in

لماذا وجدت مسلسل ”13 Reasons Why“ سيئاً

في نهاية شهر آذار الماضي أصدرت خدمة Netflix الشهيرة آخر إصداراتها من برامج Netflix Originals باسم ”13 Reasons Why“، مقتبسة إياه عن رواية صدرت عام 2007 تحت نفس الاسم وحققت مبيعات كبرى جعلتها واحدة من أكثر الكتب بيعاً في ذلك العام. ومع كون المسلسل الجديد يتناول قضية الانتحار المثيرة للجدل بحد ذاتها، فقد تسبب بجدل واسع حوله وإقبال هائل من قبل المراهقين بالتحديد مع كونه يروي أحداثاً مفترضة في مدرسة ثانوية أمريكية.

يتناول المسلسل قصة ”هانا“، طالبة ثانوية تقوم بالانتحار تاركة خلفها 7 أشرطة كاسيت (إن لم تكن من أطفال التسعينات فربما لم تسمع بهذه الأشرطة قبلاً) تتضمن تسجيلات لها تشرح فيها الأسباب والعوامل التي أوصلتها إلى قرارها هذا، حيث تتناول في كل وجه من شريط كاسيت واحدة من الشخصيات التي تلومها على كونها ساهمت في دفعها للانتحار، كما تراهم مسؤولين عن موتها.

بعد أن حقق المسلسل ضجة هائلة وحصل على تقييم مرتفع للغاية على موقع IMDb في الفترة الأولى أثار الأمر اهتمامي، فعلى ميع المواقع الكبرى كنت أجده أمامي بشكل دفعني لمشاهدة الحلقة الأولى لتقييمه، ومن ثم إجبار نفسي على إكمال الحلقات الباقية لأبرر لنفسي كرهي له ربما. على أي حال، فالجزء التالي من المقال يتضمن حرقاً للأحداث وإفساداً لحبكة المسلسل (Spoilers) لذا لا تتابع القراءة إلا في حال كنت قد شاهدت المسلسل أصلاً أو لا تبالي إفساده كونك غير راغب بمشاهدته.

تقديس الانتحار:

إظهار إنهاء الشخص لحياته بشكل شاعري وفي هالة رومنسية وتقديسية ليس بالأمر الجديد على الأدب أو السينما والتلفزيون، فقصة روميو وجولييت الشهيرة لشكسبير كانت مسؤولة وحدها وحتى اليوم عن إظهار انتحار الأحباء معاً كشيء عاطفي وجميل. فلسبب ما لطالما كان الموت أمراً يربط بهالة من القدسية حيث يُرى كل شخص ميت من منظور إيجابي فقط.

المشكلة إذاً ليست بإظهار الانتحار بحد ذاته بهذا المظهر، بل ربما بطبيعة التغيرات التي طرأت على المجتمعات البشرية عبر الزمن، فأي شخص يراقب الخلافات والمشاكل الكبرى، وحتى الفضائح التي تثار اليوم تحت تهم خدش الحياء والإهانات السهلة وغيرها، سيجد أن البشر أصبحوا ”لينين“ أكثر من أي وقت مضى وسريعي التأثر بأي شيء؛ أو أنهم على الأقل أصبحوا كذلك في المجتمعات الغربية. هذا النوع من سهولة التأثر والانطباع والحساسية المبالغ بها أحياناً من كل شيء، بات الطابع الأساسي للكثيرين في هذه الحقبة بشكل قَسَمَ البشر إلى منادين بالعودة للقسوة التي اعتاد عليها الناس، أو منادين بإزالة كل ما قد يجرح المشاعر (حيث أن قائمة هذه الأشياء تزداد باستمرار ويبدو أنها ستتضمن كل شيء قريباً).

لا أحاول القول أنه يجب على البشر أن يعودوا إلى حالة اللامبالاة السابقة حيث تأثير الإهانات يدوم لدقائق ولا يتسبب بمشاكل عاطفية لعقود من الزمن، لكن عندما يتحول المجتمع إلى حالته هذه، فتقديم الانتحار كشيء رومنسي مع جمالية وغموض معين ليس فكرة جيدة خصوصاً عندما يكون الكلام عن المراهقين، فهذه الفئة هي الأسهل تأثراً بالأفكار من ناحية، والفئة التي تعاني من النزعات الانتحارية والاضطرابات المترافقة للتعرف على الذات والهوية الخاصة بالفرد بشكل أكبر.

تقديم الانتحار كطريقة فعالة للانتقام:

عبر أحداث المسلسل، يظهر أن أشرطة الكاسيت السبعة قد مرت على عدد من الأشخاص في طريقها للوصول لـ”كلاي“، الذي يعد الشخصية الأكثر ظهوراً في المسلسل، ومع تقدم الأحداث يكون من الواضح الطريقة السلبية التي أثرت بها هذه الأشرطة على الأشخاص المذكورين بها، ومع أن الغرض ربما يكون إيضاح أن التنمر والمعاملة العنيفة والسيئة للآخرين أمر خاطئ، فالأمر يتضمن مشكلة كبرى.

خلال المراهقة عموماً وفي فترة الدراسة الثانوية بالتحديد، فالكثيرون يعانون من التنمر من قبل الآخرين أو الاستهزاء المتكرر والإهانات والإشاعات كذلك، فتجربة الثانوية ليست أفضل مراحل الحياة عموماً للغالبية العظمى من الناس، وفي ظل هذه الظروف الصعبة فالجميع سيفكر بالطرق للانتقام من أولئك الذين سخروا منهم أو أهانوهم بطريقة ما، عبر تخيلهم نادمين بعد أن يحققوا انتقامهم منهم.

بالحالة العادية لن يخطر ببال الشخص أن ينتحر لهذا الغرض، لكن عندما تكون مراهقاً تعاني من السخرية المستمرة والإشاعات المهينة، فالأمر سيبدو مختلفاً عندما ترى الطريقة التي يظهر الانتحار بها في المسلسل، فهو الحل المثالي الذي سيخلصك من معاناتك؛ من ناحية جاعلاً منك تبدو بشكل رومنسي غامض، ومن الناحة الأخرى سيحقق لك الانتقام من كل من آذوك بجعلهم يلومون أنفسهم أو جعل الآخرين يلومونهم على ما حدث لك. ولأي شخص يتذكر تجارب مراهقته وطريقة تفكيره حينها فالمشكلة الكبرى في هذا الأمر واضحة للغاية.

لوم الذات:

في النقطتين السابقتين تناولت المشكلة من ناحية كونها قد تدفع المراهقين عموماً وأولئك الذين تراودهم أفكار انتحارية باتجاه الأمر، لكن هنا سأركز على مشكلة تختص بأولئك الذين يعرفون شخصاً قد أقدم على الانتحار والمعاناة التي تلاحقهم، مع مشكلة لوم النفس وتخيل السيناريوهات الأخرى وكيف كانت الأمور لتتغير لو أن أحدهم قام بشيء واحد مختلف فقط.

بالنسبة لأي شخص مر بتجربة فقدان شخص مقرب؛ سواء كان صديقاً أو حتى واحداً من المعارف البعيدين، بسبب إقدام الشخص على الانتحار، فمن الواضح أن لوم النفس أمر لا بد منه. فمع هذا الحدث من السهل أن يجد المرأ نفسه يفكر بأن ما حدث خطأه، لأنه ربما أخطأ بحق الشخص بشيء ما أو أنه مسؤول كونه لم يحاول تغيير ما حصل، حتى ولو لم يعرف ذلك.

في حالات معينة فربما من الصحيح لوم النفس، على الأقل في حالات محددة للغاية حيث يكون الشخص قد قام بشيء سيء للغاية؛ كالاغتصاب مثلاً، مما أدى إلى انتحار الضحية لاحقاً. لكن بالنسبة لشخصية ”كلاي“ مثلاً فالأمر غريب للغاية! فكيف من المنطقي أن يلام شخص على موت شخص آخر بينما كل ما قام به هو أنه رحل عندما طلب منه المنتحر الرحيل؟ بل صرخ عليه حتى ليرحل؟

تخيل الرسالة التي يرسلها هذا النوع من الأفكار للعديدين الذين قد يمرون بفترة من الفترات بعلاقة صداقة أو علاقة عاطفية مع شخص غير مسقر عاطفياً وعقلياً، يهدد بالانتحار أو إيذاء نفسه كلما حاول أحد الابتعاد عنه! مع أن هذه العلاقات قد تبدو نادرة فهي موجودة، وتفكيرك بأنك مسؤول عما يقوم به شخص لأنك ابتعدت عنه فقط في حالة كان بقاؤك يؤذيك قد يحولك إلى ضحية هنا، حيث تجد نفسك عالقاً في علاقة سيئة تخرب متعتك وتجعلك غير مستقر بدورك.

تجاهل مشكلة المرض النفسي بالكامل:

بالنظر إلى حالة المسلسل، فالأمر يبدو كأن الأحداث التي أحاطت بالشخصية المحورية والأشخاص الذين أساؤوا لها هم السبب الوحيد في الانتحار والسبب في عزلتها واضطراباتها الواضحة، لكن الأمر مختلف تماماً في الواقع، ومع أن الأحداث المحيطة والإساءة من قبل الأشخاص تلعب بالتأكيد دوراً بدفع بعض الأشخاص للانتحار، فالعامل الأساسي غالباً ما يكون وجود مرض نفسي أو اضطراب عقلي أو عاطفي حاد.

وفقاً لإحصائيات جامعة واشنطن الامريكية، فأكثر من 90% ممن يقدمون على الانتحار يكون قد تم تشخيصهم سابقاً بمرض نفسي أو اضطراب عقلي سابقاً، فنسب تتراوح بين 2% و15% من المصابين باضطرابات خطيرة كالاكتئاب المرضي والفصام والاضراب ثنائي القطب يقدمون على الانتحار، فيما تلعب العوامل الأخرى كالحالة الأسرية ومستوى الدخل والتعرض لصدمات وأزمات كبرى عوامل مهمة لكن جانبية في معظم حالات الانتحار المسجلة.

تجاهل المسلسل الكامل لفكرة المرض النفسي وتأثير حالات الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب أو اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder) مشكلة كبيرة، خصوصاً وأن ”هانا“ تظهر أعراضاً من الممكن ربطها بسهولة بالعديد من الأمراض النفسية، وتصوير انتحارها على أنه نتيجة حصرية للأحداث المحيطة بها خطأ كبير من قبل منتجي المسلسل (وربما من قبل كاتب الكتاب الأصلي الذي لم أقم بقراءته).

12 ساعة ضائعة:

مع كون كل حلقة من حلقات المسلسل تستمر بين 49 و61 دقيقة، فالمسلسل يستمر لحوالي 12 ساعة من العرض لإنهاء حلقاته الثلاثة عشر، لكن حتى بتجاهل اعتراضاتي على المحتوى الخاص بالمسلسل وأفكاره، وبالتركيز على الأحداث وجريانها عموماً فالمدة التي احتاجها المسلسل لتقديم القصة طويلة للغاية، حيث أن أحداثه مماطلة جداً وبطيئة، ومع ذلك فقد ترك الكثير من القصص المعلقة بلا نهاية ضمنه.

بالنسبة لتفضيلي، فقصة من هذا النوع لا تحتاج لأكثر من 6 ساعات على الأكثر لتعرض بالتفاصيل، ومن الممكن بسهولة أن توضع ضمن فيلم سينمائي مدته أقل من ساعتين. وحتى مع تمسك المنتجين بتقسيم المسلسل لـ13 حلقة لعرض كل وجه من وجوه أشرطة الكاسيت في حلقة، فقد كان من السهل وضع القصص بإطار زمني لا يتجاوز 30 دقيقة للحلقة الواحدة دون أية مشاكل أو حاجة لإلغاء أحداث أو تفاصيل.

وربما تصبح مشكلة المماطلة واضحة بشكل أكبر مع نمو الأخبار حول كون المسلسل سيحصل على موسم آخر يعتمد على إكمال القصص العديدة التي تركت معلقة، وربما استثمار الحادثة التي تذكر في الحلقة الأخيرة (إطلاق أليكس للنار إلى رأسه) كبداية لسلسلة جديدة من الأحداث.

في النهاية، بالنظر إلى المسلسل عموماً، فالهدف الغالب ربما يكون التوعية حول عواقب أخطائنا بحق الآخرين، ورسالة مباشرة تدعو لأن نكون ألطف وأكثر اهتماماً بحياة الآخرين وحالتهم، لكن هذه الرسالة الأساسية تترافق مع إيحاءات خطيرة تتناول الانتحار وفكرة المسؤولية عن تصرفات الآخرين لفئة عمرية عاطفية أكثر من غيرها، وتتضمن الكثير من الصراعات الداخلية أصلاً، وربما هذا ما يبرر الجدل الكبير المحيط بالمسلسل والانتقادات الكبرى له من المؤسسات الطبية والمختصين بالأمراض النفسية.

مقالات إعلانية