in

معلومات عامة عن شعب الاسكيمو، من هم؟ ومن أين أتوا؟

شعب الاسكيمو

الإسكيمو (eskimos أو eskimaux) أو الانيوت أو اليوبيك أو الانيوبيات أو اليوبيك، كلها تسميات تطلق على الشجعان، مجذفوا قوارب الكاياك الذين يسكنون المناطق الشمالية، في أقسى الظروف التي عرفها الإنسان.

لكن ماذا نعرف عن هؤلاء؟ سوى منازلهم الجليدية وسهام صيد الحيتان ومعاطفهم التي تلف أجسامه؛ فالحقيقة أن أغلب الناس لا يعرفون الشيء الكثير عن هؤلاء الصيادين التاريخيين الذي احترفوا القنص، وعن نسلهم المعاصرين.

الاسم:

شعب الاسكيمو
شعب الاسكيمو

رغم أن اسم ”إسكيمو“ يمكن استعماله في سياق محايد (في أغلب الأحيان)، إلا أنها تحمل بعض الإيحاءات العنصرية، كما هو الشأن مع اسم ”هندي“ التي تحمل إساءة لسكان أمريكا الأصليين. ومع ذلك، يبقى هذا الاسم مقبولا من الناحية التقنية وشائع الاستعمال علميا، ويرتكز هذا الاستعمال على أصل ثابت وقوي.

ويُعتقد أن أصل كلمة إسكيمو يعود إلى اللغة الدنماركية أو الفرنسية (من الكلمة eskimeaux)، إلا أنه من المحتمل أن يعود أصل هذا الاسم إلى اللغة الألغوكيانية من لفظة ”askimo“، لكن الباحثين لا يجمعون على أن هذه اللفظة تعني إما ”آكلوا اللحم“ أو ”صائد السمك ذو الحذاء الثلجي“.

لا يزال العديد من الاسكيمو يعتبرون هذه الكلمة إساءة لهم، ولهذا سنتجنب استعمالها من الآن فصاعدا في أي موضوع كان احتراما لهذا الشعب الفخور. إن التسمية التي تحظى بقبول شامل ويتداول استعمالها سياسيا بشكل صحيح (وهي التسمية التي يستعملها هذا الشعب نفسه) هي ”الإنيوت“، وهي في الحقيقة تسمية جامعة؛ فشعب الانيوت ينتمي إلى الجماعات الثقافية التي تسمى اليوبيكوالاينوبيات، وهي تمتلك عدة فروع.

عندما نستعمل تسمية الأنيوت، لا يدرك الكثيرون أنها تحيل إلى الجمع؛ فمفردها هو ”انوك“.

قبلة الاسكيمو:

قبلة الاسكيمو
قبلة الاسكيمو – صورة من تصميم Mark Matcho

تكون قبلة الاسكيمو بملامسة الشخص أنف صاحبه تعبيرا عن العاطفة الموجودة بينهما، إذ أن شعب الانيوت، عوض طريقة التقبيل العادية، يستعملون ملامسة الأنف، لأن التقبيل العادي يجمد لعابهم ويؤدي إلى التصاق شفاههم، وهذا يشكل خطرا عليهم. والحقيقة أن لهذه الطريقة مزايا كثيرة يغفل عنها العديد من الناس.

تسمى قبلة الايسكيمو بـ”كونيك“، وهي أكبر من ملامسة الأنفين، إذ أنها تعبير عن الشكر بامتنان، ويقوم بها الأزواج أو الأطفال أو آباؤهم. وتبدو طريقة التقبيل هذه أنها مجرد احتكاك للأنفين، لكن الشخصين اللذين يقبلان بعضهما البعض يشمان رائحة شعريهما وخدودهما (هناك غدد للرائحة في خدود الإنسان). هذه الطريقة تسمح للمتعانقين بالتعرف على بعضيهما حتى بعدم الرؤية، وذلك عن طريق الرائحة التي تعد توقيعا لهما.

الطعام:

الحوت الوحيد القَرن
الحوت الوحيد القَرن (حريش البحر) – صورة لـPaul Nicklen—National Geographic

رغم تأثر شعب الاسكيمو بالطعام الغربي إثر وصول محلات البيع، فإن نمطهم التاريخي في الأكل يبقى رائعا، فالنباتي قد يشق عليه العيش في قبائلهم؛ فهم يعيشون في بيئة قاحلة وباردة، لذا فنمط غذائهم يرتكز أساسا على اللحوم بمختلف أنواعها، وعلى نحو أقل على التوت البري والطحالب البحرية. حتى في العصور الحديثة، لا تزال الفواكه والخضر قليلة الوفرة وباهظة الثمن، وعليه لا يزالون يعتمدون على الأرض في غذائهم.

لقد كان شعب الاسكيمو صيادون متمرسون إلى درجة أنهم كانوا قادرين على قنص كل شيء، فكانوا يعيشون على لحوم الوعل والمرقط وحصان البحر والحوت، ومختلف الأسماك والطيور، وحتى الدب القطبي. كما يمتلكون العديد من الطرق التقليدية لتحضير الطعام؛ مثل التجفيف والطهي باستعمال زيت الحوت أو دفنها في الأرض حتى تتخمر طبيعيا، وهناك بعض الأطعمة لا تُطهى. البعض منهم يعتبرون السمك الأبيض المتجمد طعاما شهيا.

قد يبدو لنا أن نمط الغذاء الذي يعتمد على اللحم بشكل كبير يؤدي إلى مشاكل صحية معقدة، لكن شعب الاسكيمو الذي يتبع ذلك يعد من أكثر الشعوب التي تتمتع بصحة جيدة في العالم. إن هذه المفارقة ظلت لزمن طويل موضوعا شغل مساحة مهمة في البحث العلمي.

البيوت الجليدية:

البيوت الجليدية
البيوت الجليدية

يعد البيت الجليدي المسمى ”igloo“ المسكن الرئيسي للفرد من شعب الاسكيمو؛ وهو عبارة عن بناء ذو شكل قبوي رائع، يتشكل من قطع جليدية أو ثلجية، أي كوخ أُنشىء بذكاء من أشياء بسيطة فرضته الحاجة إلى إقامة ملجأ في المكان الأول. يعتمد البيت الجليدي على خاصية العزل التي يتميز بها الثلج، فيكون مريحا.

رغم أن أغلب الناس يرسمون البيت الجليدي كقبة ثلج صغيرة، إلا أن تلك البيوت تتخذ العديد من الأشكال والأحجام… وكذا المواد.

بالنسبة للانيوت، ”igloo“ هي مجرد كلمة تعبر عن بناء يعيش فيه الناس؛ أي مهما كان هذا البناء، بغض النظر عن حجمه أو شكله أو مادة بنائه، وهذا يعني أنه من المحتمل أنكم تقرؤون هذا المقال بينما انتم داخل igloo

وحش كالوبيلوك:

نهر متجمد
نهر متجمد – صورة لـChristopher Martin

لكل ثقافة وحوشها الأسطورية بما فيها تلك التي تعج بالوحوش حتى في الحياة اليومية. يقضي الاسكيمو يومهم في عبور الحقول الجليدية المحفوفة بالمخاطر لاصطياد فيل البحر والدب القطبي. إخافة اطفال الاينوي عن طريق حكايات الغول لحملهم على الطاعة لن يكون بالأمر السهل فهم يتوقعون المخالب والأنياب الحقيقية في كل زاوية مع ذلك فثمة كائن يخشاه حتى أطفال الاسكيمو.

كالوبيلوك (تعني الوحش) هو وحش الاسكيمو المفضل. تقول الأسطورة أن كائنا قبيحا يشبه الإنسان معقوف الظهر يتربص بالأشخاص الغافلين و يسحبهم إلى أعماق البحر، ويعتبر هذا الخوف طبيعي وصحي لمجتمع قطبي كثيرا ما يعني السقوط في الماء عنده الموت.

شقر الاسكيمو:

شقراء الاسكيمو
شقراء الاسكيمو – صورة لـAlice W من فليكر

في عام 1912 عثر مستكشف يدعى ستيفانسون على قبيلة اسكيمو غريبة كل أفرادها شقر وطويلوا القامة يشبهون الاسكندنافيين، ما أثار جدالا كبيرا حول أصل هذه القبيلة. ويتفق جميعنا على أن شقر القطب الشمالي الكندي ينحدرون من سلالة المستكشفين الفايكينغ الذين استقروا هناك منذ قرون خلت.

وقد رجحت الكفة باتجاه نظرية الفايكينغ لأنه لم يعثر لهم على أثر منذ رحيلهم. خلصت دراسة على الحمض النووي أجريت في 2003 الى دحض الفرضية كليا. مع ذلك فقد أيقن العلماء أن ثمة سبب يقف وراء ادعاء ستيفانسون اذ تبينوا أن أسطورة الاسكيمو ذوو الشعر الأشقر كانت منتشرة على نحو واسع لدرجة أنها قد تحوي جانبا من الصحة وإن كانت ادعاءات ستيفانسون كاذبة.

مفردات الثلج:

كثبان من الثلج
كثبان من الثلج

لا يذكر لفظ اسكيمو أمامنا الا و يتبادر الى أذهاننا الكم الهائل من التسميات التي يملكونها عن الثلج، يستطيع فرد من شعب الاسكيمو إن يصف الثلج بنحو 50 إلى 400 لفظة مختلفة صيغت على نحو بليغ لوصف نوع معين من الهطول المتجمدة.

غير أن ذلك غير صحيح ففكرة ان تسميات الثلج لا حصر لها جاء بها عن غير قصد عالم الانتروبولوجيا فرانز بواس Franz Boas في القرن التاسع عشر، اذ كان يعيش بين الاسكيمو ليدرس عاداتهم. أعجب فرانز بالمفردات التي يصف بها الاسكيمو الاراضي المتجمدة. فأكيلوكوك Aqilokoq تعني الثلج المتساقط بلطف وبينيارتوك piegnartoq تشير الى الثلج الذي يصلح للتزلج الى غيرها من التسميات.

أغفل فرانز ذكر خاصية تتميز بها لغة الاسكيمو وهي الربط بين مختلف الكلمات على نحو يوحي بأن جملة كاملة تشكل كلمة واحدة.

في الواقع فان عدد مفردات الثلج في لغة الاسكيمو هو تقريبا نفسة في اللغة الانجليزية. بيد أن لغتهم تسمح لهم بربط الكلمات ببعضها فتبدو كأنها كلمة واحدة كقول ”أجل إنها تثلج“ أو ”غريب كيف يبدو هذا الثلج أصفرا مع أنه لم يكن كذلك يوم أمس“

الدروع:

دروع الاسكيمو
دروع الاسكيمو

دفعت الحاجة بشعب الاسكيمو الى ان يبرع في صناعة الملابس الدافئة والدائمة. لكنهم في الماضي عندما كانوا يعتمدون كليا في عيشهم على الصيد كانوا ماهرين أيضا في صناعة الدروع، اذ كثيرا ما كانت طرائدهم تشكل خطرا عليهم ولا يتورط أحدهم في جلب وحش من دون حماية.

درع الاسكيمو التقليدي يتشكل من رقائق لوحات العظام (كثيرا ما تصنع من أسنان فيل البحر تعرف باسم عاج الفظ) بينما تضم أشرطة مصنوعة من الجلد أجزاء الدرع يبعضها. الغريب في الأمر أن التصميم يشبه إلى حد ما الدروع فائقة الحماية التي كان يستخدمها المحاربون اليابانيون القدامى.

توصل الاسكيمو إلى إتقان صنع هكذا دروع وظيفية وباستعمال أجزاء صغيرة من الحيوانات التي كانوا يستطيعون اصطيادها يدل على براعتهم و مهارتهم من أجل البقاء.

الأسلحة:

الكاكيفاك kakivak رمح ثلاثي الشعب
الكاكيفاك kakivak رمح ثلاثي الشعب

لم يستعمل الاسكيمو الأسلحة النارية والأسلحة المتطورة الأخرى إلا بعد احتكاكهم بالثقافات الأخرى. كانت أسلحة الاسكيمو التقليدية مصنوعة من الحيوانات التي كانوا يصطادونها ومن المواد المسترجعة مثل الحجارة والخشب.

لم تكن لديهم أدوات لتشكيل المعادن على نطاق واسع فاتخذوا من الحجارة بديلا لها. وكانت الهراوات والسكاكين المصنوعة من العظام والرماح والحراب الأسلحة الرائجة عند الاسكيمو. أما الأقواس وحتى البولاس «bolas» فكانت تصنع من الجلد والعظام والعصب.

يعد سكين الأولو ulu أداة توقيع نساء الاسكيمو، الاولو سكين مقوس يتكون من شفرة عريضة كان يستعمل لتقطيع اللحم المتجمد ولكن أيضا لتسديد طعنة إذا استدعى الأمر ذلك. أما الرجال فكانوا يستعملون الكاكيفاك kakivak رمح ثلاثي الشعب تفيد السن المحورية في قتل الطريدة بينما تضمن السنين الجانبيتين عدم إفلاتها.

صممت أسلحة الاسكيمو لإلحاق أكبر ضرر ممكن، ذلك أن معظمها يستخدم للصيد وتقطيع اللحم. كانت الشفرات حادة ومسننة في أغلب الأحيان إذ تصنع خصيصا للتمزيق والنهش بدلا من تقطيع اللحم وثقبه بأناقة. كما استخدم الاسكيمو الأسلحة أثناء الحروب عند الضرورة ما أكسب محاربي الاسكيمو مهابة لدى أعدائهم.

الفقر:

عربة يجرها كلاب الاسكيمو
عربة يجرها كلاب الاسكيمو

مع التطور الذي عرفته الحياة العصرية والتشريعات القانونية عانى شعب الاسكيمو من المصير ذاته الذي عانت منه القبائل شبه الرحل مثل سكان استراليا الأصليين اذ تفوق نسبة الفقر والبطالة عندهم نسب باقي دول العالم الغربي. علاوة على التمييز العنصري و تجاهل السلطات لهم على أنهم يمثلون ثقافة قائمة بذاتها، لا سيما في الولايات المتحدة الأمر الذي أدى إلى ظهور العديد من المشاكل الاجتماعية كما كان للنظام الغذائي الغربي وقلة الحركة أثرا وخيما على صحة الاسكيمو.

ويظل السؤال مطروحا كيف ستبقي ثقافة الاسكيمو على وجودها؟ الاحتمال الوارد يتمثل في الاقتصاد المتنامي في الشمال ووفرة الموارد الطبيعية هناك ومعرفة الاسكيمو بمنطقتهم ووفرة القوة العاملة لديهم تنبئ بمستقبل اقتصادي أفضل.

مقالات إعلانية