in

مدينة تحت الأرض في بكين: تعرّف على الملجأ النووي العملاق الذي تحوّل إلى مأوى للكثير من الصينيين

بعد مرور عدة أشهر من عام 2020، شهد عالمنا العديد من الأحداث الخطيرة: تفشي الجائحة والركود الاقتصادي واغتيال مسؤول إيراني وحريق أستراليا ووحشية الشرطة الأمريكية –على الرغم من أن وحشية الشرطة كانت متفشية بالفعل لعقود من الزمن– وكثير من الأحداث السيئة والأوضاع المقلقة التي يمر بها عالمنا العربي حالياً، والتي قد تقودك للتشاؤم والخوف من نشوب حرب نووية في نهاية المطاف.

أولاً، اعتمادًا على مكانك والمكان الذي يتم إطلاق الصاروخ منه، سيكون لديك ما بين 10 إلى 45 دقيقة للاستعداد –ففي حالة الإنذار الصاروخي الكاذب الذي انطلق في هاواي في عام 2018، قدر المسؤولون أن سكان هاواي امتلكوا نحو 12 دقيقة بين الإنذار بالصاروخ ووقوع الانفجار. لكن لحسن الحظ كان إنذاراً زائفاً.

هناك نصائح حقيقية للبقاء قرأنا عنها على ويكيبيديا، ونعلم جميعًا أن الشيء الوحيد الواقعي الذي سيضمن لك البقاء على قيد الحياة هو بناء مدينة ضخمة تحت الأرض لإيواء ملايين الأشخاص في حالة حدوث حرب نووية.

أكبر ملجأ نووي في العالم

صورة من أنفاق الملجأ الواقع تحت بكين. صورة: Alamy
صورة من أنفاق الملجأ الواقع تحت بكين. صورة: Alamy

هذا بالضبط ما بنته الصين تحت العاصمة بكين في عام 1969. لم تكن الحرب الباردة مجرد تجربة أداء هدفها الأعلى قصف أمريكي آخر بالرؤوس النووية، كان هناك الكثير من الدول الأخرى التي تمتلك صواريخها الخاصة وتوتراتها الخاصة بعد الحرب. حتى العلاقة بين الصين والاتحاد السوفياتي كانت تنطوي على خلافات ومشاحنات أيديولوجية، وعدد من النزاعات الحدودية، وصراع عسكري صغير دام سبعة أشهر أدى إلى مقتل بضع مئات من الجنود.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الأمور قد تنحدر إلى صراع أسوأ وأكثر حدة مع الاتحاد السوفياتي، عمل الرئيس الصيني آنذاك (ماو تسي تونغ) على حفر أحد أكبر أنظمة المخابئ التي تم تصميمها على الإطلاق. وعبارة «عمل الرئيس الصيني» تعني في الحقيقة أنه أمر 300 ألف شخص من سكان بكين، وربما عدد قليل من تلاميذ المدارس، بحفر 85.47 كلم مربع من الأنفاق باليد، بينما كان هو يتمطى في قصره الإمبراطوري.

أحد أنفاق الملجأ.

لم يُجهز المأوى الناتج بمساحات للمعيشة فحسب، بل احتوى المطاعم والمدارس والمرافق الطبية والمصانع ومستودعات الحبوب ودور السينما وحلبات التزلج على الجليد ومزرعة زراعة الفطر وكل وسائل الراحة الأخرى.

في حال وقوع ضربة نووية وشيكة على بكين، يمكن لأي مقيم الدخول إلى أحد المداخل الـ 90 الموضوعة بشكل استراتيجي حول المدينة بهدف الوصول إلى الملجأ. نظريًا، ستكون مدينة بكين الواقعة تحت الأرض قادرة على إيواء جميع سكانها البالغ عددهم ستة ملايين نسمة لمدة أربعة أشهر تقريبًا، وعند هذه النقطة يمكن إطلاق سراحهم بأمان في نهاية العالم، وهم منتعشون ومتجددون.

أحد مداخل المدينة الواقعة تحت بكين. صورة: Xiao Niao @ SK / Flickr

أصبحت العلاقات الصينية السوفيتية أفضل بكثير عندما تم الانتهاء من المشروع بعد 10 سنوات في 1979. لم يعد هناك أي قلق من القنابل أو الغاز أو قنابل مملوءة بالغاز، لذلك لم تستخدم المدينة المكتملة تحت الأرض، لحسن الحظ، على الأقل للغرض الذي بنيت من أجله.

خطط (دينغ شياو بينغ) لإستثمار المنشأة

أحد مداخل المدينة الواقعة تحت بكين، في حي Xidamochang Jie. صورة: Wikipedia

عندما تنحى (ماو) عن منصبه عام 1976، وأعني بتنحيته أنه توفي ولم يترك المنصب طواعية، تم استبداله بهذا الرجل: دينغ شياو بينغ.

كان (دينغ) أقل من (ماو) اهتمامًا بالأيديولوجية، وأكثر تركيزًا على توسيع اقتصاد الصين، ومثل أي رأسمالي جيد، عندما أدرك أن هناك عشرات الآلاف من أماكن المعيشة غير المستخدمة تحت ثاني أكبر مدينة في الصين من حيث عدد السكان، فعل ما فعلته Google في سجلات متصفحنا وأمر بتسويقها. أي تحولت المدينة تحت بكين، ولو ببطء، إلى مجموعة من الأسواق، مساحات مكتبية ونزل ومساكن بأسعار معقولة للغاية. في الواقع، يعيش أكثر من مليون شخص حاليًا تحت بكين في هذه الملاجئ التي أُجريت عليها عمليات تجديد وإعادة تأهيل، وهي غالبًا ما تكون ضيقة وبدون نوافذ وسيئة الصيانة، إنها مثل غرف النوم الجامعية لو أن غرف النوم الجامعية أكبر وبأسعار معقولة.

مجتمع الجرذان

فتاة في الـ 23 من عمرها تجلس في غرفة نومها داخل الملجأ الواقعة في حي Weigongcun. الكثير من الشباب الصينيين يقومون بهذا الأمر، فهذه طريقة رخيصة للعيش، خاصة للوافدين من مدن وأرياف بعيدة. صورة: Antonio Faccilongo/National Geographic

هذا المجتمع السري، الذي يشير إليه بعض السكان المحليين باسم «قبيلة الجرذان»، يتكون في الغالب من مهاجرين صينيين شباب من مقاطعات أخرى يتطلعون إلى بدء حياة جديدة في المدينة دون القلق بشأن تكاليف السكن

يعمل هذان الشابان في مجال العقارات، ومع ذلك، يعيشان ضمن الملجأ الضخم. صورة: Antonio Faccilongo/National Geographic

يمكن استئجار معظم هذه الغرف بحوالي 400 يوان في الشهر –ما يعادل 57 دولارًا أمريكيًا، والذي، في نيويورك، يمكن أن تحصل مقابله على مأوى لليلة واحدة من شركة AirBnB الرخيصة أو ما يقرب من 45 دقيقة في شقة جميلة بغرفة نوم واحدة.

فتاتان تعيشان ضمن الملجأ أيضاً، الواقع في منطقة نونغ ينغ. صورة: Antonio Faccilongo/National Geographic

الآن وعلى الرغم من أن ما يقرب من 5% من سكان بكين يعيشون تحت الأرض، وهم بحاجة إلى القيام بذلك في سرية نسبية، فعلى الرغم من أن معظم المسؤولين المحليين يغضون الطرف عادة، لكن هذه المساكن كلها في الواقع غير قانونية من الناحية الفنية، حيث تمنع الحكومة الصينية أي شخص من العيش بشكل كامل في المدينة تحت الأرض. فما من شي أكثر خطورة من العيش في أكبر وأدق ملجأ نووي تم بناؤه على الإطلاق.

مقالات إعلانية