عندما نفكر بالولايات المتحدة الأمريكية، فواحدة من الأشياء التي تخطر بالبال هي كونها واحدة من أكثر البلدان تقدماً في العالم من مختلف النواحي، فعدا عن كونها القوة الصناعية والتجارية وحتى السياسية الأكبر في العالم، فالحياة الأمريكية عموماً تتضمن العديد من الرفاهيات التي تسهل الحياة مقارنة بالغالبية العظمى من البلدان الأخرى. لكن حتى مع وجود العديد من الأشياء التي تسهل الحياة وتجعلها أبسط في الولايات المتحدة، فهي بالتأكيد لا تمتلك كل الأشياء التي تعد أموراً أساسية ومعتادة في الأماكن الأخرى من العالم.
في حال كنت تشاهد البرامج التلفزيونية أو الأفلام الأمريكية، فالأرجح أنك ستعرف بعض هذه الأشياء الموجودة في القائمة، حيث سنذكر هنا خمسة أشياء أساسية موجودة في الغالبية العظمى من بلدان العالم باستثناء الولايات المتحدة، كما سنتحدث عن سبب غيابها هناك، ولماذا يبدو الأمر غريباً للغاية من حيث غيابها.
نظام الواحدات المترية
في حال سألت أي أحد تقريباً عن عدد الميليمترات في السنتيمتر الواحد، أو عدد الغرامات في كيلوغرام واحد، فالأرجح أنك ستتلقى جواباً سريعاً وصحيحاً، فالواحدات التي يستخدمها معظم البشر حول العالم اليوم بسيطة للغاية، فهي دائماً تعتمد مضاعفات العدد 10 مما يجعل التحويل بينها بسيطاً للغاية وسهلاً كفاية ليعرفه الأطفال. لكن ماذا لو جمعت مجموعة من الأمريكيين البالغين حتى وسألتهم عن عدد الأونصات في باوند واحد، أو عدد الياردات في ميل واحد، فالنسبة الأكبر لن تتمكن من الإجابة بشكل صحيح في الواقع.
بالنسبة لبقية سكان العالم، تبدو الواحدات المستخدمة في الولايات المتحدة غبية ببساطة، فالتحويل بينها غير منطقي أبداً ويبدو عشوائياً تماماً، وحتى بالنسبة لمن يستخدمون تلك الواحدات طوال الوقت فتذكر وجود 12 إنشاً في القدم أو 3 أقدام في الياردة و1760 ياردة في الميل الواحد هي مهمة صعبة نسبياً ويفشل الكثيرون فيها. في الواقع فنظام الواحدات الأمريكي اليوم سيء كفاية بحيث أنه غالباً ما يتم التغاضي عنه في المجالات العلمية، وفي بعض المناسبات تسببت الاختلافات والجهل في التحويل بين النظام المتري والإمبريالي بكوارث كبيرة منها تحطم مكوك فضائي على المريخ.
اليوم جميع الدول في العالم تستخدم النظام المتري لواحداتها مع ثلاثة استثناءات فقط: الولايات المتحدة الأمريكية، وليبيريا [بلد أفريقي أسسه عبيد محررون من الولايات المتحدة] وبورما، وسبب عدم استخدام النظام المتري في الولايات المتحدة مسلٍ نسبياً في الواقع، حيث أن القراصنة هم من منعوا وصول النظام في الواقع.
خلال القرن الثامن عشر، كانت مختلف الأماكن في العالم تستخدم العديد من الأنظمة المختلفة للأطوال والأوزان، في الواقع كانت الواحدات متنوعة للغاية بحيث أنها تختلف من بلدة إلى بلدة أخرى مجاورة لها، وحتى مع كون بعض البلدان تمتلك أنظمة واحدات رسمية، فقد كانت هذه الواحدات تستخدم في العواصم وتنسى في الأماكن الأخرى باستثناء نظام واحد: نظام الواحدات الفرنسي الذي انتشر بعد الثورة الفرنسية وصعود نابليون إلى الحكم، وفي الولايات المتحدة كان هناك جدال كبير حول توحيد أنظمة الواحدات المستخدمة مع اختلافها بين المدن المكونة للبلد الفتي حينها.
عندما تقرر توحيد الواحدات في الولايات المتحدة، حاول توماس جيفرسون –الذي كان أحد ”الآباء المؤسسين“ والرؤساء الأوائل للولايات المتحدة– إقناع الآخرين باستخدام النظام الفرنسي للواحدات، ولهذه الغاية فقد طلب من عالم فرنسي باسم (جوزيف دومبي) القدوم لمساعدته في مسعاه كونه خبيراً بالنظام المتري الحديث حينها وفوائده الكبرى للتجارة. لكن ولسوء حظ الأمريكيين ربما، فقد أدت عاصفة لتغيير السفينة المقلة لـ(دومبي) لمسارها، ووقوعها بأيدي قراصنة الكاريبي –اسم سلسلة الأفلام الشهيرة لم يأتي من الفراغ.
مع فقدان (جيفرسون) للخبير المطلوب لتقوية موقفه، فقد تم الاتفاق على اعتماد النظام الإنجليزي للواحدات في الولايات المتحدة وإنهاء الأنظمة الأخرى المستخدمة. المضحك ربما، هو أن إنجلترا نفسها تخلت عن نظام واحداتها لصالح النظام المتري عام 1965، وبقيت الولايات المتحدة بذلك مختلفة عن جميع البلدان الأخرى متمسكة بنظام واحدات يمكن وصفه بالغبي.
”الشطافة“
في حال اتسخت يدك أو جزء آخر من جسمك بالفضلات البشرية؛ ما هي الطريقة التي تستخدمها لتقوم بتنظيف نفسك؟ الجواب بسيط للغاية هنا: بالتأكيد ستستخدم الماء لتنظيف المنطقة المتسخة ولن تقوم بمسحها بمنديل ورقي ومن ثم إكمال يومك كما لو أن شيئاً لم يحصل. هذه الفكرة البسيطة للغاية هي السبب بكون الماء هو المستخدم للتنظيف بعد استخدام المرحاض في مختلف مناطق العالم الحديث في الواقع، لكن في بعض أماكن شمال أوروبا وفي الولايات المتحدة تبدو الفكرة مستهجنة تماماً.
ببساطة ففي الولايات المتحدة عادة ما تستخدم المناديل الورقية بشكل شبه حصري للتنظيف بعد استخدام المرحاض، ومع أن الأمر يبدو عادياً للغاية للأمريكيين فهو مستغرب من معظم الأشخاص في العالم لأنه ببساطة أقل فاعلية للتنظيف في الواقع، وبالطبع غير صحي كما استخدام الماء للغسل، وهنا تأتي المفارقة حيث أن استخدام الماء للتنظيف يبدو أمراً غريباً للأمريكيين وحتى أنه يعد ”غير نظيف كفاية“ في نظر البعض.
في الواقع لا أحد يعرف سبب ابتعاد الأمريكيين عن استخدام ”الشطافة“ للتنظيف بمختلف الأشكال الموجودة لها، لكن واحدة من النظريات المقترحة هي أن الأمر نتج من بيوت الدعارة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أن الجنود الأمريكيين الذين قاتلوا خلال الحرب العالمية الثانية لم يتعاملوا مع الأشياء المنتشرة في فرنسا إلا بشكل محدود وبالدرجة الأولى في بيوت الدعارة، لذا فقد ارتبطت لديهم فكرة استخدام الشطافة ببيوت الدعارة، وأخذوا هذه الفكرة معهم عند عودتهم إلى الولايات المتحدة.
بالنسبة للبعض قد يبدو استخدام المناديل الورقية خياراً موفراً للماء مثلاً، لكن الواقع هو أن تصنيع المناديل الورقية يحتاج لكميات أكبر بكثير من الماء مقارنة بما يستخدم للتنظيف في المراحيض، كما أن الخيارات البديلة مثل ”المناديل الرطبة“ هي كارثة بيئية في الواقع، بالإضافة لكونها تسببت بمشاكل كبرى في الصرف الصحي لبعض المدن الأمريكية كونها لا تتفكك بسهولة في الماء كما المناديل الورقية، وبالتالي تتسبب بالانسدادات والمشاكل.
الدوارات في الشوارع
ما هي الطريقة المثالية لتجنب الحوادث المرورية على تقاطعات الطرق؟ بالطبع فإشارات المرور أو حتى شارات التوقف قد تفيد في بعض الحالات، لكن للتعامل مع الازدحام الشديد فأفضل ما يمكن فعله في الواقع هو وضع ”دوار“ في التقاطع يسمح بمرور السيارات عبر التقاطع والانتقال عبره بسهولة ودون توقف ودون التضحية بالأمان، في الواقع فالدوارات الطرقية هي واحدة من أنجح الأساليب المتبعة للتعامل مع التقاطعات المزدحمة في العالم.
لكن كما الأشياء الأخرى في القائمة، فكون الدوارات منتشرة جداً حول العالم كوسيلة مثالية للتعامل مع تقاطعات الطرق دون شارات مرور، فهي نادرة للغاية في الولايات المتحدة، والكثير من الأمريكيين لا يعرفون كونها منتشرة في البلدان الأخرى أصلا، ومع أن الدوارات أرخص فعلياً من الطرق الأخرى على المدى الطويل كونها لا تحتاج للصيانة أو الكهرباء عادة وتوفر استهلاك وقود السيارات حتى كونها لا تتطلب التوقف التام.
وفق النظريات المتداولة حالياً، فالسبب الأساسي بكون الدوارات أمراً نادراً للغاية في الولايات المتحدة هو أن مخططي الطرقات الأمريكيين وجدوها غير مناسبة للهجومية الزائدة لدى السائقين الأمريكيين، حيث أن نجاحها في المملكة المتحدة ربط بالهدوء والرزانة التي عادة ما تربط بالبريطانيين عموماً، وبالتالي فقد وجدها مخططو الطرق الامريكيون غير متناسبة مع المجتمع الأمريكي الأكثر شراسة وهجومية والأقل رزانة بالطبع.
مقياس درجات الحرارة المئوية

ما هي درجة الحرارة التي تعتبرها معبرة عن صيف صحراوي خانق؟ ربما يكون جوابك 40 أو حتى 50 درجة، وبالطبع فبالنسبة لمعظم الأشخاص هذه الحرارة لا تطاق أبداً ومن الممكن أن تتسبب بمشاكل صحية للبعض. لكن في الولايات المتحدة تعد درجات 40 أو 50 حتى شتوية نوعاً ما، والسبب هنا ليس لأن الولايات المتحدة قطعة من الجحيم حيث الحرارة لا تطاق، بل لأن الولايات المتحدة ببساطة لا تستخدم نفس درجات الحرارة الخاصة بكل العالم، حيث تعتمد مقياس فهرنهايت عوضاً عن مقياس سلسيوس المئوي.
في النظام المئوي الذي يعرفه الجميع درجة تجمد الماء هي 0، بينما درجة تبخره هي 100، وبالطبع فهذا الأمر مناسب وعملي للغاية كما أنه متناسب بشكل جيد جداً مع نظام الواحدات المترية، لكن نظام فهرنهايت يستخدم طريقة أخرى لقياس الحرارة، فالماء يتجمد عند الدرجة 32، ويغلي عند الدرجة 212، وبالنتيحة فالتحويل بين النظامين غريب للغاية ومزعج حتى، كما أن درجات 32 و212 للتجمد وغليان الماء تبدو قيماً عشوائية مشابهة لقيم النظام الإمبريالي.
في السابق وحتى مطلع القرن العشرين، كانت العديد من البلدان تستخدم درجات فهرنهايت في الواقع، فعلى الرغم من أن مقياس سلسيوس المئوي موجود منذ بضعة مئات من السنين فقد كان انتشاره محدوداً للغاية، لكن بالوصول إلى منتصف القرن العشرين بدأت معظم الدول بالانتقال نحو النظام المئوي لأنه أبسط ويرتبط بشكل أفضل مع النظام المتري. في الواقع؛ الولايات المتحدة نفسها كانت على وشك الانتقال إليه كذلك عندما تم الموافقة على قانون الانتقال إلى النظام المتري عام 1975.
وفق المخطط، كان من المفترض أن تنتقل الولايات المتحدة إلى النظام المتري ودرات حرارة سلسيوس بشكل تدريجي خلال السبعينيات، لكن القانون كان يمتلك ثغرة أساسية: لم يكن إلزامياً، وبالنتيجة لم يتم الالتزام بالقانون في الواقع، وبعد خمسة سنوات غير مجدية تم إنهاء عمل القانون وتوقفت محاولات الولايات المتحدة لاستخدام الواحدات المتعارف عليها في باقي الأماكن منذ حينها.
التصويت في أيام العطلة
في معظم البلدان حول العالم هناك واحدة من حالتين عند الحديث عن الانتخابات عادة، إما أن الانتخابات تتم في يوم عطلة رسمية مثل عطلة نهاية الأسبوع مثلاً، أو أن يوم الانتخابات يحول إلى عطلة رسمية للجميع بحيث يكون ممكن لكل الناخبين الممكنين الوصول إلى صناديق الاقتراع دون مشاكل، لكن على عكس معظم البلدان، فالانتخابات الأمريكية عادة ما تتم أيام الثلاثاء تحديداً أي في وسط الأسبوع ومع كونها ليست عطلة رسمية، فالعديد من الأشخاص لا يستطيعون التصويت في الواقع.
سبب المشكلة في الولايات المتحدة ينقسم إلى جزئين، حيث أن الولايات المتحدة مكونة من ولايات تمتلك قوانينها الخاصة، ومحاولة صنع عطلة جديدة للجميع هو كابوس بيروقراطي حقيقي، كما أن تحديد يوم التصويت بالثلاثاء يعود إلى قانون قديم عمره أكثر من 150 عاماً، حيث كان هذا اليوم ببساطة هو الأنسب للمزارعين حيث يعطيهم يوماً للسفر إلى أقرب صندوق اقتراع منهم، ليصوتوا يوم الثلاثاء ويعودوا في اليوم التالي، حيث كان يوم الأحد يعامل بقدسية كبيرة حينها، وتأجيل الانتخابات كان خياراً منطقياً أكثر من إغضاب الجمهور المسيحي المتزمت والمتمسك بالذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد.