in

عندما توقفت شلالات نياغرا عن التدفق في سنة 1969

شلالات نياغرا بدون مياهها المتدفقة الاعتيادية.

لطالما كانت المساعي الهادفة إلى تغيير مجرى التاريخ محفزا أساسيا للحضارات البشرية على مر عدة قرون. بإمكاننا من خلال التاريخ ملاحظة كيف أنه في عدة مرات ومناسبات حاول الناس الخوض في مآثر تجعلهم في مواجهة مباشرة وجها لوجه مع الطبيعة الأم، سواء كان ذلك الأمر يتعلق بمحاولة ترويض السماء وتطويعها باختراع الطائرات، أو بتشييد هياكل عظمى على شاكلة أهرامات الجيزة، أو حتى بإيقاف تدفق شلالات نياغرا، واحدة من أكبر موارد المياه في العالم.

تتكون شلالات نياغرا أساسا من «شلالات هورسشو» Horsshoe Falls وما يعرف باسم «الشلالات الأمريكية» The American Falls. بفعل سنوات عديدة من تساقط الصخور بين سنة 1931 وسنة 1954، أصبحت «الشلالات الأمريكية» في مواجهة ظاهرة الحت، التي في حالة لم يتم الحؤول دون تطورها نحو الأسوء فإنها ستتسبب في الزوال التام للشلالات الأمريكية.

بفعل الاحتجاجات الشعبية الواسعة من أجل إنقاذ «الشلالات الأمريكية»، تم إيعاز سلك المهندسين لدى جيش الولايات المتحدة الأمريكية بمهمة كبيرة ومسؤولية هائلة تتمثل في تجفيف «الشلالات الأمريكية» من أجل إصلاح أضرارها.

كان الجيش على مستوى التحدي، واستلزم الأمر تشييد سد مؤقت، الذي استغرق ثلاثة أيام من العمل بنظام دوامين بـ11 ساعة دون توقف، مما أسفر عنه قطع تدفق المياه عن الشلالات من 240 ألف لتر في الثانية إلى ربع هذه الكمية، أي 60 ألف لتر في الثانية.

تمثل هذا المجهود العملاق في 1264 شحنة شاحنة حملت كلها في المجمل 27800 طناً من التراب والحصى، والتي تم نقلها من أجل ملء السد المؤقت.

العمل على بناء سد من أجل إيقاف تدفق شلالات نياغرا.
العمل على بناء سد من أجل إيقاف تدفق شلالات نياغرا. صورة: Russ Glasson
العمل على بناء سد من أجل إيقاف تدفق شلالات نياغرا.
العمل على بناء سد من أجل إيقاف تدفق شلالات نياغرا. صورة: Russ Glasson
شلالات نياغرا بدون مياهها المتدفقة الاعتيادية
شلالات نياغرا بدون مياهها المتدفقة الاعتيادية. صورة: Russ Glasson

أُحرز أثناء هذه العملية اكتشاف ثانوي غير أنه مثير، حيث عثر على جثة امرأة لم يكن اكتشافها ممكنا لولا مشروع التجفيف ولو أن الشلالات بقيت تتدفق بطاقتها الطبيعية. كانت المرأة ترتدي طوقا ذهبيا منقوش على ظهره عبارة مأساوية كالتالي: ”لا تنسوني“.

كانت صخور (روتشيستر) الطينية، وهي نوع من الصخور، قد بدأت تتهاوى بفعل مشروع التجفيف وهو ما شكل هاجسا أرق خبراء الجيولوجيا الذين كانوا يرغبون في القيام ببعض التجارب والاختبارات.

تم وضع أنابيب مياه بطول 245 متر ومحيط مترين تقريبا من أجل ترطيب تلك الصخور الطينية. كان الدافع وراء هذا المسعى بهذا الحجم الكبير هو القيام ببعض الاختبارات للحؤول دون حدوث ظواهر حت مستقبلية، وكذا من أجل اختبار السلامة الهيكلية لـ«الشلالات الأمريكية».

بعد كل تلك التجارب والاختبارات، وكل تلك المجهودات المبذولة، قدر قسم المهندسين لدى الجيش الأمريكي أن المهمة ستنتهي بحلول سنة 1972. تم كذلك إجراء مجموعة من الاختبارات التي تضمنت تحليلا كيميائيا للصخور، واختبارات على مستوى مجهري، وكذا عدة اختبارات وتجارب أخرى مما نتج عنه تجميع عدد هائل من البيانات الهندسية والجيولوجية وغيرها.

بعد مجهود كبير دام أكثر من خمسة سنوات، استنتجت اللجنة المختلطة الدولية في سنة 1975 أن حوالي 385 ألف طن من ركام المنحدرات تراكم في قاعدة منحدر «الشلالات الأمريكية»، وتسبب ذلك في انخفاض علو تدفق المياه من ثلاثين متر إلى مجرد 13 متر، بينما كان عمق الركام المتكدس في الأسفل يتراوح بين سبعة أمتار ونصف إلى 15 متر.

عندما توقفت شلالات نياغرا عن التدفق.
عندما توقفت شلالات نياغرا عن التدفق. صورة: Russ Glasson
أطنان من ركام المنحدرات تراكمت في قاعدة منحدر الشلالات الأمريكية.
أطنان من ركام المنحدرات تراكمت في قاعدة منحدر «الشلالات الأمريكية».
ارتفاع ركام المنحدرات عند قاعدة شلالات نياغرا تسبب في انخفاض علو تدفق مياهها بالنصف تقريبا.
ارتفاع ركام المنحدرات عند قاعدة شلالات نياغرا تسبب في انخفاض علو تدفق مياهها بالنصف تقريبا. صورة: Russ Glasson

أما فيما يخص ما تم الاتفاق عليه في إصلاح الشلالات، فلن يكون هناك أي تغيير على مستوى مظهرها، لكن تم تقبل فكرة أنه سيكون هناك دائما بعض الخطر فيما يتعلق باستمرار ظاهرة الحت التي تحيط بها.

كان الدرس المهم الذي لقنه هذا المسعى وهذه المجهودات الكبيرة للمهندسين، وهو ما يمكن اعتباره كذلك درسا للبشرية كلها، هو أن لكل شيء فترة حياة ولا شيء يمكنه التملص من الفناء، سواء كان الأمر يتعلق بنا نحن البشر أو بمنظر جميل لطالما أحببناه في الطبيعة على غرار شلالات نياغرا، فكل شيء آيل للزوال لا محالة.

عندما توقفت شلالات نياغرا عن التدفق.
عندما توقفت شلالات نياغرا عن التدفق.

مقالات إعلانية