in

19 تقليداً وقصة دينيةً نسخها الكتاب المقدس عن ديانات قديمة سابقة له

قصة إبراهيم ويونس

يعتبر الكتاب المقدس –بعهديه القديم والجديد– مثالا ممتازاً للأدب القديم، حيث يمتد تاريخه من منتصف الألف الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول لما يعرف بـ”الحقبة العامة“، هذا على الرغم من كل تحيزاته اللاهوتية وعدم دقته من الناحية التاريخية.

لا يمكن المغالاة في أهمية الإنجيل التاريخية. غير أن المرء لا يجب عليه –مثلما هو الحال بالنسبة للكثير من الأساطير القديمة– أن يسمح للمعنى الضمني الديني للكتاب المقدس الذي يفيد بقدسيته أن يجعله يغفل عن الطبيعة الاشتقاقية —اشتق الكثير من قصصه وما ورد فيه من حضارات وثقافات أخرى قديمة— للكثير من القصص التي يتضمنها.

بدلا من كونه منتوجاً لتعاليم أصلية، وبدلاً من كونه استلهاماً ووحياً إلهياً، فإن قسماً كبيراً جداً من الكتاب المقدس، وكذا لحظات مهمة جداً في قصصه، في العهد القديم والعهد الجديد، هي في الواقع مشتقة من تقاليد قديمة جدا، أقدم من التوراة والإنجيل، بما فيها الديانة الزرادشتية، والبوذية، والمعتقدات السائدة في بلاد ما بين النهرين القديمة.

في مقالنا هذا على مقالنا «دخلك بتعرف»، جمعنا لكم أعزائي القراء 19 تقليداً وقصة من الكتاب المقدس التي استلهمها (وربما استعارها بشكل كامل) من أنظمة ومعتقدات دينية أقدم منه:

19. الوصايا العشر، المبادئ الأخلاقية الأساسية للعهد القديم، كانت قد اقتبست بشكل واسع من تقاليد مصر القديمة وحضارة ما بين النهرين:

لوحة بعنوان: ”موسى وهو يحطم لوح القانون“، من الفنان (رامبرنت).
لوحة بعنوان: «موسى وهو يحطم لوح القانون»، من الفنان (رامبرنت).

إن الوصايا العشر، التي أتى بها النبي موسى من جبل سيناء، هي في الواقع مجموعة من المبادئ الدينية التي تشكل الأساسيات الأخلاقية للتقاليد اليهودية – المسيحية. غير أنه على الرغم من مركزيتها بالنسبة لكل من الديانة المسيحية واليهودية، فإن الوصايا العشر في واقع الأمر ليست أصلية بالنسبة لأي منهما.

يعود تاريخ الوصايا العشر إلى زمن أسبق من زمن النبي موسى الذي يفترض أنه عاش في سنة 1490 قبل الميلاد، حيث يحمل الكتاب المصري القديم بعنوان «كتاب الموتى»، الذي يعود تاريخه إلى سنة 2600 قبل الميلاد، تشابهاً كبيراً في بعض أقسامه مع الوصايا العشر، فبينما ورد في ”سفر الخروج“ في الآية 20:7 ما يلي: «لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً»، فإن «كتاب الموتى» أورد: ”لم أجدّف“.

تتضمن بعض التشابهات الكبيرة بين العهد القديم والكتاب المصري الأقدم الذي ورد فيه: ”أنا لم أقترف خطيئة الزنا“، و”أنا لم أسرق“، التي يقابلها في ”سفر الخروج“ الآية 20:14: «لا تزنِ»، وفي ”سفر الخروج“ أيضاً في الآية 20: 15 «لا تسرق».

لم يقم الكتاب المقدس باستعارتها بشكل كامل من المصريين، حيث أن الوصايا العشر كانت قد استُلهمت كذلك من قانون حامورابي الذي يعود تاريخه لسنة 1772 قبل الميلاد، والذي تم نقشه على لوح صخري بنفس الطريقة التي تم بها نقش الوصايا العشر وفقاً لرواية العهد القديم.

18. الاستعارة الكبيرة من المعتقدات الوثنية، من أبرزها تقليد عيد الميلاد الذي استُلهم بشكل كبير من بعض الممارسات الوثنية التي كانت موجودة مسبقاً:

الـ(ساتورانيليا) من إبداع (أنطوان كالي) حوالي سنة 1783
«الساتورانيليا» من إبداع (أنطوان كالي) حوالي سنة 1783.

على الرغم من أن تاريخ ميلاد المسيح عيسى لم يُذكر أبداً في الكتاب المقدس، فإن التقاليد المسيحية أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفكرة أن هذه الشخصية التاريخية قد ولدت في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر. تمحورت بعض المناقشات الكثيرة التي حامت حول القرن الثالث للحقبة العامة حول تاريخ ميلاد المسيح الدقيق والمضبوط، مع كون (أوغسطين من هيبو)، من بين الكثيرين الذين جادلوا بشدة على أن اليسوع ولد في أقصر يوم في التقويم الروماني.

غير أن مصادر مسيحية أسبق من ذلك تجادل بأن يوم الميلاد الذي يحتفل به اليوم ليس هو يوم الميلاد الحقيقي، بل أنه تأثر كثيراً ببعض التقاليد الوثنية التي كانت موجودة منذ زمن طويل.

يبدو أن اختيار يوم ميلاد اليسوع، الذي يتزامن مع عدة مهرجانات وثنية تحتفي بالانقلاب الشمسي الشتوي بما في ذلك مهرجان ميلاد الإله (سول إنفيكتوس)، قد جاء مستلهما عن مهرجان (ساتورناليا) الروماني القديم. كان هذا المهرجان يهدف إلى الاحتفال بالإله (ساتورن)، الذي كان يقام بين 17 ديسمبر و23 ديسمبر، وكان يتضمن مواقف مشابهة جداً للعيد المسيحي، من بين هذه الممارسات الوثنية القديمة إقامة مأدبة عشاء عائلي، وتبادل الهدايا بين أفراد العائلة والأصدقاء.

حتى أن مهرجان (ساتورناليا)، كان قد اقتُبس عن تقاليد سابقة له، ومن أبرز هذه التقاليد عيد (كرونيا) عند الإغريق القدماء، وهو احتفال بـ”الجبار اليوناني“ (كرونوس) ووالد الإله (زيوس).

17. يحمل السرد المسيحي عن يوم القيامة تشابها وموازاة كبيرة مع ما ورد في الديانة الزرادشتية الأقدم عن يوم (فراشوكيريتي):

لوحة ”الحساب الأخير“ من إبداع الفنان (مايكل آنجيلو).
لوحة «الحساب الأخير» من إبداع الفنان (مايكل آنجيلو).

ظهر في سفر رؤيا يوحنّا، وهو آخر كتب العهد الجديد، أن العودة الثانية للمسيح سترمز لنهاية العالم. توقع هذا الكتاب خراب ودمار الأرض وظهور الله ليحاسب الناس على أعمالهم، غير أن هذا التصور عن نهاية محتملة للعالم كما نعرفه لا يجد أصله ولا جذوره في الكتاب المقدس، بدل ذلك، تملك معظم ديانات العالم، حتى الديانات التي سبقت الديانات المسيحية واليهودية، قصصاً مفصّلة عن هذه الحكاية التي يبدو أن الكتاب المقدس استلهم الكثير منها.

من أبرز هذه الديانات التي جاءت على ذكر نهاية العالم ويوم القيامة تماما تقريباً مثلما أبرزه الإنجيل نجد الديانة الزرادشتية، التي تعتبر من أقدم الديانات التي سجلها التاريخ، والتي يتضمن الإنجيل قصصا مشابهة لما ورد فيها عن يوم الحساب والهلاك.

يعود تاريخ الديانة الزرادشتية إلى الألف الثاني قبل الحقبة العامة، وقد أصبح الإيمان بالآخرة والماورائيات مكونا كاملاً ورئيسيا لهذه الديانة على الأقل لخمسة قرون قبل ميلاد المسيح وظهور إنجيل يوحنا.

توقعت الزرادشتية أن يخفت ضوء الشمس، وأن تصبح الأيام أقصر، وأن تصبح الأرض قاحلة جرداء، وأن تندلع معركة عظيمة بين الأخيار والأشرار والتي يتبعها الـ(فراشوكيريتي)، الحدث الذي يميزه وصول الـ(ساوشيانت)، وهو المخلص الأخير للإنسان، ثم سيقوم الأموات من قبورهم وتتم مكافأة من عمل بتعاليم الديانة بأن يخلد في النعيم حيث لا يتعين عليه القلق حيال شيء ولا يصيبه خوف إلى الأبد.

16. يسبق مفهوم الثالوث، الذي يعتبر مكونا مركزيا للإيمان في الديانة المسيحية، الديانة نفسها بآلاف السنين:

لوحة بعنوان «الثالوث المقدس».
لوحة بعنوان «الثالوث المقدس».

إن الإيمان بالثالوث هو بدون شك مكون حيوي جدا في الدين المسيحي، حيث يتكون هذا الثالوث من الأب والإبن والروح القدس، ويملي بأن الله يتمثل في ثلاثة ذوات متمايزين وكلهم إله. من بين الأناجيل التي أبرزت بشكل أخص هذا التصور إنجيل يوحنا الذي ورد فيه: «فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِد».

يبقى الإيمان في الشكل الدقيق للثالوث، مثلما خلص إليه مجمع نيقية الأول، مسألة تختلف فيها الكثير من الطوائف المسيحية. غير أنه على الرغم من الاختلافات الداخلية، فإن مفهوم الثالوث الإلهي لا يجد أصوله في المسيحية، بل قد اقتبسته هذه الأخيرة من ديانات أقدم وأسبق بكثير.

يعرف هذا المفهوم بين مختلف الديانات الأخرى باسم Tritheism، وهو الذي يعني الاعتقاد والإيمان بأن الألوهية تتكون من ثلاثة ذوات إلهية، وهو تصور معتقدي تداولته الكثير من الديانات القديمة حول العالم، لنأخذ على سبيل المثال الهندوسية، حيث يتضمن الثالوث فيها على (براهما) الخالق، و(فيشنو) الحافظ، و(شيفا) المدمر، ويتصرف هؤلاء الثلاثة بتناسق حتى يحافظوا على التوازن في الكون.

بالنظر إلى معتقدات ديانات أقدم، نجد أن الكثير من التصورات والمفاهيم اللاهوتية البشرية تتضمن الثالوث، كمثال آخر نتناول الديانة المصرية القديمة، التي يتكون الثالوث الإلهي فيها من (آمون)، و(رع)، و(بتاح)، وفي ديانة بلاد ما بين النهرين نجد الثالوث يتكون من (عشتار)، و(بعل)، و(تموز)، وفي الديانة السومرية القديمة نجد (آنو)، و(إينيل)، و(إيا)، بينما كانت الديانات الوثنية الأخرى تحتفظ بمكانة مميزة لثلاثة من أبرز آلهتها فوق جميع الآلهة الأخرى.

15. تشكل شخصية ميثولوجية إغريقية قديمة وهي (أسيلبيوس) الشافي، قاعدة ”معجزات اليسوع“ المزعومة في العهد الجديد:

تمثال (آسيلبيوس).
تمثال (آسيلبيوس).

يقال أن خاصية مفتاحية في القَصص المسيحي هي معجزات المسيح، والتي هي عبارة عن أفعال خارقة للطبيعة أثبتت ألوهيته كما منحت في نفس الوقت أمثلة عن تعاطفه وتسامحه، الخصلتان اللتان شكلتا قلب تعاليمه الدينية التي ظل يرددها أتباعه وحوارييه من بعده.

تتنوع هذه المعجزات من شفاء بعض الأمراض والعلل العويصة على شاكلة العمى، والجذام، والشلل، كما ورد في ثلاثة أناجيل أنه على الأقل في مناسبة واحدة كان اليسوع مسؤولاً عن إحياء الموتى.

بالنظر إليها من منظور ثقافي، نجد أن المعجزات كانت ظواهر خارقة للطبيعة انتشر الإيمان بها بشكل واسع قبل ألفي سنة، والتي ظهرت بشكل متكرر في الميثولوجيا الإغريقية واليهودية، وهما اللتان كُتب الإنجيل مناهضاً لهما.

يملك البطل الميثولوجي الإغريقي (أسيلبيوس) تشابها كبيراً فيما يتعلق بمعجزات شفاء الأمراض التي قيل أن يسوعاً كان يقوم بها، ويعتقد أن هذه الشخصية الإغريقية كانت تتمثل في معالج وشافٍ أسطوري ارتقى لمرتبة الألوهية بفضل أعماله الخيّرة. كان (أسيلبيوس) قادراً على علاج أي مرض وفقا للميثولوجيا الإغريقية، وكان حتى قادراً على إعادة الحياة للموتى، وقدرته الأخيرة هذه هي ما دفع (زيوس) أن يجعل منه شهيدا في نهاية المطاف من أجل الحيلولة دون تملص البشر من الموت بشكل دائم.

انتشرت قصة (أسيلبيوس) بشكل واسع جدا في العالم القديم، فشيدت له معابد حول البحر الأبيض المتوسط خلال القرن الخامس قبل الميلاد، وهو ما قد يكون المسيحيون قد اطلعوا عليه واقتبسوا منه ما شاؤوا من قصص.

14. إن قصة شمشون، وهو واحد من أشهر الشخصيات الأسطورية في العهد القديم، هي عبارة عن نسخ شبه كامل عن أسطورة هرقل الإغريقية:

لوحة ”شمشون وهو يصارع الأسد“ من طرف (لوكاس كراناتش).
لوحة «شمشون وهو يصارع الأسد» من طرف (لوكاس كراناتش).

شمشون، آخر قضاة بني إسرائيل القدامى، كان نصرانياً وُهب قوة هائلة لدرجة لم يكن بالمقدور قص شعره بأي وسيلة. من بين الأفعال الخارقة للطبيعة التي كان شمشون يقوم بها، والتي تم ذكرها في الكتاب المقدس، هي قتله لأسد بيديه العاريتين، وهزم ”الفلستينيين“ —شعوب قديمة ذكرت في العهد القديم— وجيوشهم باستعمال عظم فك حمار فقط لمفرده، وكذا انهيار معبد (داغون) عليه. تملك هذه الشخصية تشابها يستحق الذكر مع شخصيات نضبت بها الفلكلورات الشعبية لبعض الحضارات السابقة للكتاب المقدس، بما في ذلك شخصية (إنيكدو) السومرية وشخصية هرقل اليونانية القديمة.

تنظر بعض التحليلات الحديثة لشخصية شمشون على أنه ترجمة يهودية لقصة أسطورية موجودة مسبقاً يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ومنه كانت سابقة لكتاب سفر القضاة نفسه بـ500 سنة على الأقل، وعلى الرغم من افتراضات أصوليي الكتاب المقدس بأن شمشون كان فرداً لم يسبق أن تم ذكره قبل الكتاب المقدس، فإن قصتي شمشون وهرقل متشابهتان لدرجة يمكن فيها اتهام العهد القديم بالسرقة الأدبية.

حيث كان هرقل، تماما مثل شمشون، قد قتل أسداً بيديه العاريتين، وكان كلا الشخصيتان قد حطم بوابات مدينة بنفسيهما، وتعرض كلاهما للخيانة من طرف نساء غير جديرات بالثقة، واللواتي كن في نهاية المطاف سبب هلاكهما.

13. قصة يونس التي وردت في الإنجيل هي بالكاد إعادة سرد لقصة ميثولوجية موجودة منذ القدم، وتم تداولها في عدة حضارات حول العالم:

لوحة «يونس والحوت» من إبداع (بيتر لانتسمان).
لوحة «يونس والحوت» من إبداع (بيتر لانتسمان).

يتعلق الأمر هنا بشخصية يونس في ”سفر يونس“ في العهد القديم، والذي عاقبه الله جزاء على تحديه له، فابتلعته سمكة عملاقة حتى اعترف بخطيئته ووافق على أداء المهمة التي أوكلها الله إليه، وهنا لفظته السمكة حيا من جديد.

ظهرت هذه القصة في ميثولوجيا حضارات قديمة عديدة سبقت الكتاب المقدس، ولطالما تم قبول قصة يونس بشكل واسع على أنها غير أصلية لهذا الكتاب الذي اشتقها واستعارها من سابقاته من الحضارات.

يمكن العثور على أوجه الشبه بين قصة يونس في الكتاب المقدس وما سبقه من ديانات على وجه الخصوص في الأسطورة الهندوسية (ساكتيديفا)، الذي كان يتمنى الزواج من أميرة (فاردامانابورا)، وسافر في رحلة بحرية لاكتشاف المدينة الذهبية من أجل الظفر بيدها. خلال هذه المغامرة، تبتلع سمكة عملاقة (ساكتيديفا) قبل أن يتم تحريره في نهاية المطاف سالماً معافى.

بتفحص قصة الكتاب المقدس هذه على نطاق أوسع، نجد قصصا مشابهة تتضمن بطلا يتم ابتلاعه من طرف سمكة عملاقة تزخر بها تقريبا كل حضارة سابقة أخرى على شكل تمثيل مجازي لـ”الميلاد من جديد“. في بابل القديمة، يقوم حوت (دير) بابتلاع Oannes ثم يلفظه في نهاية المطاف ويعطيه ”ميلاداً جديداً“.

يُبتلع البطل الفنلندي (إيلمارينان) من طرف سمكة كبيرة هو الآخر حتى يولد من جديد أيضاً، وهرقل، الذي يقتبس الكتاب المقدس منه مرة أخرى، يتم ابتلاعه أثناء معركته مع وحش البحر المزعوم قبل أن يتمكن من هزيمته وشقّه من الداخل، ومما يقترح أن الإنجيل قد تأثر بشكل أكبر بنسخة هرقل عن القصة هو أن هذا الأخير قد ابتُلع بالقرب من ميناء ”يافا“، وهي منطلق رحلة يونس في رواية الكتاب المقدس.

12. مرة أخرى استعار الكتاب المقدس قصص وجود الملائكة والشياطين، والصراع الأبدي بين الخير والشر من أنظمة معتقداتية سابقة:

رئيس الملائكة ميخائيل يحارب الشر، لوحة من إبداع (غيدو ريني).
رئيس الملائكة ميخائيل يحارب الشر، لوحة من إبداع (غيدو ريني).

يشكّل الاعتقاد بوجود الملائكة والشياطين والصراع الأبدي بين الخير والشر مكوناً مركزياً في سرد الكتاب المقدس، غير أنه لا يجدر بنا أن نفترض آلياً أن أصل هذه التصورات المذهبية هو الكتاب المقدس نفسه. بدل ذلك، تمت استعارة هذه العناصر الخارقة للطبيعة مرة أخرى من فلسفات كانت موجودة مسبقاً —وفي هذه الحالة الزرادشتية— وتم نقلها إلى القصص اليهودي-المسيحي.

يُعتقد أن الديانة الزرادشتية، التي سبقت الديانة اليهودية والمسيحية بمئات السنين، كانت بشكل واسع أول ديانة منظمة تبني سرداً مفصلا عن هذه التصورات الدينية وتدمجها في قصة دينية واحدة. وفقا لأسطورة الخلق في الديانة الزرادشتية، كان (أهورا مازدا) يسكن في النور في الأعلى بينما كان (آنغرا ماينيو) يقطن الظلام في الأسفل. خلق (أهورا مازدا) سبعة مخلوقات سماوية لدعمه ومساعدته على أداء أعمال الخير خاصته، كما خلق كذلك ما يعرف بـ(آميشا سبينتاس) إلى جانب عدد غير محصور من الـ(يازدا) من أجل أن يؤدوا وظيفة الملائكة الأقل شأناً.

وراح يملأ الفضاء بين النور والظلام بالكمال، فكان رد (أنغرا ماينيو) أن خلق عدد مساوياً من الأضداد الموالية للشر، فحشرت البشرية على إثر ذلك في عالم انقسم بين نصفين: الليل والنهار، والخير والشر، فجعل هذا الخلق المتناقض من العالم مكانا لا يعرف الكمال حيث يتعين على الخير محاربة الشر دائماً.


11. ميلاد عيسى المسيح من أم عذراء له جذور قديمة سابقة للديانة المسيحية، وهو ما كان أمرا متداولاً بين العديد من التقاليد الدينية لحضارات سابقة:

لوحة بعنوان ”البشارة“ من إبداع (غيدو ريني).
لوحة بعنوان «البشارة» من إبداع (غيدو ريني).

يشكل ميلاد المسيح من أم عذراء عنصراً سردياً مهماً جداً في الدين المسيحي. بتفحص هذا العنصر المسيحي نجد أن أصوله لا تنتمي للدين المسيحي ذاته بل هو متأثر بشكل كبير بما كان متعارفاً عليه دينيا في تلك الأزمنة، فقد كان ”الميلاد المعجزة“ معلما شائعاً في قصص أبطال الميثولوجيا التي تضرب جذورها في الماضي السحيق.

بينما تتضمن الكثير من هذه القصص المعاشرة الحرفية بين الذوات الإلهية والبشر، فإن الباحث في الكتاب المقدس (دايفيد ليتوا) يجادل بأن إنجيل متّى وإنجيل لوقا ارتأيا عمدا تجنب التشبه بالقصص الوثنية، غير أن الميلاد لأم عذراء يبقى متوطناً في هذا النوع من السرد الديني.

استعار الكتاب المقدس كذلك بقوة من قصة ميلاد النبي زرادشت، الذي ولد وفقا للديانة الزرادشتية لامرأة عذراء اسمها (دوغودوفا) والتي حملت بعد أن ضربها شعاع ضوء أرسله الإله (أهورا مازدا).

بالنظر إلى عدة ديانات سابقة انتشرت في العالم، نجد أن حتى الديانات الإغريقية القديمة، التي أدرجت بشكل أكثر صراحة التزاوج الصريح مثلما نعرفه بين الآلهة والبشر، تتضمن قصصاً أسطورية عن إنجاب النساء العذروات لأبناء.

من أوجه الشبه بين هذه القصص والسرد الإنجيلي، نجد ميلاد شخصية (إريكتونيوس) من الإلهة آثينا.

10. إن تحويل اليسوع الماء إلى نبيذ هو واحدة من العديد من القصص الموجودة في إنجيل يوحنا، والتي اقتبست جميعها تقريبا من مذهب (ديونيسوس) الأقدم:

عرس قانا
عرس قانا.

إن أول المعجزات التي ورد في إنجيل يوحنّا أن اليسوع نفذها هي تحويل الماء إلى نبيذ خلال زواج قانا، وهي تبقى أكثر الأمثلة شيوعاً عن ألوهية اليسوع في الدين المسيحي. غير أنه، وعلى شاكلة أقسام أخرى بارزة في إنجيل يوحنا، فإن هذا الجانب من السرد المسيحي يستند بقوة على تقاليد مذهب (ديونيسوس)، وهو إله الخمر الإغريقي، والذي كان يُعبد عبر كامل العالم الإغريقي-الروماني لكونه واحداً من أشهر الآلهة، ومن بين المناطق التي عبد فيها هذا الإله نجد فلسطين.

تتضمن قصة (ديونيسوس) تشابها كبيراً مع الأحداث في زواج قانا، حيث ورد أنه كان يتسلل إلى المعابد ويعيد ملء براميل النبيذ ليلاً، وتحمل قصته أوجه شبه أكبر مع السرد الإنجيلي، حيث ورد في رواية «(لوسيبي) و(كليتوفون)» قصة عن راعي غنم قام بدعوة (ديونيسوس) إلى منزله لتناول العشاء دون أن يدرك هويته وماهيته وألوهيته. كان هذا الراعي عاجزاً على تقديم أي شيء لضيفه ليشربه عدا الماء، وهنا قام (ديونيسوس) بإثارة ذهول الرجل من خلال تحويل الماء إلى نبيذ.

9. تحمل قصة إبراهيم وعزمه على التضحية بابنه إسحق أوجه شبه كبيرة مع أسطورة (هاريشاندرا) الهندوسية الأقدم منها:

لوحة ”(هاريشاندرا) يستغيث“ من إبداع (راجا رافي فارما).
لوحة «هاريشاندرا يستغيث» من إبداع (راجا رافي فارما).

إن إبراهيم شخصية قديمة تناولتها الأديان الإبراهيمية الثلاثة، ووفقا للسرد اليهودي المسيحي، فقد ناداه الله بأن يهجر أرضه وموطنه وأن يستقر في أرض جديدة. أمره الله كذلك بأن يضحي بابنه قربانا له، وكان إبراهيم على وشك التضحية بابنه ذبحاً عندما نزل عليه ملاك من السماء ليكافئه على إخلاصه لمشيئة الله.

غير أنه توجد أسطورة هندية تسبق أقدم ذكر لشخصية إبراهيم ببضعة قرون على الأقل، هذه الأسطورة الهندوسية التي تتعلق بشخصية (هاريشاندرا)، وهي قصة تعين فيها على والد ورب أسرة إثبات قيمته من خلال تضحية عظيمة بعائلته، وهي القصة التي تحمل شبها كبيراً بنظيرتها في الكتاب المقدس.

كان (هاريشاندرا) ملكاً، الذي —حسب قصص مختلفة— أصبح مديناً لرجل حكيم يدعى (فيشواميترا) بمملكته كلها. قام (هاريشاندرا) طوعاً بالرحيل مع عائلته من مملكته وهجرها، غير أن (فيشواميترا) طلب منه تقديم المزيد من المال، لذا عمد (هاريشاندرا) إلى بيع زوجته وابنه من أجل جمع المزيد من المال. كما شغل وظيفة في محل حرق جثث من أجل جمع المال كذلك، وفي مرحلة لاحقة، قُتل ابنه بلسعة ثعبان، فأحضرته له والدته ليحرق جثته فرفض القيام بذلك مجانا إلى أن دفعت والدته المال اللازم لذلك.

أُعجب الإله (فيشنو) بتفاني (هاريشاندرا) والتزامه الشديد بالقواعد وواجباته المفروضة عليه، فقام بترقيته وزوجته إلى مرتبة الألوهية كما أعاد إحياء ابنهما من موته.

8. من بين كل أوجه الشبه التي جمعت المسيحية بالبوذية، نجد قصة إغواء المسيح التي تشبه بشكل كبير قصة إغواء البوذا قبل 500 سنة:

لوحة ”إغواء المسيح في الخلاء“ من طرف (جايمس تيسو).
لوحة «إغواء المسيح في الخلاء» من طرف (جايمس تيسو).

ظهرت هذه القصة في جميع الأناجيل المعروفة، وورد فيها أنه بعد تعميده، دخل اليسوع إلى الصحراء اليهودية وصام لأربعين يوما وأربعين ليلة متتالية. خلال مشقته هذه، ظهر له الشيطان في عدة مرات حاول فيها إغواءه وإغراءه ليحيد عن سبيل ربه. كان اليسوع يمتنع في كل مرة الانصياع والخضوع لإغراءات الشيطان، ومنه عاد منتصراً إلى منطقة الجليل لينشر دينه هناك.

بالنظر إلى الديانة البوذية الأقدم، نستطيع الجزم بأن هذه القصة ليست مسيحية أصلية، وإنما مقتبسة عن البوذية، أضف إلى ذلك أن مبدأ الصراع مع الشر كان مرتبطاً بالميثولوجيا القديمة كلها تقريباً، أما فيما يتعلق بالميثولوجيا البوذية القديمة، فقد ورد فيها أن (سيدارثا غوتاما) الذي ولد في سنة 563 قبل الميلاد تخلى عن لقبه كأمير وسافر في رحلة إلى البراري ليستخلص معنى الحياة والهدف منها.

بعد أن قضى ما قضاه من الوقت مسافراً؛ جلس (سيدارثا) تحت شجرة تين ونذر على نفسه أن لا يتحرك حتى يكتشف حقيقة ماهية الحياة. خلال تأمله الطويل هذا دون طعام أو شراب، الذي دام هو الآخر لتسعة وأربعين يوماً، كان الشيطان (مارا) يظهر بشكل متكرر أمام (سيدارثا) محاولاً منعه من تحقيق هدفه.

لم تكن أي من محاولات الشيطان في إغواء الأمير بالنساء الحسناوات ناجحة، ومنه وصل (سيدارثا) إلى ”التنوير“، فأصبح ”البوذا“ وغادر ملجأه تماما مثل يسوع، وبدأ ينشر تعاليم دينه وحكمته للعالم، كما شكل ما يعرف باسم (سانغا)، وهي مجموعة من الرهبان البوذيين شبيهة بتلاميذ اليسوع الحواريين.

7. نسخ الكتاب المقدس قصة سفينة نوح عن أسطورة قديمة في بلاد ما بين النهرين يمكن العثور عليها في ملحمة (غلغاميش):

لوحة «تضحية نوح» من إبداع (دانييل ماكليز).
لوحة «تضحية نوح» من إبداع (دانييل ماكليز).

تشكل قصة نوح وسفينته مكونا مركزياً للعقيدة في الكتاب المقدس وما يجب على الفرد المسيحي واليهودي الإيمان به. لربما كانت هذه القصة هي أكثر أشكال السرقة الأدبية وقاحة، حيث كان سردها في الكتاب المقدس مطابقاً تقريباً لقصة الطوفان التي يمكن لأي كان الإطلاع عليها في ملحمة (غلغامش) التي كتبت تقريبا قبل 1500 سنة من ظهور الكتاب المقدس.

في هذا النص الأقدم من بلاد ما بين النهرين، يوعز الإله (إنكي) لـ(أوتنابيشتيم) مهمة إعداد وبناء سفينة ضخمة اسمها ”حافظة الحياة“، والتي سيجعل على متنها أقرباءه وصغار الحيوانات كلها من أجل النجاة من طوفان قادم محتوم سيمسح كل حياة ليست على السفينة. صنع (أوتنابيشتيم) هذه السفينة من الخشب، وبلغ طولها مائة متر، وجعل بها سبعة طوابق وتم إكتمال بنائها —مثل نسخة الكتاب المقدس بالضبط— في اليوم السابع.

بعد قضاء عدة أيام على سطح السفينة بعد الطوفان، يرسل (أوتنابيشتيم) حمامة لتفقد ما إن كانت الأرض قد ابتلعت الماء أم لا. باكتشافه بأن المياه قد تراجعت، يطلق (أوتنابيشتيم) سراح الحيوانات فيكافئه الإله (إنكي) على ولائه بأن يقطع عهدا عليه على أن تكون سلالته من المفضلين.

خلص الباحثون في العلوم اللاهوتية بأنه بما أن نسخة الكتاب المقدس تتبع نسخة (غلغامش) الأقدم خطوة بخطوة بنفس ترتيب الأحداث، فلم يعد هناك من يشك في أنها مشتقة مائة في المائة من هذا السرد من بلاد ما بين النهرين، كما أن هذا النسخ لا يعني أن قصة غلغامش لم تكن أصلية هي الأخرى، حيث يعتقد أن قصة (أوتنابيشتيم) قد استلهمت من طوفان حقيقي أتى على بلاد ما بين النهرين قبل حوالي سبعة آلاف سنة مضت.

6. يعتبر ”سفر الأمثال“ الذي يقال أن الملك سليمان ألّفه، نسخة شبه طبق الأصل عن كتاب مصري أقدم يحمل عنوان «تعليمة آمون إم أوبيت»، حيث قلده كلمة بكلمة:

«الملك سليمان يكتب سفر الأمثال» من طرف (غوستاف دور).
«الملك سليمان يكتب سفر الأمثال» من طرف (غوستاف دور).

إن ”سفر الأمثال“ هو مجموعة من الحكم التي تتعلق بالسلوكات الأخلاقية ومعنى الحياة الواردة في الكتاب القديم، والذي يعتقد أنه كتب من طرف الملك سليمان وتم لاحقاً جمعه في حكم حزقيا في القرن التاسع قبل الميلاد، وعلى الرغم من الادعاءات التي تفيد بأن الحكم الواردة في الكتاب هي نظرة فريدة من نوعها منحت لبني إسرائيل لتتبع مشيئة الله، فإن هذا القسم كاملا من الكتاب المقدس يستعير بدون شك من مصدر موجود وسابق له بعيد كل البعد عن الديانات اليهودية – المسيحية، وهو كتاب بعنوان: «تعليمة آمون إيم أوبيت».

تم تأليف هذا الكتاب الأخير في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهو يعتبر عملاً أدبيا من مصر القديمة، الذي تم تأليفه فيما يعرف بـ«عصر الرعامسة»، ويتضمن ثلاثين فصلاً تتحدث كلها عن النصائح والطريقة المثلى للعيش.

من أمثلة نقل واشتقاق الكتاب المقدس عن هذه النصائح والحكم التي جاءت في ”تعليمة آمون إيم أوبيت“، نجد ما ورد في الكتاب المقدس أن: ”لا تسلب الفقير لكونه فقيراً ولا أن تسحق المسكين في الباب“، فورد في التعليمة المصرية الأقدم: ”حذاري من سلب الفقير، ومن سحق المصاب“. ورد كذلك في سفر الأمثال: ”لا تنقل التخم القديم ولا تدخل حقول الأيتام“، بينما ورد في تعليمة (آمون إيم أوبيت): ”لا تزل العلامات من حدود الحقل…ولا تتعدى على حدود حقل الأرملة“.

بالنظر إلى أوجه التشابه الكبيرة هذه، وصل الباحثون في الكتاب المقدس في ستينات القرن الماضي إلى خلاصة تفيد بأن للـ”تعليمة آمون إم أوبيت“ تأثير كبير على ”سفر الأمثال“، وأعلنوا وجود رابط مباشر بينهما.

5. تماما مثل الإيمان بوجود الملائكة، فإن تصور وجود النعيم والجحيم في الميثولوجيا المسيحية واليهودية يستعير بقوة من الديانة الزرادشتية ومن الديانات الفارسية بشكل واسع:

لوحة بعنوان: ”عربة القش“ من إبداع (هيرونيموس بوش) التي تبرز الجنة والنار.
لوحة بعنوان: «عربة القش» من إبداع (هيرونيموس بوش) التي تبرز الجنة والنار.

من المفاهيم المركزية في الكتاب المقدس والعقيدة التي ينادي بها هو الإيمان بوجود حياة بعد الموت التي تنقسم بين جنة ونار، وهي ما ورد ذكره في الكثير من أقسامه، غير الديانة الزرادشتية سبقت بذكر هذا التصور قبل الديانات اليهودية – المسيحية بكثير.

وفقاً للزرادشتية، يخضع الإنسان للمساءلة والمحاسبة بعد موته، فوصف زرادشت نفسه وجود: ”درب الحساب“، الذي يجب على كل الأرواح أن تعبره، وهو يتمثل في جسر يسقط من على فوقه كل من كان غير جدير بجنة النعيم، فيسقط إلى حفرة الجحيم.

وتماما مثلما ورد في سرد الكتاب المقدس، في نهاية الزمن، يأتي يوم الحساب الذي يتعرض فيه الشر والشيطان للهزيمة على يد الخير، وتقوم جميع الأرواح من قبورها.

استعار الكتاب المقدس بشكل كبير وواسع من هذه الأنظمة الدينية التي سبقته بالوجود، كما استعار حتى المصطلحات التي استخدمت لوصف هذه الكيانات في عهديه القديم والجديد. كانت أول شخصية في الكتاب المقدس تصف إحياء الموتى في يوم الحساب هو النبي (دانييل) الذي استخدم مصطلح ”النعيم“، وهو تصور يعود تاريخه إلى الديانة الفارسية المثرائية Mithraism، وحالياً، يشير أول الأمثلة الباقية من العهد القديم بشكل متكرر إلى (هايدس) على أنها الحياة ما بعد الموت، وتلك إشارة واضحة للعالم الآخر وفقاً للميثولوجيا الإغريقية Hades.

اقترح بعض الباحثين أن هذه التصورات والمفاهيم تم تمريرها للتقاليد اليهودية قديماً خلال ”الأسر البابلي“ أو ”النفي البابلي“ وإقامة اليهود في بلاد الفرس الزرادشتية.

4. تحمل قصة برج بابل، وهي مكوّن تاريخي مهم في العهد القديم، تشابها كبيراً مع أسطورة سومرية أقدم منها:

”برج بابل“ من إبداع (بيتر بروفل).
«برج بابل» من إبداع (بيتر بروفل).

إن قصة برج بابل، التي ورد ذكرها في سفر التكوين، أسطورة تشرح سبب تعدد ألسنة البشر واختلاف لغاتهم حول العالم. تفيد الأسطورة في الكتاب المقدس أنه بعد الطوفان، سعى البشر الذين وحّدوا صفوفهم لإتمام مشروع فريد وهو بناء برج عظيم من أجل الوصول إلى السماء. من أجل إحباط هذا المسعى؛ سعى الله إلى إرباك خطاباتهم والتشويش على تواصلهم من خلال تبديل لغاتهم ثم انتشارهم في العالم حتى لا يتحدوا للقيام بأمر مماثل في المستقبل.

غير أن ما ألهم الكتاب المقدس على سرد هذه القصة واستعارتها هو قصة برج (إيتيمنانكي)، وهي زقورة —معبد متدرج— قديمة بنيت لعبادة الإله (ماردوك) في بلاد ما بين النهرين في بابل بالتحديد، وهي القصة التي قد يكون بنو إسرائيل قد سمعوا بها خلال المنفى البابلي وأثناء إقامتهم في بابل، كما أن القصة تحمل أوجه شبه أخرى أيضا من أسطورة سومرية أقدم.

ظهرت هذه القصة الأقدم قبل 21 قرناً من ميلاد المسيح، وعلى الأقل قبل ألف سنة من كتاب العهد القديم، وهي قصة تتعلق بـ(إينمركار) و(سيد آراتا)، وتتناول القصة سلسلة صراعات بين (إينمركار) ملك (أوروك)، وحاكم (آراتا) الذي لم يذكر اسمه.

كان ما تسبب في الصراع وفقا للقصة هو طلب (إنمركار) من حاكم (آراتا) المساهمة في بناء زقورة هائلة الحجم في (إيريدو)، والتي كان الهدف منها هو الوصول إلى الإله (إينليل). رفض سكان (أوروك) هذا الطلب، وتضرعوا للإله أن يعيد للبشر وحدة ألسنتهم حتى يتعايشوا في سلام مجدداً، غير أن حرباً ضروساً نشبت على إثر ذلك بين الأمم البشرية.

3. تماما مثل قصة إغواء اليسوع، فإن العديد من تعاليم اليسوع هي في الواقع نسخ شبه أصلي عن تعاليم ومبادئ بوذية أقدم:

”بوذا والمسيح“ من طرف (بول رونسون).
«بوذا والمسيح» من طرف (بول رونسون).

سبقت تعاليم بوذا ميلاد المسيح بأكثر من 500 سنة، وتحمل تعاليم هذا الأخير أوجه شبه أقرب للتطابق مع مبادئ وتعاليم بوذا. تم تحديد أوجه الشبه هذه من طرف باحثين في الكتاب المقدس منذ القرن التاسع عشر، مع استنتاج (إرنيست دي بونسن) أنه —باستثناء الموت على الصليب— فإن السرد الإنجيلي لحياة اليسوع هو مشابه جداً لقصة حياة (سيدارتا غوتاما).

كما أن هذه الاقتراحات التي تفيد بوجود تأثير كبير من طرف هذه الديانة الشرقية على الدين المسيحي لم تأتِ بدون أدلة تدعمها، مع كون البوذية بدأت تطغى على الشرق الأدنى بمطلع الحقبة العامة، واندماج تعاليمها مع الحياة اليومية للأفراد بشكل غير مباشر فأصبحت ممارسات يومية لهم.

من بين أوجه الشبه المتعلقة بالميلاد والحياة والمذاهب والموت المتعلقة باليسوع والبوذا، نجد استعارة ملموسة في الأناجيل المسيحية من هذه الديانة الأقدم، فقد ورد في إنجيل لوقا في الآية 6:31: «وكما تريدون أن يفعل الناس بكم إفعلوا أنتم أيضا بهم هكذا»، فإن التعاليم البوذية تشجع أتباعها على أن: ”اعتبر الغير مثل نفسك“، وبينما قال بوذا: ”إذا صفعك أحدهم بيده…يجب عليك أن تتخلى عن كل رغبة في الرد وأن لا تتلفظ بأي كلمات شرّ“، فإن اليسوع قال بشكل مماثل: «مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا».

2. لطالما كان مقتل ذات إلهية، وهي من أهم مقومات المسيحية، أمراً شائعاً في تقاليد دينية سابقة للكتاب المقدس:

لوحة بعنوان ”بعث عيسى المسيح“ من إبداع (رافاييل).
لوحة بعنوان «بعث عيسى المسيح» من إبداع (رافاييل).

تفيد قصة عودة اليسوع للحياة، وهي مكون محوري ورئيسي في الديانة المسيحية، بأنه بعد أن أعدمه الرومان على الصليب، عاد عيسى المسيح إلى الحياة بعد موته قبل أن يصعد إلى السماء في نهاية المطاف. يحتفى بهذا الأمر على أنه دليل على ألوهية المسيح، غير أن هذا الجانب من السرد المسيحي ليس أصليا للديانة بل هو مشتق من ديانات أسبق كما هو الحال مع الكثير من المعالم الأخرى، حيث لطالما مثّل عنصر ”موت الإله وعودته للحياة من جديد“ معلما متكررا عبر الديانات والتقاليد الدينية القديمة.

تتضمن ديانات الشرق الأدنى القديمة وفقا لعالم الأنثروبولوجيا (جايمس جورج فرايزر) هذا العنصر السابق ذكره، وظهر بشكل أخص في بلاد ما بين النهرين، وإقليم (فريجيا) وسط الأناضول، ومصر، وبلاد سومر، وكذا اليونان القديمة.

يحمل هذا العنصر المسيحي تشابها أكبر مع قصة (بيرسيفون) في الديانة الإغريقية القديمة، وقصة الإله (تموز) السومري الذي قُتل بدل زوجته، وإنانا التي تمكنت من الهرب من عالم الأموات، والتي تعود إلى الحياة كل سنة من أجل المشي على الأرض لوقت وجيز تكريماً لتضحيتها.

بشكل مماثل، قُتل الإله المصري (أوزيريس) على يد شقيقه (سيث)، وتم تقطيعه إلى عدة قطع نُثرت بعدها في مناطق متفرقة عبر العالم، فجمعت زوجته (إيزيس) تلك القطع مع بعضها البعض وأعيد إلى الحياة على إثر ذلك، وأصبح ملك الأموات بين الآلهة المصرية القديمة.

1. ورد في سفر التكوين الكثير عن خلق الأرض والإنسان، غير أن أصل هذه القصة أيضا ليس الكتاب المقدس، بل تم نقلها عن ديانات سابقة وقديمة:

إنكيدو.
إنكيدو.

يقول الكتاب المقدس أن الله خلق الإنسان من غبار الأرض، ثم نفخ فيه الروح، ووفقاً له كان آدم أول الناس، وقد كان يعيش في جنة عدن، ثم عندما تناول الفاكهة المحرمة أنزله الله وزوجته حواء إلى الارض.

مرة أخرى، يكون هذه السرد اليهودي- المسيحي غير أصلي وتم نقله عن ديانات وتقاليد دينية أسبق، ومن بينها ملحمة غلغاميش التي تتضمن قصة (إنكيدو).

خُلق (إنكيدو) من الطين والماء على يد الإله (أرورو)، وهو إله الخلق، وعاش (إنكيدو) بين الحيوانات في جنة طبيعية حتى تم إغواؤه من طرف امرأة اسمها (شامهات)، التي خدعته وجعلته يغادر مأواه عارياً، لم يعد بعدها (إنكيدو) قادرا على العودة، ومنه حكم عليه بالعيش على الأرض معية بقية البشر إلى أن توفته المنية بسبب المرض، وهي حالة [المرض] لم تكن موجودة في النعيم الذي كان يعيش فيه.

من أبرز أوجه الشبه بين قصة خلق آدم وحواء في الكتاب المقدس مع ديانات سابقة له، نجدها في الديانة الزرادشتية، في فصل (أفيستا) المقدس، الذي وردت فيه قصة خلق (أورموزد) الذي خلق الأرض والسماء في ستة أيام، كما تضمن هذا النص الذي تم تأليفه في القرن العاشر قبل الميلاد قصة خلق أول كائنين بشريين، واسمهما وفقا للكتاب (آداما) و(إيفاه) Adama & Evah.

مقالات إعلانية