذا الموضوع قسمه الخاص لكثرة مزاعم رجال الدين في هذا الشأن. وجدت إحصائية سنة ٢٠٠٤ بريادة الجامعة الأمريكية في بيروت، والتي درست أثر صيام خمسة عشر يومًا من رمضان على الأقل على حوالي ثلاثة عشر ألف مريض عبر ثلاث عشرة دولة، أن نسبة إصابة المرضى بنوبات انخفاض حاد في سكر الدم  أثناء رمضان ترتفع بمقدار أربعة أضعاف ونصف الضعف لمرضى السكري من النوع الأول وسبعة أضعاف ونصف الضعف لمرضى النوع الثاني، مما يشكل خطرًا ملحوظًا على مرضى السكري في هذه الأيام الحرجة، وهذا بدوره دفع الكثير من منظمات الصحة حول العالم كدائرة الصحة الوطنية البريطانية لنصح مرضى السكري والقلب والكلى وغيره من الأمراض المزمنة بتجنب صيام رمضان، بل وقام المجلس الإسلامي البريطاني بنشر كتيب ينصح فيه المرضى باستشارة أطبائهم قبل الشروع بالصيام لضمان سلامتهم.

صيام رمضان يؤثر على إيقاع الساعة البيولوجية وتوازن الطاقة في الجسم

إيقاع الساعة البيولوجية وتوازن الطاقة في الجسم

استنتجت دراسة من جامعة ليفربول جون مورز البريطانية عن أثر صيام رمضان على العمليات الحيوية الطبيعية في جسم الإنسان أن صيام رمضان له أثر سلبي على معدل الطاقة في الجسم، فقد وُجد أن الصائمين يبدون أعراض الجفاف وتزايد الاعتماد على مخزون الدهون في استخراج الطاقة، أي أن الجسم يتعرض للتضور، كما وجدت أن الأداء العضلي والحركي-النفسي يتدهور بشكل منتظم مع مرور أيام شهر رمضان.

بالإضافة، فإن التغيرات الفيسيولوجية المرتبطة بالالتزام بالصيام والسحور تتضارب مع الدورة الايقاعية (الساعة البيولوجية) الطبيعية والتي تحدد أوقات الراحة والنشاط بشكل يتوافق مع ساعات الظلام والضوء. حين يلتزم المسلم بالصيام، فإن ساعات نشاطه (والتي يكون الطعام محورًا أساسيًا فيها) تتعارض مع الإيقاع الطبيعي، فاختلاف مواعيد الطعام بهذا الشكل الفظيع وقلة النوم المعتادة في ليالي رمضان تسبب خللًا في هرمونات الجسم والتي قد تؤدي لزيادة خطر الإصابة بالأرق والاكتئاب وغيرها من العلل، بالإضافة لأمراض القلب والأوعية الدموية.

ولعل أحد أهم المخاطر المصاحبة لصيام رمضان والتي تؤثر بالذات على المرضى من الصائمين هي انخفاض في الالتزام بتناول الأدوية المحددة للمرضى، سواءً في توقيتها أو في كمها. فقد وجدت دراسة تمت على واحد وثمانين مسلمًا أثناء صيامهم لرمضان أن سبعة وثلاثين منهم قد خالفوا مواعيد تعاطيهم الأدوية أثناء الصيام، وأن خمسة وثلاثين آخرين تخلوا عن الدواء بالكامل، والبعض الآخرون؛ عوضًا عن ترك الدواء، قاموا بتعاطي جميع جرعات اليوم في آن واحد بعد الإفطار في المساء، وهذا بدوره يسبب خطرًا على الصائمين المرضى سواء من ترك الدواء أو ركز جرعاته. وكذلك وجدت دراسة أخرى على سبعمائة وخمسين صائمًا في تركيا نتائج مماثلة.

صيام رمضان يؤثر على الصحة النفسية والذهنية للصائم

لعل أحد أكثر الآثار الجانبية للصيام دراسة هي الآثار النفسية والذهنية، ففي مراجعة مطولة للدراسات عن آثار صيام رمضان من جامعة أبيردين وجامعة الكويت، تبين أن جميع الدراسات التي فحصت الأثر الذهني للصيام وجدت انخفاضًا ملحوظًا في يقظة الصائمين وقدرتهم على ضبط مشاعرهم. كذلك شهدت تلك الدراسات ارتفاعًا في مستوى الخمول والبلادة لدى الفرد الصائم وارتفاعًا في حدة الطبع والعصبية وكذلك انحطاطًا في القدرات المعرفية والإدراكية. وجدت هذه الدراسات أيضًا أن نسبة الإصابة بالصداع وصداع الشقيقة بفضل الجفاف وقلة النوم تزداد أثناء رمضان بين الصائمين مما يزيد من حدة الأعراض الذهنية والنفسية آنفة الذكر.

وفي الختام، وبضوء جميع ما ذكر من آثار الصيام السلبية، لابد أن تقلبات المزاج وقلة النوم وحالات الجفاف وقلة التركيز واللعب بجرعات ومواعيد الدواء كلها تؤثر سلبًا على صحة الصائم، ولهذا فإن من الطبيعي أن العديد من الدراسات وجدت أن تواتر المسلمين الملتزمين على وحدات الطوارئ في المستشفيات يرتفع بشكل ملحوظ أثناء رمضان عن غيره من المواسم، بل ووجدت إحصائية أجريت في مدينة العين في الإمارات العربية المتحدة أن عدد الإصابات جراء حوادث السير أثناء رمضان فاقت بشكل مبين أعدادها أثناء أشهر السنة المتبقية.

فالقصد من مقالي هذا هو لفت الانتباه للآثار السلبية التي قد يحملها صيام رمضان، خصوصًا أثناء الحر والنهار الطويل، وضرورة توخي الحذر والإحاطة باحتمالية تأثير الصيام على العمليات اليومية العادية، وأطلب من الصائمين في هذا الشهر أن يعملوا بما ورد في القرآن أن ”لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا“ (البقرة ٢٦٨)، ولذلك أناشد من يشعر بأي من الأعراض المذكورة أعلاه أو غيرها من الأعراض أثناء نهاره إما أن يكسر صيامه أو أن يتجنب الأعمال المتعبة كالقيادة أو العمل الشاق حتى يضمن سلامته وسلامة من حوله، فلا أوجع من أن تنتهي فرحة هذا الشهر بسبب حادث كان يمكن أن يتجنب، وليكن هذا الشهر شهر الجَمعة والصدقة والأطباق الشهية دون شقاء وألم لا لزوم له، وكل عام والعالم الإسلامي بخير.

مقالات إعلانية