in

ما هي نظرية اللعبة؟ (التي لا علاقة لها بالألعاب)

نظرية اللعبة

من الأفضل أن يوضح الأمر من البداية: هذه النظرية تأتي من الرياضيات وتلعب دوراً في العلاقات الاجتماعية والاقتصاد بالدرجة الأولى، لذا فهي لن تساعدك في الفوز في المرة القادمة التي تلعب فيها لعبة Counter-Strike أو حين تستكشف عالم Skyrim.

ربما يبدو الاسم مضللاً للغاية، فواحدة من الأفكار الأخرى التي قد تخطر على البال هي كونها نظرية عن أحداث لعبة ما، وفي حال كنت من رواد موقع Youtube ستكتشف أن البحث عن عبارة Game Theory لن يقودك إلى أي شرح عن النظرية بل إلى قناة مع أكثر من 9 ملايين مشترك تختص بنظرياتها عن الألعاب عموماً.

كون نظرية اللعبة تعتمد على الرياضيات وتطبق بالدرجة الأولى في الاقتصاد ربما يجعلها تبدو كشيء منفر وممل للغاية، لكنها على الرغم من تضمنها للكثير من المعادلات المعقدة فهي ممتعة إلى حد بعيد عند فهمها، حتى بالنسبة للكثيرين ممن يخافون عندما يشاهدون معادلة رياضية ومجموعة من الرموز اللاتينية واليونانية مع أرقام بجوارها.

على أي حال، إن كنت تود معرفة لمحة سريعة عن نظرية تساعدك في فهم الاقتصاد وحتى تساعدك في تعاملك مع البشر حولك؛ هذا المقال هو المكان المناسب بالتأكيد.

ما هي نظرية اللعبة؟

على الرغم من أن هذه النظرية قابلة للتطبيق على الكثير من الألعاب (الألعاب اللوحية عادة وليس ألعاب الفيديو)، فكلمة ”لعبة“ في الاسم ليست حصرية على الألعاب وربما من هنا يأتي الفهم الخاطئ للنظرية، فهنا كلمة لعبة تعني أي حالة تتضمن مجموعة من الأطراف حيث أن قرارات طرف ما تؤثر على الأطراف الأخرى بشكل إيجابي أو سلبي، وتهدف النظرية إلى حل ما يعرف باسم ”معادلة ناش“ بحيث يكون تصرف الطرف المدروس هو الأفضل من حيث النتائج بغض النظر عن تصرف الأطراف الأخرى.

أتت النظرية من عالم الرياضيات الشهير John Nash (جون ناش) الذي توفي عام 2015 وقدم النظرية في خمسينيات القرن الماضي بينما كان يصارع إصابته بالفصام (الشيزوفرينيا)، وفي الواقع فقد أنتج فيلم Beautiful Mind الشهير اقتباساً من قصة العالم الشهير مع مرضه. على أي حال؛ تمكنت النظرية من إحداث تأثير كبير في الاقتصاد وعلم النفس السلوكي، وأدت لحصول (ناش) على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية.

تتطلب النظرية معرفة بعدة أمور أساسية ليمكن تطبيقها بنجاح: هوية الأطراف المتفاعلة ضمن ”اللعبة“، تفضيلات هذه الأطراف، معرفة هذه الأطراف، التصرفات الاستراتيجية المسموحة للأطراف، وبالطبع مدى وكيفية تأثير القرارات المختلفة على النتيجة النهائية.

حتى الآن ربما تبدو النظرية معقدة للغاية (من ناحية رياضية فهي كذلك)، لكن من الممكن توضيح طريقة عملها بشكل مبسط عن طريق بعض الأمثلة:

معضلة السجناء:

هذه المعضلة هي واحدة من أكثر الألغاز المعروفة اليوم خصوصاً مع استخدامها على مواقع التواصل الاجتماعي مع قيم متغيرة طوال الوقت (مع كون بعض القيم من الممكن أن تغير الحل المثالي).

في حال كنت قد رأيت المعضلة سابقاً فعلى الأغلب أنك شاهدت العديد من الأجوبة المتعددة وربما افترضت حتى أنه لا يوجد جواب صحيح حتى، لكنها في الحالات الواقعية تمتلك جواباً منطقياً سنناقشه بعد شرح المعضلة نفسها.

تفترض المعضلة أنك قمت مع شخص آخر بجريمة ما دون اهتمام لماهية هذه الجريمة، وعندما قبضت عليكما الشرطة تم استجوابكما بشكل منفصل وعرض على كل منكما عرض من قبل أحد المحققين:

  • في حال اعترفت بالجريمة وشهدت ضد شريكك باعترافك ستحصل على حكم مخفف لمدة سنة واحدة من السجن، بينما شريكك سيسجن لعشرة سنوات.
  • وفي حال اعترفت أنت واعترف شريكك وشهدتما ضد بعضكما البعض سيحصل كل منكما على حكم بسبعة سنوات من السجن.
  • وفي حال اعترف شريكك وحده ستسجن أنت لعشرة سنوات وهو لسنة واحدة،
  • علماً أن الحكم سيكون سنتين لكل منكما في حال أنكرتما الجريمة كلاكما.

لتوضيح أكثر أنظر إلى الصورة أدناه والتي توضح جدولاً للخيارات:

معضلة السجناء في نظرية اللعبة
قد يبدو الإنكار هو الحل الأفضل، لكن في جميع الحالات سواء اعترف شريك الجريمة بالأمر أو لا فالاعتراف هو أفضل قرار.

كما يظهر الجدول، فهناك أربعة حالات فقط تعتمد على اختيارك أنت واختيار شريكك في الجريمة كذلك، ومع أن عدم الاعتراف من قبل كل منكما يعطي النتيجة الأفضل هنا (بالمجموع 4 سنوات فقط من السجن) فاعتراف شريكك دون اعترافك يعني مخاطرة كبيرة بكونك ستسجن لعشرة سنوات.

في هذه الحالة؛ الحل بسيط إلى حد بعيد: وهو الاعتراف! قد يبدو الأمر غريباً بسبب كون اعتراف كل منكما يعني 5 سنوات من السجن لكل منكما، لكن هذا الحل هو الأفضل دائماً لمصلحتك الشخصية وبغض النظر عن إجابة شريكك، ففي حال اعترفت ولم يعترف شريكك ستحصل على حكم مخفف لسنة واحدة فقط وهو أفضل من حكم سنتين لو أنك اعترفت، وفي حال اعترفت واعترف شريكك ستحصل على حكم لسبعة سنوات وهو أفضل من حكم لعشرة سنوات في حال لم تعترف.

أي أنك دائماً أفضل حالاً في حال اعترافك وهذه هي النتيجة الأفضل لنظرية اللعبة في حالة كهذه، ومع كونك لا يمكنك الثقة بشريكك (كونه سيستفيد من التخلي عنك) فالأفضل أن تتابع مصلحتك الشخصية فقط.

حالة الشركتين أو المتجرين المتنافسين:

في هذه الحالة المبسطة سنفترض وجود شركتين أو متجرين يبيعان نفس المنتج تقريباً دون فروق حقيقية بين المنتج المباع من قبل كل منهما، وفي الحالة البدائية فكل من المتجرين مثلاً يبيع أكواباً بسعر 10 دولارات للكوب الواحد ويربح بذلك 4 دولارات على كل كوب بمتوسط أرباح يومية هو 400 دولار ناتجة عن مبيع 100 كوب. هنا كل من المتجرين لديه واحد من خيارين أساسيين (وخيار ثالث سنناقشه لاحقاً) هما الحفاظ على السعر أو تخفيض السعر لتكبير الحصة السوقية.

في حال قام المتجر الأول بخفض السعر من 10 إلى 9 دولارات، فهو بذلك سيجذب المزيد من الزبائن بحيث ترتفع أرباحه إلى 450 دولاراً يومياً بينما جاره يربح 200 دولار فقط، هنا سيجد المتجر الآخر نفسه مجبراً إما على الاستمرار بالسعر العادي والخسارة، أو تخفيض السعر ليستمر بالمنافسة ويربح بذلك 300 دولار يومياً.

بالطبع فمعارك تكسير الأسعار هذه عادة ما تتم بشكل متلاحق إلى أن يجد كل من المتجران نفسيهما مع هامش ربح صغير جداً لا يمكن لأي منهما تخفيض السعر أكثر، ويكونان في حالة توازن ثابت مع أرباح بالحد الأدنى.

حالة الشركتين أو المتجرين المتنافسين في نظرية اللعبة
الحل الأفضل عموماً هو تثبيت السعر، لكن مع التنافسية وكونك أنت ومنافسك تستفيدان من تخفيض السعر فالقرار الأنسب هو تخفيضه.

إذا نظرنا للاحتمالات هنا بشكل مشابه لمعضلة السجن، نجد أن أفضل خيار لكل من المتجرين هو الحفاظ على السعر حيث يحققان ربحاً عالياً لكل منهما، بينما تخفيض السعر من قبلهما معاً هو الحل الأسوأ حيث أن الربح الإجمالي هو الأدنى، لكن بالنسبة لكل من المتجرين الأمر معقد أكثر من السجناء ربما، لأن كلاً من الطرفين يستطيع معرفة تصرف منافسه وبناء تصرفه عليه، لذا ومع أن الحل الأفضل لكل متجر هو تخفيض السعر على أي حال، فهذا الحل ظاهري فقط كونه يسمح بمنحدر مستمر للأسعار يؤذي المتجرين معاً مما يجعل الحل الأفضل هو تثبيت السعر.

بالطبع تبقى المشكلة دائماً هي مقدار الثقة بين الطرفين، فكل من الطرفين قد يحاول خداع الآخر وسرقة زبائنه بتخفيض السعر، وللحد من ذلك منطقيا هو اتفاق المتجرين معاً على تثبيت السعر أو حتى رفعه بحيث يزيدان أرباحهما قدر الإمكان، لكن هذا العمل ليس فقط غير أخلاقي، بل يعد جريمة كبيرة في معظم البلدان كونه يعتبر مؤامرة احتكارية وعادة ما يعامل بقسوة من قبل القوانين والحكومات، لكن كون هذا النوع من التعاون محرماً قانونياً لا يعني أنه لا يستطيع التهرب من الأمر في بعض الحالات وهنا هناك مثالان مهمان:

– منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك) OPEC

على الرغم من أن هذه المنظمة هي منظمة دولية كبرى، ففي حال اتبعت ممارساتها في البلدان من قبل الشركات كانت لتعتبر غير قانونية أبداً، فالمنظمة المكونة من العديد من الدول العربية بالإضافة لبعض الدول الأخرى تنتج نسبة كبيرة من الإنتاج النفطي العالمي مما يجعلها شبه محتكرة للنفط وقادرة على فرض شروطها السعرية ومحاولة رفع السعر (عادة بحد الإنتاج) إلى الحد الأقصى لتحقيق أكبر أرباح ممكنة.

بالطبع فكل من البلدان الأعضاء قد تفكر بالانفصال ورفع إنتاجها للحد الأقصى لتحقيق أرباح أكبر، لكن ذلك سيؤدي لتتابع الحال من عدة بلدان وتحويل سوق النفط إلى سوق حرة بأسعار رخيصة تؤدي لخسارة لجميع المصدرين بذلك.

– شركة De Beers المحتكرة للماس

ماس
حتى القرن العشرين كان الماس حجراً كريماً غير مهم حقاً، لكن حملات تسويق متتالية حولته إلى الرمز المثالي للحب مع أسطورة أن خاتم الخطوبة يجب أن يكلف بمقدار راتب شهرين للعريس.

طوال القرن العشرين تقريباً كانت شركة De Beers تمتلك احتكاراً شبه كامل لسوق الماس العالمي، والأمر هنا لا يأتي مصادفة فالشركة أتت أصلاً من اتحاد العديد من الشركات المنتجة والبائعة للماس معاً لتكوين شركة كبيرة تشبه OPEC من حيث الآلية وتقوم بالحد من العرض للتحكم بسعر الماس ورفعه إلى حد بعيد، فعلى الرغم من أن هذا الحجر الكريم باهظ الثمن جداً اليوم فهذا السعر الكبير لا يأتي من ندرته (ليس نادراً حقاً بل موجود وبشكل شائع حتى) بل من كون هذه الشركة كانت تتحكم بالكمية المباعة منه بطريقة رفعت أسعاره لأضعاف عديدة، وحولته اليوم إلى واحد من أغلى المجوهرات في العالم بينما آلاف الأطنان منه مخبئة في أقبية وخزائن غير مخصصة للبيع.

في النهاية، بالنسبة للناحية الاقتصادية فتطبيقات نظرية اللعبة كبيرة ومتعددة للغاية كما أنها معقدة، فالأمور لا تكون أبداً بسيطة وسهلة كما هو الأمر في الأمثلة المطروحة أعلاه، لذا فهي تطبق عادة من قبل برمجيات مخصصة تتبع التغيرات وتتخذ القرارات تبعاً للتغيرات الحاصلة، ونادراً ما يتم تطبيقها من قبل البشر في الأنظمة شديدة التعقيد، أما التطبيقات السلوكية لها فهي قابلة للتطبيق بالاعتماد على تحليل شخصيات وظروف الأشخاص عموماً، لكن دقتها ليست مطلقة كون الأمر كثيراً ما يتضمن متغيرات عديدة تجعل حالات مثل معضلة السجن حالات خاصة وبسيطة جداً بالمقارنة.

مقالات إعلانية